الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 120

ضياء الشكرجي

2022 / 10 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إِنَّ الَّذينَ اشتَرَوُا الكُفرَ بِالإيمانِ لَن يَّضُرُّوا اللهَ شَيئًا وَّلَهُم عَذابٌ أَليمٌ (177) وَلا يَحسَبَنَّ الَّذينَ كَفَروا أَنَّما نُملي لَهُم خَيرٌ لِّأَنفُسِهِم إِنَّما نُملي لَهُم لِيَزدادوا إِثمًا وَّلَهُمُ عَذابٌ مُّهينٌ (178)
الإيمان بفكرة ما هو تصديقه، نتيجة الاقتناع بصدقه، بقطع النظر عما إذا كان صادقا بذاته أو مصدَّقا به من غير أن يثبت صدقه أو عدم صدقه، أي تحققه أو عدم تحققه، وبتعبير آخر إن الإيمان بشيء هو إثباته، سواء كان كان ثابتا أو لم يكن. والكفر بالشيء، إذا كان يعني عدم التصديق به، وبالتالي نفسه، لعدم الاقتناع بصدقه وتحققه وثبوته، فهو كما تكرر ذكره، أمر غير إرادي، فأنت عندما تواجه فكرة تعرض عليك، كما تعرض الأدلة على صدقها، فيما يراها المؤمن بها أدلة كافية ومقنعة بالنسبة له، فأنت لا تملك إلا أن تقتنع أو لا تقتنع. ولذا عدم الاقتناع بأمر ما، خاصة إذا كان غريبا وكان الاستدلال عليه صعبا، لا يمثل جريمة يستحق عليها صاحبها العقاب، لاسيما إذا كان عقابا متناهيا في القسوة والعذاب، وأبديا لا ينقطع ولا يفتر. ولذا لا يصح القول عن الذي لم يقتنع بتلك الفكرة التي عرضت عليه، أنه قد اشترى الكفر بالإيمان، والضلال بالهدى، والباطل بالحق، والعذاب الأبدي بالنعيم الأبدي. فالإنسان بطبيعته محب للخير لنفسه، فكيف يكون مقتنعا بشيء في قرارة نفسه، وفي نفس الوقت منكرا له، وهو يعلم أنه سيدفع ثمن ذلك عذابا في نار جهنم خالدا فيها أبدا؟ خاصة ونحن قد علمنا من عموم القرآن أن الإيمان والكفر ليس أي إيمان وأي كفر، بل هو الإيمان بالإسلام في جانب، وعدم الإيمان به من جانب آخر. ثم غريب هذا الإله الذي يصوره القرآن، فهو يزيد الكافرين نعيما في الدنيا، ليغتروا بها ويزدادوا كفرا، كي يستحقوا العذاب المهين، والعذاب المقيم، والعذاب الشديد، خالدين فيه أبدا. من صفات بعض الناس المتعصبين أن يحقدوا على الذين يخالفونهم ويتمنون أن يروهم معذبين ليتشفوا بهم، والله يتعالى ويتنزه عن أن تكون له عقدة بهذه الصورة تجاه من لم يقتنع بوجوده، أو اقتنع بوجوده، لكن ليس بالصورة الحقيقية، بل بصورة لا تمثل حقيقة الله، أو لم يقتنع بدينه، إذا افترضنا أن هناك ثمة دينا هو دين الله.
ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنينَ عَلى ما أَنتُم عَلَيهِ حَتّى يَميزَ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطلِعَكُم عَلَى الغَيبِ وَلاكِنَّ اللهَ يَجتَبي مِن رُّسُلِهِ مَن يَّشاءُ فَآمِنوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤمِنوا وَتَتَّقوا فَلَكُم أَجرٌ عَظيمٌ (179)
إذن الإيمان وحده لا يزكي صاحبه، فقد يكون المؤمن طيبا وقد يكون خبيثا. ولذا يخضع الله حسب تصوير القرآن المؤمنين للاختبار، ليميز بين المؤمنين الطيبين والمؤمنين الخبيثين. ولو كان الله القرآني كما هو الله الفلفسي عادلا عدلا مطلقا، لاكتفى بالتمييز بين الطيب والخبيث، بين الخيّر والشرير، دون جعل الإيمان وعدم الإيمان، أي القدرة أو عدم القدرة على الاقتناع، في ميزان الثواب والعقاب. فكما أن في المؤمنين طيبين وخبيثين، ففي غير المؤمنين أيضا طيبون وخبيثون. ثم تقول الآية «وَما كانَ اللهُ لِيُطلِعَكُم عَلَى الغَيبِ»، أي ليس بالإمكان أن يطلعكم على الغيب، أو أن يجعل طريقا ميسرة لعامة الناس للإيمان بالغيب، ومع هذا فهو يريدهم أن يؤمنوا بهذا الغيب، ويتوعد من لم يفعل بالعذاب الشديد مقيما فيه أبدا. نعم هو لا يريد أن يطلع عامة الناس، أي غير الرسل والأنبياء على الغيب، «وَلاكِنَّ اللهَ يَجتَبي مِن رُّسُلِهِ مَن يَّشاءُ»، ليطلعهم على ذلك الغيب، ويأمر الناس أن «آمِنوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ». نفس كون أشخاص معينين رسلا مبعوثين من الله هو شأن غيبي، فكيف يكون من المستحيل أن يطلع الله عباده على الغيب، ويأمرهم في نفس الوقت أن يؤمنوا بقضية غيبية، هي قضية الرسل والأنبياء والكتب؟ ما أدرانا أن نوحا وإبراهيم ويعقوب وإسحاق وإسماعيل وموسى وداوود وسليمان وعيسى ومحمدا هم رسل الله؟ لا يتأتى لأي من الناس الذين لم يعاصروا أولئك الرسل والأنبياء أن يتحقق من كونهم رسل الله وأنبياءه، إلا إذا آمن بأحد رسل الديانات الثلاث، موسى أو عيسى أو محمد. فلو آمن بالأول وجب عليه أن يكفر بالثاني والثالث، لأنهما لم يردا في كتاب الأول، ولو آمن بالثاني وجب عليه أن يكفر بالثالث. لكن حتى الذي آمن بالتالي الذي ينبئ عمن قبله، فالصورة تختلف، فمثلا الدين الإسلامي يفترض دينا يهوديا غير الذي يعتنقه اليهود اليوم أو في زمن الرسالة الثالثة، وكما يفترض دينا مسيحيا أو نصرانيا حسب تسميته هو غير الدين الذي يؤمن به مسيحيو اليوم أو في زمن الرسالة الأولى. الكتب الثلاثة متناقضة فيما بينها، بل نجد في كل منها ما يناقض بعضه البعض الآخر. الله حسب القرآن يقول لنا أنه من غير الممكن أن يطلعنا على الغيب، ويريدنا في نفس الوقت الإيمان برسله ليدلونا على الغيب، وهم جزء من الغيب، فيما يتعلق بافتراض كونهم رسل الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 22222222222222


.. VODCAST الميادين | مع وئام وهاب - رئيس حزب التوحيد العربي |




.. 12345


.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #