الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة: رابعا – -خلاصات- من معانى ودلالات واستنتاجات

محمد رؤوف حامد

2022 / 10 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ماسيُذكر هنا من خلاصات يتعلق بالأوضاع فى غالبية بلداننا العربية، فضلا عن معظم بلدان الجنوب.
أيضا تجدر الإشارة الى أن هذه الخلاصات مُستخلصة من التفاصيل التى جرى تناولها فى المقالات الخمس السايقة فى هذه السلسلة (عن المسافة بين النظرية والممارسة)، وفى نفس الوقت هى إمتداد لها.

أولا – فى المعانى:

- فى غيبة الإستعانة بالفكر والنظريات فى متابعة أوضاع العلاقات والممارسات المجتمعية فى حياتنا نُصاب، كأفراد وككيانات (منظومات ومؤسسات وقيادات)، بفقدان البوصلة المعرفية، أو بعَرَضْ "التوهان".
- فى ظل هذا "التوهان" تتعمق غربتنا، دون تقييم ممارساتنا بمرجعية النظريات، و- بالطبع- دون إضافة، تطويرية أو إبداعية، من جانبنا لهذه النظريات.
- وعمليا، مع إبتعادنا عن الرؤى النظرية، وعدم إعمالها فى حياتنا، تتعمق غربتنا (وغربة ممارساتنا) عن الفكر وعلاقته بالواقع. ذلك يجعل حياتنا فى "ضياع"، سواء من حيث ضعف استيعابنا للزمن، أو من حيث فناء جهودنا وطاقاتنا ومساراتنا فى توجهات ومسارات متناقضة. من هنا تكون معظم ممارساتنا "رجوعية" (أى تعود بنا الى الوراء)، ولا تحمل فائدة تطويرية لمجتمعاتنا وأوطاننا، خاصة على المدى الطويل.
- ولأن أوضاع بلداننا، كما سبقت الإشارة، بعيدة عن الربط بين النظرية والممارسة، فإن المفكرين الملتزمين فى تناولاتهم (وفى أعمالهم) بالمعرفة، وبحركياتها، يكونوا فى معظم الأحيان من المغضوب عليهم، أو ليسوا ممن يوثق فيهم. ولايخفى على الإنتباه التعامل مع بعض المفكرين كما لو أنهم متهمين. من شأن هكذا وضع حَجْب (أو إختفاء) المقاربات الذهنية والفكرية للمشكلات والإشكاليات، على الأقل نتيجة الإحتراس من جانب المفكرين و أصحاب الرأى من أجل الحفاظ على أمن وأمان ذواتهم وذويهم. ذلك علما بأن المقصود هنا بالمفكرين هؤلاء الذين يمارسون التفكر (ويُعمِلون الفكر) فى عموم جوانب الشأن العام، أو فى إطار مهام أعمالهم ومؤسساتهم وتخصصاتهم. وعليه، فمصطلح المفكرين ليس مقصورا على الكُتّاب وأصحاب الرأى من الأكاديميين والخبراء.

ثانيا - فى الدلالات:

أ) قياسات وحقائق:
- تحفل الممارسات السلطوية (محليا وعالميا) بعنف معنوى يتشابه مع توجهات العنف فى نظرية الإنضباط لميشيل فوكو (للتفاصيل يمكن الرجوع الى المقال الأسبق - أى المقال الخامس- فى هذه السلسلة). أيضا، بعض هذه الممارسات تتبع مايمكن تعريفه ب"الإدارة التحجيمية"، والتى تتصف بإحتكارية صناعة القرارات فى إتجاه أحادى ينزل من أعلى، مع وجود إستئصال عقابى للمخالفين (أو المختلفين) فى الحس والرؤية ( ).
- وجود فجوة كبيرة بين تطورات ونظريات علم الإجتماع السياسى من جانب، وممارسات البحث العلمى، المفترض أن تكون ذات صلة، فى الشأن الإجتماعى (أو المجتمعى) فى بلادنا، من جانب آخر.
- أيضا قدر من الإبتعاد بين تطورات ونظريات علم الإجتماع الثقافى من جانب، والتناولات البحثية المحلية من جانب آخر.
- تسارع إيقاع التحول فى بلداننا من الإعتماد على أهل الخبرة فى إدارة الشؤن والمهام العامة (أو القومية) الى الإعتماد على من يُعتبروا أهلا للثقة.

ب) خسائر وممكنات:

- إختفاء (أو تدنى) لجوء الدولة فى بلادنا للتعامل الإيجابى مع الفعل التواصلى Communicative action ، والذى هو أساس العالم الحياتى، حيث ينشأ من أسئلة ورؤى ومواقف الناس، مما يعنى عدم الإكتراث به، وبالتالى إضعافه، فضلا عن مايلحق بالشأن العام من إنعكاسات سلبية. من ملامح ذلك، كأمثلة محلية ، بعض ما شوهد فى مصر من أعمال الهدم (أشجار أو مقابر أو مبانى)، وكذلك تجريف لمؤسسة علمية رائدة فى مجالها، محليا وإقليميا ودوليا (الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية)، دون إنتباه (أو تفاعل) مناسب للفعل التواصلى عند الناس.
- الحاجة الى توافق مجتمعى (فى كود أو ميثاق) بشأن الممارسات السليمة Good Practices ، على أن ينشأ ذلك بالإعتماد على أسس النظريات الإجتماعية والثقافية. فى هذا الصدد يمكن الرجوع الى النظريات والرؤى المشار إليها فى المقالات الثلاث السابقة، عن الإتجاهات الفكرية المعاصرة، بشأن المسافة بين النظرية والممارسة. وكذلك يمكن الرجوع الى دراسة بعنوان "الجماعية كآلية ذهبية للتقدم" (فى كراس للمؤلف بعنوان: "مستقبل جديد للثورات – ثورة المفكرين" 2019).

ج) تساؤلات وتأملات:

تقصد هذه التساؤلات والتأملات الى طرح محاور (أو نقاط للبحث) بواسطة القارىء المهتم، وذلك لدعم الإستعانة بالنظريات الإجتماعية كمرجعية فى تحسين أوضاع حياتنا. هذا فضلا عن دعم التفاعل التطويرى مع هذه النظريات، من منظور خصوصياتنا ، فى العالمَين، الحياتى (والخاص بهموم وإنشغالات ورؤى الناس) والمنظومى (والخاص بأدوات الإقتصاد والسياسة)، وفيما يلى بعض التساؤلات و/أو التأملات:
- تُرى ماهى الممارسات التى تُستبطن عادة داخل المكونات النفسية الإجتماعية للإنسان (وللكيانات) فى مجتمعاتنا، طبقا لنظرية الهابيتوس (أو الإستبطان)، وماذا يمكن أن تعنيه (أو تحمله) هذه الممارسات من سلبيات و/أو إيجابيات؟
- ماذا يمكن أن يكون عليه قدر النسبية بشأن قوة العالم الحياتى وقوة العالم المنظومى، عند مقارنتهما ببعضهما، فى مجتمعاتنا؟
- الى أى حد تستخدم (أو تُراعى) نظريات الفعل التواصلى والممارسات الإجتماعية فى ترشيد الأوضاع فى بلادنا، سواء بالبحث العلمى أو من خلال المقاربات الإدارية.

ثالثا – فى الإستنتاجات:

يمكن القول بوجود حاجة قصوى الى الإجتهاد العملى فى تعظيمOptimization الإدراك، النظرى والممارساتى، لما ورد فى هذه الدراسة، وكذلك ماجرى التأكيد عليه أعلاه (بشأن المعانى والدلالات)، مما يتطلب أحسن "إعادة إحياء" Revitalization منظومى ممكن لكل من:
- النقابات بأنواعها.
- جماعات العمل المدنى.
- الأحزاب السياسية.
هذا، ومن المتوقع أن ينعكس هكذا تعظيم، إيجابيا، على أداءات الحكم المحلى، وعلى الفاعليات البرلمانية، و- بالطبع- على مبادىء وأداءات وخبرات الفعل التواصلى. عندها يكون العالم الحياتى (الخاص بالناس) فى بلداننا أكثر وضوحا، وتقدما، وأكثر قدرة على ترشيد العالم المنظومى (أو التنفيذى)، ويكونا معاً (العالمين الحياتى والمنظومى) أكثر هارمونية فى دفع قدرات بلادنا على مواجهة التحديات وإنجاز التقدم.
أيضا، عندها، سينخفض جدا قدر طغوة "اللايقين" كمكون (أو كخاصية) فى حركيات مجتمعاتنا، وستزداد الثقة (وتتعمق الإحترامات) بين أفراد المجتمع وكياناته وبعضها، فضلا عن وضوح أعمق لما ينبغى أن تكون عليه مستقبلياتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص