الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هتلر إلى بوتين، أين نحن؟

ياسين الحاج صالح

2022 / 11 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


المقارنة بين من انحازوا إلى هتلر من العرب ومن ينحازون اليوم إلى بوتين ليست في صالح الأخيرين. فعدا أن المعروفين والمؤثرين ممن انحازوا إلى النازية قلة، أشهرهم مفتي القدس الخائب أمين الحسيني، فقد كانت المعلومات عما يجري في أوربا محدودة، ولا يكاد يعرف أحد شيئاً مهماً عن النازية وإيديولوجيتها العنصرية ومشروعها التوسعي واستعداداتها الإبادية. حال عموم العرب في هذا الشأن مثل حال اليهود العرب الذين لم يعرف معظمهم عن الهولوكوست بالذات حتى صاروا في إسرائيل، بحسب توم سيغيف، مؤلف
The Seventh Million: The Israelis and the Holocaust.
وأهم من ذلك كانت البلدان العربية وقتها تحت الاستعمار الأوربي، البريطاني والفرنسي بخاصة، بما يضبب الفرق بين التعاطف مع ألمانيا نكاية بالمستعمرين وبين انحياز فكري وسياسي واعٍ للنازية. يمكن المراهنة على أن مثل هذه الموقف الأخير كان نادراً جداً.
ليس الأمر كذلك اليوم. المعلومات وفيرة لمن يريد أن يعرف، وأكثر بلداننا غير مستعمرة من قبل القوى الغربية التي تناهض روسيا في أوكرانيا. هناك بالطبع قضية فلسطين حيث تقف القوى الغربية بثبات إلى جانب المحتلين الإسرائيليين، ما ينال من فرص ظهور مواقف أكثر توازناً من طرفنا حيال القضايا الدولية حين يكون الغرب من أطرافها (ولا يكاد يكون ثمة شؤون دولية ليست كذلك)، بل ينزلق كثيرون إلى اعتماد منطق عدو عدوي صديقي، مما يبدو أنه الحال فعلاً.
لكن هذا منطق قصير النظر لأسباب عديدة. أولها أن إسرائيل لم تقف إلى جانب حكومة كييف رغم طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي لذلك مراراً، وتبدو إلى الآن أقرب إلى روسيا منها إلى أوكرانيا. روسيا ليست عدو عدونا الإسرائيلي كي يستقيم اعتبارها صديقاً.
في المقام الثاني، من شأن تسويغ عدوان بلد كبير قوي، نووي، على بلد مجاور وضم أراض منه، أن يضفي شرعية راجعة على ما تمارسه إسرائيل في فلسطين وسورية وعلى الغزو الأميركي للعراق وغيرهما من حملات السيطرة الامبريالية، وأن يكون برهاناً على معايير مزدوجة من طرفنا لا تختلف في شيء عما نأخذه بحق على القوى الغربية. إن كنا نسوغ التوسع الامبريالي الروسي، فمن منا يستطيع الاعتراض على جمجمة وزير الخارجية الأميركي قبل أسابيع وهو يتكلم على "حاجات إسرائيل الأمنية" عند سؤاله عن إلحاق مرتفعات الجولان السورية بالكيان المحتل، بينما كان هو ينكر على روسيا فعل الشيء نفسه بخصوص مقاطعات أوكرانية؟
وفي المقام الثالث والأهم، يبدو الوقوف إلى جانب المعتدين الروس مسلكاً كيدياً، تبطنه ثقة بعدم الثقة بالنفس، أو يقين بأننا لا يمكن أن نكون طرفاً يخطط لنفسه ويقرر لنفسه ويطور تصوراً لمصلحته ويتصرف على ضوئه. بالعكس، يبدو أنه يميز البوتينيين العرب التكوين المكيود الذي يسعد أصحابه بالإساءة لخصومهم المفترضين بدل القيام بما قد يعود عليهم هم بالنفع. يبدو القوم بالفعل دون مستوى الذات المستقلة، يتفاعلون مع ما يجري في العالم وفقاً لما إذا كان "يروي الغليل" و"يشفي الصدور" و"يفش القلب" و"يعبّي الراس"، أي لما هو على مستوى الانفعال السلبي ورد الفعل. هذا لا يؤسس لفاعل سياسي عقلاني، يفكر ويخطط ويحسب، ويعمل على أن يصير طرفاً فاعلاً.
وليس في كل ما تقدم ما يدعو إلى الوقوف إلى جانب الأميركيين في الصراع الجاري في أوكرانيا. الصحيح هو الوقوف إلى جانب الأوكرانيين المدافعين عن بلدهم، والذين لم يؤذونا يوماً. الصحيح هو إدانة الامبريالية الروسية التي لا تحترم العدالة لمواطنيها ولا لغيرهم، ولها مع الأوكرانيين "تاريخ من الجينوسايد والاضطهاد الثقافي والإنكار المستمر لحقهم في تقرير المصير"، على ما ورد في رسالة مفتوحة لأربعة اقتصاديين أوكرانيين إلى نوام تشومسكي (المثابر من جهته على مركزية أميركية، لا ترى شيئاً في العالم غير ما يفعله الإله الأميركي الشرير). كلام بوتين عن "المليار الذهبي" من أصحاب الامتيازات (مواطني أوربا وأميركا الشمالية وأستراليا، وربما اليابان)، وتصوير حربه العدوانية كعمل من أجل ناظم عالمي جديد أكثر عدالة، هو دعاية رخيصة لا سند لها في سلوك روسيا في مجالها، وحيال الروس بالذات، فضلاً عن الشعوب الأخرى الواقعة تحت حكمهم. نظام بوتين محافظ اجتماعياً، حليف لليمين في أوربا وأميركا، يقوم على أوليغاركية ضارية، وهو مزيج من الستالينية والقيصرية وشوفينية روسيا الكبرى، بحسب مقالة مطولة لإدفي بلينل، رئيس تحرير ميديابارت الفرنسية. بالوقوف إلى جانب بوتين نسيء للأوكرانيين دون ذنب منهم، ونسيء بالقدر نفسه لأنفسنا ولقضايانا.
في المحصلة، يبدو الموقف المؤيد للبوتينية دلالة على إفلاس أخلاقي خطير في مجالنا، قد يجد أصوله في توالي النكبات وانسداد الآفاق، وما تؤدي إليه من تبلد الأحاسيس، لكنه يبقى خطيراً ومؤسفاً جداً. الضعيف الذي يخسر حسه بالعدالة والكرامة يخسر التعاطف الذي يناله ضعيف عادل، وهو الذي لم يكسب هيبة القوي القادر.
وإن لم يخسر بوتين حربه العدوانية، فليس هناك احتمال لأن يخرج منها منتصراً. وهو ما يضع في الحالين من أيدوه في وضع سياسي أضعف، فوق كونهم في مواقع أخلاقية غير مشرفة. وبالتالي تتضافر الاعتبارات الأخلاقية والسياسية، المبدئية والبراغماتية، على الحث على إدانة البوتينية وحربها العدوانية.
كل هذا ولم نقل شيئاً عن أن روسيا بوتين هي قوة احتلال في سورية، قتلت 6943 من المدنيين السوريين، بينهم 2044 طفلاً و977 امرأة، وفقاً لتقرير مفصل لشبكة السورية لحقوق الإنسان صدر في أيلول الماضي. خلال سبع سنوات من تدخلها لمصلحة نظام فاشي يقوم على التعذيب والمجازر، ارتكبت روسيا بوتين 360 مجزرة، وشنت ما "لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إضافةً إلى ما لا يقل عن 125 هجوماً بأسلحة حارقة" بحسب التقرير. و"ساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري [الصحيح: الأسدي] الإيراني في تشريد قرابة 4.8 مليون نسمة، معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح غيرَ مرة"، وهذا مع الاستهداف المنهجي للمنشآت الطبية والأسواق، ومع إنكار دائم لجرائم النظام، بل وتصنيع شهود الزور لنفي المجزرة الكيماوية في الغوطة عام 2013. معلوم كذلك أن روسيا بوتين استخدمت الفيتو 17 مرة في مجلس الأمن لحماية الحكم الأسدي من اللوم الدولي. وهي في ذلك تشغل موقعاً مماثلاً لموقع الولايات المتحدة حيال إسرائيل في تسهيل انتهاك القانون الدولي. في سورية، بالمناسبة، أميركا هي روسيا أخرى خلافاً لما هو الحال في أوكرانيا، وهما معاً تفكران في الصراع السوري بمنطق الحرب ضد الإرهاب، مما هو مبعث سعادة لنظام التعذيب الأسدي.
ربما ما كان لمواقف جهيرة معادية للنازية في سنوات حكمها أن تغير شيئاً أساسياً في المصائر العربية والفلسطينية، لكن كان من شأنها أن تكون أساساً أخلاقياً صلباً لإدانة الصهيونية وجرائمها، والسياسات الاستعمارية في عمومها. مثل ذلك بخصوص البوتينية التي تعتمد سياسة القوة في الداخل والخارج، وفي سجلها جرائم كثيرة في الشيشان وسورية وأوكرانيا.
فإذا كنا ضد الامبريالية الأميركية لأنها امبريالية لا لأنها أميركية، فليس هناك ما يسوغ الوقوف إلى جانب امبريالية أخرى، روسية أو غيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أتعجب على من يدعي انه ضد الديكتاتورية
لبيب سلطان ( 2022 / 11 / 6 - 05:06 )
السيد الكاتب المحترم
تحليلكم موضوعي ومتوازن حدا وفيه حجج واضحة تقام لادانة عدوان ديكتاتور قام بتصفية الديمقراطية الناشئة في بلده اولا وكالعادة ( مثلما فعلها قبله هتلر وصدام) استدار الى الشعوب التي حوله ليظهر قوته في سوريا وبعدها اوكرانيا والحبل على الجرار
دوما كنت اعتقد ان من ادان ديكتاتورية صدام سيدين اوتوماتيكيا بوتين حيث نفس المعطيات تقريبا لكلا الديكتاتوريين ولكن يبدو ولسبب لم استطع فهمه انها ليست مسألة ادانة جميع الديكتاتوريين والديكتاتورية ولحد اليوم لم اجد اي منظر بوتيني عربي او غير عربي ان يأتي بتبرير واحد لعدوان وحرب كارثية شنها ديكتاتور حالم ان يصبح قيصرا ليس بفضل تطوير اقتصاده وتوفير الحريات لشعبه والرفاه مثلما يرمو اليه الشعب الروسي بل اعاد اخراج الهتلرية القومية بالصورة الروسية وهي الهسترة القومية واستخدام القوة للقمع داخليا وخارجيا
وبعد فرغم ماعانته وماتعانيه شعوبنا العربيةمن الديكتاتوريات فتجد من يدافع عن بوتين وبنفس الوقت كان يقول انه كان من ضحايا الديكتاتورية الصدامية او الاسدية مثلا والسؤال كيف يستقيم هذان الامران معا ..انه امر عجيب وان دل فهو نفاق لاغير

اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة