الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


28 سبتمبر/ الجبل الذي هوي- وفاة الرئيس عبد الناصر

ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)

2022 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


يوم محفور في لوح أيامي ، كان هو اليوم الأول بعد عودتي لتوي في اليوم السابق عليه من الأردن علي متن طائرة حربية مع خمسة من الزملاء بهندسة القاهرة ، بعد أسبوع من الرعب القاتل بحي اللويبدة الراقي في عمان بالأردن ، كنا مقيمين فيه ببيت الطلبة الأردني ، ودانات المدافع والقنابل تنهال لتعبر فوق رؤوسنا في معركة ضروس بين الحرس الملكي الأردني في ناحية ، والميليشيا الفلسطينية في الناحية الأخري .

كنا قد سافرنا إلي الأردن لقضاء الإجازة الصيفية التي تفصل بين السنتين الثانية والثالثة في دراستي الجامعية بهندسة القاهرة ، وذلك في تدريب هندسي بالمنشآت الصناعية الأردنية ، من خلال برنامج لتبادل الطلاب بين نقابتي المهندسين في مصر والأردن ، واخترت تدريبي في مصفاة البترول بالزرقاء التي كانت تبعد حوالي ساعة بالسيارة يوميا في الذهاب وفي العودة ، حيث سكنا جميعنا نحن الطلاب الستة القادمين من هندسة القاهرة في بيت الطلبة بحي جبل اللويبدة الراقي بالعاصمة عمان ، الذي كانت تفصله مسافة حوالي كيلومتر واحد من الكلية الملكية العسكرية .

منذ هبطنا عمان في يوليو 1970 رأينا في الشوارع ظواهر مقلقة لم نتوقع أن تتعاظم حتي تبلغ الحرب الضروس .. ذلك أن الميليشيات الفلسطينية التي كان الأردن يحتضنها كطليعة للمقاومة من الجبهة الشرقية صارت تتحرش بالشعب والبلد في شكل سيارات مصفحة ، يعتليها رهط من الفلسطينيين بلباسهم العسكري المميز ، تجوب شوارع عمان وهم يرفعون بنادقهم في أيديهم علي نحو استعراضي مقلق ، كأنما يستعرضون قوتهم وقدرتهم علي السطو والسيطرة.

رويدا رويدا راح المشهد يتعقد من جراء ازدياد دوريات المصفحات الاستعراضية المليشيية في شوارع عمان حتي التهبت العلاقة بين الملك حسين وياسر عرفات ، إذ تخوف الملك من نية الغدر التي كانت تنذر بقلب نظام الحكم والاستيلاء علي الأردن من قبل الميليشيات التي استضافها الأردن أصلا علي أرضه ليمكنها من توجيه ضربات المقاومة من الجبهة الأردنية ، وإذا بالملك حسين يقرر الدخول في حرب مع هذه المليشيات لإخراجها كلية من الأردن بعدما حادت عن هدفها الأصلي ، وتركت المقاومة ، وانقلبت علي البلد الذي استضافها لتسلبه نظام حكمه ..

كانت عملية انطلاق المقاومة الفلسطينية من الجبهة الأردنية هي من تخطيط ودعم عبد الناصر بالاتفاق والرضي مع الملك حسين ، ولذا عندما اندلعت الحرب بين الجيش الملكي الأردني والمليشيا الفلسطينية بتصميم قاطع من الملك حسين أن يطرد المليشيا من الأردن نهائيا كانت تلك بمثابة الضربة القاضية لعبد الناصر الذي دعا إلي عقد قمة عربية عاجلة بالقاهرة لإيقاف الحرب الدائرة في الاردن .

اندلعت الحرب وحوصرنا نحن في بيت الطلبة علي جبل اللويبدة ، في النقطة الواقعة بين الفرقة العسكرية الأردنية بكلية الحرب الملكية من ناحية ، والمليشيا الفلسطينية من الناحية الأخري ، وعلي مدي عشرة أيام كانت مئات الدانات والقنابل تمر من فوق البيت في الاتجاهين ، ونحن في رعب أن تسقط إحداها علينا وتنهي وجودنا كلية ..

في هذه الأثناء ظللنا نتصل بالسفارة المصرية في عمان لإجلائنا إلي مصر ، حتي أمكن أن ينقلونا في اليوم العاشر إلي مطار عمان ، وكانت طائرة عسكرية مصرية تنتظرنا لتنقلنا إلي القاهرة .

كان ذلك هو يوم 27 سبتمبر 1970 ، حيث كان مؤتمر القمة العربية معقودا بالقاهرة في انتظار وصول الملك حسين ، الذي كان رافضا الحضور ، لكنه بعد تأمينات مغلظة حضر مرتديا بزته العسكرية وسلاحه في جنبه .

انتهت القمة العربية بالمصالحة الشكلية بين الملك حسين وياسر عرفات وفق قواعد جديدة تحفظ للأردن سيادته دون أية تهديدات من مليشيا عرفات ، وأمضى عبد الناصر يوم 28 سبتمبر كله في مطار القاهرة يودع الملوك والرؤساء ، لكن الإجهاد كان قد نال منه تماما ، وكان آخر من قام بتوديعه هو الملك حسين نفسه ، ثم عاد الي بيته ومات.

انفجر الأسي عاتيا في مصر كلها ، وانفطرت قلوب المصريين عن آخرها .. لكن عهدا مختلفا كان قد بدأ يتولد من بركان الحزن .

يسمونه في فلسطين "أيلول الأسود" ، ويسميه الأردنيون "أيلول الأبيض" ، وأسميه أنا "أيلول الحزين" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيقاد شعلة دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024 في أولمبيا الق


.. الدوري الإنكليزي: بـ-سوبر هاتريك-.. كول بالمر يقود تشيلسي لس




.. الصين: ما الحل لمواجهة شيخوخة المجتمع؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. إسرائيل تدرس -الأهداف المحتملة- للرد على الهجمات الإيرانية




.. سلاح الجو الأردني ينفذ تحليقًا استطلاعياً في أجواء المملكة م