الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افتتاح مهرجان الموسيقى العربية… إبهارٌ في إبهار!

فاطمة ناعوت

2022 / 10 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"ابقوا حيث الموسيقى، فإن الأشرارَ لا يُغنّون.” مثلٌ غجريٌّ صادقٌ وموحٍ وجميل. وأودُّ أن أذكّركم بمشهد من مسرحية "يوليوس قيصر" لمايسترو الأدب البريطاني "وليم شكسبير”. كان قيصر يستعرض قائمة الأشخاص الذين يتوقع منهم الخيانة والتآمر لاغتياله. وحين وقعت عيناه على "كاسيوس"، هتف لنفسه قائلا: "إن كان عليّ أن أحذر أحدًا، فليكن كاسيوس. حذارِ من كاسيوس، فإنه لا يحبُّ الموسيقى!”. فعلا، علينا الحذر ممن لا يحب الموسيقى.
قبل أيام، شرُفتُ بحضور افتتاح "مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية" في دورته ٣١، مع ابني الفنان المتوحّد: "عُمر". المتوحدون بشكل عام فنانون رفيعو الطراز، حساسيتهم للفنون عالية ودقيقة وحاسمة. لا يتذوقون إلا الفنَّ الرفيع في التشكيل والنحت والباليه، وقطعًا في الموسيقى. بوسعك أن تحكم على رُقي عمل فني ما، بعرضه أمام شخص متوحّد Autistic؛ فهم لا يتقبلون إلا الجمال، وفقط. كان الافتتاح شلالاً هادرًا من القطع الفنية الأنيقة على شرف روائع الموسيقار العظيم "علي إسماعيل". وكان الإبهارُ على جميع الأصعدة: الديكور العظيم في مسرح النافورة المكشوف، استخدام السينوغرافيا لرسم الخلفيات من معبد الكرنك والسواحل المصرية والمشاهد الوطنية، وفق القطعة الفنية المعروضة، مع الرقصات المدهشة التي قدمتها فرقة "باليه القاهرة" بإدارة "إرمينيا كامل"، والموسيقى الحيّة التي عزفها أوركسترا القاهرة العظيم بقيادة المايسترو "أحمد عاطف"، وغناء كوكبة جميلة من نجوم دار الأوبرا المصرية. الفيلم البانورامي الذي قدّم لنا مقتطفاتٍ من أفلام خالدة في ذاكرتنا بموسيقاها التصويرية من تأليف "علي إسماعيل"، احتفالا بمئويته، كان بالنسبة لنا هديرًا من زخّات المطر تطرق نوافذَ الذاكرة فنسبحُ معها في لُجاج النوستالجيا، مع الأفلام والأغنيات التي شكّلت طفولتنا وصبانا وشبابنا. الموسيقى التصويرية لفيلم "الأيدي الناعمة" مع أناقة فاتنات السينما المصرية: صباح، مريم فخر الدين، ليلى طاهر، ووسامة "أحمد مظهر"، تذكرنا بمصر الأنيقة في ستينيات القرن الماضي. “رايحة فين يا عروسة يا أم توب أخضر"، بصوت الفنانة "نهى حافظ" مع رقصات باليرينات جميلات في فساتين ساحرة بلون الأخضر الفاتح كأنهن فراشات. أغنية "أنا أم البطل" التي أوجعت قلوب المصريين في السبعينيات على شهداء أكتوبر بصوت الفنانة "شريفة فاضل" حين غنّتها لابنها الشهيد، سمعناها بصوت الفنانة "أميرة أحمد" لنتذكر شارات الحداد التي دثرت بيوتًا مصرية أهدتنا أبطالا في جميع حروبنا مع الكيان الصهيوني. القصيدة العظيمة التي كتبها الشاعر "كمال عبد الحليم" على موسيقى "علي إسماعيل"، وشدت بها "فايدة كامل" أثناء العدوان الثلاثي على مصر: "دع سمائي فسمائي مُحرقهْ/ دع قناتي فمياهي مُغرِقهْ/ واحذرِ الأرضَ فأرضي صاعقه/ هذه أرضي أنا وأبي ضحّى هنا/ وأبي قال لنا مزقوا أعداءنا"، سمعانها في دولة الأوبرا بصوت الجميلة "غادة آدم"، فذُبنا شجوًا وطربًا ووطنيةً. “حلاوة شمسنا وخفة ضلنا/ الجو عندنا ربيع طول السنة" تلك الطقطوقة الخالدة التي كتبها الجميل "مأمون الشناوي" على أحبال حناجر "الثلاثي المرح"، شدت بها الفنانة "حنان عصام"، وشدونا معها لشمس الوطن العزيز. وكان الختام مع "الاقصر بلدنا" على ديكور معبد الكرنك لنتذكر حلاوة صوت "محمد العزبي" ومجد "فرقة رضا"، بخطوات "فرقة باليه القاهرة" الرشيقة، وصوت الفنان "محمد حسن". كان الافتتاح بحقٍّ، شيئًا يفوق الخيال.
صدق "قيصر"، وصدق "شكسبير"، فإن مَن لا يسمعُ الموسيقى مُجرمٌ قلبُه، مصدوعةٌ روحُه، من السهل أن تتوقع منه آياتِ الغلاظة والعنف والغدر، لأن روحه لم تُهذَّب. الموسيقى تُروّض الكائنَ الهمجي الذي يعيش داخلنا. لهذا يلجأ الغربُ إلى أسلوب يعيدون به تأهيل الخارجين عن القانون، بتنظيم فرق موسيقية كبرى لزيارة السجون والعزف للمساجي. وأثبتت الدراساتُ والتجارب بالفعل أن أولئك المجرمين يخرجون من سجونهم أقل عدوانية وأكثر تحضّرًا ورقيًّا، لينخرطوا في سلك البشر الطبيعيين ويخوضوا الحياة داخل إطار القانون وتحت مظلة الأخلاق. الفنون الراقية ليست رفاهية ولا ترفًا، بل ضرورة حياة. لهذا قال فيلسوف الإغريق "أفلاطون" في القرن الرابع قبل الميلاد: "علّموا أولادكم الفنون ثم أغلقوا السجون". فالمجتمعات التي تحترم الفنون الرفيعة وتُغرق أبناءها في دروبها، قلّما تحتاج إلى السجون، لأن نسبة الجريمة فيها تكاد تنعدم.
شكرًا لكل هذا الوهج الذي قدمته لنا "دولة الأوبرا المصرية" العظيمة ولجميع من شارك في الحفل البهيّ. شكرًا للمتوهجة جمالا ونشاطًا "جيهان مرسي" مدير المهرجان، وشكرًا لوزيرة الثقافة الجميلة د."نيفين الكيلاني"، وشكرًا للمُضيف مدير دار الأوبرا د.”مجدي صابر"، والشكر موصول للفنانة "إيناس عبد الدايم" التي جعلت من الأوبرا حصنًا للجمال. للموسيقى ضرورة؟ نعم. لابد من الموسيقى. تحيا دولة الأوبرا المصرية وتحيا مصر.
               ***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد