الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطِّفْلُ آلْأَهْوَكُ

عبد الله خطوري

2022 / 10 / 22
الادب والفن


ومع توالي تقدمنا في آلأعمار، غدت سينما عشيات آلأعياد وبعيد آمتحانات آخر المواسم الدراسية طقسا جماعيا دأبت عليه طفولُتنا بشغف وحماس.متهلفين كنا على معاينة أفلام الغرب والشرق السند والهند مستغلين فرصة الالتفاف الجماعي على الفكرة الواحدة المزمع تحقيقها لنصنع آحتفالا فريدا ننخرط فيه بفطرتنا التواقة الى كل ما هو مثير لأعيننا مدهش لحلومنا فاتن سالب لما كنا نملك من عقول..لوعة الغطس في لجج ظلام القاعة الرحيبة العامرة بالصهد والروائح الزنخة المتشابكة والكلام السائب لا مثيل لها.ننسى أنفسنا ونحن نتابع المشاهد الملونة تتحرك بأحلام تتحقق وفيزياء تتعطل وبيولوجيا مستثارة قبل الأوان. في تلك البدايات الاولى، كان لدي ميل الى رفع سقف تخدير العقل الى أعلى مستوى بوعي مني أو بتماه لا إرادي. غاية الغايات بعد عام دراسي مضن عامر بِ وبِ..أن أتواجد بداخل معتم فرارا من جلبة الأشياء الرابضة بالخارج، ولأني كنت أبالغ في آرتشاف جرعة التخدير إلى أقصى الحدود المتاحة، جعلت أنزاح وثلة من رفقائي الى أفلام الشرق الأقصى لٍما توفره من ساعات بذخ مديدات عامرات بشتى فنون أكشن الغونغفو ورونق استعراضات الغناء والرقص في الطبيعة وغير الطبيعة والضحك والبكاء والمطاردة وسفك الدماء وفانطازيا الخيال وفنطاسم الغرائز الفائرة...كل ذلك وغيره مجتمِعا في طابَق عَرْضٍ واحد دراهمَ معدودات، ويبدو أن عملية حسابية سريعة كانت تؤكد لنا حُسن نجاعة آختيار قاعة سينما "النصر" و "فوكس" مقارنة مع أولائك الذين فارقونا في منتصف الطريق قاصدين صالات عَرْض أخرَ مغايرة لما ترومه أمزجتنا من نوعية العروض ك"المعراج، كوليزي، المَلكي، لوباري..."لا علاقة لها بنوع فرجتنا الأثيرة...
في هذه الأجواء المشحونة بتهافت غرارة البدايات المستعجلة، تمكنت من معرفة عائلة (آل كبور) الهندية،بقيادة شامي كابور المزداد في21 أكتوبر1931 والمتوفى في14 غشت 2011 الذي لم يتسن لي،ةبحكم حداثة سني، التعرف عليه في ذروة عطائه إبان فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الخالي، عندما كانت أفلامه تترى تباعا في دور سينيمانا، يتهافت عليها آباؤنا زمن شبيبتهم..أول لقاء معه(أو بالأحرى مع صُوَره المتحركة المسجلة معكوسة على خِرق كتاتين السينما)كان عن طريق تلك الأغاني التي شَدَاها صاحب الصوت الأجش الغائر"محمد رفيع"الذي آختص في إعارة صوته لممثلي بوليوود ذاك العصر في أفلامهم الكثيرة بطريقة"بلاي باك سانغر"؛ ومنذ ذلك الحين وأنا أترنم مع نفسي في طريقي للمدرسة أو عودتي منها أو أو..بأغاني مثل"ديفانا"و"ميري سون نيرسون..."في فيلمه المعروف ب"تيسري منزل/الطابق الثالث"الذي عرّفني عن قرب بعوالم خصوصية مُمثل آكتشفتُ فيه راقص روك هندي يقلد"الفيس بريسلي"مُعبرا عن حالة جماعية لصَرعة شباب الستينيات بتسريحة شعر منسابة متموجة وحركات مبالغ في نزقها مُحاكية حركات مراهقي ذاك العصر بمواضيع أفلام ظلتْ هي هي مجترة لا تتغير في نوع نمطي من السينما تِجاري بتوابل بوليوُودية فاقعة معروفة مسبقا نهاياتها وبداياتها وعُقدها المفتعلة، إذ يتشابك جأش الشباب خلالها بجنون الجِنَان و وجيب جمال استديهوات وبلاتوهات التورناج ووجد القلوب المفقوؤة برومانسية مصطنعة وبكاء مدرار ولقاء تواق وفراق شكاء وعناق رقراق وضحك على الذقون فج نُصِرُّ لغرارتنا أيما إصرار على معاقرته بإدراك أو غير إدراك..الأمر كان عندنا سيان..المهم هو أن ننسى أنفسنا داخل عوالم النسيان..ولا يهم بعد ذلك أي شيء لا يهم...
كان المعنيون بشأن توسيع سوق هذا النوع من الفرجة عبر العالم يكدون من أجل مضاعفة طبقهم الأحادي المضطرد مما جعلهم يلحون على إقرار لحظة واحدة من عُمر شخصيتهم الرئيسة فيها يتعالق مطلق الشباب بقوة البأس برباطة الجأش بحماسة الفتوة وقدرة الإقبال على معترك الحياة بجميع تجلياتها الجلية ومضمراتها المبطنة الخفية؛ الشيء الذي لم تكن سُنة الأعمار الطبيعية تسعف به قرائحَهم ونزوعاتهم، فكانوا دائبي التنقيب عن وجوه جديدة تطيل ما أمكنها أمدَ الفرجة تُجمدها في برهة جأش مطلقة تُوَرِث عُنفوانها الصارخ جيلا لجيل.إنهم بمعنى آخر، راموا قنص عُمْر البطولة المفترضة في سن بدايات حبسوها هناك، أوصدوا النوافذ أحكموا غلق البيبان أعلوا شاهقات الحيطان وأدخلوا سُحن قسمات المشخِصين مُبردات عملاقة شُغلها الشاغل تفريخ مزيد من الوجوه النضرة والمعالم الحية ضاربين عُرض النسيان كل ما تَخَلف عن مسايرة ركب سفينة جأش الأعمار التي تعلو على عتو الأمواج ولا يعلو عليها أحد..إنه تحدٍ جديد لطوفان تحولات جبروت الأقدار يا سادة..ومما أن الأمر واقع لا يرتفع، جعل صاحبنا الكهل يتراجع ويُنسى عندما أصيب جسمه الفتيّ الرشيق بتخمة سن الأربعين والخمسين آبتداء من سبعينيات القرن الماضي، فتراجعتْ خفة الكائن وطراوة الحركة المطلوبين في غلاف لومبالاج هذه البضاعة التجارية تحولتْ الى بدانة مفرطة وسمنة معيقة غير لائقة غيرت ملامح الوسامة اللازمة كشرط أساس لولوج أجواء سحر هذه العوالم، فكان أن آبتعد ديفَانا المخبول عن أدوار العاشق الأولى، راضيا بأدوار موازية جعل يقوم بها مكرها لا آختيارا مستسلما لسوق شغل ماركتينغ قاهر؛الشيء نفسه عانتْ منه مجموعة أخرى من الممثلين المنتمين الى عائلة آل كبور من الرواد وتابعيهم "راج كابور"و "ريشي كابور" و "شاشي كابور" ورونديه كابور" وغيرهم..وعبثا حاول ممثلنا انتاج الأفلام واخراجها والتمثيل في بعضها بمنظور مغاير يتماشى ووضعه الجسدي والنفسي الجديدين؛ غير أن ستيريوتيب الاستهلاك الجماعي القاصر لم يسعفه كثيرا في مناورته..ليلفي نفسه متقاعدا معطلا على هامش لهاث بوليوودي لا يبقي ولا يذر.. اقعد مكانك الآن أيها المخضرم وانخرط في فرجة الأجيال المتعاقبة وألف شكر لك وتحية وسلام.. تلك هي مشكلة الممثل الهندي النمطي المحدود الخاضع لسطوة أنموذج مقولب سلفا في شكل ثابت قاصر غير متغير لا مواهب له شاملة متعددة أو متنوعة عدا نزق حركات طيش فجة وتشنجات مصطنعة لا مصداقية لها في كينونة أريد لها أن تكون مكفنة محنطة جامدة، فكانت كذلك..وَصْفة الاستمرار في حياة نجومية الأضواء تظل صالحة مادامت الصحة والشباب متوفرين، أما اذا انحسر العمر وتدهورت الصحة فان هذا النوع من الممثلين والتمثيل سرعان ما يُلقى بهم كيفما آتفق خارج دائرة الإشعاع كمثل لاعبي كرة القدم وما شابهها.ظ عمرهم الافتراضي قصير جدا في الملاعب أو كخيل رهان خانته قواه فَأُهْمِلَ لأقداره العشواء تفعل به الصدف ما تشاء..ولم يشذ عن هذه القاعدة البوليوودية الا قليل من المحظوظين، لعل أشهرهم الآن"أميتا باشن"الذي استطاع التكيف والزمن والظروف الجديدة التي أقبلت وأقبل معها الكثير من التغيير والتحول...

لقد ظلت ذاكرتنا الطفولية، رغم إصرار الزمن على المُضي دوما الى الأمام بها وبنا وبمشاهداتنا وبالممثلين الذين يعجبوننا وبجميع الكائنات، ظلت وفية للبدايات.. وطفقنا نذكر "شامي كابور" وبحات صرخاته وضحكاته المخبولة المتكلفة المليئة بزبد الحياة كبداية دائما ويتجدد إعجابنا التلقائي الساذج بتلك الافلام القديمة نتذكر عبرها أعيادنا الأولى نجاحاتنا المبكرة وغباوت سذاجتنا وخفقاتنا كذلك، فترانا نترنم ونغمات...
dil Deke Dekho 1958
و Junglee 1961
و teesri Manzil 1966
و An Evening in Paris
وغيرها...من الأفلام والأنغام التي قربت لنا الرائع "محمد رفيع" فأحببناه هو الآخر وافتقدناه هو الآخر، بيد أن الحنين وتوق النفس الى البدايات الجميلة تجعلنا دائما نعود القهقرى باحثين في نكوص نتنماه أن يكون غير مَرَضي عن تلك اللحظات الأولى من عمرنا الغر الصغير، ذاك الذي انحسر الآن، تلك البدايات التي فتّحت مُقلنا للعالم في دهشة وإعجاب لن تموت الا كما يموت فنيق الأسطورة ليحيى من جديد.. من أجل تلك اللحظات الهاربة من زمننا الجميل..أذكرُ"شامي كابور" و "محمد رفيـع" وموكيش" و "كيشور كومار" و "آشَا بُوصلي"و "لاتا مانتيسغار" والآخرين والأخريات دائما كبداية ليستمر ذاك الطفل الأهوك الذي كانني وكنتُه مشاغبا مناورا معاندا يداوم يقاوم في قراراتي حيا يرزق..أبدا لا يمـوت...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا