الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلم الأمريكي (2)

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2022 / 10 / 27
السياحة والرحلات


تنقلنا في بيركلي بين بيتين ، بيت صديقتنا الصغير، الكائن في شارع مارتن لوثر كينغ جونيور، الامر الذي بثّ في روحي أملا بأن المناضلين من أجل ألمساواة سيحصلون على الإعتراف والعرفان ذات يوم ، والبيت صغير وهو ، (على قدها)، فهي إمرأة تعيش لوحدها ، ام تتزوج ولم تُنجب، وحاصلة على الدكتوراة في موضوع مثير للإهتمام ، عن الغناء والأغاني الشعبية اليهودية ، في بولندا... طبعا عبر التاريخ ...
بيتها عامر بمكتبة كبيرة ومتنوعة ، كلها بالإنجليزية طبعا ، وعدة كتب قليلة جدا، بالعبرية ... تهتم بقراءة التاريخ، وتقتني في مكتبتها عدة كتب عن الناراتيف الفلسطيني وخصوصا الحياة تحت الإحتلال في الضفة الغربية ...
وبيت صديقتها ، التي سافرت وعائلتها الى ولاية أخرى لعدة أيام ، ووضعت بيتها تحت تصرفنا وتحت تصرف عاليا ، بالأحرى لإستضافتنا به ... كان بيتا كبيرا، فخما، مع حديقة خلفية لطيفة ، غرفه كبيرة ومزودة بكل وسائل الراحة... لكننا وللحقيقة شعرنا بالإرتياح أكثر في بيت عاليا الصغير، لأننا أحسسنا بأنه بيتنا، نفعل فيه ما نشاء..
ومما لفت نظري في سان فرانسسكو ، بيركلي، مدينة مونتيري واسيلومار ، أن غالبية البيوت فيها هي بيوت خشبية ، وعند سؤالي عن ذلك، كانت الإجابة تفاديا لأضرار الزلازل، فالبيت الخشبي إذا انهار إثر زلزال لن يتسبب بكوارث واصابات للبشر، كبيوت الإسمنت والباطون ..
سأحاول تقسيم مقالتي هذه الى محاور متعددة ، ك.. 1.الرأسمالية في أبشع صورها 2. الاشتراكية والشيوعية في امريكا..3. الفن ...4. المناطق السياحية .
1. الرأسمالية في أبشع صورها..
تسيرفي الشوارع ، بالسيارة أو مشيا على الأقدام ، فترى عن اليمين واليسار ، مخيمات الهومليسزالمشردين، تحت الجسور وعلى اطراف الطرقات... في الشوارع تراهم يجرون خلفهم أكياساً مليئة بما جمعوه من صناديق القُمامة ...
دخلنا الى حانوت وتخطينا ، بينما غيرنا كان يقفز فوق جسد فتاة نائمة على قطعة كرتون أمام مدخل الحانوت... أفاقت من نومها ونظرت حواليها ثم استمرت .. فالشارع هو بيتها.. وقد يقول قائل بأن ظاهرة "سكان الشوارع" ، او المشردين ،هي ظاهرة كونية ، تتواجد في كل مكان ، وأنا شخصيا شاهدتها في العديد من الدول الأوروبية وعندنا في اسرائيل ، لكن ، ليس بهذا الحجم ولا بهذا الإنتشار، بل في مناطق محددة..
لكن ما آلمني حقاً ، هو رؤية سيدة بيضاء تحت جسر،يُحيط بها أربعة أطفال صغار ،بيض البشرة وشُقرٌ، (للتأكيد على أن لا تمييز بين الأعراق في البطالة والفقر) ،وقد حملت كرتونة كُتب عليها ، فقدتُ وظيفتي ، ساعدوني في إطعام أولادي الأربعة !!! بعد أن غضبت كثيرا، ما زلتُ أتساءل حتى هذه اللحظة، أين الضمان الإجتماعي؟! أين مخصصات البطالة ؟ أين مخصصات الأطفال؟ أين الخدمات الإجتماعية؟؟ أين العدالة الإنسانية ؟؟
صحيح القول ،بأن النظام الرأسمالي في العالم كله، لا يضمن لك حياة كريمة ،إلّا إذا عملت لساعات طويلة، وكنت مستعبدا ... هذا في حال إذا وجدت عملا أصلا... لكن الدول التي يُطلق عليها دول "الرفاه" أو التي تطبق نظاما اقتصاديا يدعم ولو بالحد الأدنى ولفترة محدودة، العاطلين عن العمل ويحاول إيجاد عمل لهم ،يعتاشون منه ، لا تضمن رفاه اقتصاديا بالمطلق، لكنها تضمن لمواطنيها فترة تأقلم واستعداد للبحث عن عمل ولو لمدة قصيرة نسبيا... وللحقيقة ، لا أعلم عن "الخدمات الإجتماعية في امريكا إلّا القليل".. لكن كيف لدولة من أغنى الدول ،إذا لم تكن الأغنى أن لا تهتم بمصائر مواطنيها؟؟!!
ولا أنسى مشهد المتسولين، الذين يجلسون في الطرقات، يستجدون المارة ، بدولار أو أكثر ومشاهد مأساوية أخرى، تجدها في كل مكان ، لكن ليست بهذه الكثافة ولا الإنتشار، وخاصة في " أغنى" دول العالم ، والتي تخصص المليارات من " أموالها وأموال حلفائها" لدعم انظمة وحروب في كل قارات الأرض!!! (حلفاؤها هم عبيدها على وجه الدقة، من دول النفط).
وللتنويه فقط، فقد قامت ابنتي وعند شراء تذاكر السفر ، بشراء تأمين صحي لثلاثتنا ، لكي نضمن علاجا ،إذا ما أضطررنا لذلك ... لكنها أحست بالتهاب في الحلق ، وقررت أن لا "تستخدم" بوليصة التأمين والدخول في متاهة البيروقراطية ، لذا قررت ان تقوم بزيارة طبيب على حسابها الشخصي... وابنتي عاشت في امريكا سنة كاملة ، وعملت لمدة ثلاثة أشهر في الكونغرس كباحثة في موضوع البيئة وتعرف امريكا جيدا،، ولكنه تفاجأت من المبلغ الذي طُلبَ منها لمجرد معاينة طبية ... عادت أدراجها وأستعانت بالوصفة الشعبية ، الشاي ، العسل ، الليمون والزنجبيل، لعلاج الإلتهاب في الحلق...
أذكر هذه الحالة ، لأننا زرنا برجاً شهيرا في سان فرانسسكو، وهوبرج يطل على المدينة ويتكون من ثلاثة عشر طابقا... واثناء صعودنا الى قمة البرج، بمصعد تاريخي ، كان يعمل في المصعد، رجل عجوز جدا... سألتهُ "عاليا" بحب استطلاع:
- هل تتطوع هنا؟
- لا أنا أعمل ليومين في الأسبوع ، لكي أستطيع تغطية تكاليف التأمين الصحي...!! أجابها..
لقد كانت إجابته صادمة لنا ، فكيف لعجوز خرج الى التقاعد ويُقارب الثمانين ،أن لا يكون لديه تأمين صحي؟! وهنا بدأت أفهم ما كان اوباما يحاول ان يحققه في فترته الرئاسية ولم ينجح بذلك... تأمين صحي للجميع. وأنتم تعرفون من أفشل محاولات أوباما تلك ..!!
إنها لكارثة حقا ، أن لا تستطيع الحصول على علاج طبي ،إن لم تكن قادرا ، إقتصاديا... حاولتُ الإستفسار عن وجود منظمات مجتمع مدني ، كأطباء لحقوق الإنسان، والتي تقدم علاجا مجانيا للمحتاجين ، وكان جواب " عاليا"، بأنها نادرة وقليلة ..
وللترفيه فقط ، فقد خرجت شريكة الحياة مع عاليا ، للتبضع وإعداد وجبات بيتية فلسطينية ... وشاهدت الأسعار ، فتحمست للأسعار المكتوبة والتي تُعتبر رخيصة ، بالنسبة لنا في اسرائيل ...وخصوصا الأسماك والشريمبس! وتوجهت الى البائع قائلة :
- اعطني كيلوين (2 كيلو) من الشريمبس (نوع من السمك)..
نظر اليها البائع بإستغراب ، وقال: - ماذا تقولين ؟!
ضحكت عاليا بصوت عالية وقالت لها : - هنا لا نستعمل الكيلو في الأوزان بل الباوند؟
استغربت شريكة العمر ، وقالت لعاليا :- وكم هذا الباوند ؟
- إنه حوالي 460 غراما ، أي أقل من نصف كيلو ...
عادت شريكة العمر الى الواقع وبدأت بتحويل الكيلو الى باوندات وأكتشفت بأن الاسعار في امريكا أعلى منه في اسرائيل أو الدول الأوروبية الأخرى ، وتراجعت عن "حماسها" للأسعار " الرخيصة !!
وهذا ما لاحظناه في امريكا، فالأسعار مرتفعة جدا، في كل شيء.. فبيت عاليا الذي تستأجره ، وهو صغير نسبيا ، يكلفها شهريا ، ألفا دولار كأجرة فقط ، فما بالك بباقي المصروفات... وأجرة غرفة واحدة في أحياء الفقر والجريمة ، في مدينة بيركلي تبلغ الثمانمائة دولار شهريا، وهذا أرخص شيء، كما قالت عاليا..
وفي يومنا إقامتنا الأخير، أصرّت عاليا على أن نزور مطعما للشواء على الطريقة الأمريكية ، تحمسنا ولو من أجل المقارنة بين شوائنا وشوائهم ... كان غداءً جيدا، وبما أن التدخين ممنوع داخل المحلات، فقد خرجتُ لتدخين سيجارة في الشارع المجاور للمطعم .... لحقت بي شريكة العمر، وفجأة سمعنا دوي انفجار... اوه يا للهول.
نظرنا الى الشارع، وشاهدنا شابا مقنعا قد حطّم الزجاج الخلفي لسيارة جيب واقفة جنب المطعم... نظرتُ بإستغراب ، وأول ما خطرَ ببالي، أن صاحب السيارة قد فقد مفاتيحها، ويريد الدخول الى سيارته ...!!! لكن لماذا يفعل هذا..؟؟ كان بإستطاعته أن يستعين بتقني أقفال... وفجأة تناول هذا الشاب ، الحقائب من السيارة ، حقائب الكتف وكانت سيارة بإنتظاره وانطلقت هاربة من المكان..
في هذه الأثناء كانت شريكة العمر تصرخ ... نيسان... نيسان... سيارة النيسان!! حدث كل هذا في اقل من دقيقة... في لمح البصر !!! لم نكن وحدنا ، بل وقف اربع شبان جانبنا ... وكلنا لم نستوعب ..!!خرج من في المطعم ، وخرجت عاليا وابنتي على صوت شريكة العمر ، وهن يرتجفن من الخوف لسماع صراخ شريكة العمر ...
بدأت ابنتي بالصراخ على أمها.. لماذا تصرخين ؟؟ تخيلي لو كان معه سلاح، لكان أطلق النار عليك..!!
وأصحاب السيارة الذين خرجوا هم أيضا وقفوا مصدومين!! لا بد أن حقائب الكتف تحتوي على أموال وأوراق خاصة ..
ولكن عاليا لخصت الموقف بالكلمات التالية : ها قد شاهدتم امريكا على حقيقتها في يومكم الأخير ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية