الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى الخامسة بعد المئة لوعد بلفور، نص الوعد بينمفهومي «الوطن القومي والدولة»    

أسامة خليفة

2022 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الذكرى الخامسة بعد المئة لوعد بلفور، نص الوعد بينمفهومي «الوطن القومي والدولة»              
                                        
 أسامة خليفة باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف».

بعد مئة وخمسة أعوام ما يزال وعد بلفور حاضراً في مأساة الشعب الفلسطيني،ماثلاً في جرائم الصهيونية، واصماً العار في جبين الإنسانية، محملاً بريطانيا مسؤوليةأخلاقية وسياسية وقانونية في قبيح ما فعلت وغدرت وخدعت، وتأبى إلى الآن أن تتحملنتائج ما جنت، وأن تعترف بمسؤولية، فتلغي الوعد وتعتذر، لأن وعدها لم يكن مجرد رسالةحنان بلفورية تكن مشاعر العطف على أناس اضطهدوا كما ادعت، ذكاؤها العاطفي يعرفتماماً مقدار الظلم التاريخي الذي لحق بشعب فلسطين وما يزال، ولا عين عطف خلفنظارات حكومة جلالته.في الصيغة النهائية وبأقل من مئة وعشرين نجمل ما جاء في النص عداً وحصراًبأدوات التعريف والتنكير، وما يحتويه من أدوات غير الكلمات، كلمات قليلة ذات أثرلا أحد يعرف معناها ويدركها مثل شغب فلسطين، عبّرت عن التزام أو تعهد قوة استعماريةعظمى للصهيونية بتحقيق أهدافها، كتتويج لمفاوضات واجتماعات ونقاشات مطولة، وصف جورج لويد في مذكّراته هذه اللقاءات بأن الإعلان تبعالعديد من المناقشات، بما في ذلك اللقاءات الأوليّة عامي 1915 و1916 بين لويد جورجالذي عُيِّن وزيراً للخارجيّة في مايو/أيَّار 1915، ووايزمان الذي عُيِّن مستشاراًعلميّاً للوزارة في سبتمبر/أيلول 1915، في لقاء عُقد في 19 يونيو، طلب بلفور من اللوردروتشيلد ووايزمان تقديم صيغة للإعلان، أعدَّت لجنة المفاوضات الصهيونية مسوَّدة تحتويعلى 143 كلمة، لكن وزارة الخارجيّة البريطانية أُعدت مسودة مختلفة، تتحدث عن «ملاذلضحايا الاضطهاد من اليهود». وقد لقيت هذه المسودة مُعارضة قويّة من الحركة الصهيونية،فأُهملت، وبعد مناقشات موسعة، أُعدَّت خلالها مسودة أخرى وقدمت إلى مجلس الوزراء للنظرفيها بشكل رسميّ، هذه النقاشات حول المسودة دارت في جهتين:·       على مستوىً عالٍ بين السياسيين البريطانيين وزعماء الحركة الصهيونيِة،استمرت لسنوات وحضرها إلى جانب روتشيلد وحاييم وايزمان والسيد بلفور، السير مارك سايكسأحد صاحبي مشروع تقسيم بلاد الشام. ناقش سياسيون بريطانيون زعماءالحركة الصهيونيّة مستجدات الحرب العالمية الأولى في لقاء وقع في 9 نوفمبر/تشرين الثاني1914، بعد أربع أيام من إعلان بريطانيا الحرب على الإمبراطوريّة العثمانيّة، التي تحكمفلسطين وتدير متصرفية القدس. ومن مواضيع النقاش: أين تريد الحركة الصهيونية إنشاء دولتهم؟. مستشار الخزانةديفيد لويد جورج وعضو الاتحاد الصهيونيّ لبريطانيا العظمى وإيرلندا، الذي أصبح فيمابعد رئيساً للوزراء، في عهده تم الإعلان عن وعد بلفور، اقترح العمل على منطقةأوغندا لإقامة الكيان اليهودي على أرضها، بعد ذلك غير رأيه، واقتنع بأهمية فلسطينللتاج البريطاني، ونوقشت مسألة مستقبل فلسطين، وكان سايكس قد كتب في رسالة خاصةإلى زعماء الحركة الصهيونية: «الصهاينة الآن هم مفتاح الوضع». قادة الحركة الصهيونيّةوداعميهم البريطانيين أكدوا ضرورة ضم فلسطين إلى الإمبراطورية البريطانية، كما أكدواعلى ضرورة إصدار إعلان عن الحكومة البريطانية يتضمن الرسالة أو الوعد أو التعهد أوالالتزام أو مشروع الإعلان البريطاني صيغة توصل إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين دونالصراحة والوضوح إلى ما ستؤول له الأمور.·       مناقشات جرت في مجلس الوزراء البريطاني، وفي مجلس العموم البريطاني، بعد المناقشاتلبرلمانيين ومسؤولين سياسيين أقروا مصطلحاً غامضاً عمداً، عبارة من المقصود أن تحملأكثر من تأويل، بهدف الخداع الاستعماري: «وطن قومي» (nationalhome) دون الإشارة إلى إقامة دولةيهودية في فلسطين، الدولة بما تعنيه من أرض وشعب وسيادة، هذه العناصر الثلاثة تمصناعتها بريطانياً بالخطوات التالية:-       سمحت بريطانيا الاستعمارية للوكالة اليهودية بالاستيلاء على مساحات واسعةمن أراضي فلسطين.-       اعتبرت الأرض المستولى عليها، تخص شعب استناداً إلى خرافات توراتية، فنظمتبالتعاون مع الوكالة اليهودية هجرات جعلت من المهاجرين مجتمعاً متكتلاً لهم مصالحهمالخاصة.-        اعترفت بريطانيا الاستعمارية بهيئةهي وكالة يهودية معنية بجميع شؤون اليهود ومصالحهم.-       مكّنت المنظمات الصهيونية من استكمال ما قامت به سلطات الانتداب في كل مايتعلق بقضايا إنشاء الوطن القومي اليهودي. في 21 تمّوز/ يوليو عام 1921، في لندن، التقى حاييم وايزمان بتشرشل ولويد جورجوبلفور وخلال هذا اللقاء قام لويد جورج وبلفور بطمأنة وايزمان «بأنهما كان يعنيان دولةًيهوديّة في نهاية المطاف»، قال لويد جورج عام 1937 أنه كان المقصود أن تصبح فلسطينكومنولث يهوديّ عندما «يصبح اليهود أغلبيّة حاسمة بين السكّان»، واتفق مسؤولون بريطانيّونمع تفسير الصهاينة بأن الدولة ستقوم عندما تتحقق الأغلبيّة اليهوديّة، ولقد خضعت قضيةالوطن مقابل الدولة للتدقيق. قال تشرشل عن معنى الوطن القوميّ:إذا ما أصبح اليهود على مدار السنين أكثريَّةً في البلد، فإنهم سيأخذونه بشكل طبيعيّ.   في المقارنة بين الدولة والوطن، يشير الوطن إلى مكان جغرافي يرتبط بهالمقيمون عاطفياً يتمتعون بالمساواة بالحقوق وعليهم واجبات دون أن يكون لأحدمكوناته الطائفية أو العرقية أو القومية أو الاثنية كيان سياسي مستقل، بينماالدولة لا تعني فقط إقليم جغرافي يسكنه مجموعة أفراد، ما يميز الدولة هو النظام السياسيالذي يخضع له كل السكان على حدود جغرافيا معترف بها. سمح المصطلح الغامض «وطن قومي»، للحكومة البريطانيّة ممارسة الخداع الاستعماري لامتصاص نقمةشعوب المنطقة عموماً وشعب فلسطين خاصة، بأن عبارة «في فلسطين» تشير إلى أن الوطني القومياليهودي المُشار إليه لم يُقصد أن يُغطي كلَّ فلسطين وهو ما مهد لصدور قرار تقسيمفلسطين، كما مكّنت هذه العبارة الحكومة البريطانية من المراوغة بين طرفي الصراع العربيوالصهيوني بأن تفسر للصهاينة أن وطن قومي للشعب اليهودي بهذه الصيغة يساوي مصطلح الدولة،وتدعى لدى القيادة الفلسطينية في ذلك أن وطن لا يعني دولة تخص اليهود دون غيرهم، لكنقراءة نص الوعد بدقة، يظهر نية الخداع الاستعماري في صياغته التي تجاهلت الفلسطينيينأصحاب البلد الأصليين، وأنكر وجودهم، وانحدر بالتعريف عنهم إلى مستوى «الطوائف غيراليهودية المقيمة الآن في فلسطين»، وسعت الحكومة البريطانية ونجحت في أن يتضمن صك الانتدابصيغة مشابهة لصيغة وعد بلفور في تحديد هوية الفلسطينيين المقيمين على أرضهم، فجاء صكالانتداب متضمناً صيغة بلفور نفسها دون تغيير: «فئات الأهالي الأخرى»، لكنه أبداً لميشر إلى الفلسطينيين كشعب له حقوقه السياسية وفي مقدمتها حق تقرير المصير، بينما اعتبرطوائف دينية يهودية تعيش وتنتمي لبلدان مختلفة على مدار الكرة الأرضية بأنهم شعب، وادعىأن صلة تاريخية تربط الشعب اليهودي بفلسطين، كسبب يبعث على إعادة إنشاء وطنهم القوميفي فلسطين، وبذلك تكون بريطانيا قد اعترفت ومن ثم فرضت حق تقرير المصير لمن لم يتشكلبعد كشعب، فضلاً عن كونه ليس من سكان البلد أصلاً، فكان لابد من توفير شروط استقدامهوتوطينه في فلسطين من خلال ممارسة أقصى درجات الضغط وصولاً إلى الإكراه، لا بل العنفبأشكاله على سكان البلاد الأصليين.قبل الصيغة والإعلان عن الوعد تم التداول بمصطلحات عديدة كـ«الوطن القوميّاليهوديّ» و«دولة يهوديّة» و«جمهوريّة يهوديّة» و«كومنولث يهوديّ»، وقيل إن جدلاً فيمجلس العموم البريطاني دار حول الوعد الحكومي البريطاني فيما إذا كان الوعد يتعارضمع الوعود السابقة التي قطعها البريطانيُّون لشريف مكة خلال مراسلات الحسين – مكماهون،لكن وزير المستعمرات في ذلك الحين تشرشل سخر من هؤلاء الذين يعتقدون أن بريطانياستسمح بقيام دولة عربية مستقلة، وطمأن من ادعوا أن هذا الإعلان سيضر بوضع السكان المحليِّينلفلسطين، وسيشجع معاداة السامية الموجهة ضد اليهود في جميع أنحاء العالم، وتجاهلت الحكومةالبريطانيّة الرأي القائل أنه من المفترض أخذ آراء السكان المحليين بعين الاعتبار، والذين كانوا يشكلون الأغلبية العُظمى من السكان المحليِّينلفلسطين آنذاك، كما تجاهلت في التنفيذ ما نص علية الوعد بما يخص حماية الحقوق السياسيّةللعرب الفلسطينيِّين. وقد تحدَّث السيد ونستون تشرتشل عن دولة يهوديّة ، وتحدَّث آخر في البرلمانالبريطاني عن إعادة فلسطين لليهود .وبرأيي أن مُصطلح «وطن قوميّ» بدلاً عن مصطلح «الدولة» صيغ غامضاً بحيث أن معناهغير واضح وملتبس قياساً بمفهوم الدولة ، ليس بسبب وجود أصوات معارضة للبرنامج الصهيونيّداخل أوساط الحكومة البريطانيّة، ولم تكن الصياغة نتاج حل وسط بين أولئك الوزراء أنصارإنشاء دولة يهوديّة وأولئك المعارضين لها، فالقناعة كانت راسخة عند البرلمانيينوالوزراء والمسؤولين البريطانيين بأن إعلان بلفور سيقود إلى دولةً يهوديّة مع مرورالوقت، حتى أن زعماء الصهيونية أنفسهم صرحوا أنهم لا يريدون صيغة إقامة جمهوريّة يهوديّةأو أي شكل آخر لدولة في فلسطين، ويفضلون صيغة بمعنى عبارة «وطن قوميّ للعرق اليهوديّفي فلسطين، ذلك لا يعني اختلافاً بينهم، حول دولة كاملة، وإن كان هناك اختلاف بين صهاينةويهود غير متصهينين.لقد مرت صياغة الوعد بمراحل متتالية وخلال سنوات طويلة من الحواراتوالنقاشات، في البداية دخل مارك سايكس بصفته الشخصيّة في مناقشات مع القيادة الصهيونيّة،في كانون الثاني/ يناير من عام 1917بدأت المفاوضات الرسمية البريطانية-الصهيونيةحين كُلِّفَ مارك سايكس من قبل حكومة الحرب بمسؤولية شؤون الشرق الأوسط، ثم دارت نقاشاتالحلفاء حول الانتداب على فلسطين وإنشاء وطن قومي لليهود، وخاصة بين فرنساوبريطانيا، من حزيران/يونيو إلى تموز/ يوليو1917أدَّت مناقشات الحكومة البريطانيّةإلى قرار تحضير إعلان الوعد، فالموافقة على إصدار الوعد أواخر 1917 ، وفي 2/11/ 1917تمإعلان الوعد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة