الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل آخر النبلاء..مستر بيتر كليفت

ماجدة منصور

2022 / 11 / 5
المجتمع المدني


من هو مستر كليفت؟؟

عني أنا لا أدري من هو على وجه التحديد..ولن أسعى في لحظة ما أن أعرف من هو مستر كليفت...لكنه كان أبا و أخا و صديقا و ناصحا و مرشدا و ناقدا و محبا...و صندوق أسراري...كان مستر كليفت الكتف الحنون الذي أبوح له بوجعي و أخطائي
و سقطاتي و زلاتي و ضعفي و إنكساري...و غربتي الممتدة في هذا الكون الفسيح...

غربتي الأبدية التي إبتدأت منذ أن كان عمري 3 أو 4 سنوات .
و لكن ! كيف إلتقيت بمستر بيتر كليفت أول مرة في حياتي.

سأسرد عليكم بصدق و أمانة ..كيف تعرفت على هذا النبيل في أستراليا...دون تذويق أو تجميل..و سأسرد عليكم الوقائع التي حصلت معي و طريقة التعارف بيني و بين ( مستر كليفت) كما تعودت أن أناديه حتى آخر يوم
في حياة هذا النبيل الإسترالي.
كان أول يوم إلتقيت به مستر ( كليفت ) في أحد النوادي و التي تعج بها مدينة ملبورن الإسترالية حيث كانت حياة النوادي تغريني و تستهويني ..ففي هذه النوادي المنتشرة في كل حي و شارع و مقاطعة و مدينة , تغري كل شخص أن يذهب لتلك النوادي
ففيها ما تشتهي الأنفس و تتوق إليها الأرواح... ارواح المعذبين على تلك الأرض...ففي تلك النوادي هناك أشخاص كثر و من مستويات إجتماعية مختلفة للغاية ..فمنهم من يذهب لتلك النوادي المحلية ليقابل أصدقاءه و منهم من يذهب لتناول غذاء شهي
تقدمه مطاعم تلك النوادي...و منهم من يذهب للمراهنة على حصان أو كلب...و منهم من يتبرطع في تلك النوادي أملا في إمرأة يتصيدها كي تقضي معه بضع ساعات للبهجة و المتعة و الزبالات الأخرى...و منهم أيضا من يقامر على ماكينات البوكر ماشين
علله يحظى بمبلغ كبير....أو ما نسميه في بلاد الكنغر (( الجاك بوت))0
لذا فأنا زبونة لدى تلك النوادي و التي يعاملني أصحابها بمنتهى الود و الإحترام و التقدير...طالما أن دولاراتي جاهزة للفرار من جيبي لتقفز على ماكينات البوكر أو لتراهن على حصان...يتبع لأمراء النفط أو أثرياء ملبورن.

هذا هو حالي...في أستراليا.

و في تلك الأماكن قابلت مستر ( بيتر كليفت)


__________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________


كانت حياتي الأسرية على وشك الدمار و الخراب حين قابلت هذا المحترم.


و منذ اللحظة التي وقعت بها عيناي على عيناه...نشأ بيننا حب نادر.

كان مستر ( كليفت ) رجلا شديد الجاذبية و الجمال..حيث كان يبدو لي كآلهة الإغريق...فهو طويل القامة...عريض المنكبين...أزرق العينين...متوهج البشرة ,,رغم سنوات عمره التي تعدت 83 عاما...ألفاظه راقية تليق بنبيل من هذا الزمن العرص..يحترم
السيدات أشد إحترام...و يمقت الظلم و العدوان....
مثقفا كبيرا كان مستر بيتر كليفت...يحترم الإنسان...و المرأة ...و الطبيعة...و الأطفال...و كان عاشقا للموسيقا مثلي تماما....مغرما بالكتب و الآداب العالمية...ببساطة ,,كان يبدو موسوعة علمية و إنسانية متكاملة..و هذا ما لمسته لمس اليد.

لقد نشأت صداقة فريدة بيني و بين هذا المحترم.


لم أكن أدري بأن مستر كليفت ,,أعمى تقريبا,, الى أن أخبرني مرافقه و يدعى ((غرام)) بأن مستر كليفت لا يكاد يرى إلا الظلال...و بأوقات معينة من النهار.
كان غرام هو مرافق و سائق مستر كليفت.

و كذلك هو المرافق الذي يرافقه و يعتني به و يقوده الى حيث الأطباء و المستشفيات و ما شابه...فقد كان مستر كليفت حين عرفته قد تجاوز سن 83 .
دعوني أصف قليلا كيف كان إحساسي كإمرأة ( مغتربة ) مع هذا المحترم.
كنت أحس حين ألقاه في هذا النادي المحلي بالأمان التام و الثقة اللامتناهية و الإحترام الذي لم ألمسه من أحد و كان يحلو لي تناول كأس أو كأسين من البيرة المحلية معه...فحينها كانت تنحل عقدة لساني و لسانه و نشرح بالحديث عن السياسة و الأديان
و التاريخ و الحروب ...كنا نتحدث بكل شيئ تقريبا..حتى أني إبتدأت بإخباره عن مشاكلي النفسية و الشخصية و المالية و الأسرية و العاطفية...لقد كان مستر كليفت مستودع أسراري...تلك الأسرار التي ضاقت بها روحي و ضجت بها نفسي فقد كنت أعاني
ظرفا صحيا صعبا للغاية حيث كنت قد خضعت لجراحة في قلبي...و عيوني أيضا.
كذلك كنت و ما زلت أعاني من معدتي اللعينة..التي أخضعتني غصبا عني لنظام غذائي لم أعتد عليه من قبل.
كنت أبوح ل مستر كليفت بكل ما يؤلمني...و بعدها أودعه مع مرافقه ( غرام) و أذهب لمنزلي و كأن عبئا ثقيلا قد نزل عن أكتافي المثقلة بالوجع و ألم السنوات المارقة.
كان يأتي للنادي المحلي بمواعيد منتظمة للغاية و يغادر بعد ساعتين ليس إلا و هذا يحصل يوم الإثنين و الأربعاء و الجمعة من الساعة العاشرة صباحا و لغاية الساعة الثانية عشر ظهرا فقط لا غير.
لم يسألني بيتر كليفت عن رقم موبايلي أو عنوان منزلي و كذلك كنت أفعل أنا.
و لكني تجرأت ذات يوم و أخذت رقم موبايل مرافقه ( غرام)...فقط كي أطمئن عليه في حال غيابه.
كذلك لم أسأله عن اوضاعه العائلية أو الإجتماعية فهذا عيب في أستراليا أن تسأل شخص ما عن معلومات هو لم يصرح بها أصلا..لأن هذا تعد و تجاوز لحدود العلاقة التي تجمعني بهذا المحترم.

قال لي منذ 3 أسابيع تقريبا بأنه قد جاء كي يضعني في قلبه لأنه أحس بالجمال الذي أتحلى به و أردف قائلا::: سأرفعك مثل صلاة الى السماء و حتى إن لم يعرفك أحد,,,فأنا أعرفك و نصحني بأن لا أهرب و أنه عليُ أن أتقبل جروحي ذلك لأني سأحتاج
ل آلاف المراحل حتى أتطور...كإنسان كامل.
و أستطرد مضيفا::: في كل خطوة من حياتك القادمة سأمشي معك و لن أتركك...تضلين السبيل ففي هذه اللعبة ,أنا من يحدد القواعد و أنا من سيدلك الى مطرح الضوء و بهجة الضياء.


حينها خرجت من مخبأي و فتحت باب قلبي...علله يدخل.
كان ( بيتر كليفت ) كموسيقا رائعة سلبت قلبي فقد أنساني وجع المنافي البعيدة و إحتراق الفراشات في لهيب النور.

أذكر آخر مرة رأيته بها....في النادي القريب...مع مرافقه غرام و كان الإزرقاق قد بدأ ينتشر في يديه و لم أكن أجرأ حتى مجرد السؤال لما يبدو جلده الأبيض على تلك الحال!!!!
كان الرجل يعيش ساعات عمره القليلة , المتبقية و هو قد وصل لسن 88 .
لم يكن يريد الحديث عن وجعه
كان يريد نسيان الوجع
مثلي تماما

ودعني كالعادة منتظرا لقاء قريب
و أنا كذلك
و بظرف ثانية مارقة من عمر الكون::: أحس قلبي بأني لن أرى مستر كليفت مرة أخرى

و هذا الذي كان

في الإسبوع الفائت أخبرني مرافقه:: بأن بيتر كليفت قد مات


و معه...مات أملي بأن أجد مثله مجددا


لست أرثيه

فلعله الآن...في عالم أجمل و أرقى

لكني أرثي نفسي::: لأني فقدت رجلا و إنسانا راقيا...أنا بأمس الحاجة لوجوده في حياتي المتبقية


سوف يعيش بيتر كليفت بذاكرتي...للأبد

كرجل إسترالي...حر...شريف...مثقف...يعشق الخير و الصدق و الجمال.

و الى لقاء قد يكون قريبا يا صديقي الوحيد

فأنت قد دخلت عالمي...كنسمة منعشة...في يوم ذي حر شديد.

و لأقل لك اليوم بعد مماتك:: بأني أحببتك جدا
و سأفتقدك في كل ثانية...أيها النبيل
هنا أقف
من هناك أمشي
و للحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب