الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 119

ضياء الشكرجي

2022 / 10 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الَّذينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إيمانًا وَّقالوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكيلُ (173) فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضلٍ لَّم يَمسَسهُم سوءٌ وَّاتَّبَعوا رِضوانَ اللهِ وَاللهُ ذو فَضلٍ عَظيمٍ (174)
بلا شك إن الجماعة المؤمنة إيمانا عميقا بقضية عادلة وبرسالة كبيرة من أجل خير مجتمعهم أو خير عموم الإنسانية، يكونون على الأعم الأغلب صامدين أمام التحديات، ولا تكون الكثرة المصطفة إلى جانب أصحاب السلطة أو القوة المعادية لقضيتهم العادلة ورسالتهم الإنسانية سببا للتخلي عن نضالهم من أجل تلك القضية، مهما كانت التضحيات. وبلا شك عندما يقترن الإيمان بتلك القضية التي يناضلون من أجلها إيمان عميق بالله وبأن قضيتهم التي يناضلون ويضحون من أجلها هي قضية ورسالة الله، يكون ذلك مدعاة أكبر لانتفاء مشاعر الخوف لديهم. هذا طبعا إذا افترضنا أن قضية المسلمين آنذاك وحروبهم وغزواتهم بقيادة وأمر نبيهم تمثل حقا قضية عادلة، أو إذا كان فيها شيء من العدل، ما إذا كانت قضية عادلة على طول الخط وفي جميع المراحل والحالات، وما إذا كانت مقاتلتهم لغير المؤمنين بدينهم كانت حقا وعلى طول الخط دفاعية، ولم تتحول في مراحل القوة والتمكن إلى حروب ابتدائية عدوانية واستعمارية لإجبار الشعوب على اعتناق الدين الجديد. والتاريخ الإنساني ينبئنا بالعديد من حالات النضال والتضحة لجماعة تؤمن بقضية عادلة، لكنها ليست دينية، بل إنسانية عامة أو وطنية، وصمدت هذه الجماعة على مدى سنين وأحيانا على مدى عقود من الزمن وضحت رغم كل قسوة المعركة وعدم التكافؤ فيها ورغم فداحة التضحيات، لكنهم لم ينسبوا قضيتهم ورسالتهم إلى الله. أما الحروب (المقدسة) بين أتباع الأديان المختلفة، بل بين الفرق المختلفة داخل الدين الواحد، قد سببت الكثير من إسالة الدماء وإزهاق الأرواح والتعذيب والاسترقاق والاغتصاب؛ وكل من الفرق المتقاتلة تدعي القتال باسم الله، وكأنهم جعلوا من الله قائدا عاما للقوات المسلحة أو وزيرا للحرب، والبعض جعله بمثابة الأمين العام للحزب السياسي-الديني الذي أقاموه باسم الله والمقدسات.
إِنَّما ذالِكُمُ الشَّيطانُ يُخَوِّفُ أَولِياءَهُ فَلا تَخافوهُم وَخافوني إِن كُنتُم مُّؤمِنينَ (175)
ولنسلم بأن قضية المسلمين وحروبهم بقيادة نبيهم هي قضية حق عادلة، تستحق القتال من أجلها، فمن الطبيعي أن أفراد أي مجموعة تناضل من أجل قضية عادلة تؤمن بها، يتفاوتون في صلابة الإيمان بقضيتهم، وبالتالي من الطبيعي ألا يصمد كل أفراد تلك المجموعة على طول الخط، وبمواجهة كل التحديات، فمنهم من يصيبه الضعف والهوان والتردد والتخاذل. ولكن مشكلة الأديان أنها نسبت في أكثر الأحيان حالات الضعف عند الإنسان، أو حتى نزعات الشر، إلى مخلوق وهمي أسمته بالشيطان أو إبليس أو ما شابه. بينما حالات الضعف ونزعات الشر، هي ذاتية، وإن كانت عوامل خارجية يمكن أن تجذرها وتزيد منها، أو أحيانا تكون سببا لانبعاثها، لكنها عوامل لا تنتمي إلى عالم الغيب، كالشيطان، بل هي التربية، البيئة، الظروف، الأحداث، العوامل الوراثية وغيرها. والغريب إن الدين، كما هنا في هذه الآية لا يريد استبدال مشاعر الخوف بمشاعر الاطمئنان، بل يريد أن يستبدل الخوف بخوف آخر، ألا هو الخوف من الله، لأن الله يصور في الأديان مخيفا مرعبا معاقبا منتقما معذبا قاسيا، أكثر من كونه رحيما رؤوفا عفوا غفورا. نعم لا بد للإنسان من رادع عن الشر والعدوان والظلم، ولكن هذا يأتي عبر التربية الصالحة وتجذير النزعة الإنسانية ومحاسن الأخلاق، كرادع داخلي، مع تعضيد ذلك برادع خارجي، ألا هو القانون الرادع والعادل.
وَلا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ فِي الكُفرِ إِنَّهُم لَن يَّضُرُّوا اللهَ شَيئًا يُّريدُ اللهُ أَلّا يَجعَلَ لَهُم حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ (176)
مؤلف القرآن كان كما يشير العديد من نصوصه يعيش دائما هاجس أن ينتاب فريقا من أتباعه الضعف بالإيمان، بل حتى كان يحتمل أن يرتد بعضهم، حتى لو أخفوا ارتدادهم. ليس الإيمان بالله كان الذي يهمه، بقدر ما يهمه أن يكون هذا الإيمان وفق الصورة التي قدمها لهم، ومن ثم لا يكون حتى لهذا الإيمان أي قيمة أو وزن أو اعتبار، ما لم يقترن بالإيما به وبقرآنه ودينه. فهو يؤشر هنا إلى «الَّذينَ يُسارِعونَ فِي الكُفرِ» فیستنطق ربه ويستنزل منه آية تخفف عليه من وطء هذه الظاهرة بقول «لا يَحزُنكَ» ذلك، ثم يريح نفسه بأنهم «لَن يَّضُرُّوا اللهَ شَيئًا» أي لن يضروه هو شيئا، ويستحضر لنفسه صور عذابهم الأخروي بقول الله الذي يصوره لنفسه: «يُريدُ اللهُ أَلّا يَجعَلَ لَهُم حَظًّا فِي الآخِرَةِ»، وتزداد نشوته عند قول «وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ»، فهو يعيش كما يبدو هذه التصورات بعمق وتفاعل حتى يراها حقيقة واقعة لا محال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد