الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد اللطيف الراوي و (الفكر الاشتراكي في الادب العراقي)

قاسم علي فنجان

2022 / 10 / 26
الادب والفن


عندما يصادفك عنوان كهذا وانت تسير في شارع المتنبي، فحتما ان شهية معرفية من نوع ما ستصيبك، ويدفعك الكثير من الفضول الى معرفة كيفية بحث مثل مواضيع كهذه، خصوصا وان الباحث اخذ فترة زمنية محددة 1918-1958، أي في حقبة الاستعمار البريطاني والحكم الملكي؛ اما الصعوبة الأخرى والأكثر شدة ههي ان البحث قٌدم اثناء فترة ظلامية تامة من تاريخ حكم حزب البعث، فهذا العنوان والذي هو رسالة الدكتوراه للباحث والكاتب الرائع عبد اللطيف عبد الرحمن الراوي 1940-1994 احدث جدلا كبيرا داخل الوسط الجامعي في تلك الفترة، وقد استمرت مدة مناقشة الرسالة نصف يوم كامل، دون ان تٌعلن أي نتيجة لهذا البحث، رغم تدخل الوزير آنذاك "غانم عبد الجليل" الذي اقترح على الدكتور "علي جواد الطاهر" المشرف على الرسالة ان يغير او يشكل لجنة جديدة للمناقشة؛ وأيضا اعتذار "الياس فرح" عضو القيادة القومية لحزب البعث خشية الاحراج مع حزبه.

لقد قدم عبد اللطيف الراوي نموذجا رائعا في أسلوب البحث والتقصي، فلم يترك او ينسى او يهمل اية قصة او رواية او بيت شعر او مقال او لقاء صحفي لكل الكتاب والادباء في العراق، بدءا من تأثيرات مقالات "شبلي شميل" في مجلة المقتطف التي كانت تنشر اخبار "الكومونة" ومقالات "الاشتراكية الصحيحة"، الى مقالات جريدة "الزوراء" التي كانت تتابع اخبار الحركة الإصلاحية في تركيا والعراق أيام الوالي مدحت باشا.

تتبع الراوي البذور الأولى للنشاط الاشتراكي، فثورة أكتوبر الاشتراكية 1917، كانت قد القت بظلالها على بقاع كثيرة من العالم، والعراق كان احدى البقاع التي اثرت فيها تلك الثورة "كنا اطفالا نحس قسوة الفوارق الطبقية، وحين نجتمع لأكل التمر "المشورث" كنا نأكله في الظلمة حتى لا نرى ما في داخله من دود وسوس، ولقد اخذت الاشتراكية من هذا الموقف وامثاله..." الجواهري؛ اما عبد القادر إسماعيل فيقول "انا لم التق بجماعات من الذين يعرفون المبدأ الاشتراكي اول الامر، انما كان هناك شعور طبقي "اغنياء-فقراء" وقع بيدي كتاب مترجم في مصر للينين اسمه "الدولة والثورة".

ثم الى حسين الرحال وحلقته الأولى المكونة من "عبد الله جدوع، محمود احمد، مصطفى علي، سليم فتاح، إبراهيم القزاز" الذين كانوا يناقشون الأفكار التقدمية، والذين كانوا النواة الأولى للثقافة الاشتراكية، فبعدهم جاء الجيل الثاني المكون من "زكي خيري، عبد القادر إسماعيل، يوسف إسماعيل، عبد الفتاح إبراهيم، حسين جميل، نوري روفائيل، جميل توما، عزيز شريف وغيرهم".

هذه الحلقات الفكرية هي اللبنات الأولى للثقافة الاشتراكية في العراق، ومنها استمد الادب تأثره وتأثيره، فكانت القصة والرواية والشعر والمقال، وقد تكون "جلال خالد" الرواية الأولى الصريحة المقاصد والواضحة في الدعوة الى الاشتراكية، ثم إلى قصائد الرصافي والجواهري والسياب، الى كتابة المقالات عن "كارل ماركس الشاعر" وعن "انجلز الشاعر الفنان" وهي مقالات تمزج الادب بالسياسة والفلسفة.

بحث عبد اللطيف الراوي وعبر ثمان فصول من كتابه المثير، بحث كل ما من شأنه ان يتصل بالأدب والثقافة الاشتراكية، فكانت فصول كتابه غنية وشاملة ووافية لحقوق الادباء والكتاب والشعراء والرواة، لقد تطرق الى الادب الاشتراكي وعلاقته بالسلطة، وبحث القضايا العربية والعالمية، والمظاهر الطبقية في المجتمع، العمال والفلاحين والمرأة، وبحث في قضايا السلام والحرب، وأيضا تطرق الى البغاء والفن.

عندما تنظر الى لجنة المناقشة والى أسماء تلك اللجنة والذين منهم "داود سلوم، صلاح خالص، علي جواد الطاهر" فحتما ان الرسالة ستكون بجودة عالية، وما يجعلها أكثر متانة ورصانة هو وجود شخصية باحثة مجدة ومجتهدة بقامة الدكتور عبد اللطيف عبد الرحمن الراوي، فله كل الذكر الطيب على هذا الأثر الذي تركه لنا، وللأستاذ الفاضل سعدون هليل، الذي وجد هذا البحث على قارعة الطريق، بعد ان احترقت وسلبت ونهبت "المكتبة الوطنية" اثناء احتلال القوات "الديموقراطية" الامريكية للعراق 2003، والذي تكبد عناء مشقة طباعتها، فله كل الشكر والثناء على جهوده.

ملحق:
الكثير من "المثقفين اللبراليين" يشير الى ان عبد الفتاح إبراهيم هو شخص "ليبرالي"، وحقيقة هذا تجني وتحريف للحقائق التاريخية، يذكر عبد اللطيف الراوي ان الجادرجي كان يقول عن عبد الفتاح إبراهيم انه "يدين بالماركسية ولكنه حاول مرارا ان يطور الماركسية حسب ظروف العراق بزعمه وكان يعطي لشخصه المقام الأولى في جميع اشتغالاته ومحاولاته ونظرياته الخاصة ويعتبر نفسه زعيم الحركة الفكرية في العراق". "تاريخ الحزب الوطني الديموقراطي"، لقد كان عالم الاجتماع عبد الفتاح إبراهيم لولب جماعة "الأهالي" التي كما يقول عنها الجادرجي انها "قد نحت منحى اشتراكيا منذ تأسيسها"، فجميع مقالاته التي كان ينشرها في "الأهالي" كانت تبين تأثره بالاشتراكية العلمية، بل ان كتابه "على طريق الهند" يعد "اول كتاب عراقي يبحث بدقة ويعرض بجرأة كل ما يتصل بالاستعمار واساليبه في امتصاص دماء الشعوب"، بالتالي فأن معرفة الحقائق التاريخية ليست ابدا "كان ابي يعمل مع الجادرجي"، هذا سحق للتاريخ وجهل فاضح عند البعض من "لبراليينا" الاشاوس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي