الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الرابعة والعشرون) ما هو الأهمال ؟!

ثامر عباس

2022 / 10 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(الحلقة الرابعة والعشرون) ما هو الإهمال ؟!


لقد اعتبر بعض الباحثين إن حالة (الإهمال) و(اللامبالاة) التي يتعرض لها بعض الأشخاص أو الجماعات ، سواء من قبل الدولة / السلطة على خلفية تباين المواقف السياسية ، وتعارض المصالح الاقتصادية ، وتناقض الخيارات الإيديولوجية . أو من لدن الجماعات المحلية الأخرى نتيجة لاختلاف الانحدارات الاثنية ، وتقاطع الانتماءات الثقافية ، وتغاير الولاءات الدينية . هي بمثابة شكل من أشكال العنف الاجتماعي الناجم عن تفكك المؤسسات العضوية التي كانوا ينتمون لها وتآكل الالتزامات التقليدية التي كانوا يحتمون بها . وهو ما قد يوحي بأن مصدر هذا النمط من العنف هو ذا منشأ (جماعاتي) وليس (اجتماعي) ، وبالتالي فان أصل المشكلة قائم في تدهور قدرة (الجماعة) وقصورها في مجاراة ديناميات سيرورات التطور ، وليس في طبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة في (المجتمع) .
وعلى هذا الأساس ، فقد ذهب عالم النفس الأمريكي الشهير (اريك فروم) إلى أن ضحايا عنف الإهمال هم (( أولا"أشخاص غير مرغوب بهم مع تقهقر التزامات التضامن التقليدية ، وضحايا العنف بالإهمال هم الذين تركهم التخلي عن الالتزامات التقليدية وتفكك المؤسسات التي شملتهم ، محرومين لا حول ولا قوة لهم . أنهم ليسوا ضحايا الإنسان بشكل خاص ، لأن عوزهم ينجم عن أنه لم يعد لدى أحد التزام خاص تجاههم . لعل أحدهم يرتكب إساءة ضدهم ، لكن تلك الإساءة عموما"يتعذر قياسها بالنسبة للبؤس الذي يعانيه هؤلاء الضحايا . إن التخلي عن التزامات المساعدة والدعم هو الذي حول تلك الإساءة إلى مأساة . أنهم بهذا المعنى ضحايا اللامبالاة المعممة . تلك اللامبالاة لا ينبغي فهمها على أنها تصرف نفسي صادر عن بعض الأشخاص ، وإنما كترتيبات مؤسسية جديدة . إن العزلة التي تحمي من جموح العنف ، تترك الأشخاص أيضا"دون دفاع . وكلما ازداد تعميم التبادل كقاعدة سلوك ، أصبح جميع الذين خسروا إلى حدّ كبير لعبة التبادل ، ضحايا للهجر واللامبالاة ))(1) .

والحقيقة انه من الصعب قبول فكرة أن سياسة (الإهمال) و(اللامبالاة) التي يتعرض لها البعض ناجمة فقط عن (تقهقر التزامات التضامن التقليدية) ، التي كانت الجماعة المعنية تؤمنها لأعضائها ، بعد أن تعرضت مؤسساتها إلى التفكك ورموزها إلى التراجع ، على خلفية خسارتها لموقعها الاجتماعي ودورها التاريخي . لاسيما وان تلك السياسة هي نتاج واقع اجتماعي مبتلى بمظاهر الصراعات السياسية والمنافكات إيديولوجية ، التي ما أن يهدأ أوارها لفترة حتى يستعر مجددا"جراء التبدلات والانزياحات الحاصلة في موازين القوى . ولعل ما يزيد من وطأة (الإهمال) ويضاعف من رضة (اللامبالاة) بالنسبة لمن يعاني تبعات هذا السلوك ، ليس فقط كونهم محسوبين على الجانب الآخر سياسيا"(إيديولوجيا") ، أو اجتماعيا"(طبقيا") فحسب ، وإنما جغرافيا"(مكانيا") أيضا". حيث يسهم هذا الأخير في تعزيز إجراءات (الوصم) التي تقلل من شأن الآخر / المختلف . ولهذا فقد أشار الباحث المغربي (ياسين يسني) إن من بين أهم عواقب الوصم ، وضع الموصوم في مكانة اجتماعية متدنية ، من خلال ربطه بصورة نمطية سلبية تقلل من شأنه . ويوظف الوصم المجالي ، مثل باقي أشكال الوصم الأخرى ، كمبرر للحط من قيمة الأشخاص الموصومين ونبذهم واقصائهم ))(2) .



الهوامش

1. اريك فروم ؛ المجتمع السويّ ؛ ترجمة محمد منقذ الهاشمي ، ( دمشق ، الهيئة العامة السورية للكتاب ، 2009 ) ، ص147 . مستشهدا"بالعالم الانثروبولوجي الألماني (يوهان ياكوب باخوفن) الذي (( لم يكن محددا"بالتأويل الجنسي العقلاني للتعلق المفرط بالأم ، فقد استطاع أن يرى حقائق أكثر عمقا"وموضوعية . وافترض في نظريته حول المجتمع الأمومي إن البشر قد اجتازوا مرحلة ، تسبق مرحلة النظام الأبوي ، كانت فيه الروابط بالأم ، بالإضافة إلى روابط الدم والتراب ، هي الشكل الأسمى للتواصل ، على المستويين الفردي والاجتماعي )) ، نفس المصدر ، ص151 .

2. ياسين يسني ؛ شباب الأحياء الصفيحية في المغرب : التمييز والوصم واستراتيجيات المقاومة – دراسة حالة (دوار الصهد) في مدينة تمارة ، بحث منشور في مجلة (عمران) الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، العدد (34) – المجلد التاسع – خريف 2020 ، ص64 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن