الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب بوتين في أوكرانيا قد تضيع منه روسيا

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


في مسعاه لبعث الاتحاد السوفيتي، قد يكون بوتين رئيس التفكك الأخير لبلاده.

طوال عقود ووسائل الإعلام الغربية تصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاستراتيجي القدير. لكن إذا ما كانت الأشهر الثمانية الماضية دليلاً على أي شيء، فهو أن هذه الحنكة الاستراتيجية المزعومة غالباً ما تأتي بنتائج عكس ما كان يريد.

لقد وعد بوتين بأمور كثيرة، من ضمنها جعل روسيا مكاناً جذاباً للعيش بحلول 2020. لكن، بدلاً من ذلك، هناك الملايين من الروس الذين قد غادروا واستقروا في أوروبا. ويبقي الاقتصاد الروسي معتمد إلى حد كبير على النفط والغاز- وتراجع دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قرابة 60% منذ 2013. كما أخفقت جهود الحكومة لإبطاء وتيرة التراجع الديموغرافي الروسي، ودفعت التعبئة العسكرية التي أعلنها الكرملين لحربه في أوكرانيا أكثر من 300.000 آخرين إلى الفرار من بلدهم. وأغلب من لم يستطيعوا الهرب أو الإفلات بالرشوة من التجنيد الإلزامي هم من غير الروس من أقاليم نائية وفقيرة في الشرق والجنوب.

هذه العوامل ترسم صورة قاتمة ذات مضامين واضحة: بدلاً من بعث عظمة بلاده، ربما يشرف بوتين بنفسه على انهيار آخر إمبراطورية روسية. لقد كانت روسيا على الدوام قوة استعمارية في حالة إنكار. حتى في أثناء غزوها وحكمها لأعداد غفيرة من السكان غير الروس، كانت روسيا تصر دائماً وأبداً على أن هذه الشعوب الأصلية- وعلى النقيض من الحال مع القوى الاستعمارية الغربية- هي التي قد طلبت بنفسها الحماية الروسية وأن الحكم الروسي كان رحيماً. وتتجلى هذه الفجوة بين الخطاب والواقع في التسمية الراهنة لهذا البلد كونه "اتحاداً روسياً."

هناك 21 جمهورية داخل روسيا، كل منها من تسميتها تشكل مجموعة عرقية غير روسية. في الأزمنة السوفيتية، كانت موسكو ترسم الحدود الإقليمية وتسمح لكل منها باستقلاليتها الثقافية. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991، طالبت تلك الجمهوريات الصغيرة بالحكم الذاتي الحقيقي إدارياً وسياسياً. وكانت الحكومة الروسية الديمقراطية الجديدة بقيادة بوريس يلتسين مستعدة لتقديم تنازلات ووقعت معاهدات ثنائية معها كلها باستثناء واحدة: الشيشان. وحين رفضت جمهورية الشيشان الامتثال، وأصرت بدلاً من ذلك على الحكم الذاتي الكامل، أرسلت حكومة يلتسين قواتها فيما أصبحت حرب الشيشان الأولى (1994-1996).

خلال تلك السنوات القليلة من الديمقراطية، طفت إلى السطح موضوعات كانت من المحرمات فيما سبق. وبينت الدراسات الجديدة أن روسيا كانت إمبراطورية توسعية عازمة على إخضاع الشعوب الأصلية. لكن بوتين قيد الحريات والنقاش المفتوح بعدما أصبح رئيساً في 2000. وقمع بوحشية تطلعات الشيشان نحو الاستقلال وأمر بالاحتفال بالأعياد السنوية التي تبرز اختيار هذا الشعب الأصلي "الانضمام طواعية لروسيا." ثم مضى إلى القضاء على الاستقلال الذاتي للجمهوريات الأصلية، وطمس حدودها الإقليمية القائمة على العرق وتحويلها إلى كيانات إدارية روسية عادية. وصوب هذا الهدف، أمر الكرملين بالحد من التعليم بلغات السكان الأصليين، وعين موالين روس في المناصب المحلية. ثم في يوليو 2017، نقض الكرملين آخر معاهدة لتقاسم السلطة والأطول عمراً، مع تتارستان.

بيد أن وتيرة ما تسمى بعملية الترويس لم تكن سريعة كفاية من وجهة نظر بوتين وحلفائه، خاصة على خلفية إدراك الكرملين أن الاتجاهات الديمغرافية في روسيا كانت كارثية. لقد شهد السكان من العرق الروسي تراجعاً حاداً على مدار ثلاثة عقود، فيما حقق السكان من غير الروس نمواً سريعاً. وتشير بعض التقديرات إلى أن روسيا قد تصبح بلداً ذو أغلبية مسلمة بحلول خمسينيات القرن الحالي.

لدى بوتين هوس بالجين الروسي، الذي ينعته "الخاص" و"المهدد". وقد قام باجتياح أوكرانيا جزئياً بغرض زيادة أعداد السكان السلافيين في روسيا عبر دمج الأوكرانيين، الذين يعتبرهم "روس صغار". هذا الاتجاه، مقترناً مع تطلعات بوتين نحو "عالم روسي" يكون فيه جميع المتحدثين بالروسية متحدين تحت حكم موسكو، يحمل شبهاً قوياً لألمانيا النازية في ثلاثينات القرن الماضي. وهذا يفسر اختطاف موسكوا للناس- خاصة الأطفال- من الأقاليم الأوكرانية المحتلة ونقلهم إلى روسيا.

منذ زمن بعيد وموسكو ترى في طبيعة روسيا المتعددة الأعراق تهديداً محتملاً لحلمها بدولة موحدة. ومن حربه في أوكرانيا، يبدو أن بوتين قد وجد حلاً لمساعيه إلى الترويس: الإبادة الجماعية للشعوب غير الروسية. فمنذ الأيام الأولى للحرب في فبراير، ظلت موسكو بشكل غير متناسب تجند وتحشد من غير الروس، ومن ضمنهم التتار من منطقة القرم الأوكرانية التي ضمتها لأراضيها بشكل غير قانوني.

بيد أن الأقاليم غير الروسية بدأت تدرك نوايا موسكو الخبيثة. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة اندلاع الاحتجاجات عبر عدة أقاليم مسلمة في داغستان وباشكورتوستان، وفي سيبيريا. وعقب ادعاء الشيشان مؤخراً بأنها قد أوفت بحصتها ورفضت إرسال المزيد من الرجال، أقدمت ياقوتيا، وهي منطقة كبيرة في سيبيريا، على فعل الشيء نفسه.

من الجدير بالذكر أن دلالة تلك الاحتجاجات لم تمر مرور الكرام على السلطات الأوكرانية. ففي 29 سبتمبر، ألقى الرئيس فولوديمير زيلينسكي كلمة أمام النصب التذكاري للإمام شامل، وهو زعيم من شمال القوقاز خلال القرن التاسع عشر قاد حرب المسلمين ضد روسيا لقرابة 30 عاماً. وحث زيلينسكي شعوب القوقاز وسواهم من غير الروس لعدم إرسال أبنائهم إلى الموت في حقول أوكرانيا. وأضاف قائلاً إن قضيتنا وقضيتكم واحدة: التحرر من الهيمنة الروسية.

لقد كان حرياً بالرئيس بوتين أن يأخذ العظة من التاريخ. فخلال الحرب العالمية الأولى، حاولت السلطات الروسية تجنيد المسلمين من وسط آسيا. وكانت النتيجة تمرداً ضخماً في صيف 1918، الذي تطلب أشهراً وعشرات الآلاف من القوات الروسية لإخماده. وفي النهاية، لم يُرسل مجند واحد من المسلمين إلى المعركة، لكن روسيا بسحبها وحدات الجيش من خط الجبهة لإخماد هذا التمرد الداخلي، عجلت من هزيمتها في نهاية المطاف. وبعد أقل من ستة أشهر، أُجبر القيصر وحكومته على الاستقالة.

بإرسالها رجال غير روس وغير مدربين بشكل جيد إلى أوكرانيا، ربما تلقي موسكو مصير مماثل. وقد تنفجر قرون من المرارة والإحباط تحت حكم موسكو في مواجهة عسكرية وحرب أهلية. وبالنظر إلى ما تمنى به روسيا حالياً من هزائم عسكرية، لا يبدو مثل هذا التوقع مستبعداً. وإذا ما وقع وحين يقع، ستتفكك روسيا كما تفككت إمبراطورية القياصرة والاتحاد السوفيتي. ومن سخرية الأقدار أن الرجل الذي أراد أن يبعث الاتحاد السوفيتي يشرف بدلاً من ذلك على زوال آخر إمبراطورية روسية.
_____________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي:
https://www.wsj.com/articles/the-twilight-of-the-last-russian-empire-putin-kremlin-russian-federation-republics-war-ukraine-russiʇication-mobilizationcollapse-11666270992








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف