الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمن -غامر- السيسى بشعبيته؟!

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2022 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


"هل تكون الحكومة جديرة بالحماية عندما تكذب على الشعب؟!، الحكومة تكون خطرة عندما لا يستطيع المواطن الثقة باى احد من اعضائها، او حين لا يكون قادراً على قول الحقيقة".
النائب العام لـ"نيو اورليانز"
الوحيد الذى طلب محاكمة لمقتل كينيدى.


في افتتاح المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد صباح اليوم في العاصمة الادارية الجديدة، تحت عنوان "خارطة طريق لاقتصاد اكثر تنافسية"، قال الرئيس السيسي: ".. لقد كان واضحاً من عمق الازمة التي تعاني منها الدولة المصرية في العصر الحديث يتطلب اجراءات حادة وقاسية ومستمرة لعلاج كافة الاختلالات التي تشكلت خلال الخمسين عاماً الماضية .."

كما قال: ".. في 2015، احنا شلنا دعم جزئي عن الوقود .. الناس كلها ساعتها قالت هو الرئيس السيسي بيغامر بشعبيته، انا كان تقديري في الوقت ده، ان الرصيد الموجود ده لابد من استثماره باكبر حجم من الاستثمار في الاصلاح والبناء لان مش حتتعوض الفرصه تاني، وقد لا يتواجد مسئول اخر في المكان ده بعد كده يقدر يبقى عنده هذا الحجم من الارصده اللي ممكن الناس تقبل منه .. لو ماكنش متخذ القرار منتبه للكلام ده كويس، وعارف هو فين، ويستفيد من الفرصة لمين، لبلده لشعبه، لتقدمه لاستقراره، يبقى هوه فاتته الفرصة ..".(1)


تحت غبار المعارك يمكن فعل ما لا يمكن فعله بعد انقشاعها!.
استطاعت شعبية عبد الناصر ان تمرر وأد المجتمع المدني، تحت غبار معركة التنمية والتحرر الوطني، واستطاعت شعبية السادات ان تمرر التفريط في الاستقلال الوطني، تحت غبار معركة اكتوبر 73، فماذا مررت شعبية السيسي، وتحت غبار اي معركة؟!.

لقد حظى الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، بشعبية "هائلة"، عقب اطاحته بالاخوان المسلمين من الحكم فى 2013، بغض النظر عن مدى "جدية" توليتهم الحكم من المجلس العسكرى. لقد ساهمت في تشكل هذه الشعبية الـ"هائلة" بشكل فعال، بعضً من قوى ثورة 25 يناير 2011، وكذلك قوى معادية لنفس الثورة!، وقادتها ماكينة اعلامية هائلة، تمتلكها الدولة ورجال اعمال من رأسمالية محاسيب "مبارك"، تلك الشعبية التى حظى بها السيسى قورنت، بشكل ما، بالشعبية التى حظى بها كلً من الرئيسين عبد الناصر والسادات، وذلك فى اوقات مختلفة وفى سياقات تاريخية ووطنية مختلفة.

بالرغم من الشعبية الجارفة التى حظى بها عبد الناصر حتى منتصف الستينات من القرن الماضى، الا انها انهارت عقب الهزيمة المذلة لنظامه ومشروعه للتحرر الوطني فى 1967، في وقت العولمة، "لا تنمية مستقلة، فقط، تبعية"، هذه الهزيمة التي مازالت مصر والمنطقة العربية تعانى من اثارها الفعالة والمدمرة للاستقلال الوطنى حتى الان، ومن المؤكد لفترة قادمة.

هذه الهزيمة التى كشفت عن الخلل الاساسى فى نظام عبد الناصر "يوليو"، المتمثل فى انه، لا يمكن لنظام ان يحقق انتصار فى اى معركة اياً كان مجالها، ويحافظ عليه، حال استبعاده لقوى المجتمع المدني من المشاركة الفعلية فى هذه المعركة، "كعب اخيل" نظام يوليو، هذا من ناحية، ومن الناحية الاخرى، لا يمكن لنظام ان ينتصر فى معركة يسير فيها منفردة، "معركة التنمية مثلاً"، بينما لا يسير فى المعارك "القضايا" الاخرى، فجميع معارك "قضايا" الوطن مترابطة، فلا يمكن فصل قضية التنمية عن قضية النضال ضد الاستعمار عن قضية الحريات الشخصية والعامة "الديمقراطية"، فالمجتمع مثل جسم الانسان كلً مترابط.

كذلك حظى السادات بشعبية هائلة عقب حرب اكتوبر 1973، والتى استغل زخمها للقيام بخطوة لم تكن تخطر على بال احد ولا فى الاحلام، فقام بزيارة "اسرائيل" ومن ثم وقع اتفاقية صلح منفرد معها!، فتحت غبار المعارك يمكن فعل ما لا يمكن فعله بعد انقشاعها. وعلى خلفية الصورة الوردية التى اشاعتها الماكينة الاعلامية عن الرخاء الذى سينعم به كل مصرى حصاداً للسلام، وانتهاء عصر الحروب، كما اعلن السادات بأن "حرب اكتوبر آخر الحروب"!، متلازمة "السلام والرخاء"الزائفة حصل السادات على الشعبية الهائلة التى سرعان ما انهارت في الانتفاضة العارمة فى يناير "ايضاً" 1977 من الاسكندرية الى اسوان، عندما حاول ان يطبق العلاج بـ"الصدمة الاقتصادية" النيوليبرالية!.


لمن "غامر" السيسى بشعبيته؟!
حالياً، تعانى قطاعات واسعة من الشعب المصرى من ازمات معيشية طاحنة غير مسبوقة، تهدد بأنفجار وشيك، كما يعانى الواقع السياسى المصرى من ازمة حريات شاملة وحادة، كانت فى الماضى، خاصة فى الفترة الناصرية، مبررة بقدر من القدرة على المعيشة بشكل افضل بكثير – نسبياً - عما يعانيه المواطن الان.

لقد ذكر الرئيس السيسى فى اكثر من مناسبة انه قد ضحى بالشعبية من اجل اتخاذ اجراءات اصلاح اقتصادى ضرورية، "غير شعبية"، من اجل انقاذ الاوضاع المتردية للاقتصاد المصرى، تلك الاجراءات التى خشى اتخاذها رؤساء مصر السابقين، رغم حتميتها!.

ومن اجل اتخاذ اجراءات اقتصادية صادمة وغير شعبية، لا تحظى بقبول قطاعات واسعة من الشعب، كان لابد من "عنف الدولة" من اجل ان تمر هذه السياسات الاقتصادية القاسية. فكما لا يوجد طريقة لطيفة ورقيقة لاحتلال الشعوب رغم اراداتها، كذلك، ما من طريقة رقيقة سلمية لسلب ملايين المواطنين ما يحتاجون اليه ليعيشوا بكرامة.(2)

ايضاً، لا يمكن لسياسات اقتصادية وامنية عنيفة ان تسير دونما غطاء سياسى واعلامي، داخلياً وخارجياً، فكان داخلياً، اغلاق مجال العمل العام، والسماح نظرياً والتجميد فعلياً، لكل اشكال العمل المدنى المستقل، احزاب، نقابات، منظمات اهلية .. الخ، وخارجياً، كان الارتباط بالقوى الاقليمية المعادية للتغيير لتأبيد سيطرتها المطلقة على مقدرات مجتمعاتها، والارتباط بالقوى الدولية الداعمة للسوق الحر والمتغاضية عن المجتمع الحر لدول العالم الثالث "دول مستعمراتهم السابقة / الحالية"، تحت اغراءات مصالح مؤسساتها الاقتصادية بمليارات الدولارات او اليوروهات، مجلوبة من تلك الدول الاقليمية ذاتها، او من "لحم الشعب الحى". وبذلك حصل نظام "فريق السيسى" على هدوء فى الداخل، ودعم واعتراف من الخارج، ومن المؤكد وعبر خبرة التاريخ البعيدة والقريبة، ان كلاهما مؤقت!.


السؤال الذى يتوجب الاجابة عليه:
ما هى النتيجة النهائية لتطبيق هذه السياسات الاقتصادية العنيفة "النيو ليبرالية"؟!
هل تؤدى هذه السياسات الى توزيع اكثر عدلاً لثروات الوطن على كل المصريين؟!
ام انها تؤدى الى تراكم مزيد من الثروة فى ايدى الفئات القادرة اقتصادياً، التى تحتل الدرجات العليا من السلم الاجتماعى، وافقار اكثر للفئات الغير قادرة اقتصادياً، والتى تحتل الدرجات الادنى من السلم الاجتماعى؟

ولان الليبرالية الجديدة الاقتصادية التى يطبقها بعنف "فريق السيسى" ويشرف على تطبيقها صندوق النقد الدولى، ودول ومؤسسات مجلس ادارته، التي تؤمن برفع يد الدولة كلياً عن التدخل فى "سوق الليبرالية الجديدة الحر"، لذا كان على "فريق السيسى" التخلص، على هيئة "صدمات"، من كل الاجراءات الحمائية التى سبق اتخاذها من قبل رؤساء مصر السابقين، لصالح الفئات الغير قادرة اقتصادياً، من اجل استمرار منظومة الحكم فيه.

ان المعدلات المتسارعة لهذه السياسات المجرمة، والتى لم يتبناها الرؤساء السابقين، بنفس الحدة والشمولية، والتى تسببت فى "الصدمة" لفئات واسعة من الشعب المتضررة منها، هذه "الصدمة" التى بدونها ما كان يمكن تطبيق هذه السياسات الفاجرة وبدون مقاومة تذكر!، تلك السياسات التى لا تعنى فى حقيقة الامر سوى ترك السوق الحر، "الحر شكلاً، والغير حر فعلاً"، تركه حراً نهباً للفئات القادرة اقتصادياً منفردةً!. ليتم نزح الثروات الى الاعلى، ويتم ارسال مزيد من الافقار الى الاسفل!.

اذا ما كان السيسى قد غامر "ضحى" بشعبيته، فقد ضحى بها، "للأسف"، للحلف الحاكم من هذه الفئات القادرة اقتصادياً، فقط!، ولتأبيد استمرار تفردها الانانى بالسلطة المرتبطة بالامتيازات الاجتماعية والاقتصادية، والتى ترى فى اى قوى اخرى تهديداً محتملاً لتفردها بالسلطة، ولما تتمتع به من امتيازات نتيجة لتفردها بالسلطة.

انها الدائرة الشريرة المغلقة التى تدور فيها مصر منذ 1952، "كعب اخيل" سلطة يوليو، فئة محدودة "القوة والعدد" تنفرد بالسلطة، وتحرم فئات غير محدودة "القوة والعدد" من المساهمة فى بناء مستقبلهم ومستقبل وطنهم ووطن ابناؤهم!. والنتيجه الحتمية، الفشل المزمن.

لن يتم كسر هذه الدائرة الشريرة عن طريق تبنى سياسات اكثر حدة وشمولاً لسياسات كارثية، والتي اشار اليها السيسي في كلمته اليوم، سياسات سبق ان تبناها النظام المصرى، فى نسخ سابقة، وان باشكال اقل حدة واقل شمولاً، وفشلت جميعها فشلاً ذريعاً، وان لم تكن انتفاضاتى يناير 77، ويناير 2011، كافيتان لاقناع "فريق السيسى" بخطأ الطريق، فلا مفر من ان تقنعهما انتفاضات قادمة، وان باشكال مختلفة وبتكلفة مختلفة!.

لن يتم كسر هذه الدائرة الشريرة عن طريق تبنى سياسات سبق وان فشلت باشكال متنوعة فى العديد من دول العالم التى انتهجتها!.

لا خروج من هذه الدائرة الشريرة الا بمشاركة كل القوى المجتمعية المرتبطة مصالحها ارتباطاً عضوياً بتقدم وازدهار هذا الوطن، بدون اطماع لأى فئة، ولا تقدم وازدهار لهذا الوطن الا بتحقيق العدالة الاجتماعية والحريات الشخصية والعامة والكرامة الانسانية، اى، لا تقدم لهذا الوطن الا بتحقق شعارات 25 يناير.


اخر نكته "سودا"!
في نفس المؤتمر، رئيس وزراء مصر مدبولي، قال: "ان الأولوية لحكومتنا كبح جماح التضخم، وليس سعر العملة المحلية"!،(3) .. الف باء، كما يعرف كل العالم، واكيد مدبولي سمع، ان التضخم لا يعنئ شئ سوى القيمة الشرائية للعملة، يعني لما ينخفض سعر الجنيه – امام الدولار – يزيد التضخم، يعني القيمه الشرائية للجنيه تقل!! .. ازاي بقى مدبولي حيخلي سعر الجنيه ينخفض، ولكنه في نفس الوقت، قادر ياكريم، حيخلي القيمة الشرائية للجنيه "التضخم"، لا تنخفض؟!!، ده سحر ولا شعوذه ..

شهدت مصر في نفس عهد مدبولي السعيد "ماشيها مدبولي":
*تسارع التضخم في مصر خلال سبتمبر الماضي لأعلى مستوى منذ نوفمبر 2018، فيما قفز التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار السلع الأكثر تقلّباً، إلى 18%..

*بلغت العملة المصرية أدنى مستوياتها على الإطلاق، بحسب بيانات البنك المركزي المصري، وارتفع الدولار الأميركي بأكثر من 25% منذ مارس الماضي مقابل الجنيه.

اطمنوا، اذا ما كان الامر كذلك، وعنوان المؤتمر "خارطة طريق لاقتصاد اكثر تنافسية"، والكلام بهذا القدر من المصداقية والشفافية، فأكيد سيكون الاقتصاد المصري اكثر تنافسية ..


هام جداً
الاصدقاء الاعزاء
نود ان نبلغ جميع الاصدقاء، ان التفاعل على الفيسبوك، انتقل من صفحة سعيد علام، واصبح حصراً عبر جروب "حوار بدون رقابة"، الرجاء الانتقال الى الجروب، تفاعلكم يهمنا جداً، برجاء التكرم بالتفاعل عبر جروب "حوار بدون رقابه"، حيث ان الحوار على صفحة سعيد علام قد توقف وانتقل الى الجروب، تحياتى.
لينك جروب "حوار بدون رقابه"
https://www.facebook.com/groups/1253804171445824


المصادر:
1-كلمة الرئيس السيس في في افتتاح المؤتمر الاقتصادي "خارطة طريق لاقتصاد اكثر تنافسية".
ق 2,30 - ق 6,30 - ق 6,30
https://www.youtube.com/watch?v=KGGRdEwVq6A&t=142s
2-عن الكتاب الرائع "عقيدة الصدمة"، صعود رأسمالة الكوارث. للكاتبة والباحثة الفذة، كندية الاصل، نعومي كلاين.
https://www.4shared.com/office/WE6mvlL6/____-_.htm
فيلم مترجم للعربية عن نفس الكتاب.
https://www.youtube.com/watch?v=YRDDQ9H_iVU&feature=youtu.be
3-رئيس وزراء مصر: "الأولوية كبح جماح التضخم وليس سعر صرف الجنيه".
https://www.asharqbusiness.com/article/43193?fbclid=IwAR1JxCA2nXvQNTZFn-E8HpSLURoMmcWVIThjeNbXijwqvOgw4GvRdFdfnGM








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة