الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا الحديثة 6 فشل نابليون في غزو روسيا

محمد زكريا توفيق

2022 / 10 / 22
مقابلات و حوارات


فشل نابليون في غزو روسيا

يفسر روبرت بورنهام سبب فشل نابليون على أنه يرجع لعدة أسباب:
الخدمات اللوجستية الخاطئة، وسوء الانضباط، والمرض، وليس أقلها، الطقس. كان يعتمد نابليون في الحرب على التركيز السريع لقواته، ثم الهجوم الكاسح. وكان أبطأ جزء في وحدات الجيش هو قطارات الإمداد.

كان الجندي يمكنه أن يسير 20 ميلا في اليوم، لكن عربة الإمداد لا تزيد عن 12 ميلا في اليوم. لتجنب إبطاء القطارات، أصر نابليون على أن تسير قدر الإمكان خارج الأرض المزروعة، وأن تكون حمولتها خفيفة، لا تزيد عن الحاجة.

أثبت نجاح خطة نابليون مرة تلو الأخرى في أوروبا الوسطى ضد البروسيين والنمساويين. ولكن، حركة الجيش تستلزم وجود شبكة طرق جيدة، وأماكن زراعية قادرة على دعم جنوده بالطعام.

في عام 1812، غزا نابليون روسيا بجيشه العظيم. كانت خطته هي إنهاء الحرب في غضون عشرين يوما، بعد إجبار الروس على خوض معركة كبرى.

بالرغم من اختلاف التقديرات بسبب عدم الاحتفاظ بسجلات دقيقة، إلا أن الأرقام مبالغ فيها، ولم يتم حساب القوات المساعدة. وكان جيش نابليون دخل روسيا، يقدر بأكثر من 450,000 رجل، وأكثر من 150,000 حصان، حوالي 25,000 عربة وما يقرب من 1,400 مدفع. نجا 120,000 رجل فقط، وتوفي ما يقرب من 380,000 رجل في الحملة. ولعل الأهم من ذلك، أن سمعة نابليون، كقائد لا يقهر، قد تحطمت.

كانت عربات الإمداد تحمل ما يكفي 30 يوما من طعام. لكن الواقع كان مختلفا. لقد وجد نابليون، كما وجد الألمان عام 1941، أن روسيا لديها شبكة طرق سيئة للغاية.

لذلك، كان يتقدم على طول جبة ضيقة للغاية. بالرغم من أنه سمح بقطار إمداد أكبر من المعتاد، إلا أنه لم يكن يكفي، وكان الجنود يبحثون عن الطعام على طول الطريق.

لكن الأراضي الزراعية التي مروا بها كانت فقيرة للغاية، ولم يكن انتاجها يكفي هذه الأعداد الهائلة من الجنود الجائعة. كما أن الروس كانوا يستخدمون سياسة الأرض المحروقة، لتدمير أي شيء يصلح طعاما للفرنسيين.

مع مرور الوقت، بدأ الجنود في التعثر، بسبب ضعفهم واضطرارهم للبحث عن الطعام بعيدا عن الطرق. وكان الوضع سيئا بنفس القدر بالنسبة للخيول. فلم يكن الرعي على طول الطريق كافيا للحفاظ على حصان بصحة جيدة. وكان لا بد من استكمال طعامهم بالأعلاف، التي كانت تقل يوما بعد يوم.

بحلول نهاية الشهر الأول، مات أكثر من عشرة آلاف حصان. وبدأ الجنود، بسبب الجوع وسوء التغذية والتعب، يتعرضون للأمراض. وكانت الأوبئة، مثل التيفويد، متفشية بين القوات بسبب الإصابة بالقمل.

بالإضافة إلى الطعام السيئ والمياه الملوثة، انتشرت الأمراض المعوية، مثل الإسهال والدوسنطاريا. بحلول الوقت الذي وصل فيه نابليون إلى موسكو، بعد ثلاثة أشهر، كان أكثر من مائتي ألف من جنوده قد لقوا حتفهم، أو نقلوا إلى المستشفى بسبب المرض والإرهاق.

وكان ضعف الانضباط مشكلة رئيسية أخرى. كان على القوات أن تبحث عن الغذاء للبقاء على قيد الحياة. كلما ذهبوا أعمق داخل روسيا كلما اضطروا إلى البحث عن الطعام أكثر وأكثر.

لذلك، فقد القادة السيطرة على قواتهم. لم يمت هؤلاء الجنود بالضرورة، لكنهم شكلوا كتلة لا يمكن السيطرة عليها في الخلف. مع مرور الأشهر، لم تعد الوحدات موجودة، إلا بالاسم فقط.

أصبح هذا صحيحا بشكل خاص خلال التراجع في أواخر الخريف. وسرعان ما أصبح جزء كبير من الجيش غوغاء، مع القليل من التماسك وعدم الفعالية.

كانت هناك عدة حوادث أثناء التراجع. حيث اقتحمت حشود من الجنود مستودعات قليلة، كانت تحتوي على إمدادات ودمرت أكثر مما أكلوا. ولم تترك سوى القليل أو لا شيء لأولئك الذين يقاتلون في الخلف.

أسوأ حالة، كانت في سمولينسك. في مستودع كبير، أصر البيروقراطيون على أن الجنود يجب أن يكونوا مع وحداتهم قبل أن يتم إصدار الطعام لهم. لكن، لم تستطع القوات التعامل مع هذا الغباء، وقامت بأعمال شغب، وهدمت المستودع والكثير من المواد الغذائية التي كانت مخزنة هناك.

في حالة أخرى، عند معبر بيريزينا، في نوفمبر 1812، أصيب الآلاف من الجنود بالذعر، عندما تعرضوا لهجوم من قبل الروس. في محاولتهم اليائسة للعبور، تهدم الجسر وقتل ما بين عشرة آلاف وعشرين ألفا من الجنود أو تم أسرهم.

وكان العامل الأخير هو برودة الجو. في البداية كان الجو حارا جدا، مما جعل المسيرة جافة ومغبرة إلى موسكو. لكن، عندما بدأ التراجع، كان الجو باردا جدا في البداية.

كان هذا البرد تقشعر له الأبدان، درجة الحرارة تحت الصفر بكثير. أول من مات، كان الضعفاء المنهكين جدا من المشي. استلقوا على الأرض وماتوا.

مع نفاد الإمدادات الغذائية القليلة، أصبح الأقوياء أكثر ضعفا، وبدأوا هم أيضا يموتون. لكن بعد ذلك، تغير الطقس. كانت هناك موجة دافئة أذابت الطرق المتجمدة. مما أدى إلى إبطاء المسيرة أكثر.

الطرق التي كانت صلبة سرعان ما تحولت إلى مستنقعات من الطين. الجداول التي كانت مجمدة، أصبحت سريعة الحركة، وهي عقبات لابد من التغلب عليها.

الأنهار التي كان من الممكن عبورها بدون جسور، تحتاج الآن إلى جسور. كل ذلك استغرق وقتا ثمينا وطاقة، وهو أمر لم يكن لدى الجيش.

ثم مرة أخرى أخذ الطقس منعطفا نحو الأسوأ. هذه المرة أكثر برودة بكثير من ذي قبل. مات الآلاف أثناء نومهم بعد إرهاق وجوع. وبحلول الوقت الذي عبر فيه الجيش إلى بولندا في أوائل ديسمبر، بقي أقل من مائة ألف جندي منهك وممزق، من أصل ستمائة ألف جندي، كان فخورا بنفسه وبإنجازاته، قبل ذلك بخمسة أشهر.

لم يسحق نابليون تماما بسبب الكارثة. فقد سارع بالعودة إلى فرنسا، لكي يكون جيشا من جديد. قوامه أربعمائة وخمسين ألف رجل، مع ألف ومائتي مدفع. ثم جاءت باريس، ليون، روما، أمستردام، وهامبورج لمساعدته.

لكن، تجمع الحلفاء مرة أخرى ضده. لقد بات نجمه في تراجع. ولم تنقذه انتصاراته المؤقتة في لوتزن وبوتزن وبالقرب من دريسدن. وتحول المد والجزر في كولم.

ثم جاءت "معركة الأمم" في لايبزيج في أكتوبر 1813، عندما صمد مائة وستون ألف جندي فرنسي، لمدة أربعة أيام، أمام ثلاثمائة ألف جندي، معهم أشرس مدافع عرفت في ذلك الوقت.

نابليون، بعد أن هجره حلفاؤه الألمان، عبر نهر الراين. ألكسندر، الذي لم تثبط عزيمته بعد، أعلن أنه: "لا سلام طالما نابليون يتربع على العرش." وأمر جيشه بالسير صوب فرنسا.

بعد معركة باريس في مارس 1814، دخل الحلفاء العاصمة. لكن، من خلال جهود ألكسندر، تم تفكيك إمبراطورية نابليون وتخفيض سلطاته إلى مجرد حاكم "إلبا".

مرة أخرى، سكن لويس الثامن عشر قصر اللوفر. ثم جاء مؤتمر فيينا لكي يناقش: التقسيم الرابع لبولندا، العودة المفاجئة لنابليون، التحالف الجديد ضد "رجل القدر" كما كان يصف نابليون نفسه، ومعركة "ووترلو" التي حدثت في يونية 1815.

مرة أخرى، قاد ألكسندر جيشه إلى باريس، حيث فاز بقلوب الناس من خلال احتجاجاته ضد التجاوزات البروسية.

في باريس، التقى بمدام دي كريودينر، التي ملأت عقله برؤاها للعدالة المطلقة والإخاء العالمي. هنا كُتبت أول مسودة من "التحالف المقدس".

الذي بمقتضاه، يتفق جميع ملوك أوروبا، باستثناء البابا والسلطان، على العيش مثل إخوة في عائلة مسيحية واحدة، وحماية الدين والحفاظ على السلام. بعد سقوط نابليون ظهر ألكسندر باعتباره "محرر الأمم"، وبطل الحرية.

فجأة تغيرت أفكاره. سقط تحت تأثير الجنرال أراكشيف، العدو الطبيعي لكل الأفكار الجديدة والإصلاحية، ورسول السلطة المطلقة والطاعة السلبية.

من الآن فصاعدا، أصبح الإمبراطور ألكسندر، بطل الحكم بأسلوب الحق الإلهي. "التحالف المقدس"، الذي تأسس لتأكيد أخوة الإنسان، أضحى تحالفا ضد حرية الإنسان.

بكل قوته، عارض ألكسندر الدساتير الجديدة لإسبانيا والبرتغال ونابولي. وسمح بفشل حرب الاستقلال اليونانية. وفي عام 1821، قام الأتراك بقتل ثلاثة مطارنة وثمانية أساقفة وثلاثين ألف يوناني في القسطنطينية. وتم شنق البطريرك وهو بملابسه الدينية على باب كنيسته.

كان الروس يغلون بالغضب، ويطلبون الانتقام. لكن أدار ألكسندر رأسه بعيدا، ورفض فعل أي شيء. لقد رأى الشعب الذي تتملكه الأحزان، أن الأيام الأخيرة المظلمة لإمبراطورهم، هي بمثابة انتقام الله، لتخليهم عن إخوانهم في الشرق.

ثم جاء فيضان مدمر، غمر سانت بطرسبرج، وكانت دولته الجديدة، بولندا، تغلي بالتمرد، والجمعيات السرية تنتشر في كل أنحاء الإمبراطورية. وتسببت مستعمراته العسكرية في أعمال شغب شرسة.

كان ألكسندر، على وشك التنازل عن العرش، عندما علم بمؤامرة اغتياله. وكان رد فعله: "آه! الوحوش الناكرة للجميل"، ثم بكى وهو يقول، "لم أكن أعني شيئا سوى خيرهم.". ثم نجده، بعيدا على شواطئ بحر آزوف، قد توفي فجأة في ظروف غامضه في ديسمبر عام 1825.

ليس من الصعب الحكم على شخصية الإمبراطور ألكسندر. لقد كان يوصف بالضعف. من خلال منصبه " حكم لمدة سنوات هامة، كان يتقرر فيها مصير القارة بأكملها.

في البداية، غرس بذور الليبرالية بجرأة. لكن عندما نبتت، لم يكن راغبا في أن ينضج الحصاد. لقد وضع كأس المعرفة على شفاه أمته، وعندما تذوقوا طعم الشراب، حطم الكأس.

بالرغم من أعمال الاستبداد اللاحقة، إلا أن عهده أصبح يوسم بالرقابة الصرامة، وخنق الفكر الحر، والمعالجة الخاطئة للأساتذة الليبراليين.

إلا أن عصره، كان بالفعل "عصر الأزهار الرائعة." فقد ظهرت جامعات جديدة، وتم إحياء الجامعات القديمة. وتأسست الصحف. وشجعت مدارس جديدة في الفن والشعر والأدب. وازدهرت الجمعيات الأدبية. وتم الاعتناء بالمدن الكبرى، وتزيينها بالتماثيل والكاتدرائيات.

كما أنه أضاف عن طريق الغزو والاتفاقيات إلى إمبراطوريته، أراض شاسعة من فنلندا، بيسارابيا، بلاد فارس، آراكسيس، بيلوستوك، وبولندا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي