الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 116

ضياء الشكرجي

2022 / 10 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوا مِنكُم يَومَ التَقَى الجَمعانِ إِنَّمَا استَزَلَّهُمُ الشَّيطانُ بِبَعضِ ما كَسَبوا وَلَقَد عَفَا اللهُ عَنهُم إِنَّ اللهَ غَفورٌ حَليمٌ (155)
ضعف الإيمان والشك والتساؤول والتردد، كل ذلك يعود سببه لروح الجاهلية التي لم يتخلصوا منها تماما، كما ذكر في الآية السابقة، أو هو الشيطان كما في هذه الآية. وبعيدا عن تفسير مؤسس الإسلام لهذه الظواهر، ففي حال افترضنا أن الإسلام يمثل عقيدة حق، وأن معركته كانت معركة عادلة، فهناك فعلا دائما من الناس الذين يسخّرون أنفسهم من أجل قضية عادلة يناضلون من أجلها، قد ينتابهم الضعف، إما بسبب طروء ضعف في إيمانهم بعدالة قضيتهم، أو بسبب حبهم للحياة ولمصالحهم الذاتية التي تجعلهم يضعفون وينهارون عندما يأتي ظرف تتطلب منهم قضيتهم التضحية، إما بتحمل السجون والتعذيب أو التشريد من الأوطان ومصادرة الأموال، أو تعريض أسرهم للأذى، فبلا شك إن قدرة الناس على التضحية والصبر ومواصلة الطريق الشاق مهما طال، متفاوتة من شخص إلى آخر. هناك حالات ضعف وتردد وتراجع قد تكون مفهومة ومقبولة إلى حد ما ومعذورة، وحالات أخرى يمكن أن تكون مرفوضة ومستنكرة ومدانة. ومع فرض إن الإسلام هو دين الله حقا، فجميل أن يأتي هنا قرار العفو، لأن الله أعلم بعباده وبحالات الضعف التي تنتاب البعض منهم، مما يتطلب العفو والصفح. ولكن إذا افترضنا إن الإسلام هو قضية شخصية لمؤسسه، فهو يحتاج أيضا إلى العفو عن حالات كهذه، وإلا فالتشدد على طول الخط، كان سيخسره الكثيرين من أنصاره، الذين كان عليه ألا يفرط بهم، فتضعف بذلك جبهته أمام خصومه وخصوم قضيته.
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَكونوا كَالَّذينَ كَفَروا وَقالوا لإِخوانِهِم إِذا ضَرَبوا فِي الأَرضِ أَو كانوا غُزًّى لَّو كانوا عِندَنا ما ماتوا وَما قُتِلوا لِيَجعَلَ اللهُ ذالِكَ حَسرَةً في قُلوبِهِم وَاللهُ يُحيي وَيُميتُ وَاللهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ (156) وَلَإِن قُتِلتُم في سَبيلِ اللهِ أَو مُتُّم لَمَغفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحمَةٌ خَيرٌ مِّمّا يَجمَعونَ (157) وَلَإِن مُّتُّم أَو قُتِلتُم لإِلَى اللهِ تُحشَرونَ (158)
لو افترضنا أن الإسلام دين الله، وأنه باعتباره دين الله بالضرورة عنئذ دين مسالم، ويدعو إلى سبيل الله «بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ»، وأنه فعلا يتبنى أن «لا إِكراهَ فِي الدّينِ» و«مَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر»، وأن قتال المسلمين كان قتالا دفاعيا عادلا بسبب الفعل العدواني للآخرين ضدهم، وبلا أدنى ذنب، وكان الكفر ليس عنادا وإنكارا للحقيقة رغم الإقرار بها داخليا من قبل المنكرين، فقط اتباعا للهوى وللمصالح الدنيوية، لا أكثر، فلا إشكال يسجل على هذه الآيات الثلاث. فهنا تفترض الآية وجود فريق من المسلمين، لهم إخوة ما زالوا منكرين لهذا الدين الحق المفترض، وبالتالي فهم يحاولون تثبيط عزائم إخوانهم المؤمنين، بحيث عندما لا يسمع إخوانهم المسلمون لتثبيطهم ويقتَلون في سبيل الله كما هو مفترض، عندها يقول إخوتهم (الكافرون): «لَو كانوا عِندَنا ما ماتوا وَما قُتِلوا»، ولصح ما جاء في الآيتين اللاحقيتين. لكن يمكن أيضا، حتى مع البقاء على افتراض أن الإسلام دين الله، وذلك من قبيل أن فرض المحال ليس بمحال، فيمكن أن يكون هؤلاء الإخوان الذين نعتتهم الآية بالكفار لم ينكروا الدين الحق المفترض عنادا، وإنما لم يلتحقوا به، لأنهم لم يقتنعوا به وبأدلته، ولذا هم كانوا ناصحين لإخوتهم ومتأسفين عليهم حقا، لما قتلوا ولم يسمعوا لنصائحهم، ولذا يكونون محقين في قولهم «لَو كانوا عِندَنا ما ماتوا وَما قُتِلوا»، متأسفين على إخوتهم الذين ضحوا بحياتهم من أجل ما لا يستحق التضحية. ولكن القرآن نعت كل من لم يؤمن بالإسلام بالكافر؛ كل ما في الموضوع، جعل الكفار مراتب ودرجات، فكان المشركون أسوأ من أهل الكتاب كفرا، ومن أهل الكتاب كان المسيحيون (النصارى) أقل سوءً من اليهود، وإلا فالكفار أي غير المسلمين سواء، ذلك «إِنَّ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَالمُشرِكينَ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أُلائِكَ هُم شَرُّ البَرِيَّةِ».
فَبِما رَحمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم وَشاوِرهُم فِي الأَمرِ فَإِذا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ (159)
وهنا ثناء من الله حسب القرآن على نبيه لما اتصف به من اللين والرحمة في التعامل مع أتباعه، موصيا الله إياه مواصلة هذا النهج وتأكيده، بل يطلب منه التحلي بالعفو عنهم لزلاتهم وهفواتهم وحالات ضعفهم وترددهم، بل أوصاه أن يشعرهم بأهميتهم بمشاورتهم في أمور المسلمين. لكن الرأفة والرحمة واللين مطلوب بلا شك من رسول الله المفترض حصرا تجاه الذين آمنوا به، وإلا فـ «مُّحَمَّدٌ رَّسولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم»، فالإيمان حسب القرآن وحسب أكثر الأديان التي تنسب مصدرها إلى الله، يتطلب الشدة والقسوة بأقصاهما تجاه غير المؤمنين. أما موضوع مشاورة محمد للمسلمين، فهي كما يبدو لسببين، الأول حاجة النبي فعلا للمشورة فيما لا يستطيع اتخاذ قرار حاسم فيه، وهذا مما لا ينبغي أن يظهر عليه، لأنه مسنود بالوحي، والسبب الثاني هي قضية اعتبارية ليشعر أصحابه بمكانتهم ويقوي بالتالي معنوياتهم، ولكنه غير ملزَم بنتائج التشاور، إذ تقول له الآية أو يقول هو في الآية على لسان الله «فَإِذا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللهِ»، فيكون القرار النهائي له، سواء عمل بمشورة أحد أصحابه مرجحا إياها على مشورة غيره، أو اتخذ قرارا على غير ما قدم له من مشورات، لأن «اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ». ثم «ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَّلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسولُهُ أَمرًا أَن يَّكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم، وَمَن يَّعصِ اللهَ وَرَسولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا مُّبينًا».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا