الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطار آخن 19

علي دريوسي

2022 / 10 / 21
الادب والفن


نهض إبراهيم طائعاً وهو يفكر: لماذا قتل قابيل أخاه هابيلا؟ هل كانت هذه أوّل قصّة قتلٍ تحدث في تاريخ البشريّة حقاً؟ سأرسمكما وأنتما على قيد الحياة، كما رسم الإيطالي تيتيان قبل حوالي خمسمائة عام الأخوين قابيل وهابيل، تخيلا أنكما تجلسان في الصالون، قرب المنجنيق، سأعلّق بالقرب منه مشنقة واحدة، سأفصلكما من مديريتي الصحة والشرطة، سأعيد تلوين ثيابكما، أحذيتكما، حائط الصالون خلفكما، طاولة المنجنيق وسأعيد ترتيب روحكما! سأقتلكما الليلة وأهرب عبر الغابة إلى غير رجعة، سأترك الغرب لأمثالكن، سأترك التاريخ خلفي يحكي: أنّ الشرقي إبراهيم قتل غربيتين كما قتل قابيل هابيلا. أخطأ الفيلسوف الألماني لودفيغ فيورباخ عندما قال: "السلطة الأعظم والأكثر تماثلاً مع سلطة الله على وجه الأرض، هي سلطة العلم". لو أنّه عَرِفَ المرأة وخبرها لصحّح قوله باستبدال كلمة العلم بالمرأة.

في عمق الشخص الشرقيّ مغارات وكهوف كثيرة، غابات وأدغال مخيفة، يجهلها الغربي لذلك يتعب هذا من حياته مرتين مرة ﻷنه ﻻ يعرف أسرار الشرق العربي ومرة ﻷنه ﻻ يحاول أن يتعرّف إليها.

في الخامسة عشر من العمر وما أن يدرَكه سِنّ البُلُوغ يبدأ الشرقي في بلده بالغناء لمحاربة الطُغَاة ودحر الدكتاتوريات ظناً منه أن البلد واقف على كف عفريت. في الخامسة والعشرين يبدأ حلمه بالهجرة من الوطن. في الخامسة والثلاثين يحلم بتغيير المدينة التي يسكنها. في الخامسة والأربعين لا يحلم إلا بتغيير العائلة التي يعيش معها. في الخامسة والخمسين يرغب فقط بتغيير شريك حياته. في الخامسة والستين، متأخراً بعض الشيء وقد آذنت شَّمسُ العمر بالأُفُول لا يحلم إلا بتغيير سرواله الداخلي قبل أن يذهب إلى النوم.

أيها القاطن في الشرق، لا تكنْ صامتاً شاهداً على إفقارك وإخصائك اليومي، لا تكنْ متفرجاً على موتك القادم لا محالة، لا تكن قانعاً بالبرد والجوع، لا تكن وقوداً، حطباً احتياطياً، لا تكن ضرعاً يُحلب، لا تكن مراقباً، متأملاً، ولا تسأم، لأن الوطن-الشرق من دونهم لكَ، زمن حنظلة الشرقيّ المتفرج قد ولّى، وقبرك سيعطيك ذات يوم الوقت الكافي للصمت والسأم.

يحتاج الغربي أكثر من عمر لفهم جوهر الشرقي، جوهر الشرق نور وألق محض لا تستطيع الإمساك به، أما الأمور السطحية فأقل أهمية، بل تافهة جداً بالقياس مع الجوهر، عندما يفهمها الغربي ويقدّرها سيعيش مع الشرقي سعادة لامتناهية، لكنه لا يرغب بإضاعة الزمن، سعادته الشخصية وتفاصيل حياته أهم بمئات المرات من الانشغال بشؤون الشرق وأهله وتفاصيل حياتهم، فتراه يفضّل التحليق بهواياته، بتخطيط إجازته، بعوالمه الجنسية وحوائج غرفة نومه وبنبيذه وسجائر حشيشه على أن يُضيِّع وقته في البحث عن موقع وطن شرقي صغير على خارطة العالم مثلاً. من يبحث في شؤون الشرق ومتاهاته يخطئ، أما من يجلس مرتاحاً واضعاً يديه في حضن حبيبه فسوف لن يخطئ غالباً. قلة قليلة ممن سحرتهم أجواء العلم والآلة وأَلْهَتْهم عن معاني عشق الجسد، تنشغل بأشياء أقل صعوبة، تنشغل بنظريات الفيزياء والرياضيات، بنظرية النسبية على سبيل المثال، كما يقول أستاذهم ألبرت أينشتاين.
ـ أين الطريق إلى غرفة العمليات التجميلية؟ إلى غرفة التَقَمُّص؟
**

غرفة ملابسها كبيرة، نظيفة، حائطها الأيمن أكثر طولاً من الحائط الأيسر، للغرفة نافذة واحدة مستطيلة الشكل، إضاءتها ساحرة بسطوعها، أرضيتها مفروشة بالسَّجَّاد، تحتوي في منتصفها على مرآتين أنيقتين لإظهارك بالطول الكامل، وخزانة ضخمة على شكل صندوق مفتوح، بأبواب قابلة للسحب، نصفها اليساري من زجاج ونصفها الأيمن من خشب أبيض، على الأبواب عُلقت صوراً منتقاة بعناية، كانت لوحة الفنان السويسري "ساندرو ديل-بريتي" هي أول ما لفت نظره، حين تتحول راحة اليد إلى راقصة، أو العكس، إذ تتحول الراقصة إلى راحة يد مطوية بإبداع، نظر إلى يمينه ليرى أجمل الصور للإيطالية "بيانكا لويني"، التي استطاعت أن تنجح في خلق لون فني جديد، يتمثل بالجمع ما بين صور المنصة لعارضي الأزياء مع الصور التي تلتقطها للطبيعة والأعمال الفنية التي تشاهدها.

على كومودينة صغيرة ثمة مزهرية بلون أزرق مزخرفة بتسعة دلافين جميلة في وضعية سباحة، ولمن لا يرغب برؤية الدلافين سيرى حتماً إمراة عارية جاثمة على ركبتيها ورجل خلفها في وضعية حب. دمدم إبراهيم: هذه ليست بغرفة ملابس بل غرفة الأوهام البصرية.

وما إن نظر أمامه مباشرةً حتى لمح صورة كبيرة للعجوز المتصابية، "زوجتي وأمي". يحتار الواحد بأمر الصورة، أهي امرأة عجوز أم امرأة شابة؟ أم هي الصبية والعجوز معاً؟ الرسم مزدوج، وجهان لأنثى واحدة، الصورة لفتاة صبية في عمر الربيع وامرأة عجوز بشعر أسود في فصل الشتاء بنفس الوقت، لكل عمر جاذبيته ونكهة الفرح الخاصة به، الشباب والخبرة تجتمعان في روح شخص واحد، الكمال والإمتلاء في الكأس والرسم، أكثر ما يلفت الانتباه في الصورة هو معطف الفرو الذي يعطيك الإنطباع بأن الفتاة تتنفس الصعداء، تتنفس الحرية بموت والدة زوجها، رؤية الصورة يعتمد على الحالة النفسية، على المزاج الخاص، نفس الشخص قد يراها صبية ثم عجوز، أو عجوز ثم صبية، إبداع في الرسم، أذن الصبية هي عين العجوز، وعين العجوز هي أذن الصبية، وأنف الصبية هو ندبة صغيرة على أنف العجوز، وأنف الكبيرة هو الفك السفلي للصغيرة، أما فم العجوز فهو طوق في عنق الصبية، الاثنتان معاً مكملتان لبعضهما، لاعجوزٌ إلا ومرت في الصبا، ولا فتاةٌ تبقى في شبابها وجمالها إلا وستصبح عجوزاً، الصورة لكلاهما معاً حيث يعطي اللباس الفاخر للشابة جمالاً وللعجوز مزيداً من الكهولة.

الصورة مخصصة لدراسة السلوك البصري لدى الإنسان، تحديد الشخص لما يرى في الصورة يشبه تحديده ووصفه للكأس نصف الفارغ أو نصف الممتلئ، المتفائل يراها صبية جميلة تضج بالحياة، جالسة على مقعد في حديقة وتتأمل مشهداً، المتشائم يراها عجوزاً قبيحة تنظر بخوف داخلي، كل حسب رؤيته ومنظار قلبه للحياة، هذا النوع من الرسم والتصوير يعلمنا درساً بتقبل رأي الآخر.

ـ ما هي الشخصية التي أرغب بتقمصها للسهرة؟ سأل بطل حكايتنا إبراهيم.
**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا