الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زعيم الحزب الشيوعي الصيني

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2022 / 10 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


شي جين بينغ لا يستطيع التسامح مع الانفتاح فهو يعتبره المسبب الأول في انهيار كيان شيوعي عملاقي آخر هو "الاتحاد السوفييتي" والمعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية. ولهذا اتخذ قراره النهائي بألاّ يسمح لشيء من هذا بأن يحدث في الصين. وصمام الأمان لمنع تكرار الانهيار هو وجود زعيم قوي.

كان والده شي تشونغ شون بطلاً من أبطال الثورة الصينية، وأصبح نائباً لرئيس الوزراء، قبل أن يستهدفه ماو خلال الثورة الثقافية. الأمر الذي ترك صدمة لشي وأسرته منذ ذلك الحين. تغيّر عالم شي في طفولته، بعد أن كان ابناً لشخصية قيادية كبرى، وفقدت أسرته كل امتيازاتها، ويقال إن أخته انتحرت بسبب ما تعرضت له العائلة من اضطهاد وقمع.

ويقول عالم السياسة ديفيد شامبو إن شي بات يحس بأنه منبوذ بين رفاقه في المدرسة، وهو ما يزال بعد في الخامسة من عمره، ما أسهم في منحه “إحساساً بالانفصال العاطفي والنفسي والاعتماد على الذات منذ سن مبكرة“. بعد أن جرى إجباره على الإدلاء بشهادات تدين والده رسمياً، كما نقلت صحيفة ”واشنطن بوست“.

لم تتوقف صدمة شي عند ذلك الحد، فلم يلبث أن تم إلحاقه بمجموعات العمل في الريف، فكان يعمل في نقل الحبوب وينام في الكهوف. أصبحت شخصية شي شخصية منغلقة أكثر، ومجازفة، إلا أنها لم تكن بعيدة عن الإعجاب بالسلطة المتعسفة التي ألحقت به وبأسرته الضرر. أحد تلك الكهوف التي سكنها شي خلال سنوات العمل الشاق، تم تحويله إلى معلم سياحي يروي سيرة الزعيم العظيم، حتى أن أحد السكان رسم له صورة شبه أسطورية، حين روى أنه كان يقرأ كتبا خلال فترات الراحة من العمل.

لكن ذلك المناضل تم رفض طلبه للانضمام إلى الحزب الشيوعي، بسبب سيرة والده الإشكالية مع السلطة، مع أنه تقدّم عدة مرات للحصول على عضوية الحزب. مات ماو، وتمت إعادة الاعتبار لوالد شي ما فتح الطريق أمامه للتدرج في هرم الحزب، فعيّن حاكماً لمقاطعة فوجيان في العام 1999 ثم زعيما للحزب في تشيجيانغ في العام 2002 وبعدها شنغهاي في العام 2007.

مع أن شي يعتبر نفسه دائماً “وريثًا للثورة“، إلا أن مجلة “فورين أفيرز“ الشؤون الخارجية الأمريكية وصفته بأنه “حساس وعنيد ودكتاتوري“، ولعل الصدمات التي تعرّض لها صنعت منه هذا النموذج، إضافة إلى وضعه الأكاديمي الذي تقول عنه تساي شيا، وهي مسؤولة سابقة في الحزب الشيوعي الصيني تعيش في المنفى في الولايات المتحدة، إنه تسبب له في عقدة نقص، فقد ”تلقى تعليماً أقل من قادة كبار آخرين في الحزب الشيوعي الصيني“ على حد تعبيرها.

في الصين يتولى زعيم الحزب الشيوعي رئاسة اللجنة العسكرية المركزية، وهو ما حرص شي على تعزيزه صاباً جهوده على تطهير المؤسسة العسكرية الصينية من كل تهديد ممكن. انطلق ذلك سريعاً منذ العام 2014 حين وجّه اتهاماً بالفساد إلى نائب اللجنة العسكرية المركزية السابق شو كايهو والجنرال السابق بالجيش غو بوشيونغ.

وكان الرجلان قد غادرا السلطة حينها، وأحيلا على التقاعد، لكن شي كان يهدف إلى شيء آخر يتركّز في تصفية كل ولاء لهما في اللجنة العسكرية أو في أركان الجيش، ومع تلك التصفية يكون قد تخلص من نفوذ الزعيم السابق جيانغ زيمين داخل الجيش، إضافة إلى كونها رسالة واضحة إلى ضباط الجيش، بعدم محاولة اعتراض طريق شي نحو الزعامة.

عام واحد مضى قبل أن يعيد شي هيكلة الجيش، ويفرض هندسة جديدة تلغي تقسيمه إلى أربع مؤسسات؛ شؤون الأفراد، السياسات، الشؤون اللوجستية والتسليح، وبدلاً من الرقم 4 أصبح الجيش الصيني على 15 تشكيلا صغيرا.

تم ربط تلك الهياكل بالقيادة المركزية بشكل مباشر، عبر جهاز الرقابة المالية المتصل بالقيادة أي بشي، وفي سبتمبر الماضي نشرت صحيفة ”جيش تحرير الشعب“ اليومية، الجريدة الرسمية للجيش، مقالا تؤكد فيه على أن القيادة العامة للجيش باتت في يد اللجنة العسكرية المركزية.

واصل شي حملة التطهير فأمر باعتقال رئيس جهاز الأمن المحلي السابق زو يونغكانغ بتهمة الفساد أيضاً، بسبب علاقة زو ببو شيلاي، ابن أحد الزعماء الشيوعيين المنافسين لشي الذي بدأ عهداً جديداً من تحطيم رمزية القيادات السياسية للحزب واحداً تلو الآخر.

وباسم مكافحة الفساد تم التحقيق مع أكثر من 4.7 مليون مواطن صيني. ويقول فيكتور شيه المختص في العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييغو الأميركية إنه “خلال العامين الماضيين، عكف شي على التخلص من المسؤولين الأمنيين الذين ساندوا اعتلاءه السلطة في المقام الأول“، وأصبحت وكالات الأمن تدار بشكل شبه حصري من قبل المسؤولين الموثوقين من شي الذي عين بعد ذلك شخصيات موالية له في المناصب الإقليمية المهمة، كأمناء للحزب في المدن الرئيسية كبكين وشنغهاي وغيرها. ويؤكد وو غوغوانغ، أستاذ السياسة بجامعة فيكتوريا الكندية، أن شي هو من عيّن بنفسه معظم أعضاء اللجان الحزبية الدائمة على مستوى الأقاليم، والبالغ عددهم 281 عضوا.

بقي أمام شي الدستور الصيني الذي قام في العام 2018 بإدخال مواد عليه تتضمن رسمياً أفكاره حول اشتراكية ذات سمات صينية لعهد جديد، أو ما سمّي بـ”عقيدة شي جينبينغ“، وقبل شهرين من الآن، كشفت وزارة التعليم الصينية عن خطة تهدف إلى تضمين هذه العقيدة في المناهج التعليمية. وفي العام 2019، أطلقت الصين تطبيقاً على الهواتف المحمولة يحمل الاسم “تعلّم من شي، وادعم بلادك“.

بتكريس المؤتمر العام العشرين للحزب الشيوعي الصيني الرئيس شي ”زعيماً عظيماً“، وتجديد الثقة فيه لولاية رئاسية جديدة، تكون الصين قد اختارت نهجها في العالم الحالي شديد التعقيد. نهجٌ رسّخه شي بالانكفاء نحو الداخل وما عرف عنه من ”تصلّب“ تجاه الانفتاح على الغرب وفي وجه أي صوت معارض في الصين.

ورغم ذلك يرى كتّاب سيرته، أن الرئيس شي: ”لا يكافح من أجل السلطة، بسبب رغبته في السلطة وحسب، إنما لتكييف السلطة لتحقق رؤيته المستقبلية لبلاده، لديه فعلاً رؤية للصين ويريد أن يراها أقوى دولة في العالم، وهو ليس مدفوعاً برغبة في الإثراء كما يشيع عنه الغرب“.

وليس لقب الرئيس المؤمن بمستغرب على قائد شيوعي يعتنق الماركسية المادية، فقد كتب عنه كيري براون مؤلف كتاب “شي: دراسة في السلطة” أنه “رجل إيمان وأكبر خطأ ترتكبه بقية العالم بشأن شي هو عدم أخذ هذا الإيمان على محمل الجد“.

ضمن الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، شي بقاءه على رأس الصين لخمسة أعوام أخرى، ستكون رؤيته ومواصفاته تلك على المحك، فلم يعد أمامه أي عائق لتطبيقها. يدرس شي المستقبل، ويخطّط لما سوف يواجهه قبل أن يحين أوانه، وكان قد أدخل تعديلاً على الدستور في 2018 يلغي فيه المبدأ الذي ثبته المؤسس ماو تسي تونغ، والذي يجعل السلطة بالتناوب بين قياديي الحزب، ويخوّل لواحد منهم البقاء لأكثر من ولايتين فقط. وهكذا لم يبق أمام شي اليوم سوى أن يتم تنصيبه كرئيس للدولة في مارس المقبل.

شي جين بينغ في المؤتمر العشرين:
https://www.youtube.com/watch?v=bHLlWCgiLnA








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألانفتاح والانغلاق في الصين
د. لبيب سلطان ( 2022 / 10 / 24 - 20:58 )
الاستاذ دحنون
شكرا لك على مقالتك التعريفية والتحليلية
قضيت عام 1993 6 أشهر في شنغهاي في الصين اعمل على تخيط نقل جزء ما انتاج شركة موتورولا الى الصين لأنتاج الرقائق مشتركا وكان العرض الصيني سخيا لمدة عام كامل ستدفع الحكومة كافة مرتبات المهندسين والعاملين في المصنع المشترك وافرغوا بناية كاملة تابعة لقيادة الحزب الشيوعي لتكون مقر مجاني لمدة عشرة سنوات لشركة موتورولا وغيرها ..ذلك كان عصر الانفتاح وكانت الصين كأي بلد من العالم الثالث في اقتصادها وكانت خطوة ذكية جدا اتمنى لو طبقها العراق مثلا في تحويل شركاته السكراب الى عاملة ومنتجة لتشغيل الشباب العاطل وتنمية المهارات بالتكنولوجيا الغربية..
اليوم وبعد ان قوت الصين اقتصاديا بعد 30 عاما اصبحت تخاف من الغرب ولكنها لاتستطيع التحول عنه فالكثير من الشركات تخطط للانتقال الى فيتنام وماليزيا وغيرها وهي تعرف ذلك وربما تستطيع التعايش معه وسبب انغلاقهم انهم قرؤا كما كتاب فوكوياما ان التحول للتكنولوجيا من الصناعة سيتطلب التحول الى الليبرالية ..ولا احد يعرف كم هذا صحيح ولكنهم وخاصة شي يخاف من ذلك المجهول وعليه جعل نفسه رئيسا مدى الخياة وهي عقدة طفولته

اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا