الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة أثاث دمياط.. نموذج أحلام السيسي الذي أفسده بنفسه

ممتاز يحيى

2022 / 11 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


انتهت يوم الثلاثاء الماضي جلسات المؤتمر الاقتصادي “مصر 2022” الذي نظمته الحكومة المصرية على مدار ثلاثة أيام بالعاصمة الإدارية لمناقشة الأوضاع الاقتصادية ومستقبلها. وقد دعت الدولة بعض ممثلي أحزاب الحركة المدنية لحضور جلسات المؤتمر.

ولكن رغم طرح المؤتمر كإطار لمناقشة مستقبل الوضع الاقتصادي الحالي وطرح حلول للأزمة الحالية، لم تختلف نتائج المؤتمر في شيء عن سابقيه، بل جاءت تأكيدًا على تناقضات النظام. فلا يمكن تلخيص خطاب السيسي، الذي استمر قرابة ساعة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، إلا في تبرير السياسات الكارثية التي اتخذها خلال الأعوام السابقة، إلى جانب المزيد من اللوم على الزيادة السكانية وثورة 2011 وعلى غياب رؤية “المثقفين” و”المفكرين” عن حجم التحديات قبل انتقادهم النظام، ومطالبته الشعب المصري بالصبر والتحمل والتضحية عشرات المرات خلال كلمته. ولم تختلف كلمته في ختام المؤتمر، التي استمرت قرابة الساعتين، عن ذلك، إذ أكد مرة أخرى على رؤيتة بعدم تحمل الدولة لمجانية التعليم أو دعم الأسر واستمرار تكليف الجيش.

وعلى هامش تبرير إخفاقات النظام، أشار السيسي في الكلمة الختامية إلى أن أحد أهم عوامل عدم نجاح “المشروعات الكبرى” هي عدم ملائمة البيئة الاجتماعية، مستشهدًا بمدينة الأثاث الجديدة في دمياط، إذ قال: “أهالينا في دمياط ماراحوش يشتغلوا في المدينة لأنهم متعودين الورش تكون تحت البيت”، محملًا فشل المشروع على كسل الأهالي، وهو ما لا يختلف كثيرًا عن تصريحات السيسي منذ ثلاثة أعوام خلال مؤتمر افتتاح مشروعات بدمياط، ديسمبر 2019، عندما علق على عدم إقبال أهالي دمياط والعاملين بورش الأثاث على العمل في مدينة الأثاث قائلًا: “ايه يا بتوع دمياط؟ ماعندكمش حلم؟ هي الناس بطلت تحلم ولا ايه؟”.

بين اتهام أهالي دمياط، التي كانت تُلقَّب سابقًا بـ”قلعة الأثاث”، بالكسل في عام 2022، واتهام الأهالي عام 2019 بغياب الطموح ومشاركة السيسي حلمه بإنشاء “مدينة أثاث عالمية”، خاضت المدينة عدة تحديات خلال السنوات العشر الماضية كان أبرزها تعويم الجنيه عام 2016. تسبب تحرير سعر الصرف إلى ارتفاع أسعار كل خامات الإنتاج بشكل جنوني، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، مما ضاعف أسعار الأثاث. وجاءت تلك الزيادة بأسعار المعروض بالتزامن مع غزو الأثاث المستورد للسوق المحلية دون أي ضوابط أو قيود، ما أصاب أسواق دمياط بحالة غير مسبوقة من الركود مستمرة منذ سنوات.

دفعت زيادة تكلفة الخامات وعملية الإنتاج إلي تخفيض جودة المنتجات عبر استبدال الخشب عالي الجودة لتحل محله أخشاب التدفئة، لمحاولة تقليل الأسعار. لكن الأسعار لم تنخفض كثيرًا، بل زادت بشكل متسارع نظرًا لارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما دفع الكثير من الورش إلي الإغلاق أو تسريح غالبية العمالة وتوجه الكثير من الحرفيين إلى وظائف أخرى، وهو ما إشار إليه سلامة الحجر، رئيس شعبة الأثاث بالغرفة التجارية بدمياط، في أبريل الماضي عن احتمالية إغلاق غالبية ورش الأثاث بمدينة دمياط خلال شهور في حال عدم تخفيض تكلفة الإنتاج وأسعار الأخشاب التي تضاعفت بسبب القيود المفروضة على الاستيراد في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي ظل تلك الأزمة الكارثية في صناعة الأثاث المحلي بمدينة دمياط، يرى السيسي ضرورة مشاركة أهالي دمياط في مشروعة الجديد الذي يبعد عن مركز دمياط قرابة النصف ساعة، ليضيف المزيد من الأعباء المالية على العمال من أجل الانفاق على الانتقال يوميًا من منازلهم إلي الورش والعودة مجددًا. هذا علاوة على تحمل تكاليف عالية لإعادة شحن المنتجات داخل المدينة لعرضها بمراكز البيع. وبالإضافة إلى ذلك، انتقد صناع الأثاث ارتفاع أسعار الورش في المدينة الجديدة، إذ يصل سعر الورشة 50 متر إلى 300 ألف جنية تقريبًا. والآن يتم تحميل تكلفة فشل المشروع، الذي كلف الدولة أكثر من 230 مليون دولار، عدم دراسة العوامل الاجتماعية للمشروع، رغم تصريح السيسي سابقًا بعدم فاعلية دراسات الجدوى وأفتخاره بعدم اتبعها، قائلا خلال فعاليات منتدى الاستثمار “إفريقيا 2018” إن “لو مشيت على دراسات الجدوى ماكناش حققنا 25% مما تحقق”.

كان من الممكن أن يحاول النظام معرفة احتياجات أهل المدينة أو تحديات الصناعة ومواجهتها بتكلفة لن تتعدى في أسوأ الأحوال نصف المبلغ الذي أُنفِقَ على المدينة الصناعية الجديدة، التي أُنشئت في إطار سباق إنجازات “أكبر كل حاجة”، سواء أكبر جامع أو أطول برج أو أكبر مدينة صناعية، بشكل لا يتخطى مرحلة الاستعراض الإعلامي ودون أن يتضمن أي تخطيط أو دراسة سوى للعامل الأمني. ولكن للمفارقة، شهد مؤتمر افتتاح المرحلة الأولى المشروع ذاته -مدينة الأثاث- في عام 2017، انفعال واضح من السيسي عند محاولة أبو المعاطي مصطفي، عضو مجلس النواب عن محافظة دمياط في ذلك الوقت، التعبير عن مشاكل أهل دمياط ومطالبته بالتراجع عن زيادة الأسعار ورفع الدعم، ليرد السيسي غاضبًا: “انت مين؟! انت دارس الموضوع اللي بتتكلم فيه؟! انت عايز دولة تقوم، ولا تفضل ميته؟! لو سمحت ادرسوا المواضيع كويس وبعدين اتكلموا”.

الواقع هو أن السياسات الاقتصادية الكارثية وشروط الإفقار الخاصة بصندوق النقد الدولي التي نفذها نظام السيسي خلال السنوات السابقة هي من تسببت ليس في فشل مشروع مدينة الأثاث فحسب، بل في تدمير صناعة الأثاث المحلية بأكملها، مثلما حدث في أغلب القطاعات الصناعية. فلم يكن من المفاجئ أن تتصدر محافظة دمياط نسبة المشاركة في احتجاجات سبتمبر عاميّ 2019 و2020 للمطالبة بإسقاط النظام ودهس صورة السيسي بميدان الساعة وتصدر المحافظة كذلك أعداد المعتقلين في تلك الأحداث.

حاول السيسي استنساخ حلمه بمدينة الأثاث في أشكال عدة واجهت كلها المصير ذاته، أبرزها مدينة الروبيكي لصناعة الجلود التي أعقب تدشينها القضاء على صناعة الجلود بمدابغ عين الصيرة بالكامل عبر إزالة المنطقة برمتها. وأغلب الظن أن تلك النماذج التي أثبتت فشلها لن تكون الأخيرة، فالنظام لم يعترف بأخطائه ولم يحاول تداركها، بل أنه يسير في نفس المدارات، حيث تجاهل العامل البشري أثناء التخطيط لمشروعاته، وتطبيق المزيد من سياسات التقشف التي دفعت غالبية الشعب إلي خط الفقر، وتلقي المزيد من القروض، وتصفية الصناعات المحلية لصالح الرأس المال الخليجي، إلى جانب التوسع في بناء السجون والمزيد من السياسات القمعية لضمان استمراره في الحكم أطول فترة ممكنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا