الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شريعة القوة 2/2

سليم يونس الزريعي

2022 / 10 / 30
دراسات وابحاث قانونية


ولذلك فإن عملية النهب والاستحواذ الاستعماري فاقمت من حدة الخلافات بين الدول الأوروبية الكبرى، إلا أن الخشية من دوامة الحروب على المسرح الأوروبي جعلت الدول الأوروبية تلجأ إلى سياسة توازن القوى عبر إبرام المعاهدات العسكرية، إلا أن نتائج تلك الاتفاقات جاءت عكسية، لأنها ساعدت على ازدياد العداوة بين الدول التي سارعت إلى عقد الاتفاقات الثانية مثل الاتفاق الإيطالي الفرنسي عام ۱۹۰۲ والاتفاق الفرنسي البريطاني عام 1904، والاتفاق الفرنسي الروسي عام ۱۹۰۷(1)، منشئة بذلك حالة من الاستقطاب بين الدول في مواجهة بعضها البعض.
وأي إطلالة على مسرح العمليات العسكرية في القارة الأوروبية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تمكننا من أن نستخلص، أن الحروب الدولية الكبرى؛ ولا سيما الحروب العالمية، وسواء کان کِبَر تلك الحروب يعود إلى اتساع رقعتها، أم بسبب تعدد الأطراف المشاركة فيها، فإن تلك الحروب في النتيجة كانت تخرج بتوزيع جديد للقوى المشاركة في العمليات العسكرية، الذي بدوره يفرز جماعة مسيطرة جديدة "نظام عالمي" جديد يجري ترسيخه في معاهدة دولية، وهو ما حصل في معاهدة وستفاليا عام 1648، وأوترخت عام۱۷۱۳، ومعاهدة فيينا عام ۱۸۱۵(1).
ومن ثم فقد كان لويلات الحروب التي اكتوت بنارها البشرية الأثر البالغ على حركة التنظيم الدولي وأسلوبه، لأن الإنسان منذ بداياته الأولى كان يسعى إلى التوسع والتملك، ليستمر ذلك معه عندما بدأت ظاهرة الدولة تنمو وتستشري ككيان يتجه غريزيا نحو السيطرة وبسط النفوذ، ومع ما طرأ على العالم من تطور علمي فاق حدود المتوقع وفق علاقات ذلك العصر، بدأت الدولة تضع في اعتبارها ذلك المستقبل المجهول والمدمر، إذا ما طرأت في مخيلتها فكرة الدخول في حرب مع الدول الأخرى، هذا التخوف الموضوعي جعلها تتنبه إلى أهمية إقامة علاقات تفاهم مع الدول الأخرى، من أجل الوصول إلى نتائج من شأنها أن ترضي كل الأطراف، وتجنب الجميع الدخول في الصراع والحرب (1)، بنتائجها وآثارها المدمرة.
وإذا كان التقدم العلمي في جوانبه المختلفة قد مكن البعض من زیادة قوته المادية، وكان سبيلا إلي كسب مزيد من الأقاليم عبر التوسع الاستعماري خارج القارة الأوروبية، فقد جرى تطور مواز كذلك في الأفكار، فبدا أن وجهات نظر نادي بها الفقه القانوني لتحديد مفهوم الحرب قد وجدت لها صدى، وذلك للتفرقة بين الحرب العدوانية، والحرب المشروعة، وسط مناخ فكري وسياسي تسود فيه مشروعية الحق في الحرب.
وأمام النتائج المدمرة التي لحقت بالبشرية جراء تلك الحروب، التي كانت تخدم في الأساس الطبقات الحاكمة، جرى التفرقة في الفقه بين الحرب العدوانية والحرب الدفاعية، عندما رأى فريق من الفقه أنه من الضروري التفرقة بين الحرب التي تمثل جريمة دولية والحرب الدفاعية التي تعتبر عملا مشروعا، وذلك في ظل افتقار المجتمع الدولي في حينها إلى سلطة عليا تعمل على حفظ الأمن وتمنع الاعتداء.
فيما اتجه جانب آخر من الفقه إلى تحريم الحرب مطلقا، والاستعاضة عن اللجوء إلى الحرب، بالتوجه نحو حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية، وهذا التوجه نحو حل الخلافات سلميا أثمر عن توقيع عدة اتفاقات دوليه، تمنع اللجوء إلى الحرب كوسيلة لحل النزاعات أولا، وكانت البداية التعاهد الجرماني عام 1815، الذي تعهدت فيه الأطراف المتعاهدة بعدم اللجوء إلى القوة لحل النزاعات القائمة فيما بينها، إلا بعد عرض النزاع على محل التعاهد(۱)، ولتشكل تلك الخطوة، محطة مفصلية في تاريخ العلاقات الدولية.
هذا على صعيد المحاولات الأوروبية لإيجاد وسيلة لمنع وقوع الحروب، في ظل التنافس الاستعماري بينها طوال ما قبل القرن العشرين، إلا أن هناك في الجانب الغربي من الكرة الأرضية كان التوسع الأمريكي يتوجه بصورة أساسية إلى أمريكا اللاتينية بدعوى أنها منطقة نفوذ أمريكية خالصة، أكد وشرع ذلك مبدأ مونرو الذي يمكن تلخيصه في كلمتين "أمريكا للأمريكيين"، الذي هدف بشكل أساسي إلى منع القوى الأوروبية من التدخل المباشر في القارة الأمريكية(۲)، من أجل أن تبقى تلك القارة منطقة نفوذ وقفا على الولايات المتحدة الأمريكية دون غيرها.
وسياسة التدخل هذه مثلت سياسة مستمرة، مارسها الرؤساء الأمريكيين تحت شعار الدفاع عن المصالح الأمريكية الواسعة وغير المحدودة في مناطق أمريكا اللاتينية، التي لا يزكيها أي مبرر دستوري(1)، يشرعه الدستور الأمريكي نفسه، وهي هنا سياسة ممتدة في التاريخ الأمريكي، تجاه دول أمريكا اللاتينية مما دفع بالقائد الفنزويلي سیمون بوليفار إلى التعبير عن ذلك الواقع في 17/12/۱۸۳۰بقوله: "يبدو أن الولايات المتحدة قد عينتها السماء من أجل قهر أمريكا اللاتينية باسم الحرية"(1).
ونخلص إلى القول أن انفلات القوة من معاييرها القانونية والأخلاقية وأدلجة استخدام القوة في مواجهة الشعوب والدول، تحت مسمى الحق في الحرب، قد خلطت المفاهيم بين الحق في الدفاع عن النفس، بما فيه الحرب من أجل التحرر من الاستعمار وتقرير المصير، وبين الحرب التي تشن بهدف العدوان وخدمة مصالح الدول، هذا إضافة إلى أن حق الدفاع المشروع قد ارتبط بفكرة موازية، وهي حظر اللجوء إلى القوة، إلا أن تحريم اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية، كان لا بد أن يقترن بوجود مرجعية دولية (تنظيم دولي)، مزود بنظام متكامل من وسائل القوة الكفيلة بتأمين قراراته والمحافظة على السلم العالمي(3)، وهو الذي لم يكن متوفرا في تلك القرون.
------------------------
المصادر
1- -د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سبق ذكره، صفحة 8.
2- - د. محمد شوقي عبدالعال، الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي العام، قضية لوكربي، ومستقبل النظام الدولي، منشورات مركز دراسات العالم الإسلامي، الطبعة الأولى 1992، صفحة 13.
1- -د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سبق ذكره، صفحة 72.
1- د. عبدالسلام صالح عرفة، مصدر سبق ذكره، صفحة12.
2- مالك أبو زيد، الإرهاب الدولي بين الواقع والتشويه، المركز العربي للنشر والتوزيع والدراسات، باريس، الطبعة الأولى 1982، صفحة 88.
3- بروستر ك. ديني، ترجمة د.ودودة عبدالرحمن بدران، مصدر سبق ذكره، صفحة 56.
1- مالك أبو زيدـ، مصدر سبق ذكره، صفحة 88.
2- د. محمد عزيز شكري، مصدر سبق ذكره، صفحة 182.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال رئيسة وكالة مكافحة الفساد في الجبل الأسود بتهم تتعلق


.. لازاريني: المجاعة -تحكم قبضتها- على قطاع غزة • فرانس 24




.. مجازر وجرائم مستمرة وتفاقم الوضع الإنساني في غزة


.. «أكسيوس»: عباس يرفض التراجع عن التصويت على عضوية كاملة لفلسط




.. الأمم المتحدة: المجاعة التي يواجهها شمال غزة معقدة جدا