الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس - تعدّدت الحُكُومات والبرنامج واحد

الطاهر المعز

2022 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


حلقة جديدة من سلسلة الدّيون والأزمات؟

انطلقت الإحتجاجات والإشتباكات بين مواطني "حي التّضامن، إحدى أكبر ضواحي العاصمة تونس، وقوات الشرطة، يوم 14 تشرين الأول/اكتوبر 2022، إِثْرَ وفاة الشّاب "مالك السليمي" الذي أُصيب بجروح خطيرة قبل بضعة أسابيع جرّاء عُنف الشّرطة، حيث نُقل إلى قِسم العناية المركزة بالمُستشفى، قبل أن يعلن عن وفاته يوم الخميس 13 تشرين الأول/اكتوبر 2022...
دعمت أغلبية الناخبين التونسيين قيس سعيد ليصبح رئيسًا كانوا يأملون منه أن يُخلّص المجتمع من تفشِّي الفساد واللُّصُوصية والتّخفيف من حِدّة الأزمة الاقتصادية، لكن يبدو أن التفاؤل لم يكن في محلّه حيث تعمقت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن استمرار تَوتُّر المناخ السياسي وتراجع المكتسبات القليلة مثل حرية الرّأي والتعبير ومجمل الحُرّيات الفردية، وكذلك الحرّيّات السياسيّة التي لم يتضرّر منها ائتلاف الإخوان المسلمين وحلفاؤه من رجال الأعمال الفاسدين فحَسْبُ، بل تضرّر منها الصحافيون والفنّانون ومجمل فئات المواطنين، في ظل غياب الضّوابط...
تعدّدت الإحتجاجات في الأحياء الشعبية المُكتظّة بالسّكّان مثل حي التّضامن وحي الإنطلاقة، بضواحي تونس، وفي بعض المُدن، منها مدينة جرجيس، بجنوب البلاد، وتطورت مظاهرات حي التّضامن إلى إغلاق الشوارع وإشعال العجلات المطاطية، وإلى اشتباكات بالحجارة مع قوات "شرطة مكافحة الشّغب" (النّظام العام) التي أطلقت كميات كبيرة من الغازات المسيلة للدموع، سَبّبَتْ حالات اختناق بين المواطنين في منازلهم وفي المحلاّت القريبة، وندّدَ المتظاهرون والعديد من المنظمات الحقوقية (منها الرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان) بالعنف المُفرط للشرطة والإعتداء على المواطنين، أثناء تشييع جنازة ضحايا هذا العُنف، وندّدوا بعدم محاسبة عناصر الشرطة، وإفلاتهم من العقاب، بشكل لا يختلف عن فترة ما قبل انتفاضة 2010/2011...
تتنزّل هذه الإحتجاجات ضمن تدهور الوضع الإقتصادي وارتفاع الأسعار ونسبة التضخّم إلى درجات قياسية لم تشهدها البلاد خلال ثلاثة عُقُود، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، وغياب العديد من السّلع الأساسية من المحلاّت التجارية، ولجأت الحكومة (كما الحكومات السابقة) إلى القُروض المُرْفَقَة بشروط مجحفة، وبعد مفاوضات طالت لفترة تجاوزت عشرة أشْهُر، توصلت الحكومة إلى اتفاق لاقتراض 1,9 مليار دولار (بدل أربعة مليارات كانت تأمل اقتراضها) من صندوق النقد الدولي، ووجب تسديد المبلغ وفوائده، خلال 48 شهرًا، وفق بيان صندوق النقد الدّولي يوم السبت 15 تشرين الأول/اكتوبر 2022، ولن تتمكّن الحكومة من تمويل عجز الميزانية ولا من الإستثمار في قطاعات منتجة، بحسب شُرُوط الدّائنين الذين يشترطون "إصلاحات اقتصادية" تتضمّن إلغاء دعم الغذاء والطّاقة والأدوية وتجميد التوظيف وعدم تعويض المُتقاعدين وخفض قيمة الدّينار، وخصخصة ما تبقّى من القطاع العام، وعدم زيادة الرواتب، رغم ارتفاع أسعار السّلع والخدمات، حيث بلغت نسبة التضخم المُعْلَنة من قِبَلِ المعهد الوطني للإحصاء 9,1% في أيلول/سبتمبر 2022، ما يعني انخفاض القيمة الحقيقية للرواتب ولدخل المواطنين...
على مستوى الإقتصاد الشّمولي، تُعاني ميزانية الدّولة من العجز المستمر ولن يُمكّنها اقتراض 1,9 مليار دولار من توفير احتياجات المالية العمومية، ودعم ميزانية الدّفوعات وتمويل الاستثمارات، واستيعاب نسبة البطالة (عبر الإستثمارات ) والفَقْر، ويُشكّل الوضع الإقتصادي الصّعب وارتفاع معدلات التضخم، وفقدان السّلع الأساسية، أساس الغضب والإحتجاجات...
اقتصرت الحكومة الحالية (كما الحكومات التي سبقتها) على الحلول قصيرة الأجل لمعالجة نقص الإيرادات وسدّ عجز الميزانية الذي قدّرته وزارة المالية (أواخر شهر شباط/فبراير 2022)، بنحو 8,55 مليار دينار سنة 2022، وبقيت حكومة قيْس سعيد، كما الحكومات السّابقة، تلهث وراء القُرُوض المَشْرُوطة والمسْمُومَة لتمويل العجز وتسديد أقساط القُرُوض السابقة، من خلال خفض الإنفاق الحكومي وزيادة التّقشّف وزيادة الضرائب على دخل الأُجَراء، وكذلك الضّرائب غير المُباشرة على الإستهلاك والخَدَمات، بينما يتهرّب حوالي 36% من رجال الأعمال ومن أصحاب المِهَن "الحُرّة" من تسديد الضّرائب، بحسب جمعية الإقتصاديين التونسيين، وفي بداية سنة 2022، فاقت قيمة الدّيون العمومية 106,3 مليار دينارً، منها حوالي 63,4 مليار دينارًا من الدّيُون الخارجية، وفق بيانات وزارة المالية (دولار واحد = 3,2 دينار تونسي).
مُلَخّص الوضع الإقتصادي:
انخفض مخزون البلاد من العملات الأجنبية إلى ما يعادل 22,65 مليون دينارأ يوم الإربعاء 26 تشرين الأول/اكتوبر 2022، أو ما يكفي ل 103 أيام من التّوريد، فيما ارتفع عجز الميزان التجاري من 11,9 مليار دينار خلال الاشهر التسعة الاولى من سنة 2021 إلى 19,2 مليار دينار خلال نفس الفترة من سنة 2022، وسُجِّلَ العجز مع الصين وتركيا والجزائر وروسيا وإيطاليا وإسبانيا، وفق بيانات المعهد الوطني للاحصاء، فيما تعاني الخزينة من نقص احتياطي العملات الأجنبية لشراء الحبوب والمحروقات وغيرها من المواد الضرورية، ولن يحل قرض صندوق النقد الدّولي هذه المشكلة فمبلغ القرض (1,9 مليار دولارا) زهيد وسيقع صرفه على أربع سنوات حسب تقدم برنامج "الإصلاحات" المفروضة، أي إن الحكومة التونسية سوف تحصل على حوالي نصف مليار دولار في البداية، ولن يفرج صندوق النقد الدّولي عن الأقساط المتبقية سوى في حال التزام الحكومة بتطبيق شروط الخصخصة والتّقشّف وزيادة الضرائب على الأُجُور والإستهلاك (وليس على أرباح القطاع الخاص) وإلغاء الدّعم وتجميد التوظيف والرواتب، وتتجه الحكومة التونسية لاقتراض مبالغ إضافية من البنك العالمي والبنك الإفريقي للتنمية والبنك الإسلامي وغيرها من المؤسسات المالية الدّولية، في ظل تراجع الترقيم السيادي لتونس التي تحتاج ما لا يقل عن خمسة مليارات دولارا لتصريف الشؤون العاجلة، منها سدّ عجز الميزانية ولسداد أقساط القُروض ولتوريد الحاجيات الضرورية، دون تخصيص أي مبلغ للإستثمار في قطاعات منتجة...
لم تُعلن الحكومة التونسية عن شروط الإتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدّولي الذي طالب خُبَراؤُهُ بإعداد قانون تكميلي لميزانية 2022 و الإطلاع على قانون المالية لسنة 2023، قبل التوقيع النهائي على القرض، ويُتوقع أن يتجاوز عجز ميزانية العام الحالي 10% ما يزيد من صُعوبات الحكومة لتغطية نفقات ما تبقى من سنة 2022 وخصوصًا لإعداد ميزانية 2023، بالنظر إلى ارتفاع قيمة خدمة الدين الخارجي...
تتبنّى حكومة قيس سعيّد نفس السياسة التي فَرَضَها الدّائنون منذ حوالي أربعة عُقُود، والتي تتضمّن "التّكَيُّف الهيكلي" وخفض دَعم السّلع الأساسية وتجميد الرواتب، وخصخصة مؤسسات القطاع العام وخفض الإنفاق الحكومي... وتقترح العديد من المنظمات التونسية خططًا بديلة، تتضمّن زيادة ضريبة الأثرياء والشركات والعيادات الخاصة وشركات البيع بالجملة وتخفيف العبء على الأُجَراء، وإعفاء السلع الأساسية من ضريبة القيمة المضافة.
يتوجّب طرح نموذج بديل للتنمية يُعيد النّظر في الدُّيُون من خلال تعيين لجنة دولية تنظر في مسألة ما يُسمّى "الدّيون الكريهة" (أو البَغِيظة) التي لم يستفد منها الشعب، وطرح برنامج يولي أولوية لقطاع الفلاحة والصناعات التّحويلية، وزيادة الإنفاق الحكومي في مجالات التعليم والرّعاية الصّحّيّة والسّكن والنّقل العمومي، وضبْط الأسعار بما يناسب معدّلات الدّخل...
دولار أمريكي واحد = 3,2 دينار تونسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة