الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطعان والشمس الحمراء المخيفة

منذر ابو حلتم
قاص وشاعر ، عضو رابطة الكتاب الاردنيين

()

2022 / 10 / 21
الادب والفن


الجو قاتم تماماً .. غيوم سوداء كثيفة تلبد السماء .. تتدحرج كتل الرعد كجبال صخرية تتقافز فوق الغيوم ..وبين لحظة وأخرى تتصل السماء بالأرض بلمعان البرق المتفجر ، فترتسم على الجبال البعيدة ظلال من الغموض والرهبة ..
والبحر .. ذلك الحالم الساكن .. الأزرق الذي تحوم فوقه أسراب النوارس وتسبح في سمائه سحب قطنية بيضاء يسوقها النسيم نحو الغروب .. هذا البحر قد غدا الآن مارداً جباراً ، ليس هناك من غضب يفوق غضب البحار اذا ثارت ..!.. وهناك .. بين تلال الموج المتلاطمة السوداء .. التي تشرئب بين لحظة وأخرى فترتفع .. وترتفع ، تلطم الغيوم برأسها الثائر .. فترد الغيوم هجومها بسهام البرق وسيول المطر .. هناك بين الأمواج المتلاطمة تقبع جزيرة صغيرة ، تغمرها الأمواج وتغوص في الأعماق رويداً رويداً .. لكنها سرعان ما ترتفع .. ترفع رأسها مثل غريق يرفض الموت .. لكن جيوش الموج تحاصرها من جديد ، فتغمرها .. لتنهض مرة أخرى ..!ولأن سكان هذه الجزيرة قد نسوا طعم الشمس .. ونسوا لون السماء وزرقة البحر وخضرة الربيع .. ولم يعودوا يذكرون سوى الأمواج الداكنة والصخور السوداء ، ولم تتفتح أعين صغارهم إلا على الغيوم القاتمة والمطر الأسود .. ولأنهم نسوا كيف تكون الأغاني ولم يعودوا يسمعون سوى تدحرج الأمواج على صخور جزيرتهم .. لكل هذا .. فقد قرروا ان يهربوا.! .. ولكن إلى أين ؟ والكون الغاضب لهم بالمرصاد
اقترح حكماؤهم كبار السن أن يحفروا كهوفاً عميقة .. وسراديب ملتوية يلجأون اليها .. واختاروا أن يعيشوا تحت الأرض .. أحدهم قال :- ( وما الفرق ؟ .. هنا ظلام وفي الكهوف ظلام .. )
حكيم آخر هز رأسه موافقاً وقال : - لكننا في الكهوف سنكون اكثر أمناً ..!
حكيم ثالث قال : - على الأقل سنرتاح من عزف الرعود وغناء الأمواج ..! ..
وهكذا عاش سكان الجزيرة تحت الأرض .. في الكهوف العميقة المظلمة .. والسراديب الملتوية الرطبة ..وشيئاً فشيئاً .. اعتادوا على هذه الحياة .. صحيح أن العتمة دائمة فلا يبصرون .. وصحيح أن الهواء متعفن فلا يتنفسون بسهولة .. وصحيح أن العقارب والخفافيش والعناكب .. أخذت تتكاثر وتتكاثر .. لكن أهل الجزيرة اعتادوا كل ذلك .. بل أصبحوا عاجزين عن تصور الحياة على نحو آخر ..!وشيئاً فشيئاً .. أخذت عيونهم تتضاءل .. تنمحي .. وبدأت تظهر على أجسادهم حراشف وأشواك .. كالقنافذ .. لكنهم مع هذا سلموا أمرهم لله واعتبروا الأمر طبيعياً ..!وتمضي السنوات .. وتكبر الأساطير بين سكان الكهوف والعتمة .. بدأ بعضهم يتحول إلى نوع من الغيلان والوحوش ..يمتصون الدماء وينهشون الأعضاء .. وكثر هؤلاء .. وصاروا يستعبدون غيرهم ممن هم أضعف جسدياً .. ولم يتحولوا بعد إلى وحوش .. ثم أخذوا يضعونهم في مزارع خاصة .. يتاجرون بهم .. ويذبحون من يسمن منهم .. ويأكلونهم في مناسباتهم الكثيرة.وتمضي السنوات .. وتكثر قطعان البشر .. الذين اعتادوا ذلك أيضاً وسلموا امرهم لله ولسادتهم ..انقرض جميع سكان الجزيرة الأوائل الذين يعرفون سطح الأرض .. ونسي الجميع شكل السماء ولون الشمس .. بل ونسوا ايضاً صوت الأمواج والرعود ..كان البعض يتحدث عن أساطير غريبة مرعبة .. تناقلوها عن أجدادهم .. تتحدث عن عالم يغمره شيء اسمه النور .. وعندما سئل أحد الحكماء ( الذين كثرت اعدادهم بين القطعان ) : - ما هو النور ؟فكر طويلاً ثم قال : - ( انه شيء يغمر كل شيء .. وهو يأتي من كرة حمراء هائلة ..( كعين الشيطان .. اسمها الشمس ..!
كان الصغار يستمعون الى هذه الحكايات برعب قاتل .. يحاولون ان يتصوروا الشمس .. تلك العين الحمراء .. وينتفضون رعباً .. ويهربون الى الزوايا الرطبة البعيدة ..!وذات يوم .. قرر أحد الشبان الصغار ..( كان معروفاً بالشجاعة .. ولم يدجن بعد .. بل وتجرأ مرة ونظر بحقد إلى أحد الوحوش الذي كان يضع العلف للقطيع البشري ! ) .. قرر هذا الشاب أن يصعد إلى سطح الأرض ..لم يخبر أحداً بقراره .. وبدأ يصعد في السراديب المعتمة الملتوية .. وشعور بالرهبة يجتاح كيانه ..!لمح شيئاً لم يكن قد رآه من قبل .. شيئاً أبيضاً لامعاً .. يجعله يرى الصخور بوضوح أكثر .. تساءل برعب ( هل هذا هو النور ؟! )لكنه استمر يصعد ويصعد .. لمح في نهاية النفق بقعة بيضاء مؤلمة .. تحرق العينين .. لكنه استمر يصعد ويصعد .. شعر بالهواء النقي يغشى صدره فكاد يغمى عليه .. واستمر يصعد .. وفجأة .. وجد نفسه على سطح الأرض ..!في البداية لم يجرؤ على فتح عينيه .. ولكنه بعد قليل .. وشيئاً فشيئاً بدأ يفتحهما .. لمح أشياء غريبة .. ساحرة .. لم يشاهدها من قبل .. قبة زرقاء واسعة .. وهناك عند الأفق كرة مضيئة جميلة ..( هل هذه هي الشمس .. عين الشيطان ..؟! ) ..تساءل مندهشاً ..( وهذا البساط الأزرق الممتد الى ما لا نهاية .. أهو البحر ..؟ ) ..كانت طيور بيضاء تحلق سعيدة فوق البحر .. وبعيداً .. بعيداً .. كانت أشرعة ملونة لمراكب مسافرة تبدو في الأفق .. قريبة من الشمس ! ..
قرر ان يعود ليخبر الجميع .. ليخبر القطعان الخائفة التي تحيا في العتمة .وعندما عاد .. أخبرهم باندفاع وحماس عن كل شيء .. وفي اليوم التالي وجدوا جثته مهشمة بلا دماء ..!أما القطعان فقد انتشرت بينها إشاعة .. عن عالم تغمره شمس جميلة مشرقة ..فانقسموا ما بين مصدق .. ومكذب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير