الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمن والمستقبل والثنائيات القاتلة!

منذر علي

2022 / 11 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


!
العمل السياسي المسؤول من أجل الوطن ومستقبل الشعب ينبغي أن يكون هدفه تحصين الوطن من الأعداء الخارجين المتربصين به، وتعزيز التكامل بين المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشعب، وتعزيز الهُويِّة الوطنية الجامعة، ونيْل الحرية والاستقلال و توطيد السيادة، وتفعيل العقل، وبذر قيم الاستنارة في المجتمع، وتأسيس العدل والمواطنة المتساوية، وتمكين الوطنيينَ الْأَكِفَّاءَ من إدارة الدولة وتحقيق التقدم. هذا هو العمل السياسي الوطني المسؤول، وليس الانزلاق إلى الهاوية باسم الهُويِّة، والترويج للثنائيات القاتلة، باستعداء الشمال لمواجهة الجَنُوب، والسُنَّة لمواجهة الشيعة، وقبائل يافع لمواجهة قبائل العوالق، وقبائل حاشد لمواجهة قبائل بكيل، والطغمة لمواجهة الزمرة، والانفصاليون لمواجهة أنصار الوحدة، ثم الانغلاق في مربعات قبلية ضيقة و التعصب الأعمى للوحدة أو للانفصال، دون مضمون تقدمي. كما أنَّ العمل السياسي الوطني المسؤول لا يكمن في الاستعانة بالقوى الخارجية المهووسة بالتوسع في وطننا والهيمنة على شؤونه، ولا يكمن بالاعتماد على تقاسم السلطة بين الحمقى، ولا يكمن بتعميم الفوضى والقتل من أجل توطيد التخلف والجهل.

***
الشعب اليمني يرفض الارتهان لقوى التخلف الداخلية، و يرفض التدخل الخارجي في شؤونه، ويعترض بقوة على تقاسم السلطة بين الحمقى، ويرفض الثنائيات القاتلة، كالسنَّة في مواجهة الشيعة، والشمال في مواجهة الجَنُوب، ويناهض الوحدة القائمة على الهيمنة الطائفية والجهوية والقبلية الكريهة، كما يعارض الانفصال القائم على التعصب المُؤسَسِ على الثارات القبلية والمفاهيم التاريخية المغلوطة والجهوية البغيضة. الوحدة أو الموت، مقابل الانفصال أو الموت، مشروعان خاسران لا يقودان إلى المستقبل، بل إلى الماضي. هذان المشروعان مرادفان للجحيم، أو بتعبير أوضح، هذان المشروعان لن يُفْضِيَا سوى إلى جهنم وبئس المصير.

***
نحن، كشعب، نعيش في لحظات فارقة في التاريخ، نعيش في زمن الانحطاط، وفي زمن الانحطاط تزدهر التفاهات والدعوات الشوهاء من كل صنف، ولكن الانحطاط لن يدوم، و الشعب اليمني لن يسمح للمأجورين من دعاة الكراهيِّة والتوجهات الشوهاء أنْ يدافعوا على مصالح القِوَى الإقليمية ويجمِّلوا تدخلها وعدوانها على اليمن. كما لن يسمح لهم أنْ يشعلوا نار الفتنة الداخلية وتأجيج الكراهيِّة بين أبناء الشعب اليمني. لن يسمح لهم أنْ يدفعوا الشعب اليمني للوقوف في متاريس متقابلة، وتصويب بنادق بعضهم على بعضٍ، ثم الشروع في القتل العشوائي والانتقامي، باسم شعاراتٍ جوفاء، فضفاضة، مجردةٌ من المعاني الإنسانية النبيلة، ومتعارضة مع مسيرة شعبنا وحركته الوطنية التقدمية على امتداد أكثر من 183 عامًا منذ أنْ وطأت أقدامُ المُستعمرينِ، البريطاني والتركي أرض وطننا العظيم سنة 1839م وسنة 1872م على التوالي، وقسَّمَا بلادنا عنوةً إلى شطرين سنة 1904م، بما ينسجمُ مع نفوذهما ومصالحهما التوسعية، ولكن بما يخالف المصالح الوطنية الجامعة للشعب اليمني.

***
هل علينا أنْ نقبل التقسيم الاستعماري الذي فرضته بريطانيا وتركيا على وطننا؟ هل علينا أن نخون تضحيات شعبنا الذي ناهض على أمتداد التاريخ القديم والحديث والمعاصر الهيمنة الأجنبية على وطننا ومن أجل الجمهورية والوحدة؟ لماذا علينا أن نقبل الدعوات الشوهاء لتقسيم وطننا بما يتلاءم مع مصالح القِوَى الطبقية المحلية المهيمنة، وبما يلبي مطامع القِوَى الاستعمارية الإقليمية الجديدة التي تسعى للحلول محل القِوَى الاستعمارية القديمة؟

***
لا يمكننا أنْ نقبل غوغائية وحجج أنصار وحدة الهيمنة القائمة على الأوهام والنزعات الانفصالية الطائفية الذين ما فتئوا يقولون بأنَّ غايتهم هي رفع الظلم الذي أُقتُرِفَ في حقهم، في اجتماع سقيفة بني ساعدة، عقب وفاة النبي محمد، صلى الله عليه وسلَّم، سنة 632 ميلادية، حيثُ تم خلال ذلك الاجتماع، حسب زعمهم، منع آل البيت من تبوأ موقع الخلافة، وتمكين غيرهم منها. وبذلك فأنَّ تصحيح هذا الخطأ التاريخي، الذي أُقتُرِفَ بحقهم قبل 1390 عامًا، وتمكين حفدة آل البيت المعاصرين من الحكم، والعودة إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، من شأنه أن يزيل الاعوجاج الشائن، وعندئذ فقط ستستقيم حركة التاريخ، وسيغدو كل شيء على ما يرام. اللعنة!

***
وبالمقابل، لا يمكننا أن نقبل هذيان وحذلقة وغوغائية أنصار الانفصال والنزعات الانعزالية الذين لا يشبهون ثوار 14 أكتوبر والجماعة اليسارية التقدمية التي حكمت الجَنُوب اليمني بين 1967 - 1985. هؤلاء ليسوا من رفاق سالم ربيع وعبد الفتاح إسماعيل وصالح مصلح، وعلي عنتر، وعلي صالح عباد مقبل، وجار الله عمر، وثابت عبد حسين السعدي. هؤلاء ليسوا اشتراكيين، بل مُعادين للاشتراكية، هؤلاء حولوا الشعار النبيل للاشتراكيين : "يا عمال العالم اتحدوا فلن تخسروا سوى أصفادكم" إلى : يا عمال اليمن تحاربوا فلن تخسروا سوى حياتكم وبعدها ستنالون السعادة! . فهؤلاء يشبهون الجماعات الدينية المتطرفة التي حرَّفت عمليًا الآية الكريمة: " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" وجعلت منها: إنما المؤمنون أعداء، فافتنوا بينهم واشركوا بالله لعلكم تربحون، وعليهم أن يتقاتلوا حتى آخر رمق.إذن لا تنخدعوا!
إنَّ أنصار الانفصال القائم على الهيمنة القبلية في جزء من الوطن كأنصار الوحدة القائمة على الهيمنة الطائفية في الجزء الآخر من الوطن. أنصار الانفصال يتحججون بأنهم مُنَزَّهون من الأخطاء والمثالب، وبأنهم كانوا مع الوحدة القائمة على الشراكة، و أنَّ تطلعاتهم كانت على الدوام نبيلة، ولكنهم خُدعوا وأُجْهِضُت تطلعاتهم و أحلامهم النبيلة، ووقعوا فريسة سهلة لمكر وخُبث الطرف الآخر، غير المؤتمن، الذي خرق عقد الشراكة، وأقترف جريمة وطنية بسعيه للاستئثار بالسلطة عبر الحرب سنة 1994. وعليه فأنَّهم يروْنَ أنَّ الرد على جريمة الوحدة بالقوة الغاشمة وتثبيت الظُلم، ليس النضال من أجل استعادة وحدة الشعب بالسلم وتثبيت العدل، بل اقتراف جريمة الانفصال بالقوة ومضاعفة الظلم بدعم من قبل القِوَى الخليجية التوسعية المؤتمنة، المنضوية في المعسكر الصهيوني والإمبريالي. هذا هو المَخرج، كما يتوهمون، الذي من شأنه أنْ يعود بهم إلى ما قبل ثورة 14 أكتوبر 1963، إلى عصر البراءة، إلى عهد السلطنات والإمارات والمشيخات، إلى الزمن الجميل، وحينها فقط سيستقيم الوضع، حسب زعمهم، وسيكون كل شيء على ما يرام. اللعنة!

***
هذان التياران النكوصيان يتشابهان كثيرًا على الرغم مما يبدو من تناقض حاد بينهما، وجذر التشابه بين هذين التيارين، إنَّ غايتهما واحدة، وهي السيطرة على السلطة السياسية ليتمكنا من نهب الشعب اليمني، والنهب قائم على قدم وساق منذُ أن بسطا نفوذهما بقوة السلاح على الساحة الوطنية منذ 2014. فالطرفان يحملان أيديولوجيتين رجعيتين تحكمان سلوكهما السياسي أما على صعيد الأشخاص، فلا فرق بين يمني شمالي ويمني جَنوبي، ولا فرق بين لص يمني شمالي ولص يمني جَنوبي، وخائن يمني جَنوبي وخائن يمني شمالي. كما إنهما، بالمعايير الديمقراطية، يمثلان الأقلية من الشعب اليمني. فهما، في أحسن الأحوال، ومع كل الدعم الخارجي المهول، لا يحظيان بتأييد أكثر من بضعة مئات من الآلاف من الفقراء المشوشين والأشقياء، مقابل عشرات الملايين من الشعب الذين يرفضون وحدة الهيمنة الطائفية الكريهة للأقلية الطائفية في صنعاء، ويرفضون الانفصال المقيت للأقلية القبلية في عدن، ويسعون إلى دولة جديدة، ليست كالدولة السابقة وليست كالدولة القائمة، بل يسعون إلى دولة موحدة قوية و ديمقراطية وعادلة. كما أنَّ التيارين الشائنين يتشابهان من زاوية إنَّهما معاديان للمستقبل، و مهووسان بالماضي، ومتحمسان لإلحاق الراهن بالماضي، ومناهضان لقيم الحرية والعدالة والتقدم، ومعتمدان على القِوَى الخارجية وليس على الشعب اليمني، لتحقيق غاياتهما السياسية البائسة، ووسائلهما إلى تحقيق ذلك، هي التزوير للحقائق التاريخية، والكذب، و بث الكراهيِّة، واستخدام الإكراه والعنف، كأدوات مُثلى، من أجل عودة الماضي البغيض، وكبح المستقبل المشرق.
***
فهل حقًا إذا حَكَمَ المتعصبون الوحدويون من أنصار الطائفة الهاشمية الزيدية، سيكون كل شيء على ما يرام؟ وهل حقًا إذا حَكَمَ المتعصبون الانفصاليون من أنصار الطائفة السنية السلفية سيكون كل شيء على ما يرام؟ والجواب قطعًا لا. فهؤلاء وأولئك، في حقيقة الأمر، يتلبسون الشعارات الطائفية المتعارضة والشائنة ويخدعون العوام، بهدف الوصول إلى السلطة وفرض السيطرة والهيمنة الطائفية والجهوية على الشعب ونهبه، وخدمة أسيادهم في الخارج، وليس بهدف وضع حلول للأزمات القائمة والمتفاقمة التي تعصف بوطننا. إذن لن يكون كل شيء على ما يرام لأنَّ هذين المشروعين وصْفَتَانِ للحرب والخراب.

***
إذن لا ينبغي، تحت أية حجج، أن نترك مصير وطننا ومستقبل شعبنا لهؤلاء الحمقى. لا ينبغي أن ننساق وراء هذه التوجهات العمياء التي تتلخص في وحدة الهيمنة الطائفية أو الموت، الانفصال القبلي أو الموت، بل يجب على اليمنيين الأحرار أن يرفضوا هذه الثنائية القاتلة، ويوجهوا طاقاتهم الوطنية الخلاقة ليس من أجل وحدة الهيمنة الطائفية على كل أجزء الوطن، وليس من أجل الانحدار صوب الانفصال الأهوج وإقامة هيمنة قبلية في جزء من الوطن، وليس من أجل إقامة الخلافة السُنيِّة على الطريقة العثمانية، وليس من أجل إقامة سلطة عائلية جديدة أو على النمط السابق، وليس من أجل سلطة تقوم على التقاسم بين الحمقى والقتلة والعملاء للدول الإقليمية، وإنما من أجل دولة مدنية ديمقراطية موحدة، ترفع راية المواطنة المتساوية، وَتُوْقِف الفوضى وتمنع القتل، وتَزِيْلُ المظالم، وتُعَمِمُ القانون، وتُعَزِزُ الوحدة الوطنية، وتعمق الهُويِّة الشاملة، وتصون السيادة اليمنية، وتحقق العدالة والحرية والتقدم، وبذلك نكون توجهنا بحق صوب المستقبل المشرق وليس صوب الماضي المُظلم.

***
ولتحقيق هذا الهدف النبيل، ينبغي العدول عن بث الكراهيِّة بين أنصار السُنَّةِ وأنصار الشيعة، وبين اليمنيين الشماليين واليمنيين الجنوبيين، وبين اليمنيين الشرقيين واليمنيين الغربيين، وبين القبائل المُختلفة في الفضاء الجغرافي لليمن، ويجب التوقف عن الترويج للهُويَّات المتنافرة التي تقود إلى الهاويات القاتلة. أي يجب التخلي، قولًا وفعلًا، عن النزعات الثأرية، والقبلية، والطائفية، والجهوية المُدمِّرة.
والتخلي عن هذه النزعات المُنفلتة والقاتلة لا يعني طي صفحة الماضي بشكل اعتباطي، وذبح الثيران، وإطلاق الزغاريد والاستماع إلى الأناشيد الحماسية، وضرب الدفوف والنفخ في المزمار و امتهان رقصة" الزأر" لطرد الشياطين، وإنمَّا يعني النظر إلى الأوضاع الوطنية بتبصر ومسؤولية، والعمل من أجل بلورة وتعميم الرؤية العقلانية في المجتمع عوضًا عن تعميم الخرافات، والسعي لإرساء دولة القانون، و تمكين الدولة من احتكار القوة، وتفعيل مبدأ العدالة الانتقالية، وإزالة المظالم، وتعزيز روح التعايش، والتراجع عن مشارف الهاوية، وترك هِواية القتل، والتوجه صوب هُويَّة العقل لكي ننطلق بثقة نحو المستقبل، فالمستقبل يكمن في الاعتماد على العقل و التحرر من الجهل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو