الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثالثة والعشرون) ما هو السفاح ؟!

ثامر عباس

2022 / 10 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(الحلقة الثالثة والعشرون) ما هو السفاح ؟!


كنا في الحلقة السابقة (الثانية والعشرون) ، قد تناولنا مفهوم (الاغتصاب) الجنسي وعلاقته بأنماط (العنف) الاجتماعي ، حيث تبين إن إيقاع فعل (الاغتصاب) ضد المرأة الضحية لا يقتصر فقط على إخضاعها لممارسة الجنس مع الفاعل ضد إرادتها أو خلافا"لرغبتها فحسب ، وإنما هي عملية تستهدف – من جملة ما تستهدف - تحطيم شخصيتها ومسخ كرامتها وانتهاك حرمتها . وفي إطار هذه الحلقة نتناول مفهوم آخر محايث لنظيره السابق ، من حيث طبيعة الدوافع المحفزة ومآل النتائج المترتبة على ذلك ، لاسيما وان ممارسة (السفاح) تتضمن أبعادا"اجتماعية ونفسية وأخلاقية ودينية أشد وطأة مما يتمخض عن فعل (الاغتصاب) . لذلك فقد اعتقد البعض إن ممارسة العلاقة الجنسية (السفاحية) - مع أقرباء الدرجة الأولى - تعتبر من أكثر حالات العنف شراسة ، مثلها في ذلك مثل جريمة قتل (الأب) من قبل أبنائه كما عرضها (فرويد) في تحليله لأسطورة (أوديب) . وذلك من منطلق كونها بمثابة عدوان صارخ ضد فكرة (الاختلاف) التي تتسم بها العلاقات العائلية . وعلى هذا فالسفاح أيضا"- كما يرى الانثروبولوجي (رينيه جيرار) – (( عنف ، بل أنه أقصى درجات العنف ، وبالتالي ، أقصى درجات التدمير للاختلاف ، لذلك الاختلاف العظيم الآخر داخل العائلة الذي هو الاختلاف عن الأم . من هنا كان قتل الأب والسفاح يمثلان كلاهما نهاية مسار اللاتمايز العنفي ، وكان الفكر الذي يرد العنف إلى فقدان الاختلاف يفضي في أقصى حدود المسار العنفي إلى قتل الأب والسفاح . باختصار ، ما من مجال في الحياة يمكنه أن يكون بمنأى من العنف الذي يقضي على كل اختلاف ))(1) .

ومن وجهة نظر مغايرة ، يرى البعض الآخر إن ممارسة (السفاح) لا تنم عن شذوذ جنسي أو نزوع عدواني ، بقدر ما تعبر عن توق الإنسان لاستعادة روابطه الحميمة مع الطبيعة ، تلك الروابط التي شكل (الرحم الأمومي) محور تجمعها ومركز جاذبيتها . لذلك نجد إن العالم النفسي الأمريكي (اريك فروم) يقدم لنا رؤية مختلفة تماما"لمفهوم (السفاح) تقوم على افتراض ؛ إن ظاهرة (السفاح) ليست سوى تعبير عن رغبة الإنسان في الحيلولة دون قطع صلاته مع الطبيعة ، ومن ثم استجابة لتوقه بالعودة إلى رحم الأم كما أسلفنا . وعلى هذا فان (( محرم سفاح الحرم هو الشرط الضروري لكل نشوء إنساني ، لا بسبب جانبه الجنسي ، بل بسبب جانبه العاطفي . فالإنسان ، لكي يولد ، لكي يتقدم ، عليه أن يقطع الحبل السري ؛ عليه أن يتغلب على صبوته العميقة إلى أن يظل مرتبطا"بالأم . وللرغبة السفاحية قوتها النابعة لا من الانجذاب الجنسي إلى الأم ، بل من الصبوة عميقة المستقر إلى أن يظل في الرحم كلي الإحاطة ، أو أن يعود إليه ، أو إلى الثديين كليي التغذية . إن محرم سفاح الحرم ليس إلاّ الملاكان اللذان يحملان السيفين المتقدين ، واللذين يحرسان مدخل الفردوس ويمنعان الإنسان من العودة إلى الوجود ما قبل الفردي في الوحدة مع الطبيعة ))(2) .

الهوامش
1. ممدوح عدوان ؛ حيونة الإنسان ، ( دمشق ، دار قدمس ، 2004 ) ، ص55 . من جانبه فقد ذكر (كولن ولسون) إن (( أحد الجوانب المدهشة والمثيرة في أغلب حالات الاغتصاب ذلك الميل من ناحية المجرم لإلحاق أكبر قدر من الضرر بالضحية ، حتى لو كانت مستسلمة بلا مقاومة . والسبب في تلك الظاهرة أن الجنس في ذهن المجرم أحد أشكال الجريمة ، كما أن الجريمة في ذهنه أيضا"أحد ألوان الجنس )) . راجع مؤلفه الموسوم ؛ التاريخ الإجرامي للجنس البشري (1) سيكولوجية العنف ، ترجمة رفعت السيد علي ، ( القاهرة ، جماعة حور الثقافية ، 2001 ) ، ص159 .
2. رينيه جيرار ؛ العنف والمقدس ، ترجمة سميرة ريشا ، ( بيروت ، المنظمة العربية للترجمة ، 2009 ) ، ص136 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق