الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صَوْلَجَان

عبد الله خطوري

2022 / 11 / 4
الادب والفن


تَجَشّأ السبع فخرجت أيائل من جوفه وخياشفُ تتسارعُ تباعا حذاءه مُطلقة عنانها للريح عسى يوصلها إلى أبعد مهرب يودي إلى مخبإ ينجيها من براثن آفتراس محدق بأعمارها القصيرة؛ بيد أنها لم تكد تخطو خطوات معدودات حتى تجمدت مكانها رانية إلى الوراء بأعين تجحظ ذاك الذي كانت أمعاؤه منذ وقت قريب مكانا يأويها بالزعط منها.وكان يتثاءب يمطط ذراعاته يتفيأ ظل شجرة عريضة مسننة.نظروا إلى بعضهم البعض في حيرة يستغربون وقائعهم...

قال الأول..كنتُ أخالُه بدرَ البدور بهيبته وبهائه آلسمهري..
قال الثاني..إنها المسغبة غشتني مثالبُها العجفاء، فأصبحتُ لا أرى غير الكلإ في صبحي وممساي حتى في أعين السباع المتربصة لقمةً كنتُ أراني..
قال الثالث..لا علاقة لي بكل هذا، رأيتكم تنتحون ناحيته، ففعلتُ ما تفعلون..
قال الرابع..الراعي في القلعة والقطعان في المراعي..
قال الخامس..لا، الخامس لم يقل شيئا..

وكان يطير فوق نباتات الدلب وخلجان اللبلاب وصحارى السفانا زئيرُهُ باحثا عن صولجان تستريح للَمْسه ذؤاباته الذهبية التسعون، ويستوي زمامُ مقامه بأبهى النياشين، هو صاحب الهمة والمجد الرفيع؛ وكان يرنو إلى نُجيمات السماء مدققا النظر دون تشبع عيناه من تمليها..آه..من تلك الأقراط المنضدة..ما أجملها في موقعها تحت جنح السَّحَرِ تَلَألأ آختيالا لا تبالي للرائين والمعجبين وإنْ كثروا..وفكر، كيف السبيل إليها..وكان كلما بالغ في الدنو منها زادت آبتعادا، وزاد هو إلحاحا في تطويقها والإمساك بشراشيفها الريّانة، وعبثا كان يحاول..

قال الأول..دنوتُ منه، أردتُ تنسم العبير ولمس أريج آلأقاح..
قال الثاني..تلمظتُ كثيرا، وسال لعاب ممزق من أنحاء فمي، ولم أكُـ أحسبُ_أنا الباحث عن لقمة_بأني سأغدو يوما ما لقمة، وكم تمنيت وأنا في أحشائه الدهماء أنْ أقتات نفسي، أنهلَ منها أصهرُها وأشبع..
قال الثالث..مَرَّ كل شيء كلمع البرق الخلَّب، لم أحس إلا والظلام في عينيّ يلفني وصوت آرتطام الحديد بالحديد وخرخشة أفاع تتعرج بين الأحراش ودوي رعود يقعقع في كل مكان..
قال الرابع..الكلاب كثيرة بآذان مُدَلاّة تمسح الأرضين، وأذناب كالسحالي تتمايل دون صواب، وعقول بلا عقول..
قال الخامس..لا الخامس لم يقل شيئا.. ظل صامتا يرنو إلى الأرض والسلام..

وسافر ثم سافر وشطّ في السفر.كان كلما آبتعد، حن إلى القطيع يسوده عن قرب حتى يشفي حنينه يُشبعه ثم يعاود الرحيل بحثا عن عُقيقات السماء الهاربات..لا بد سيمسكها يوما لا بد سيودعها صولجانه ويخلد للنوم حينئذ غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحَزَنِ..

قال الأول..كانت حلقة جذب وضياء..
قال الثاني..تضاهي رغيف خبز يخرج للتو من دهاليز العطاء..
قال الثالث..لكن_وا أسفاه_بداخلها وقعنا ضحايى أغبياء..
قال الرابع..مقعيةً تلفيها أبدا تلوي خطمها تصوت كمن ينفخ في نفير مبشرا بآقتراب صواعق وريح مليئة بأنواء الأعاصير والأمطار المجدبة التي ترتعد لها فرائص الصحراء..

وجعل يهتف وهو يسيح في السماوات والأرضين..أنا السلطانُ أنا آلجبار آلكائنُ المتمكنُ أنا الكيانُ الوارث الموروث اهبطي أيتها الأشطانُ من عنادك الصفيق وإلا أهلتُ على الأزمان مزيدا من الصدف التي لا تُحتمل..

قال الأول..يا للجمال..
قال الثاني..ما أحلا أن تقتات اللقمةَ اللقمةُ..
قال الثالث..انتهينا..

وآستمر يحلم بالقلعة والصولة وقطيع لا أول له ولا آخر، ومئات من اللبوءات غيدا عذارى ثيبا وأبكارا، يتمسحن بلبدته اللامعة المنعقدة بين كتفيه العريضين هو الرئبال صاحب الرقبة المهيبة الضرغام الفخم الهمام؛ بيد أن السبيل إلى الألوان تزركش ذؤاباته التسعين ظل هاجسه من وراء سفرياته المتكررة.وفكر وقدر، ورأى أن كل ما حققه من قوة وبطش ذاع صيتهما البقاع لم يعودا يكفيان، وأن لا بد من تلك النجيمات كي يكمل سؤدده ويزين هيبته؛ وقرر أخيرا أن يرميَ عن كاهله الجيف الخاضعة ويضرب صفحا عن الطرائد السهلة المستكينة المقرفة، وتأمل الأفق، وأبصر تحديا كبيرا، وأبت كرامته_هو الذي آستوى على رفعة السؤدد_أنْ يُهان ويُحْبَطَ، فديدنه المعهود الحصول على كل ما تجود به المصادفات أو لا تجودُ، ولن تكون هذه الأضواء اللئيمة المبرقِعة وجه السماء آستثناء للقاعدة..لا بد أن يمسك مصيره ومصائر غيره بيده ..

قال الأول..كان بهيـا..
قال الثاني..كان شهيا..
قال الثالث..كنتُ معكم..
قال الرابع..تحت الأفياء الخربة جالسا كان يستمني بالصمت والأفول لا يأبه بشيء..
قال الأول..لو أنـهُ..
قال الثاني..يا ليتـه..
قال الثالث..أنا معكم..
قال الرابع..يُراقب مسخ الوجوه بفيض خاطر مجبول على الغوص في الاستثناءات.. هذه الحجارة التي في الطريق،سيتخطاها،سيتقدم إلى رغباته يحققها مهما أوغلت في العناد.صُلْبَ الرأي كان سيبقى يتمسك برجاحته لا يحيد أبدا...

وطفق القطيع يحوم، يجول يتأمل، يلاحظ سرحانه غير الطبيعي، يستغربون..ماذا حصل؟ولا يجدون جوابا، فيصمتون ينظرون..وفي الأفق سماوات، وفي المدى حلم ورُواء وبعض من أطياف قزح..

قال الأول..انظروا إلى النجوم هناك في عنق السماء..
قال الثاني..ليست نجوما..
قال الثالث..ما تكون؟
قال الرابع..جذوات نار..
قال الأول..أطياف نور وهاج ينير السبيل للبدر كي يسير مسيرته دون عناء..
قال الثاني..أكرهه..انظروا إليه كم هو سحيق في بعده، نتملاه دون النيل منه، فقط نموت ولعابنا في أشداقنا نلهث إلى مرآه طازجا محمرا في ليالينا الباردة..

وكان يفكر في اللؤماء والغوغاء والسفلة والحجارة التي في الطريق.لا بد من إيداعهم السجون والمنافي لا بد من النيل منهم تباعا.إنهم سبب الاستحالة، فليموتوا فليحيدوا عن الطريق..

قال الأول..ما أجملها..
قال الرابع..البدر في غنى عن هذه الفرقعات، فهو أكثر إضاءة منها..
قال الثاني..ما أشهاها..
قال الثالث..ما تكون؟
قال الأول..فقط حلي مجوهرات وأقراط للعذارى..

لكن، ماذا بعد أن آشتعل الصدر حنقا؟ماذا بعد أن كفت الذؤابات عن التحديق في السماء؟ماذا بعد أن يبس النبت تشققت الأنساغ؟ولم تعد الأطياف تسعف في شيء ذي بال، إذ آستحالت الأمنيات صدى فرقعات فارغة من المعنى.إنهم سبب هذا السعار الذي يعن له بهيئة صولجان محدودب معقوف،فليحيدوا عن الطريق..وأوغرت التيوس في يوم ذي صِرٍّ عَوعوت فيه بنات آوى وضجت الدنيا صخبا، وطفق الرئبال يضرب اليمين باليسار ويطبق الأرض على السماء، فأودى هَتَكَ وأنكى ..فإذا النجوم تتهاوى تباعا مكللة ذؤاباتِه التسعين بأحلا وميض، وإذا باللبوءات ينشدن ترانيم الزعيم، وإذا بالرعود يتطاير صليلها بين الروابي والبحار والوهاد، وإذا بالسفانا تزلزل فرائصُها من وقع زئير نفاذ..

قال الأول..يا للرياحييين..
قال الثاني..يا للأريحية..
قال الثالث..أروح حين تروحون..
قال الرابع..أوصى الصولجان السحابَ أن لا تُنزل مطرا، وأمر الأرض أن تقحل وتيبس، وأومأ للأجواء أن تفرز لهبا أوارا له رائحة زنخة، وأسند للريح أن تحملها عبر المدارات والجهات..
قال الأول..فكان سحرا..
قال الثاني..وكان حَرا..
قال الثالث..أفعلُ ما تفعلون..
قال الرابع..وكان جورا وكانت دماميلُ وصابتْ بقُـر أنسلَ السلالات البوارَ..

وفي يوم مُصْحٍ لا ريحَ فيه لا نوء لا ضباب،سقط مطر.طَلُّ خفيف راح ينهمرُ، وما هي إلا ساعات حتى كانت قطعان من تيوس الصحراء ترسم شكل صولجان جميل تستريح للمسه ذؤاباته التسعون.لقد تعلم أخيرا كيف يعانق عطر الأنداء وضم عبير القرون المعقوفة ومعانقة حليب الأثداء دون يتجشأ أو يتثاءب تحت ظل دوحة عريضة مسننة..

قال الخامس..آه..الخامس لم يقل شيئا..ظل صامتا طيلة المحاورة يجحظ بعينيه إلى السماء،ولما عاينوا جلسته الوديعة، اكتشفوا أنه..آه..لم يكتشفوا شيئا..فبمجرد أن لامست أناملهم محياه غاب عن رؤاهم كأنه لم يكن أبـدا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81