الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوارات معاصرة في الثقافة العراقية- المشرقية .

مظهر محمد صالح

2022 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


1- تمهيد :
لا يستقيم الحديث عن دور المثقف من دون الحديث عن النقد كاداة وممارسة، فبهذه العبارة المفتاحية جسد الكاتب الفلسطيني الكبير رائق زريف افكاره متناولا الكاتب والمفكر ادور سعيد في كتاباته عن المثقف وارسائه لمفهوم النقد الذي يؤطر فكرة الثقافة. ويرى رائق زريف ان المثقف كذات في الاداء والممارسة يسائلان ويقفان في مواجهة اي فكر هواياتي قائم على اعتبار ان هناك هوية ثقافية سرمدية مكثفة ومفاهمية مع ذاتها ومن خلال فكرة الاستجواب interpolation بعنى اي سلطة تسعى للهيمنة والسيطرة سواء اكانت هذه الهيمنة عن طريق السياسة ،ام الثقافة ،ام الدولة ،ام المجتمع ،ام القبيلة ،ام الحزب، فان مشروع ادورد سعيد في كتاباته المتعددة يهدف الى تثبيت تعدد الاصوات بدلاً من استبداد الصوت ( الايديولوجي ) الواحد والى اقرار نماذج الهويات والحضارات وعدم الانكفاء في واحدة منها ، والانتباه الدائم الى ان اي هوية ثقافية هي في مسار تطور دائم وانها وريثة ما سبقتها وهي في حالة حوار دائم مستمر مع ثقافات اخرى .
فاستئناف الماضي وموروثه ، يقتضي تقديم تفسير ومعنى جديد للعالم الذي نعيشه.
وهكذا نستقي من الناقد رائق زريف في محضر نقده للكاتب الكبير ادور سعيد ،ان ثمة نموذجين من المثقفين لتقييم بعض اتجاهات الفكر الثقافي المعاصر في العراق وارهاصات مابعد الاحتلال في العام 2003 والتاثر المتبادل بالحركة الفكرية المشرقية :
النموذج الاول ، يرى ان الدور الاساسي للمثقف هو (خلق الاجماع وتوحيد المعاني وصوغ احلام الجماعة ومشاريعها الكبرى )ويبقى في حالة مساءلة متواصلة مع تلك القيم السائدة ، وهو ما عهد عليه في تقديري المفكر العراقي ابراهيم العبادي
بكتاباته المتواصلة في تحليل حراك الشرق ( السوسيو سياسي) في خضم معطياته الدينية والوطنية والقبلية و المؤسساتية.
في حين يقف النموذج الاخر ، لتشخيص دور المثقف ، في حالة استفسار مستمرة ، فيستجوب الاجماع ويخشى الاتفاق ، ويبقى في حالة مساءلة متواصلة مع تلك القيم بصفته دائم التساؤل الذي يخشى الاجماع ايضا ، لان هناك دائما من (يختنق تحت سحابة هذا الاجماع) وهو منهج ادورد سعيد. ولان الصوت الواحد والموحد والوحيد ياتي دائماً (كما يقول رائق زريف ) على حساب اصوات اخرى جرى اخراسها ، وان دور المثقف في هذا النموذج هو : استعادة دور الاصوات الخرساء .
وفي ظل هذه الامتحانات النقدية الصعبة ، يقف المفكرين حسين العادلي وعقيل الخزعلي وسيل هائل لا استطيع حصره من اقلام الامة العراقية المفكرة ليمارسوا من وجهة نظرنا استعادة دور الاصوات الصامته في فضاء نقدي مشرقي شديد التعقيد او عراقي صعب المراس.

2- فالنموذج الاول الذي التقطناه جاء في واحدة من متبنيات المفكر ابراهيم العبادي في عموده الاسبوعي الثري الذي تناوله مؤخرا في حراك مسالة مشرقية في الاجتماع السياسي المشرقي ، بعنوان (( مخاوف من تظاهرات ايران )) متحدثاً ان جيل ايران الجديد بات عقله يتشكل وفق نمطيات التواصل الاجتماعي
الكثيرة الاشكالية، ويتبلور مابعد الحداثة الغربية والحريات التي لا تقف عند حد .
ويمكنني القول : ان ماقدمة المفكر ابراهيم العبادي يعد مقالاً تحليلياً في ثقافة صراع الاجيال داخل منظومة اديولوجية دينية محافظة قيمياً وتعد نسبياً بطيئة الاستجابة والتكيف لطراز حياة العولمة ،والدعوة الى اتساع الحريات الشخصية الى مدايات صادمة للقيم الدينية الموروثة والمفروضة (ومنها الدعوة الى حرية المرأة الي تمثل قوة انسانية يشكل وزنها 50٪ من اي مجتمع).
فامام عالم رقمي خطير يجعل المجتمع شديد الانكشاف نحو (الخارج ) ازاء تفاعل متسارع مع ثقافة تاريخية متراكمة وموروث حضاري (فارسي) متجذر يمتلك قدر من الحريات خالي من الطقس الديني ويمثل نواة التفاعل (الداخلية)، تتفجر
اشكالية أدارة شؤون المرأة وهي الام والسيدة والمراهقة عبر سلاسل وقيود اجتماعية واقتصادية في مجتمع ثيولوجي يتولى الاستجابة لادارة الدولة الدينية . فعادة ما تُظهر المعارضة قوتها بابسط انواع التعبير لاختبار قوتها التي تلامس رمزيات النظام وطقسه دون جوهره التي ابتداتها هذه المرة بالدعوة الى حرية النساء في الملبس كتعبير عن مشكلة اجتماعية واقتصادية اكبر .اذ ان اشكال المعارضة في المجتمع الثيولوجي تبدأ عادةً بمهاجمة رمزيات النظام وقيوده للتعبير عن قساوة المشكلة الاقتصادية القائمة في البلاد والتي فرضت خارجيا باشكال مختلفة على المجتمع الايراني منذ اكثر من 40 عام واشتدت قساوتها في العقد الرقمي الاخير دون حل . نكرر هنا تظهر المعارضة السياسية اول اختبار لقوتها وامتحان قدرتها على تفكيك واحدة من رمزيات النظام المهمة في الجمهورية الاسلامية ( كالحجاب) وغيره والمفروضة على الحريات الشخصية قبل ان تلامس اساسيات النظام الديني في الادارة والحكم .
فالحجاب كقيد ثيولوجي على حرية النساء في (الملبس )يبقى مقبولا ًكرمزية شكلية اذا ما تحققت الرفاهية وتوافرت اسس من العدالة السياسية العالية حتى يستقل المجتمع بنفسه ويتحصن كثقافة ضد المؤثر الخارجي ومن ثم يقبل الخصوصية الثيولوجية في الحجاب وغيره ،بعيدا حتى عن تاثير طرازات العولمة في تحرير المرأة بشكلها المعتدل و المنفلت .فبين (قبول )الحجاب المفروض ثيولوجيا وبين (خلعة )ومسايرة عصر عولمة حياة النساء هناك خيط فاصل شديد التاثير يبقى عنوانه :توافر استدامة اوسع من الرفاهية الاقتصادية الاجتماعية والسياسية ،وبخلافه فان العصر الرقمي الراهن سيبقى اداة التاجيج والتثقيف المضادة للعصر الثيولوجي وقيوده ابتداءً من اناث المجتمع وانتهاءً برجاله ذلك مالم تتوافر مصدة عنوانها : الرفاهية الاقتصادية ونظام سياسي عالي الديمقراطية يتناسب والثقافة الفارسية وموروثاتها في الحياة كي تقبل النساء والاخرين رمزيات القيود الثيولوجية ،وتعدها اعراف طيبة مقبولة قبل ان يتجدد خلع الحجاب كرمز للتمرد ثانية وعند كل مناسبة.

3- اما النموذج الثاني من الثقافة والذي يستوجب في منهجيته الاجماع ويخشى الاتفاق ويبحث في الوقت نفسه عن فك اسر القوى الخرساء في المنظومة السلوكية العراقية (السيسيو سياسية) ، فقد تناولها المفكر حسين العادلي في موضوع رمزي عنوانه :((الخيبة )) عندما تداول نصا مهمًا مفاده : ان المقامر يتعود الخسارة ولا يألف الخيبة كذلك ( السياسي).!!
ومن جانبي وجدت ان القوى الخرساء التي حثها العادلي تكمن بان من تحبطه الخيبة في الوهلة الاولى من فقدان الأمل هم السكونيون او النكوصيون المتقهقرون من متجنبي المخاطر risk avoiders وثمن نكوصهم في قبول الخيبة والتمدد بها والعيش في محيطها ،يقتضي دفعهم علاوة مخاطر risk premium طوال حياتهم ثمنها الاغتراب عن الامل وضياع بلوغه. ومن يتعايش مع خيبات الأمل دون كلل وتوقف وديناميكية هم المقامرون في صالات الميسر والسياسيون المهوسون في السلطة وهو مايطلق عليهم بمحبي المخاطر risk lovers. اما الفئة التي تتدرج في مواجهة خيبات آمالها وتجزئة المواقف ازاء كل خيبة دون ان تفقد الآمال الكبيرة في مسارات حياتها، فهي الفئة محايدة المخاطر risk neutral متمثلة بعموم الناس ممن يتعايش بسلام سعيا وراء الآمال القادمة .
4- وختاما، في خضم الترجيحات الفكرية في النقد الثقافي يظهر المفكر الحداثي عقيل الخزعلي عندما يتناول القوى الخرساء ليحفر بواقعية ومنطق عالي في في جدران قيودها بالقول :من الخطأ ان يكون الشخص الواعي الهادف ( متاحا مشاعاً مباحاً) في جميع الاوقات وعقلانياً منطقيا رياضياً وعاطفيا وجدانيًا متسامياً ) في المصاعب كافة ..!! وينتهى بالقول : اذا كان العلم مطلباً فان الحكمة غاية.
من جانبي اجد ان المفكر الخزعلي وهو يتناول صمت الحياة وحركاتها وردود افعالها وظواهر التقدم والتراجع فيها يظهر لنا بواقعية عالية ومنطق عقلي دقيق ، ان الحياة في حالة من الاصطفاف ضمن ظاهرة (المواقف ) والسلوك المرتبط . وهي الحالة التي تجعل ثمة حراك بين استحضار الوعي المطلق وبين المواقف النسبية ومحطاتها ….وبخلاف ذلك سيغلب السكون وتطبق القوى الخرساء صمتاً و ينشطر المجتمع دون تفاعلات ويستقطب بلا ريب الى معسكرين منعزلين تماما .وان كل ماتقتضيه التصرفات الواعية ازاء( المواقف الصعبة هذه) هي العزلة والصمت والاغتراب بغية تقليل الفجوة بين مطالب العلم وغايات الحكمة.
(( انتهى)).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت


.. شركة أميركية تعرض للبيع كلبا آليا يقذف النار واللهب




.. في مصر.. 52 شخصاً ثروتهم تتجاوز 100 مليون دولار


.. عادات وشعوب| قد يتمنى أحدهم الموت للدفن بمقابر فارهة في قرية




.. ساعة حوار | تداعيات حرب غزة.. جرائم الكراهية والتطرف تهدد أو