الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعترافات كائن لا يطيق أي شيء

اتريس سعيد

2022 / 10 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا شيء يدفعُ المرء إلى الجنون أكثر من رغبته في الدّفاع عن نفسه ضدّ ما لا يمكنُ الإمساك به وما من أحد بعينه يمكن أن يمسكه ويقتصّ منه إرتعبنا حد التبلد بل وأكثر حد الإكتئاب السريري، فنتوجه إلى الخيال، نصنع آلهة لامرئية من الكمال وآخرى مرئية من الجنس اللطيف وكلاهم بعيد كل البعد عن الواقع، لا آلهة ولا جنس لطيف، بل أجناس الآلهة التي أكتبها بل وأكثر شراً. نقدس الأرباب أو السلاطين والأوطان والتاريخ والانفعالات، ظانين أن في إستعبادها لأنفسنا ورهنها لفكرة أو شعور أو خيال نجاة أو خلاص من نوع ما من عذابات الخوف و الترقب لكن ذلك لا ينجي ولا يؤجل ولا يلغي حقيقة الفجوة التي صنعتها الأسرة وتوسعت بؤرتها على يد المجتمع
إن الروح إحتجاج دائم على اللاشيء الذي آل إليه أسلافنا و سنؤول إليه مع كل أفواج البشر القادمة، ولا يمكنها أن تكون شيئا آخر غير مجرد إحتجاج رغم كل الجمال والبشاعة الذين فاضا عنها. إنه لمن الغريب أن يحتاج الإنسان إلى ملايين المفردات في كل اللغات، ليستوعب حقيقة أنه إخترع عزاءات خيالية لواقعة وجوده! و حقيقة أن تلك العزاءات صارت قيودا ثقيلة تحرمه من العيش بسلام حتى موته أمر مثير للسخرية أكثر مما هو موضوع للعلوم! لقد صارت العزاءات الخيالية طبقات متراكمة من الذهون الروحية والعقلية التي تثقل كاهل الإنسان، وإنه ليحرم نفسه لذة اليأس الضروري للعيش الحكيم، حين يدير ظهره لبشاعة الحقيقة، حقيقة أن الكون أزلي و لانهائي، لا زمن فيه ولا بداية ولا نهاية، وأننا إشتقاق من نسيج مادته، نحيى منه و نعود إليه في صيغة أخرى.
كل سعادات الحكمة السابقة، غير المزيفة، كانت مبنية على دهرية العالم وعبثيته، حيث حررت نفرا يسيرا من البشر من دكتاتورية المعنى والقيمة، وكل حكم النصابين والمرضى بالصرع والطمع كانت مبنية على محاولة جعل الخيال واقعا و حقيقة. "مفهوم الفناء والسَعي للخلود"
إن الإنسان كائن يَجهل ذاته ولا يَملك هويّة تعريف إنسانيّة تتجاوز المادة ورغم أننا كَكائنات نعيش ضمن قالب إفتراضي يجسده دماغنا للواقع ومحكومون بهذا القالب الدماغي الذي يُحلل ويُجسّد ما نرصده بأقرب صورة تعريفيّة مُمكنة إلا أننا إستطعنا النجاة من فوبيا العدم بتجسيد عبادات لأفكار وهمية وتصورات ذهنية لحظارات غابرة والإيمان بها، كالآلهة والتجسد وتعدد الحيوات والأثير والأبعاد وغيرها من فلسفة لا تكون نهايتها فراغ من العدم مع أنني أجد أن العدمية أجمل بكثير من أن أخرج من مستشفى للمجانين حاملا كما لايحصى من الجروح المعنوية والجسدية والروحية لأشاهد نور في نهاية النفق ويتضح أن هذا النور ليس سوى مستشفى للمجانين آخر، وتدور دوامة الإنتقال من مشفى إلى آخر مع فقدان الذاكرة في كل مشفى أتركه.
ما أجهل البشرية ؟ بل ما أجرمهم ؟ كيف إستطاعوا خلق سجن بهذا البؤس والعذاب متوهمين أنه الجمال والنجاة ؟عش مشاعر الروح بعيدا عن كيمياء الجسد فالجسد يفرز العرق والقيح واللعاب وهرمونات تؤجج القذف والنشوة و الغريزة لكنه لايفرز الحب ؟ الكيمياء لا تفرز الحب، الحب من يفرز الكيمياء وإلا لكنا خرجنا من بطون أمهاتنا ونحن نضحك بدل البكاء لأنه بكل بساطة لم يحيرني العدم بقدر ما حيرني الوجود، لم يبكيني العدم بقدر ما سلخ أدمعي الوجود، لم تقتلني الخطيئة بقدر ما قتلتني الفضيلة.
هل تعرفوا ما هو الإكتئاب السريري؟! أكره أي صوت يصل مسامعي حتى لو كانت نسمة هواء، أكره أن يرن هاتفي أو تصلني رسالة، أكره الشمس كما أكره القمر، أكره رشفة الماء التي تمدني بحياة أطول، أكره الكلام، أكره صوتي، أتكور فوق السرير كأني أريد أن أختفي بعينين جاحضتين محدقتين تحت أذرعي
وما أن أسمع صوت العصافير اللعينة حتى أنهض لأحضر قهوتي الوجودية و أشرع في كتابة تأملاتي المرحة و كأني أضمد بعض الجروح بطريقة فلسفية معكوسة لتكون بهيئة نصر وأظهر أمامكم بهيئتي الجبارة التي شبعت من الأوهام و الألم.
هواجس تحت ضجيج الألم
من أنا في هذا الكون وفراغ العدم
غريبة رنات السكوت آيعزف السكوت نغم؟
أنا الميت الحي توحد بداخلي الندم
ببساطة لقد أصبحت كل مالا تستطيعون إعتناقه
ومع ذلك لا أعرف ما الذي يجعلني أعتنقكم
لأكتب لكم طريقة نجاة لم تُكتب لي؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في