الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر: التاريخ يعيد نفسه مأساة

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2022 / 11 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تواجه مصر حاليا ازمة اقتصادية حادة جرها على مصر اعتمادها في هذا المجال على القروض والضرائب والجبايات والاعانات ما جعل الجنرال عبد الفتاح السيسي هذه الأيام يكثر من الظهور متحدثا عن الظروف الاقتصادية الحرجة التي تواجهها مصر. وكمن يطلب الإنقاذ من الغوص في رمال متحركة، ظل الجنرال يطلب من الاقتصاديين والشعب عموما مساعدة النظام في مواجهة الأزمة التي تسببت فيها قراراته باستبعاد أي مشاركة من الشعب؛ لكن هدف الجنرال هو تهيئة لشعب لقبول استمرار نظامه في سياسة الاقتراض واهمال تنمية قدرات البلاد المحلية.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية للدولة، فان مديونية مصر الخارجية تبلغ 160 مليار دولار، ومجموع دينها العام (الداخلي والخارجي) يبلغ أكثر بقليل من 100% حجم الناتج المحلي الإجمالي. ومعظم الدين الخارجي تم اقتراضه خلال حكم السيسي، فقد ارتفع حجم الدين الذي بلغ 44 مليار دولار في 2013 ليصل الى 160 مليار دولار في مارس 2022. وتقدر البيانات الرسمية للدولة أن خدمة الدين الخارجي (المتراكمة مستحقاته) تبلغ 84 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة (يعنى لا يتبقى ما يصرف على المشاريع التنموية).

في 27/10/ 2022 أعلن صندوق النقد الدولي، في بيان له، التوصل إلى اتفاق مع الحكومة المصرية لتمويلها بقرض قيمته ثلاث مليارات دولار على مدى 46 شهرا، وسيعرض الاتفاق على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي خلال شهر ديسمبر 2022 لاعتماده. ومن شروط الصندوق لتمرير القرض الجديد هو اجراء تعويم كامل لقيمة الجنيه وجعل سعره مقابل الدولار يتحدد وفقا للعرض والطلب، وبعض الإجراءات التقشفية الأخرى. وقد تم تعويم الجنيه الذي أدى (وتزامنه مع رفع سعر الفائدة) الى هبوط قياسي في سعر العملة المحلية الذي أدى بدوره الى موجة عارمة من التضخم ....

ولكن يبقى الشرط الأهم هو ما أورده الصندوق في بيانه من ضرورة وجود وصاية إقليمية ودولية على مراقبة الأداء المالي لمصر؛ فقد جاء في البيان: ”سيلعب شركاء مصر الدوليون الإقليميون دورا حاسما في تسهيل تنفيذ سياسات السلطات وإصلاحاتها“، دون أن يوضح من هم الشركاء وما هو دورهم، إلا أن ذلك لا يعنى شيئا سوى التدخل في تسيير شؤون البلاد المالية والاقتصادية والوصاية عليها. ويضيف البيان ”أن الاتفاق يمهد إلى حصول القاهرة على تمويل إضافي يبلغ حوالي 5 مليارات دولار من الشركاء متعددي الأطراف (multilateral partners) والإقليميين، بما سيساعد على تعزيز الوضع الخارجي للبلاد “، وبالتالي المزيد من وقوع البلاد في مستنقع الاستدانة.

وهكذا أوصل تطبيق سياسة الانسياق لمؤسسات التمويل الدولية ( مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) مصر لأن تنتهك سيادتها بشكل خطير بتسليم تنفيذ سياساتها وإصلاحاتها الاقتصادية للدول الأجنبية كما ورد في بيان صندوق النقد الدولي المشار اليه أعلاه.

وهكذا يعيد التاريخ نفسه مأساة نتعرف عليها باستدعاء واقعة لجنة ”صندوق الدين“ الذي أُنشئ في مصر في 1876فى فترة حكم الخديوي إسماعيل. فالخديوي إسماعيل (1830-1895) أغرق مصر في الديون الخارجية أثناء حكمه لها (1863-1879) للدرجة التي جعلته يلجأ لسدادها ببيع الأصول المصرية، كبيعه لنصيب مصر في شركة قناة السويس في 1875. وبيع الخديوي لأصول مصر يماثل ما يفعله النظام المصري حاليا لسداد ديونه؛ وجدير بالذكر أن الخديوي درج على صرف الاموال التي يستدينها على المباني والمشاريع غير التنموية وهو نفس الشيء الذي يفعله السيسي كمشروع العاصمة المصرية الإدارية الجديدة في الصحراء، الذي تبلغ قيمته 58 مليار دولار ؛ وشراء الأسلحة بأثمان باهظة.

وعندما تفاقم فشل الخديوي إسماعيل في مقابلة مطالب الدائنين وافق على اخضاع مصر لوصاية بعض الدول الاوربية لضمان سداد القروض التي قدمتها لمصر؛ وفي 1876 أنشأ الخديوي إسماعيل ”صندوق الدين“ كخزانة مستقلة عن الخزانة العامة تتولى تسلم معظم موارد البلاد لضمان سداد القروض الخارجية؛ وقد كان الصندوق بمثابة دولة داخل الدولة المصرية في انتهاك صريح لاستقلال مصر السياسي والمالي والاقتصادي.

وهكذا اضعفت الضغوط الخارجية سلطة الخديوي إسماعيل حتى احتلتها في نهاية المطاف إنجلترا التي سيطرت على البلاد لمدة سبعين عاما.
*******
إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين، في المرة الأولى على شكل مأساة، وفى الثانية في شكل مهزلة؛ وما تشهده مصر حاليا مأساة.
*******
وإنّ ما يجرى في الجارة مصر درس عظيم لنا في السودان حيث عبثت حكومة ”الحرية والتغيير“ الانتقالية العميلة، التي جاءت في اعقاب سقوط نظام الإنقاذ في 2019، بالقرار السيادي للبلاد في مختلف الاتجاهات، وعززته (عبثها) بمنح مؤسسات التمويل الدولية؛ بشكل تفردت به عن مختلف الدول الفقيرة ، شيكا على بياض(carte blanche) لوضع كل ما يعن لها من شروط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا