الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل جبهة عريضة لتغيير عميق / سومار.. مشروع يساري جديد في اسبانيا

رشيد غويلب

2022 / 10 / 29
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية في اوربا الشرقية، تحاول أغلب قوى اليسار الجذري طرح مشاريع واشكال جديدة للعمل، باستثناء قوى الجمود الفكري والانشداد للماضي التي ترى في ما حدث مؤامرة امبريالية لا أكثر.

وقد شهدت عمليات المراجعة والتغيير لحظات صعود وهبوط ارتباطا بتغيير موازين القوى، ومواجهة الأسئلة الجديدة مثل: الأزمة المالية، ملف المهاجرين، التحولات في معسكر اليمين والصعود غير المسبوق لليمين المتطرف، وأخيرا الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أحدث تقاطعات وفوضى في المواقف، على الرغم من الاجماع على رفض الحرب كوسيلة لحل النزعات الدولية، بالإضافة الى صراعات قوى اليسار الفكرية، والاختلاف على تقويم التجارب التاريخية، وعدم قدرة بعض القوى الصاعدة إدارة الصراعات الداخلية، على أساس التأكيد على المشتركات.
وفي الوقت الذي حققت فيه قوى اليسار في أمريكا اللاتينية نجاحات ملموسة مرت بموجتين، لا تزال الثانية منها تسير بخطى واعدة، استمرت مراوحة اليسار الأوربي، وعمليات بحثه عن البدائل الممكنة.
ولعل آخر هذه التجارب المعلنة، هي تلك التي أطلقتها في اسبانيا بولندا دياز، والتي تحمل اسم «سومار»، ان محاولة التعريف بهذا المشروع لا تنحصر في التعرف على جديد اليسار العالمي، بل تمتد الى إمكانية دعم محاولات بناء تحالفات او جبهات عريضة لطرح المشاريع السياسية البديلة في بلدان تعاني من هيمنة نموذج الدولة الفاشلة كما هو الحال في العراق. لعل المشترك غير المباشر بين المشروع اليساري الجديد في اسبانيا، وما تحتاجه قوى التغيير الديمقراطية الحقيقية في العراق، هو ان كلا السعيين يقومان على الاستناد الى قوة أكثرية المواطنين المغيبة، او الغائبة والرافضة للواقع المعاش.
تعتبر القيادية في تحالف اليسار الاسباني والحزب الشيوعي الاسباني، ونائبة رئيس الوزراء في الحكومة الحالية عن تحالف اليسار “معا”، يولاندا دياز. الشخصية السياسية الأكثر شعبية في الحكومة الاسبانية، وتريد من خلال تحركها تفعيل وتجميع قوى اليسار الاسباني. في الثامن من تموز الفائت، وفي مركز ماتاديرو الثقافي في العاصمة مدريد، قدمت دياز أخيرا مشروعها السياسي الجديد المسمى “سومار”، وهي منصة تسعى من خلالها إلى الحوار مع السكان. وتحقيقا لهدفها، تريد نائبة رئيس الوزراء، اللقاء بالمواطنين والناشطين والجماعات والجمعيات في جميع أنحاء البلاد. وتحويل خلاصة هذه الحوارات إلى مشروع سياسي، “عقد اجتماعي” جديد”. وإذا سارت الأمور على ما يرام، ستكون هذه الوثيقة برنامجها لخوض الانتخابات المقبلة.
ويأتي المشروع ردا على الصعوبات التي يواجهها اليسار الاسباني، والخيبة التي تلف اوساطا واسعة من الجمهور من الأداء التقليدي، دون تبني فكرة شيطنة الأحزاب، خصوصا بعد نتائج انتخابات 2019، التي جاءت مخيبة للامال. وعدم تحقيق مكاسب ملموسة، على خلفية مسار الحركة الاحتجاجية، لمواجهة الازمة المالية وسياسات التقشف القاسية، في سنوات 2011 – 2012، التي انتجت حركة 15 مايس.
وعلى الرغم من ازمة الطاقة والأزمة الاجتماعية على خلفية الحرب المستمرة في أوكرانيا، فان المعاهد المختصة، تشير الى ان اهتمام المواطنين الاسبان بالتطورات السياسية يشغل المرتبة الثانية.

طبيعة المشروع
وفق صاحبة المبادرة، وفي حوار معها أجرته مجلة «جوكابين» اليسارية الامريكية، نشرت في موقع المجلة في 24 آب 2022.
المشروع هو عملية مفتوحة، تم تبنيه بشكل جماعي. سومار هي حركة مواطنة تحاول طرح أفكار وبدائل لاسبانيا للعقد المقبل، من خلال معالجة القضايا الكبيرة والتفكير في ماهية البلد المرجو.
تبدو ممارسة المعارضة بالنسبة لليسارمريحة، لكن البناء أصعب منها بكثير، لذا يهدف مشروع سومار الى إنشاء حركة مواطنين، يشارك الجميع خلالها بالعمل الملموس، ويكونون في صدارة المشهد. وتم تكليف مجموعات عمل قطاعية مختلفة، بشأن قضايا محددة تمتد من ملفات الغذاء إلى التكنولوجيا، تحت قيادة مستقلة لتحديد البرنامج والإطار الفكري. لا يمكن تخمين الخطوط العريضة لهذا المشروع السياسي إلا في ضوء الأداء السياسي الناجح الذي قدمته دياز.
يرتكز المشروع على تفعيل العقل الجماعي وبناء أدوات التحول، بدءًا من وعي قاعدي أساسي، لتحقيق التغيير في اسبانيا، ومن أجل تأسيس عقد ديمقراطي جديد. على سبيل المثال لا الحصر، يجب النظر إلى أزمة المناخ من منظور اجتماعي. وبالتالي معالجة الأزمة عبر اشراك جميع الذين في القارب، فمكافحة تغير المناخ هي مسألة بناء سياسي، او كما تخبرنا نعومي كلاين (صحفية كندية ناقدة للراسمالية والعولمة) أن كل السياسات هي عمليا سياسات مناخية.
بعبارة أخرى، سومار يعني، ان يفكر كل فرد بما هو ضروري في العشر سنوات المقبلة، وفي إطار سومارتجري محاولة تقريب الشؤون العامة من المواطنين وسد الفجوة الموجودة في اسبانيا بين المواطنين والسياسة، وهي فجوة هائلة. وعندما تكون السياسة مجرد ضجيج والسياسيون يمثلون مشكلة للمواطنين، فهناك خطأ ما. لذلك، سومار هي أداة تهدف إلى توسيع الديمقراطية، باعتبارها قيمة وأولوية قصوى. والتحدي هو فك الارتباط بين حقوق المواطنة وسوق العمل، كما يقول عالم الاجتماع البرتغالي وافينتورا دي سوزا سانتوس.
وسومار هو حركة مواطنين عابرة لحدود الأحزاب السياسية. وتمتد جذورالفكرة الى تحالفات 2012 في مقاطعة غاليسيا، لقد كان هناك عالمان سياسيان: عالم الفيدرالية أو الكونفدرالية، ومن ناحية أخرى، حركة قومية أو استقلال. لقد تم تجاوز هذا الانقسام، وهو أمر، كان شبه مستحيل لو بقيت رؤية التحالف بحدود الحزب.
والآن يمثل سومار مشروعا جماعيا وطنيا جديدا خاليا من العقائد والأحكام المسبقة. على طريقة الأغنية التي كتبها روبين بليدز (ممثل ومغن مشهور وناشط سياسي بنمي)، «كاميناندو»: فلنبدأ بالمشي، ولا يهم إذا كنا نفكر بشكل مختلف؛ ما هو ضروري هو إنشاء دولة تلائمنا جميعًا. خاصة وأن الدولة التي اقترحها اليمين هي دولة ضيقة جدًا، حيث لا مكان سوى للرجال البيض والكاثوليكيين من جنسين مختلفين.

سومار وقوى اليسار
التجربة الحالية لحد الآن تؤكد، ان المحاولات مع أحزاب اليسار القومي في غالسيا والاندلس، لم تكن مشجعة. ولم يعلق حزب بودوموس اليساري والشريك الاكبر في تحالف اليسار “معا”، على المشروع الجديد، لا رفضا ولا إشادة. في حين هنأ ألبرتو غارثون، منسق اليسار الاسباني المتحد والشريك الثاني في تحالف اليسار، دياز عبر تويتر بنجاح فعاليتها الأولى، التي حضرها السكرتير العام للحزب الشيوعي الاسباني، إنريكي سانتياغو، ووعد بتقديم الدعم عبر رسالة فيديو: “تغير المناخ، والعمل والحقوق الاجتماعية، وتعزيز الديمقراطية وتوسيع نطاقها، هذه بعض التحديات التي تجعل من الضروري وضع الناس ثانية في مركز الفعل السياسي”.
من الواضح ان دياز تعتمد على إنريكي سانتياغو، وألبرتو غارثون في تنفيذ استراتيجتها. والنقابات العمالية، التي تعد أبرز داعميها. يذكر ان يولاندا دياز، كوزيرة للعمل، جعلت ديمقراطية الشركات وحقوق العمال حجر الزاوية في فكرتها السياسية. على سبيل المثال، في حوار مع الاقتصادي المعروف توماس بيكيتي، دعت دياز العمال إلى المشاركة في اتخاذ قرارات الشركة ووضع حد لنموذج الأعمال الإسباني، الذي وصفته بأنه «ملكي». بالإضافة إلى ذلك، في أزمة التضخم الحالية، أشارت في أكثر من مناسبة، إلى أهمية النقابات العمالية كرافعة لزيادة الأجور.
وعندما تتحدث دياز عن الشعب، فهي تخاطب النقابات والحركات الاجتماعية، ولا تنطلق من المفهوم الشعبوي للشعب، بل تنطلق من مفهوم واسع للطبقة العاملة، باعتبارها مجموع كل الذين يبيعون قوة عملهم الجسدي والذهني، في مواقع الإنتاج، ومواقع العمل الاجتماعي بتنوعه.
وعلى اية حال، يقوم سومارعلى توفير قناعة للمواطنين بمشروع سياسي، والبناء على قوة زخمهم. لا علاقة لسومار بموقع مرشحي الحزب المعين في قائمة مشتركة، أو الأموال، أو الموارد التي تحصل عليها كل منظمة، أو أي شيء من هذا القبيل. مناقشات من هذا النوع تبعد المواطنين عن السياسة.
في تشيلي تبلغ نسبة المنتمين الى الأحزاب 2 في المائة بمعنى آخر، لم يكن ممكنا تحقيق أي نجاح بدون حركات المواطنين التي طغت على الأحزاب بالكامل، وأكدت تجربة انتصار اليسار الكولومبي، والدور الذي لعبته الحركات الاجتماعية وجموع المتضررين ايضا. من ناحية أخرى، تتمتع الأحزاب بقدرة هائلة على إحداث الضجيج وجذب انتباه وسائل الإعلام بالكامل. إذا أصبحت الأحزاب غاية في حد ذاتها وانتهى الأمر بالصراع على اشكال التحالفات والمناصب والمنافع، لن يؤدي ذلك، إلا إلى تثبيط عزيمة المواطنين أكثر.
إن هناك تفويضا واضحا لهذا النوع من الحركة. لا يمكن للأحزاب أن تكون غاية في حد ذاتها. وعلى الرغم من ان الأحزاب ضرورية في الديمقراطية. لكنها غير كافية لتحقيق التحولات الاجتماعية. ويجب أن يكون قادة الأحزاب دائمًا على مستوى المهام التي تفرضها لحظة تاريخية معينة، والمفتاح الآن هو إطلاق حركة المواطنين التي ستقرر بشكل جماعي الاتجاه الذي ستتخذه الدولة.
وبولندا دياز لا تؤمن بالقيادات المتشبثة بمواقعها، وتوظف تراكم هيمنتها للحفاظ على الهرمية، وتفهم السلطة بطريقة ابوية. وعن تجربتها الملموسة تقول: « أنا لست كذلك وأعتقد أن الناس يعرفونني كواحدة منهم فقط وينادوني باسمي». المواطنون يريدون المشاركة، وهناك سلسلة كاملة من المشكلات الملحة والحاسمة التي يجب التفكير فيها بشكل جماعي.
مفاهيم عقبات واهداف
الإطار المفاهيمي المهيمن، الذي نعيش ونتصرف فيه كان الليبرالية الجديدة. لقد تم اضعافه، أو توقف بسبب الوباء. ومع ذلك، فأن الليبرالية الجديدة هي أكثر من مجرد نظام اقتصادي. إنه أيضًا نظام ثقافي وطريقة حياة واستهلاك. وبهذا الخصوص، لا يزال هناك عمل يتعين القيام به للتحرك نحو أشكال أكثر تعاونًا للحياة الاجتماعية. ان الاقتصاد الاجتماعي مهم للغاية في بلد مثل اسبانيا. يجب العمل على توسيع هذا النموذج حتى تصل الديمقراطية إلى موقع العمل وتؤثر على مراكز صنع القرار الاقتصادي. وفي الوقت الحالي، هناك فرصة، حتى لو بقيت الليبرالية على حالها، ولمحاولة تغيير الأشياء بهذا المعنى، يجب جعل إجراءات التقشف التي تسببت في الكثير من المعاناة شيئًا من الماضي.
أن التحدي يكمن في العمل من أرضية مشتركة. والشيء المشترك هو الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحديث عن السلع والحقوق الأساسية: السكن، والطاقة، والمياه. هذه موارد يجب أن تكون في متناول الناس. ويجب أن يكون الاقتصاد في خدمة المواطنين وليس العكس. والأهم هو إعادة اكتشاف الحق في أن يكون الناس سعداء وأن يتطوروا كبشر.
ولا يمكن فهم أو معالجة شيء مُلح مثل أزمة المناخ إذا لم توضع منظومة الرعاية الصحية والاجتماعية، والمطالب النسوية في المركز. يتم استبعاد النساء بطريقة ما من جزء من الاقتصاد لأن العمل الذي يقمن به، أي الانجاب لا يعتبر عملاً. الشيء الحاسم الذي يجب فعله الآن هو قلب الرؤية الاقتصادية رأسًا على عقب.
عندما تعلن يولاندا دياز أنها تريد توسيع الديمقراطية، فإنها تعد نفسها امتداد لقضيتين أساسيين: أولاً ، استعادة الديمقراطية في عام 1978 ، بعد نهاية دكتاتورية فرانكو الفاشية (1939 – 1975 )، التي لعب الحزب الشيوعي الاسباني دورا محوريا في إرساء أسسها، وثانيًا ، الدور النضالي للنقابات العمالية في تاريخ اسبانيا المعاصر. وتوسيع الديمقراطية بالنسبة لها، يتضمن تحقيق الديمقراطية الاقتصادية أيضا.
بخصوص أهمية توسيع وتعميق الديمقراطية تقول دياز: « مرة أخرى، أعتقد أن الديمقراطية هي المفتاح لتعبئة المواطنين والابتعاد عن سياسة الخوف. نحتاج معًا للخروج من هذا الواقع المرير وفتح آفاق جديدة من الأمل. إذا سلبونا قدرتنا على الحلم، فقد سرقوا أثمن ما نملك كبشر. قد يبدو هذا ساذجًا، لكنه ليس ساذجًا على الإطلاق. هذا حقيقي، هذه هي السياسة، وهذا ما يجب أن تكون عليه السياسة».

يولاندا دياز في سطور
وُلدت دياز في سان فالنتين فين في 6 ايار 1971، بجوار حوض بناء السفن في الشمال الغربي، وهي ابنة لعائلة نقابية معروفة بنضالها ضد دكتاتورية فرانكو الفاشية. وهي متخصصة في قانون العمل، وأصبحت في عام 2021 نائبة لرئيس الوزراء الاسباني، بعد استقالة زعيم حزب بودوموس اليساري من مناصبه السياسية والحكومية. وكانت منذ عام 2020 وزيرة العمل والاقتصاد الاجتماعي في الحكومة الاسبانية، وعضوة في البرلمان الاسباني منذ عام 2016. وشغلت قبل ذلك مواقع برلمانية وإدارية في المدن والبلديات. وهي المنسقة العامة لليسار الاسباني المتحد في سنوات 2005 – 2017، وقيادية في الحزب الشيوعي الاسباني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب