الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحيا جمهورية مصر العربية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


أن يتجمهر بعض من العامة لسبب أو لآخر من مكان ما ويصرخون بأعلى صوتهم مطالبين بتلبية حاجة أو أخرى، هذا ليس هو التعبير الصحيح عن ’إرادتهم‘ بقدر ما هو تعبير عن انفعال عابر يزول بمجرد أن تشبع الحاجة أو ينفض التجمهر. علاوة على أنه لا يعبر على الاطلاق عن إرادات الأغلبية العظمى من العامة التي إما لم تختار التجمهر أو لم تقدر عليه كوسيلة للتعبير عن مطالبها واحتياجاتها. وعليه، إذا كان يراد من لفظة ’جمهورية‘ الدلالة على كون هذا النظام يعبر عن الإرادة العامة، تصبح التسمية خاطئة، لأن البون المضموني شاسع جداً فيما بين ’الجمهور‘ وبين ’العموم‘- عامة المواطنين المؤهلين للتعبير عن إراداتهم والمشاركة في نظام حكم يدعي نسبته إليهم.

على سبيل المثال، قد قادت الفذلكة القذافية إلى حد تسميته بلاده ’جماهيرية‘، بصيغة الجمع، للدلالة على نظام حكم يستند إلى قاعدة جماهيرية أوسع وأشمل مكونة من جماهير متعددة كل منها في محيطه الطبيعي الرحب وليس جمهوراً واحداً يتم حشده في ساحة أو ميادين قليلة. لكن حتى لو كان كذلك، واحتشد العامة كلهم في صورة جماهير متفرقة كل داخل شارعه وقريته ومدينته، لا زال ذلك يقصر كثيراً عن التعبير الصادق عن الإرادة العامة. الجمهور حالة انفعالية وجيزة لا تدوم لعدة ساعات على الأكثر؛ بينما الإرادة العامة تكمن في الشخوص أنفسهم، في جميع حالاتهم الانفعالية وغير الانفعالية، المتجمهرة وغير المتجمهرة، وتلازمهم ما بقيوا أحياء نشطين داخل مجتمعاتهم. وللتعبير عن هذه الإرادة العامة الفعلية وممارستها، هناك أدوات ووسائل مؤسساتية ضرورية لذلك ليس من بينها التجمهر، حتى لو كان مثله مثل الإضراب حقاً مشروعاً للتعبير عن مظالم ومطالب محدودة ووقتية.

إذن، التسمية خاطئة، لأن الجماهير انفعال وليس إرادة؛ والانفعال غير قابل للمأسسة، كونه وقتي وزائل بزوال الحالة الانفعالية المنشئة للتجمهر. على العكس من ذلك، كل فرد من العامة يملك إرادة دائمة ملازمة له في جميع أحواله، ومن مجموع العامة تنشأ ’إرادة عامة‘ باقية ما بقيوا هم، ويمكن لها أن تظهر، إذا ما أُريد لها، من خلال آليات ومؤسسات معلومة ومحددة. فإذا كان نظام الحكم يُنسب إلى هؤلاء، هذا معناه أن الإرادة العامة هي التي تحكم، من خلال المؤسسات المعبرة عن هذه الإرادة العامة. المسألة بسيطة للغاية. حيث لا تحكم المؤسسات المعبرة عن الإرادة العامة، لا يوجد ’إرادة عامة‘. فما بالك لو كانت لا توجد مثل هذه المؤسسات من الأصل؟! أو كانت مجرد ديكور لتجميل الصورة؟!

فوق ما سبق، حتى ’التجمهر‘ العابر والزائل للتعبير عن شكاوى ومطالبات هزيلة ممنوع بنص قوانين ’جمهورية‘ مصر العربية ذاتها. فمن هو، إذن، هذا الجمهور الذي تنسب إليه ’مصر العربية‘ نفسها؟! في الحقيقة، جمهوريتنا تخاف الجماهير وتعاديهم، حتى لو كانوا مجرد جماهير هشة غايتها الفرجة على مباراة في كرة القدم. وإذا اجتمع أكثر من ثلاثة أفراد معاً في مكان عام، يمكن للأجهزة الأمنية أن تجهز عليهم وتلقي بهم في الحبس بتهمة ’التجمهر‘، لأن هذا العدد التافه هو ما قد اعتمده القانون المصري معرفاً للفظة ’تجمهر‘ المحرمة. هل بعد كل ذلك لا يزال يمكن الادعاء بكون مصر ’جمهورية‘ حقاً، حتى مع التسليم بكون هذه التسمية لا تمثل عامة المصريين ولا تمت لإرادتهم بصلة؟!

شرعية الحكم في مصر غير مستمدة من ’الجمهور‘ لأن التجمهر جريمة يعاقب عليها القانون، وغير مستمدة من ’العامة‘ لأن إرادتهم غير موجودة في أي من مؤسسات الحكم؛ وهي لم تعد ’ملكية‘ بعد خلع الملك. رغم ذلك، لا تزال مصر ممتدة وحكامها متواصلون من غير انقطاع منذ آلاف السنين مضت وحتى اليوم الحاضر. هذه هي الحقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي