الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أين أتت عبارة-معاداة السامية-؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 10 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كانت كراهية اليهود موجودة منذ قرون ، ولكن فقط في القرن التاسع عشر بدأ يطلق عليها "معاداة السامية".
لطالما كانت كراهية اليهود سمة من سمات تاريخ العالم لعدة قرون. ولكن فقط في أواخر القرن التاسع عشر ظهرت كلمة محددة جديدة لوصفها.

إن ما دفع إلى صياغة مصطلح "معاداة السامية" الجديد، هو تصور العلاقة المتغيرة بين اليهود والشعوب التي يعيشون بينهم والتي لا يمكن وصفها بدقة على أنها مجرد "رهاب اليهود" - Judeophobia - أو "كراهية اليهود"- Jew-hatred. إن الشعور بالحاجة إلى كلمة جديدة لم يؤثر فقط على المعادين للسامية. فقد تم الاعتراف بهذا المصطلح من قبل اليهود وغير اليهود في جميع أنحاء أوروبا وفي أي مكان استقر فيه الأوروبيون في أنحاء العالم.

كانت معاداة السامية ، كمفهوم وحركة ، ردًا على ما سمي بـ "المسألة اليهودية" ، والتي نشأت في حد ذاتها مع الصعود الاقتصادي والثقافي والسياسي الملحوظ لليهود خلال القرن التاسع عشر واندماجهم في الحياة الأوروبية السائدة. بالنسبة لبعض الشعوب التي كانوا يعيشون بينهم ، كان هذا التراكم السريع للسلطة في يد اليهود بمثابة تهديد ينذر بالسوء. لقد اعتادوا على رؤية اليهود كحرفيين صغار ، وزنادقة ، وباعة متجولين ، وطفيليين ، وأصبحوا يواجهون الآن قادة سياسيين يهود ، وعلماء، ومثقفين من مستوى عال جدا ، ومصرفيين ، ونقباء صناعة ، وضباط جيش ، وأساتذة ، ورؤساء. فلم يعد اليهود "أجانب" لا حول لهم ولا قوة ، وإنما أضحى يُنظر إليهم على أنهم ماهرون في مجال السلطة المكتسبة خلسة ومن خلف الستار أو من تحت الطاولة.

لقد تم التركيز على قصص النجاح الباهرة لقلة قليلة من اليهود فقط وقتئذ ، وتم تجاهل الآلاف من اليهود الذين ما ظلوا فقراء معوزين والذين يعيشون في أوروبا الشرقية وفي الأحياء الفقيرة في مدن وسط وغرب أوروبا. ومع ذلك ، برز الشعور بالخوف مما قد يفعله اليهود بقوتهم "المبالغ فيها" بشكل كبير، وهذا ما حفز الجهود المبذولة لنزع " قوتهم المكتسبة هذه" قبل فوات الأوان - أولاً في ألمانيا ، ثم في العديد من البلدان الأخرى.

إن المسيحيين المحافظون والديمقراطيين الساخطين والليبراليين والقوميون والمثقفين والأكاديميين المحبطين والمصلحين الاجتماعيين ... كل هؤلاء اتخذوا - آنذاك- إجراءات ضد "العدو اليهودي"، كل بطريقته. وكان البعض من هؤلاء ، على قناعة تامة بأن الحركة الجماهيرية المنظمة على أساس كراهية اليهود هي أفضل طريقة للمضي قدمًا ، سيما وأن الغالبية العظمى كانت ترى اليهود ب بالاستياء أو الشك أو الازدراء.

في هذه الأجواء ظهر مصطلح "معاداة السامية" لوصف الجهود المشار إليها أعلاه.
ففي ألمانيا ، كان "فيلهلم مار" (1) - Wilhelm Marr - قد لا يكون مبتكر المصطلح - لكنه من أوائل المدافعين عليه . وكان وقتئذ، طالبًا في مجال التاريخ والعلوم. سمحت له موجة معاداة السامية بتمييز الحزب الذي أسسه في أواخر 1879 ، "رابطة معاداة السامية" - Antisemites’ League - عن التعصب الديني لكراهية اليهود السائد في العصور الوسطى. وقد عرّف "مار" "المسألة اليهودية" بأنها مسألة عرقية وليست انحرافًا دينيًا.
_________________
(1) - (1819 - 1904) كان صحفيًا ألمانيًا ، في السياق السياسي للقرن التاسع عشر ، صاغ مصطلح – Antisemitismus - (معاداة السامية) ليحل محل ("كراهية اليهود")، وذلك لجعل كراهية اليهود تبدو عقلانية وموافقة للمعرفة العلمية.

(2) - "الرابطة المعادية للسامية" هي أول جمعية سياسية توحد معادي السامية داخل الإمبراطورية الألمانية. كما أنها أول من جعل مصطلح "معاداة السامية" شعارًا وبرنامجًا سياسيًا. تأسست في 26 سبتمبر 1879 من قبل الصحفي "فيلهلم مار" في برلين واستمرت حتى نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر.
_____________________

في الماضي ، كان الاضطهاد عرضيًا، وتناوبت نوبات العنف الرهيب مع فترات طويلة من العلاقات الهادئة بين اليهود وجيرانهم. من وجهة نظر "مار" ، سمحت مثل هذه الكراهية الضعيفة لليهود بأن يصبحوا أقوى ، وفي الواقع ، أطلقوا خططًا لغزو العالم غير اليهودي. إذ أن مجرد التحيز الديني قد فشل في وقف صعودهم، وأصبح اليهود أقوياء للغاية ، وترسخوا في المجتمع ، بحيث لا يمكن هزيمتهم من خلال " التصفية أوالمذبحة العرضية".

رفضت حركة "معاداة السامية" ما وصفته بأخطاء الماضي هذه. لذا كان المطلوب هو "النضال المنضبط والمنهجي" ، لإضفاء الطابع المؤسسي على معاداة السامية في الأحزاب السياسية ، والمنظمات الشعبية ، وجماعات الضغط ، والصحف ، والمجلات العلمية ، والجمعيات التطوعية ، وذلك – بداية - عن طريق التحريض المستمر. وكان على المعادين للسامية أن يكونوا مستعدين للنضال طويل النفس، الذي كان سيستمر إلى حين "حل المسألة اليهودية". فقد كان العالم الحديث وقتئذ، منهمكًا في "حرب عرقية" ، حرب لا يمكن أن يكون لها نهاية سلمية أبدا.

رغم اتفاق الكثيرين مع أهداف وأساليب "مار" ، لم يتم تبني مصطلح "معاداة السامية" بحد ذاته. إذ وجده البعض فضفاضا للغاية ، والبعض الآخر رآه غير علمي بل زائف. اعترض الفيلسوف الألماني يوجين دوهرينغ (3) - Eugen Duhring - (1833-1921) على تجنب تسمية العدو مباشرة. لم يتم اعتبار جميع الساميين أعداء. فعلى سبيل المثال ، عندما سعى النازيون إلى حلفاء عرب قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ، وجدوا أنه من المستحسن التنصل من استخدام المصطلح في الدعاية الموجهة للشرق الأوسط ، وطمأنة الحلفاء المحتملين بالقول أن العرب هم عرق نبيل (4). بل وحتى اليوم ، العرب - الساميون أنفسهم - يعارضون الارتباط بالمسألة اليهودية. في حين يزعم آخرون ، معادون تمامًا لليهود ، أنه لا يمكن اتهامهم بمعاداة السامية لأنهم ساميون أيضا.
_________________
(3) - (1833-1921) فيلسوف وخبير اقتصادي ألماني. حافظ "دوهرينغ" على وجهة النظر المتفائلة القائلة بأن البشر يمتلكون الغرائز التي تولد التعاطف مع الآخرين بشكل طبيعي. دفع هذا الموقف بعض النقاد إلى وصف "اشتراكيته" بالطوباوية. تم انتقاد نظرياته من قبل "فريدريك إنجلز" في مقالً بعنوان "السيد "دوهرينغ" يقلب العلم رأساً على عقب" ، والمعروف باسم Anti-Dühring.

(4) - تمثلت العلاقة بين ألمانيا النازية (1933-1945) وحكام العالم العربي في التعاون في نشر الدعاية والمنافسة في بعض الأحيان. بُنيت العلاقات السياسية والعسكرية التعاونية على الأعمال العدائية المشتركة تجاه الأعداء المشتركين من جهة، ومن أخرى معاداة السامية للنازيين، والتي كانت موضع إعجاب بعض الزعماء العرب والمسلمين، وعلى الأخص الحاج أمين الحسيني. وقد أدلى "هتلر" و"هملر" بـ " تصريحات إيجابية " عن الإسلام كديانة وأيديولوجية ، واصفين إياه بأنه شكل أكثر انضباطًا عسكريًا وسياسيًا وعمليًا من الديانة المسيحية، وأثنوا على ما اعتبروه مهارة النبي محمد في السياسة والقيادة العسكرية. لكن من ناحية أخرى اعتبرت الإيديولوجية العنصرية النازية الرسمية، العرب والشمال الإفريقيين عرقاً أقل امتيازاً من الألمان.
________________

انبثقت كلمة "سامية" في مجال الدراسات اللغوية، وربما كانت في يوم من الأيام وصفًا محايدًا – دون حمولات عدائية - لشعوب وثقافات الشرق الأوسط ، وهي في الأساس مجرد وسيلة للتمييز بين المجموعات اللغوية المختلفة. لكن أولئك الذين يفضلون معاداة السامية يلاحظون أن مصطلح - Semitentum - الذي يُنسب عادةً إلى مفكر التنوير الألماني "أ. شلوزير" (5) - A. L. Schlozer - كان جدليًا منذ ابتكاره، إذ تم اختراعه لتأسيس قطبية بين الثقافات المسيحية "البيضاء المتفوقة" وتلك الخاصة بالمسيحيين الأدنى مرتبة، "الشرقية". لكن بعد مرور الوقت أصبح مصطلح "السامية" يستعمل للدلالة على حزمة من السمات السلبية.
_____________________
(5) - (1735 - 1809) كان مؤرخًا وكاتبًا وعالمًا في اللغة الألمانية عاش في ألمانيا وروسيا. تتزامن حياته الفكرية مع فترة Aufklärung ، "عصر التنوير". وهو أول عالم لغوي أوروبي يستخدم تعبير "اللغات السامية".
________________________

anti-Semitism - عادة عادةً ما يؤدي وضع - anti - (أي "ضد" الواصلة) أمام الكلمة إلى عكسها. لكن "معاداة السامية" هي في الأساس مرادف للسامية. نتيجة لذلك ، أصبح من الشائع الآن في الدوائر الأكاديمية إسقاط الواصلة. دافعت مؤرخة "الهولوكوست" الشهيرة - ديبوراه ليبستادت (6) - Deborah Lipstadt - قائلة إن استخدام الواصلة – anti أي ضد - "يشوه تمامًا معنى الكلمة". لكن هذا الرأي لم يلق الإجماع، وظل استعمال مصطلح - anti-Semitism – هو السائد في جميع أرجاء العالم.
__________________________
(6) - مؤرخة أمريكية من مواليد 1947 في نيويورك. وهي أستاذة في الدراسات اليهودية الحديثة ودراسات الهولوكوست في جامعة "إيموري". وهي مؤلفة أعمال شهيرة عن إنكار الهولوكوست ، بما في ذلك كتاب بعنوان "إنكار الهولوكوست" (1993) ، والذي تمت مقاضاتها مع ناشرها من قبل المؤلف البريطاني "ديفيد إيرفينغ" ، الذي وصفته بأنه "منكرالهولوكوست"، لكن الحكم لم يكن في صالحه.
________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معاداة السامية اتت من صلعم وقراءنه الفاشستي فلم ال
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 10 / 27 - 12:42 )
فلم الاحتيال على الوقائع المعروفة للجميع ونبي البدو الوحوش اول معتدي جزار في المدينه والى اليوم يتبجح بهائم الشيعه -بداحي باب خيبر ع ابن ابي طالب الوهمي-وكل مايسمى بالقضية الفلسطينية قائم على العنصرية الاجرامية الاسلامية القذره-في حين اصلنا كلنا يهود ومهاجري الجزر اليونانية يعتبرون اليهود محتلين حتى اصبح عارا الانتماء الى العربجيه وحقدهم الاسود على اجدادنا واخوتنا اليهود -العار والشنار لاعداء اليهودية العنصريين الارهابيين


2 - تاجر البندقية وصلعم
طلال بغدادي ( 2022 / 10 / 27 - 19:25 )
د. صادق الكحلاوي المحترم

هل قرأت وصف شكسبير لتاجر البندقية ( اليهودي شايلوك) شكسبير لم يكن من اتباع صلعم ماذا لو استبدلنا قلم شكسبير ببندقية الية؟؟

هتلر لم يكن من اصحاب صلعم!!؟؟

العداء لليهود في انحاء اوروبا وامريكا لاعلاقة له ب صلعم

الهلوكوست ليس له علاقة بصلعم ولا بأتباعه

اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل