الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسلق قمة جبل المعبد

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2022 / 10 / 21
الادب والفن


كان يا ما كان في قديم الزمان ، و سالف العصر و الأوان ، المهندس الفاشل "باصق" ، الذي استحضر ربه ، و اشتكى له وهو يبرك بين يديه :
- مولاي ، يا ربي الحبيب "أردجوك" ، أدركني أرجوك ، فوضعي النفسي قد تدهور تدهوراً بالغاً ، حتى بتُّ على شفير الجنون !
- هوِّن عليك يا عبدنا ، يا حمار الطمّة ، فلكل مشكلة حل ـ ليس حلاً واحداً فقط ، بل و عدة حلول . قل لي يا عبدي "باصق" ، ما دواعي تدهور وضعك النفسي ، و أنت مهندس فاشل ، تحوَّلت للاشتغال حائفاً فاغتنيت ، و مركزك الحساس سفيراً لحزب جبل المعبد يسمح لك بالهبر و الطبر ليل نهار ، حتى بتَّ من أغنى أغنياء عبادي الحمير في جبل المعبد هذا ؟
- إنه الطموح الرهيب الذي ما برح يأكل فؤادي : أريد تسلق مراقي سلطة جبل المعبد بأسرع ما يمكن ، لأتربَّع على كرسي أم قمته ، فأمارس الطبر و الهبر على راحتي وبكل أريحية وسعة صدر حين أصبح رئيساً مهاباً : أأمر فأطاع ، و أغدوا أغنى أغنياء العالم بلا منافس . أليس كل هذا الطموح المتواضع أمراً مشروعاً ، بل و مستحباً في دينك الحنيف ، يا ربي الكريم "أردجوك" ؟
- أجل ، بالتأكيد ، بل إنه فضيلة مباركة . طوبى لك يا عبدي حمار الطمّة ؛ دونك سلالم سلطة المعبد ، تقحَّمها و أنا ظهيرك – تسلَّق على أكتاف الآخرين واحداً بعد واحد ، وانظر اليهم و انت تصعد فوقهم باحتقار و أنفة من عُلاك . ثم اشغلهم بتلقّط الفتات الذي ترميه إليهم ، وتكفّل أنت بغرف و احتضان الذهب المصفّى لنفسك . واصل تسلق الأكتاف حتى تتربع على القمة بلا منازع .
- المشكلة هي كثرة عدد المنافسين ممن تجب ازاحتكم ، و أغلبهم من أقارب "ألج الحنقباز" ؛ و أنا – مثلما تعلم أيها الرب الجليل – ولوع بالعمل وفق مبدأ حرق المراحل ، فالعمر قصير .
- بسيطة ، ضع نفسك في خدمة "ألج الحنقباز" مباشرة بترتيب لقاءات متواصلة له مع رؤساء بقية المعابد ، و أغرقه مدحاً و تقريضاً . أخدم لكي تًخدم ، و تمَسْكَن لتتمكَّن .
- حاولت طويلاً وبشتى الطرق ، ولكن ما من فائدة لكثرة حاشيته من الكهنة المتزلفين .
- بسيطة ، أغرقه و أهله بسيل من أنفس الهدايا من سفاراتك الكثيرة .
- ولكنها غالية ، و أنا أرتعب من الفاقة و العوز .
- وا مرحباً بعوز اليوم ما دام يؤدي للإثراء الفاحش في الغد .
- هل ستنجح هذه الخطة ؟
- تنجح بالتأكيد إن أردفتها بالمدائح الطنّانة ؛ و إن رتبت له اللقاءات مع رؤساء بقية المعابد ، وهو ما سيتيح لك التفرد به و تلقيط قراده ؛ و إن نوّمته مغنطيسياً بالترديد المتواصل أمامه للشعارات الرنانة .
- مثل ماذا ، مولاي المعظم ؟
- مثل امتلاكك لرؤية عميقة وخطة محكمة لإصلاح حزب المعبد بما يثير اعجاب رؤساء بقية المعابد . أسمعه عبارات مخادعة مثل : "حزبنا لا يريد أن يكونَ شعبنا وقوداً لصراعاتِ الآخرين ، وهو يرفض كل مظهر من مظاهر الاستبداد و الفساد والمحاصصة" .
- وكيف نصلحه وهو مبني على الطبر و الهبر ، و رياح جيفه واصلة لبلاد الواقواق ؟
- يبدو أنك حمار طمّة بالوراثة ، وهذا أمر مفهوم ، لأن العرق دسّاس . إسمع ، يا هذا ، كل هذا هو مجرد كلام أجوف لذر الرماد على العيون ؛ هو وسيلة لإقناع "ألج الحنقباز" بحاجته الماسة اليك قريباً منه لعبقريتك وفائدتك له و لأهله .
- و لكنني مثلما قال جنابكم العظيم مجرد "حمار طمّة" بالوراثة ، فكيف سأستطيع اقناعه بعبقريتي ؟
- دعه يركبك ، فكل راكبي الحمير يؤمنون بعبقرية حميرهم في ايصالهم لما يبتغون ؛ و لا تنس ترديد أغنية "حب إيه" كلما تطرق حديثكما الى أحد من أقرب المقربين اليه . لتنتقل من بعدها مباشرة الى أغنية "واثق الخطوة ، يمشي مَلَكاً" اشارة للمقام السامي لممتطيك .
- وَجَبْ ، مولاي العظيم !
- و لا تنس أن تدفع لي حصتي : نصف حصيلة سرقاتك من كل حدب و صوب و نوع بالتمام و الكمال و أولاً بأول ؛ و إياك إياك أن تهز ذنَبك ، فأنا عالم بكل شيء .
- أقسم لك بشرفي أن تسديدي لكامل حصتك هو عهد على رقبتي هذه ، يا ربي المبجل .
- يفوتك من الكاذب صدقاً كثيراً .
- لا على بختك ، يا مولاي العظيم . أنّى لي أن أغمطك حقك المستحق و أنت ربي ، و أنا عبدك المطيع ؟
- لأن الذهب رب ثانٍ ، و لست واثقاً كل الثقة من ايثارك لي عليه لعميق وجدك به . و لكن ، أقسم لك يا باصق أنك إن خنتني لأعيدنك لدفع عربة الاسمنت و أنت تدير بعنقك كالقرود ، فاهم ؟
- فاهم ، يا ربي العظيم الجليل المبجل .

بعد أن حقق باصق كل أحلامه الوردية عبر اتباعه كل وصايا ربه بحذافيرها ، و آن أوان التجديد لمنصبه ، ظهر له ربه أردجوك من جديد .

- عمت مساءً أيها العبد الضال . لقد آن الأوان لإنزالك من علياك الى الحضيض الذي جئت منه ! أبرك !
- قد بركت ، يا ربي اللطيف .
- تفو ، جايف !
- رحماك يا مولاي الجليل ، فإنني ما خنتك قيد شعره .
- صه يا رقيع ؛ يا جائف .
- أقسم لك أنني قد حوَّلت لك عشرة أطناناً من الذهب ، و ها هي كل الوصولات التي تثبت صحة التحويل .
- صحيح ، و استبقيت تسعين طناً لنفسك ، أيها الحرامي الخائن الحقير .
- هل صحيح أن سرقاتي طوال تسع عشرة سنة قد بلغت كل هذا المبلغ ؟
- و أكثر ! أنت تمتلك الآن حصصاً في ذهب ما تحت الأرض الذي لم يترسمل بعد !
- رحماك يا مولاي الرحيم المبجل ، فقد أخطأت في احتساب مبالغ سرقاتي ، و اختلط عليَّ الحابل بالنابل . أقسم أنني سأصلح هذا الخطأ العفوي الآن حالاَ .
- إفعل فوراً ، و حوّل لحسابي ثمانين طناً من الذهب ، و استبقي عشرة لك فقط يا حمار الطمّة ، سامع ؟
- سمعاً و طاعة ! حالاً ، و على التو و اللحظة ، مولانا الجليل . ها هو هاتفي المحمول ، لقد حوّلت الآن لك من حسابي كل الفرق بالتمام و الكمال .... أنظر ، هذه هي تفاصيل التحويل ، بالأبيض و الأسود . أغفر لي سهوي ، ربي العظيم !
- أنبيك أنني قد استبدلتك ببغل أخرق منك ، و لكنه أوثق منك ، فقد سدد لي كل مستحقاتي ، 95% من سرقاته ، بالتمام و الكمال !
- وا ويلاه ! وا خسارتاه !
- إسمع ، أيها العبد الضال الزنيم ، إن سددت لي 99% من أموال سرقاتك طوال تسعة عشر عاماً ، فقد أفكر بإعادتك لمنصبك من جديد ، بعد سنوات أربع ! تفو ، جايف !
- حاضر يا مولاي الجليل . سمعنا و أطعنا . لقد صدقت جلالتكم ، أنا عبد ضال زنيم جايف !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته