الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- نظام القواعد- .. والمفهوم الأمريكي الواسع للمصلحة

سليم يونس الزريعي

2022 / 10 / 30
دراسات وابحاث قانونية


لما كانت الدول هي أشخاص القانون الدولي، فإنها بعد الاتفاق فيما بينها تصدر معا، الأنظمة التي تعبر عن مصلحتها المشتركة، ومع أن المصلحة المشتركة هي محتوى هذه القوانين، فإن كل واحدة منها تبقى، لها رؤيتها لتلك المصلحة.
ذلك أن الدول لا تخضع إلى أي سلطة تعلوها، ولذلك فإن اتصالها فيما بينها يجري وفقا لإرادتها، ولذلك تبقى لكل واحدة منها تقدير مدى حقوقها باعتبارها صاحبة السيادة. ومؤدى ذلك أن جميع الدول لا تتصور معنى القاعدة الحقوقية بشكل واحد، وبما أنها تتجه نحو تجزئة مصالحها الرئيسية إلى قيم مقدسة، فإن السلم يصبح أمرا غير مضمون، خاصة عند الحديث عن القانون الدولي القائم على القواعد الذي تروج له الولايات المتحدة والناتو، اللذان هما الأكثر انتهاكا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية عودت العالم على الخلط والتعسف لحدود ومفهوم المصالح وهو سلوك أمريكي تاريخي ممتد، وأول ثغرة في جدار القانون كان قد رسم معالمها مبدأ مونرو الذي يمكن تلخيصه في كلمتين "أمريكا للأمريكيين"، الذي هدف بشكل أساسي إلى منع القوى الأوروبية من التدخل المباشر في القارة الأمريكية، من أجل أن تبقى تلك القارة منطقة نفوذ وقفا عليها دون غيرها.
والتجربة تقول إن سياسة التدخل الأمريكية مثلت سياسة مستمرة، مارسها الرؤساء الأمريكيين تحت شعار الدفاع عن المصالح الأمريكية الواسعة وغير المحدودة في مناطق أمريكا اللاتينية، التي لا يزكيها أي مبرر دستوري، يشرعه الدستور الأمريكي نفسه، وهي هنا سياسة مستقرة في التاريخ الأمريكي، تجاه دول أمريكا اللاتينية، مما دفع بالقائد الفنزويلي سیمون بوليفار إلى التعبير عن ذلك الواقع في 17/12/۱۸۳۰بقوله: "يبدو أن الولايات المتحدة قد عينتها السماء من أجل قهر أمريكا اللاتينية باسم الحرية".

هذا السلوك يعود لشعورها بفرط القوة ومفهوم المصلحة الواسع وأن من حقها أن تفعل ما تشاء، بل إن هذا الشعور جعلها تتوهم أن أي قرارات يصدرها رئيسها هي بمثابة قانون دولي واجب الأخذ به، من كل طرف في العلاقة التي يتوجه لها ذلك القرار، فمثلا عند طرح موضوعة قبول فلسطين كعضو مراقب على الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 هددت الولايات المتحدة بمعاقبة الدول التي ستوافق على توصية قبول فلسطين".
والذريعة القانونية لذلك وفق المندوبة الأميركية نيكي هايلي أن على جميع الدول الانصياع لقرار ترامب، لأنه "يعكس إرادة الشعب الأمريكي. للأسف هذه اللغة الأمريكية فيها خلط مستفز ومتعمد بين قرارات الرئيس الأمريكي التي هي ملزمة للأمريكيين فقط، وليس أي شخص آخر من أشخاص القانون الدولي، وهنا يظهر بؤس القياس الأميركي، لأن قرارات ترامب يجب أن تكون على قضايا تخص أميركا، وليس على ما يخص الآخرين، وضد القرارات الدولية والقانون الدولي، كون قرار الرئيس الأميركي هو في الجوهر تعد موصوف على قرارات الهيئات الدولية والقانون الدولي حول القدس التي كانت الولايات المتحدة جزءا منها.
ولكن الفضيحة بمعناها القانوني والسياسي والأخلاقي هي ذريعة الحرب على العراق عام 2003 عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق. ولكن هذا لم يمنع هذه الأخيرة من النظر، رسمياً، إلى روسيا باعتبارها تقوض النظام العالمي القائم على القواعد الذي تفترض أنه ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
في حين أنها أي أمريكا كل تاريخها تقويض للقانون الدولي وتجاوز لميثاق الأمم المتحدة، وذلك عندما قصف الناتو يوغوسلافيا في العام 1999 وليبيا في العام 1986، وعندما دعمت الولايات المتحدة انقلاباً في هندوراس في العام 2009 ، أو انقلاب إيران في العام 1953، وترتيب انقلاب الطغمة العسكرية في تشيلي ضد حكومة أليندي الديمقراطية التي أفرزتها صناديق الاقتراع حينها، واحتلال أجزاء من سوريا وحصارها، وحصار كوبا وإيران وفنزويلا وروسيا.
ليكون السؤال هل الحصار والحرب والتدخل الأمريكي في تلك الدول بشكل مباشر أو غير مباشر، هو بموجب ميثاق الأمم المتحدة أو الاتفاقيات الأخرى التي تحكم قوانين الحرب، التي يفترض أنها العمود الفقري للنظام العالمي؟ بالتأكيد ما من أحد يمكن أن يدعي ذلك، فنوايا أمريكا المعلنة ـوحتى المضمرة هي المبرر الوحيد الذي تحتاجه.
وهنا تحل رغبات أمريكا ونزواتها محل القواعد، بأن تتحول تلك الرغبات، إلى نوع من القاعدة، وقد سبق أن قال القائد الفنزويلي سيمون بوليفار يبدو أن الولايات المتحدة قد عينتها السماء من أجل قهر أمريكا اللاتينية باسم الحرية".

المفارقة أن هذا السلوك غير القانوني والعدواني يغلف غالبا برداء إنساني، من ذلك أنه في الوقت الذي كانت فيه إدارة الرئيس جورج دبليو بوش تروج للأكاذيب عن امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل، فقد بررت مهاجمة العراق لأسباب إنسانية. وفي سياق قصف يوغوسلافيا قام الرئيس بيل كلينتون، بدفع من هيلاري كلينتون، وهي من مشجعي سيادة القانون الدولي، وإحياء مبدأ تقرير المصير في الوقت الذي تندد فيه بانتهاكات حقوق الإنسان.

فمن خلال النظام القائم على القواعد، تفرض الدول القوية إرادتها على نظيراتها الأكثر ضعفا، في حين تتجاهله هي ذاتها. وما دام هذا الوضع قائما، فإن النظام العالمي القائم على القواعد هو في خدمة المصالح الوطنية لتلك الدول بالقوة. وفخا لاصطياد الدول المنافسة بذرائع ليس لها علاقة بالقانون.

ومع أن مصطلح "النظام القائم على القواعد" لم يظهر إلا في السنوات الأخيرة بشكل رئيسي في سياق الخطاب المناهض لروسيا من السياسيين الغربيين، لذلك ترى الخارجية الروسية، أن الهدف منه تتمثل في إضعاف أو تعزيز النظام الدولي العالمي الحالي الملزم لدول العالم قانونًا. فقد تكون إحدى الصيغ التفسيرية المناسبة لمفهوم "النظام القائم على القواعد" أنه النظام العالمي الذي يقوم على قواعد القانون الدولي الملزمة، وعلى القواعد الدولية غير الملزمة القابلة للتطبيق، كالقواعد الدولية المنصوص عليها في وثائق المنظمات والمؤتمرات الحكومية الدولية، والترتيبات السياسية بين الدول، وغيرها من القواعد المقبولة بشكل متبادل، التي تشكلت في الممارسة المعاصرة للعلاقات الدولية.

ومع ذلك، حتى في ظل هذا التفسير، من الضروري احترام التمييز بين قواعد القانون الدولي الملزمة، والقواعد الأخرى التي لا يترتب عليها التزامات، بموجب القانون الدولي. وهذا يعني أنه لن يُسمح بفرض قيم من جانب واحد، أو دولة واحدة، على دول أخرى تحت ستار القواعد التي يقوم النظام العالمي على أساسها وفقًا للدولة الأولى.

ومن جهة تفسيرية أخرى، قد يكون لمفهوم "النظام القائم على القواعد" تأثير سلبي على النظام القانوني الدولي الحالي، لأنه "يزيل" الإجراءات الشرعية المعمول بها في وضع القانون الدولي، ويرفض القيم الدولية التقليدية للاستقرار القانوني وتقليص دور القانون الدولي في العلاقات الدولية. ومثل هذا التفسير لن يؤدي فقط إلى مضاعفة الغموض القانوني وحتى التوقعات غير المعقولة بين المشاركين في العمليات الدولية، بل قد يؤدي أيضًا إلى تقويض أساسيات القانون الدولي الحديث المستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، ما سيؤدي بدوره، حتماً، إلى عدم الاستقرار القانوني العالمي، ويزيد بشكل كبير من مخاطر الحرب العالمية الثالثة.

وفي الوقت الحالي، فإن الاستخدام المتكرر لمصطلح "النظام القائم على القواعد" من قبل ممثلي دول الناتو لدعم بياناتهم ذات الدوافع السياسية، المتفق عليها فيما بينهم فقط، يحول دون تحقيق فهم مقبول للمصطلح على المستوى العالمي، يكون متسقاً مع القانون الدولي.

فيما رأي دميتري مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي أن "النظام على أساس القواعد" غير مقبولة وضارة، فهي على عكس القواعد والمؤسسات الدولية القائمة، بما في ذلك نفس الأمم المتحدة".
ووفقا له، فإن هذه الفكرة تمليها "رغبة الأنجلوساكسون المهووسة، إلى حد الانحرافات النفسية، في وضع أساس أيديولوجي لمحاولاتهم للسيطرة على العالم".
ولذلك أكد على أنه من المهم أن تحتفظ الأمم المتحدة بالمبدأ الأساسي للعلاقات الدولية: "المساواة بين جميع الدول وواجب الاستماع إلى موقف كل دولة .هذه هي حتمية أنشطة المنظمة، قواعدها الآمرة".
ورأى مدفيديف أن الأمم المتحدة والوثائق الأساسية التي اعتمدتها هي الأداة العالمية الوحيدة في العالم لتسوية النزاعات الدولية.
ويبقى سعي أمريكا وشركاءها في الناتو والدول التابعة لها في هذا الاتجاه رهن بوجود أشخاص دولية فاعلة لمحاصرة هذا التوجه التي تعمل الولايات المتحدة على الترويج له خدمة لمصالحها دون مراعاة مصالح الدول الأخرى كبيرها وصغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقف الأونروا عن تقديم خدماتها يفاقم معاناة الفلسطينيين في ق


.. تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.. عشرات الطلاب يتظاهرون بالموت




.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي


.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة




.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل