الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة الحلقة الحادية والعشرين بعد المئة

ضياء الشكرجي

2022 / 11 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَلا يَحسَبَنَّ الَّذينَ يَبخَلونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيرًا لَّهُم بَل هُوَ شَرٌّ لَّهُم سَيُطَوَّقونَ ما بَخِلوا بِهِ يَومَ القِيامَةِ وَللهِ ميراثُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاللهُ بِما تَعمَلونَ خَبيرٌ (180)
بلا شك إن العطاء والجود هو من الخصال الأخلاقية الفضيلة، وبعكسه فإن البخل والشح من الخصال الرذيلة. لكن هل يستحق كل بخيل العقاب؟ نعم هو لا يستحق الثواب فيما هو الثواب على العطاء والإنفاق، لكن لا يجب أن يستحق العقاب، خاصة العقاب الأخروي وفق التصوير القرآني المرعب. لا شك إن البخل متأت من صفة الأنانية، وهي صفة مذمومة، ولكن الأنانية درجات، فإذا كان الأناني لا يعطي، لكنه لا يسلب الآخرين أموالهم وحقوقهم، فهو لا يستحق لا الثواب ولا العقاب، وهذه الدرجة الدنيا من الأنانية، أما إذا وصل إلى الدرجة العليا من الأنانية، بحيث لم يعد ممتنعا عن العطاء لغيره، بل يتمادى ليستحوذ على ما لغيره، سواء عبر السرقة المباشرة، أو السرقة غير المباشرة، كالاحتيال والغش والخداع والاستغلال والابتزاز وغيرها. هنا لا بد من ثمة عقاب، بقطع النظر عن العقاب القرآني أو عموم العقاب وفق الصور المختلفة للأديان. ثم إن العطاء الممدوح يكون تارة لمن هو في حاجة إليه، وتارة أخرى للقضايا التي لها منفعة للبشرية، سواء كان ذلك لتطوير العلوم المفيدة للإنسان أو عبر العطاء الفكري الذي فيه تنمية معرفية أو تزكية أخلاقية، أو كان ذلك من أجل قضية عادلة كتحرير شعب أو مجموعة من الناس من الرق والعبودية أو الأسر بظلم أو الاضطهاد والاستبداد. ولذا يمكن أن يكون «الإنفاق في سبيل الله» مصطلحا مقبولا، إذا كنا نعني به الإنفاق من أجل الخير دون مردود بمنفعة ذاتية للمنفق. ولكن الإنفاق «في سبيل الله» الذي يعنيه القرآن هو من أجل نصرة الدين الإسلامي وتقوية شوكته. وهذا يحتاج إلى تحقق شرط الإيمان، أي الاعتقاد بأن هذا الدين هو حقا دين الله، ولذا يستحق العطاء والإنفاق إلى أبعد الحدود. ولكن لا يمكن معاقبة من لم يؤمن أي من لم يقتنع بهذا الدين أن يُحوَّل ماله الذي لم ينفقه في سبيل هذا الدين إلى معدن يصهر يوم القيامة ليعذب به. هذه هي أمنية صاحب الدعوة بأن يرى الذين لم يصدقوه ويؤمنوا به ويتبعوه معذبين بألوان العذاب التي صورها القرآن في العديد من آياته، بأرعب تصوير.
لَّقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللهَ فَقيرٌ وَّنَحنُ أَغنِياءُ سَنَكتُبُ ما قالوا وَقَتلَهُمُ الأَنبِياءَ بِغَيرِ حَقٍّ وَّنَقولُ ذوقوا عَذابَ الحَريقِ (181)
حسب التفاسير إنه لما تلى نبي المسلمين الآية «مَن ذَا الَّذي يُقرِضُ اللهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ [...]» قال نفر من اليهود: «يا محمد، هل افتقر ربك، ليسأل عباده القرض؟»، فيقال أنه قد أنزل الله - حسب عقيدة المسلمين قوله «لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللهَ فَقيرٌ وَّنَحنُ أَغنِياءُ»، وحسب هذا القول يكون هذا تعميما وإطلاقا على كل اليهود، بينما هو قول نفر منهم، من قبيل التهكم، وليس بقصد المعنى، ثم هم سألوا وجملة السؤال هي جملة إنشائية وليست جملة خبرية، فكيف حولها مؤلف القرآن إلى جملة خبرية، ففرق شاسع بين «هل افتقر ربك؟» وبين «إِنَّ اللهَ فَقيرٌ»، فأين هذا من الموضوعية والدقة؟ وهكذا وصف اليهود بأنهم قتلوا الأنبياء، تسجل عليه عدة إشكالات، الإشكال الأول إذا افترضنا أن هناك من أسلافهم قد قتلوا أنبياء، فلا يجوز تحميل الجيل الذي عاصر محمدا والأجيال التي بعده وزر الجيل الذي اقترف تلك الجريمة المفترضة، والقرآن هو القائل «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِّزرَ أُخرى». الإشكال الثاني إن اليهود لا يعتقدون بأنهم قاموا بقتل الأنبياء، والإشكال الثالث، مع فرض قتلهم لمن يفترض بهم أنهم أنبياء، ومع قبح جريمة القتل مهما كانت مبرراتها، لكن بكل تأكيد إن الذين قُتِلوا لم يكن الذي قتلوهم يعتقدون بنبوتهم. فمن المستحيل أن يعتقد قوم بنبوة شخص ما ثم يقتلونه. والإشكال الأخير هو التعميم والإطلاق. طبعا هذه الآية بالذات لا مدلول فيها على التعميم والإطلاق ولكن معظم مفسري القرآن من المسلمين يعممون الأحكام الواردة في القرآن على كل اليهود. ثم القرآن نفسه يشتمل على الكثير من حالات التعميم والإطلاق فيما لا يصح ذلك فيه.
ذالِكَ بِما قَدَّمَت أَيديكُم وَأَنَّ اللهَ لَيسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبيدِ (182)
لا ريب إن الله ليس بظلام للناس، ولكن الله الذي لا يظلم مثقال ذرة، ليس هو الله القرآني ولا الله التوراتي ولا الله الإنجيلي، بل هو الله وفق الرؤية الفلسفية التي تعتمد العقل وتنزه الله عن كل نقص، وأهم التنزيه هو تنزيهه عن الظلم والعبث والجهل والعجز، فالعنوان الإجمالي الصحيح الذي طرحته الآية نقضته تفاصيل القرآن الأخرى.
الَّذينَ قالوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَينا أَلّا نُؤمِنَ لِرَسولٍ حَتّى يَأتِيَنا بِقُربانٍ تَأكُلُهُ النّارُ قُل قَد جاءَكُم رُسُلٌ مِّن قَبلي بِالبَيِّناتِ وَبِالَّذي قُلتُم فَلِمَ قَتَلتُموهُم إِن كُنتُم صادِقينَ (183)
سواء يهود شبه الجزيرة العربية أو مشركوها أو غيرهم، كان منهم من يطالب محمدا بثمة معجزة أو آية من الله ليثبت بها صدق نبوته. وهذا في الواقع طلب ساذج، يدل على مدى سطحية المطالبين بالمعجزة، فلو كان فيهم مفكرون وفلاسفة يعتمدون القواعد العقلية والمنطق، لطلبوا التعرف على تفاصيل العقيدة التي جاء بها النبي الجديد المفترض، وتفاصيل أحكامه، ليروا مدى انسجام العقيدة مع الضرورات العقلية، وانسجام الأحكام الشرعية مع المثل الإنسانية، ليكونوا ابتداءً لديهم تصورا يحدد مدى إمكانية اقتناعهم بعقائد وأحكام الدين الجديد، كأرضية أولية للبحث عن صدق ادعاء محمد النبوة والرسالة. وجوابه على طلبهم هذا ليس بأحسن حال من نفس الطلب، فهو يروي لهم أحداثا عن أسلافهم في زمن مضى، لم يعاصروه، ولم يعاصروا جيلا عاصره، بكون الله قد أظهر المعجزة التي طالبوا بها على أيدي أنبياء سابقين، فكذبوهم وقتلوهم، ولا دليل على حدوث كل ذلك، إلا ادعاء القرآن نفسه، والقرآن يحتاج نفسه إلى دليل على صدوره من الله، كي يكون مصدرا موثوقا، فيصدق عندها بكل ما يرويه، وإلا فهو من الدور المحال منطقيا، ذلك بشهادة من يطالب بدليل على صدقه أنه صادق. إذن ما جرى الإشكال عليه فيما يتعلق بطلبهم، نجد هذا الطلب يملك مبرراته، لأنهم طالبوا به من مدع للنبوة جاء بكتاب يقص عليهم معجزات الأنبياء قبله، ولذا من حقهم مطالبتهم أن يأتي بواحدة من مثلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل