الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المادية التاريخية وأهم مقولاتها :التشكيل الاجتماعي – الاقتصادي والبناء الفوقي وقوى الإنتاج

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2022 / 11 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


موضوع بحث المادية التاريخية : تدرس المادية التاريخية القوانين التي تحكم تفاعل المادة والوعي والقوانين الكونية للوجود فيما يتعلق بالحياة في المجتمع1 ، كما تدرس أيضاً وظيفة القوانين الكونية في الحياة الاجتماعية من اجل ان تكشف عن مضمونها الخاص المحدد، المشروط بخصوصيات الشكل الاجتماعي من حركة المادة.
وعن طريق اثبات الطبيعة الخاصة للقوانين (التي درستها المادية الديالكتيكية) في الحياة الاجتماعية، تكتشف المادية التاريخية القوانين العامة التي تحكم وظيفة وتطور المجتمع الانساني.
لكن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن المادية الديالكتيكية لا تدرس مظاهر القوانين الكونية لحركة المادة وتطورها في المجتمع، فالمادية الديالكتيكية التي تواجه مهمة دراسة القوانين الكامنة في كل مجالات الوجود لا يمكنها أن تتفادى تقصي كيف تؤدي هذه القوانين وظيفتها في الحياة الاجتماعية، لكنها وهي تدرس تعبيرات هذه القوانين في المجتمع فهي تركز اهتمامها فقط على تلك العناصر والجوانب والعلاقات المشتركة في كل مجالات الوجود الأخرى.

هكذا... فعلى حين تثبت المادية الديالكتيكية قوانين الترابط الداخلي بين المادة والوعي على العموم بتقديم الحل للمشكلة الأساسية في الفلسفة، فإن المادية التاريخية، وهي تتعامل مع المشكلة نفسها في تطبيقها على المجتمع، تكشف قوانين الترابط الداخلي بين الكائن الاجتماعي والوعي الاجتماعي، بين الحياة المادية والحياة الروحية في المجتمع. هذه الانماط التي تحكمها القوانين- رغم انها تعبير عن القوانين العامة التي تنطبق على الواقع كله – لها مضمونها الخاص، ومن ثم فهي قوانين مستقلة تحكم عمل الكائن الاجتماعي.

وفي سياق المادية التاريخية، فإن قانوناً عاماً مثل وحدة و"صراع" الاضداد يأخذ شكل الصراع الطبقي في مجتمع معاد، والترابط الداخلي بين الانتاج والاستهلاك وغيرهما من قوانين التطور الاجتماعي. وقانون تحول التغيرات الكمية إلى كيفية حين يطبق على المجتمع يأخذ شكل الثورة الاجتماعية وشكل قوانين أخرى للتغير الكيفي في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية.

وقانون نفي النفي يأخذ شكل إبدال التكوينات الاجتماعية – الاقتصادية في عملية التطور التاريخي وتكرار الاحداث الماضية في مرحلة أرقى، وهو ما يحدث في كل مجالات الحياة الاجتماعية، وهكذا.

إذن فالمادية التاريخية تدرس قوانين العلاقة الداخلية بين المادة والوعي، والقوانين العامة للوجود في تعبيراتها الخاصة بالحياة الاجتماعية. وتكشف – على هذا الأساس – القوانين العامة التي تحكم وظيفة وتطور المجتمع كشكل خاص من حركة المادة. إذن فموضوع بحث المادية التاريخية هو القوانين العامة التي تحكم وظيفة المجتمع وتطوره.

وإذا كانت المادية الديالكتيكية هي الفلسفة الماركسية بالمعنى العام للكلمة، هي العلم الذي يدرس اعم قوانين حركة الطبيعة والمجتمع والفكر الإنساني، فإن المادية التاريخية هي نظرية المجتمع الماركسية، هي العلم الذي يبحث في القوانين العامة والقوى المحركة لتطور المجتمع البشري. ولا يقتصر موضوع المادية التاريخية على دراسة تاريخ المجتمعات، تاريخ ظهور وتطور وتغير التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية، بل يشمل أيضاً دراسة قانونيات الحياة المعاصرة لمختلف البلدان (الرأسمالية، الاشتراكية، المتخلفة) وقانونيات الحياة الاجتماعية للإنسانية بوجه عام.

إن المادية التاريخية بوصفها علماً عن قوانين التطور الاجتماعي هي نظرية فلسفية، منهجية، سسيولوجية في الوقت نفسه.

فهي تجيب عن المسألة الأساسية في الفلسفة، مطبقة على المجتمع، إجابة مادية، بتأكيدها، أن حياة المجتمع المادية، وبخاصة عملية الإنتاج المادي، تشكل أساس تفاعل جميع الظاهرات الاجتماعية، وتحدد في نهاية المطاف الميدان الروحي من حياة المجتمع وكذلك جميع ظاهراتها الأخرى. وهذا هو مبدأ المادية.

لكن هذه النظرية الاجتماعية العامة هي مرشد لدراسة المجتمع، وليس وسيلة لرسم مجرى التاريخ، وليست مفتاحاً سحرياً يعفي من دراسة السير الواقعي الملموس لحركة التاريخ في كل زمان ومكان عموماً وفي تاريخ التطور الاجتماعي الاقتصادي في بلدان مغرب ومشرق الوطن العربي على وجه الخصوص.

وفي هذا السياق يؤكد انجلس على " أن المنهج المادي ينقلب إلى نقيضه كل مرة يستعمل فيها لا كدليل موجه للبحث التاريخي بل كنموذج جاهز لنحت وإعادة نحت الوقائع التاريخية" ونصح "بإعادة دراسة كامل مراحل التاريخ ... وبإخضاع شروط عيش مختلف التشكيلات الاجتماعية إلى بحث مفصل قبل أن يحاول أن يستخلص منها التصورات السياسية والقانونية والفلسفية والدينية التي تطابقها". كما دقق انجلس بقوة، في "إن العامل المحدد حسب التصور المادي للتاريخ هو في آخر التحليل إنتاج الحياة الواقعية وتجديد إنتاجها، ولم يقل ماركس أبداً ولا أنا أكثر من ذلك. فإن شوه أحدهم هذا الرأي بأن جعله يدل على أن العامل الاقتصادي هو المحدد الوحيد فقد حوله إلى كلام أجوف ومجرد وغير معقول". أبرز إنجلس في هذا النص الاستقلالية النسبية التي تتمتع بها مكونات البناء الفوقي: فأشكال الصراع الطبقي السياسي ونتائجه والدساتير والصيغ القانونية والنظريات القانونية والفلسفية والتصورات الدينية وتطورها إلى انظمة دوغمائية في كثير من الحالات، كل ذلك يحدده بصفة كبيرة جداً شكل التطور التاريخي: "فكل هذه العوامل تتفاعل فيما بينها وتتوصل الحركة الاقتصادية في آخر الأمر إلى شق طريق لها في صلب هذا التفاعل، من خلال عدد لا متناه من الأحداث الجائزة، ويكون ذلك بمثابة الضرورة"2.

- مقدمات ظهور المادية التاريخية3:

1- المقدمات الاجتماعية – الاقتصادية:

لم يكن ممكناً أن تظهر الماركسية، والمادية التاريخية كجزء مكون لها، قبل نضج الظروف الاجتماعية الموضوعية اللازمة لظهورها، فمع تطور الرأسمالية زالت العزلة التي كانت قائمة بين مختلف البلدان والشعوب، ويتبين أكثر فأكثر، أن تاريخ البشرية بأسرها واحد، وأن كل شعب يمر خلالها بمراحل تحكمها قوانين تاريخية حتمية.

ذلك ان تطور الرأسمالية لم يكشف إمكانيات جديدة للمعرفة الاجتماعية فحسب، بل خلق الحاجة الاجتماعية إلى بناء علم عن المجتمع ( علم الاجتماع الماركسي ).

كما كان العامل الحاسم في ظهور المادية التاريخية هو اكتمال تكون الطبقة الاجتماعية، التي يعبر هذا العلم عن مصالحها. لقد كانت الطبقة العاملة (البروليتاريا) وحدها، هي الطبقة الاجتماعية التي لا يعنيها استمرار النظام الاجتماعي القائم على استغلال الإنسان للإنسان، بل تتلخص مصلحتها في إنهاء هذا النظام، وإقامة المجتمع اللاطبقي. إن هذه الطبقة لم تظهر وتتكون، في البلدان الرأسمالية المتقدمة، إلا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ولا تصل إلى درجة كافية من الوعي السياسي، بحيث تشكل طبقة اجتماعية جديدة، تلعب دوراً مميزاً في التاريخ إلا في أواسط القرن التاسع عشر.

لقد كان ظهور الماركسية تعبيراً عن النضج السياسي والفكري لطلائع الطبقة العاملة، وإشارة إلى حلول دورها التاريخي في النضال ضد الرأسمالية، وضد جميع أشكال الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والروحي، وفي بناء المجتمع الخالي من الطبقات.

2-المقدمات الفكرية النظرية:

لم يكن ظهور المادية التاريخية خارجاً عن إطار تطور الفكر العلمي بوجه عام، ذلك "إن تاريخ الفلسفة، وتاريخ العلم الاجتماعي، يبينان بكل وضوح أن الماركسية لا تشبه البدعة في شيء، بمعنى المذهب المتحجر المنطوي على نفسه، الذي قام بمعزل عن الطريق الرئيسي لتطور الحضارة العالمية. على العكس من ذلك، فإن عبقرية ماركس كلها تتجلى بالضبط في كونه أجاب عن الأسئلة التي طرحها الفكر الإنساني التقدمي.

وتجدر الإشارة إلى العيوب الرئيسية للنظرات السسيولوجية التي كانت سائدة قبل ماركس وانجلز:

أولاً: كان المفكرون السسيولوجيون قبل ماركس يعالجون الأحداث التاريخية من وجهة نظر الدوافع المثالية لنشاط الناس بالدرجة الأولى، دون النظر في الأسباب العميقة التي تحدد تلك الدوافع.

ثانياً: كانت النظرات السسيولوجية المثالية قد حفرت هوة عميقة بين المجتمع والطبيعة المحيطة به. أما ماركس فقد بين أن الإنسان، والمجتمع الإنساني، هو جزء من العالم المادي المحيط به، وإن كانت له خصائصه المميزة.

ثالثاً: تتجاهل السسيولوجيا المثالية الدور الحاسم الذي تلعبه الجماهير الشعبية في صنع التاريخ، وترجع تاريخ المجتمع البشري إلى تاريخ نشاط الشخصيات العظيمة.

وفي هذا السياق ، اعتبر المؤرخون وعلماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد قبل ماركس أن الرأسمالية هي النظام الطبيعي الأبدي غير القابل للتجاوز.

أهم المقولات الأساسية للمادية التاريخية :

نستطيع أن نستخلص المقولات الأساسية التالية، التي صارت تشكل أحجار الزاوية في الفهم المادي للتاريخ، وفي المنهج المادي التاريخي لدراسة الظواهر الاجتماعية:

التشكيل (التشكيلة) الاجتماعي – الاقتصادي.

البناء الفوقي.

قوى الإنتاج (القوى الإنتاجية، القوى المنتجة).

التشكيل الاجتماعي – الاقتصادي:

التشكيل الاجتماعي – الاقتصادي أحد المقولات الأساسية، التي تستخدمها المادية التاريخية لتحديد المرحلة التي يعيشها المجتمع في تطوره التاريخي، وللتأكيد على الوحدة والترابط الديالكتيكيين بين مختلف ظاهرات الحياة الاجتماعية في كل مرحلة من التاريخ.

ويمكن تعريف التشكيل الاجتماعي على النحو التالي:

"هو عضوية اجتماعية – إنتاجية في حالة تطور دائم، لها قوانين خاصة بظهورها، وقيامها بوظائفها، وتطورها ثم تحولها إلى عضوية اجتماعية – إنتاجية أخرى أكثر تعقيداً. وفي كل عضوية من هذه العضويات نمط خاص للإنتاج، وشكل معين من العلاقات الإنتاجية، وطابع خاص للتنظيم الاجتماعي للعمل، وطبقات خاصة، وأشكال خاصة للاستغلال الطبقي (في التشكيلات الطبقية)، وأشكال خاصة، محددة تاريخياً، من تجمعات الناس والعلاقات بينهم، وطرائق معينة في الإدارة والتنظيم السياسي، وأشكال متميزة في تنظيم الأسرة والعلاقات الأسرية، وأفكار اجتماعية خاصة".

هذا التعريف يعني أن التشكيل الاجتماعي هو المجتمع كله في مرحلة معينة من تاريخه، وأن هذا المفهوم يشمل كل الظواهر الاجتماعية في وحدتها العضوية، وتأثيرها المتبادل في مرحلة معينة من تاريخ مجتمع ما.

في مقدمة كتابه مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي، يعرض ماركس ما يعتبر الصياغة الكلاسيكية للأسس المادية التاريخية، ويضم أهم مقولاتها، فهو يقول: إن النتيجة العامة التي توصلت إليها، والتي أصبحت بمثابة خيط هام في أبحاثي اللاحقة، إنما يمكن صياغتها بإيجاز على النحو التالي:

"إن الناس، أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم، يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية، مستقلة عن إرادتهم. هي علاقات الإنتاج التي تلائم درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية، ومجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلف البنية الاقتصادية للمجموع، أي القاعدة الفعلية التي يقوم عليها بناء فوقي حقوقي سياسي، تلائمه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي". ثم يضيف ماركس بقوله " إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط سيرورات الحياة الاجتماعية السياسية والفكرية بصورة عامة، فليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل على العكس من ذلك وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم". وعندما تبلغ قوى المجتمع الإنتاجية المادية درجة معينة من تطورها، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة، أو مع علاقات الملكية - وليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك- التي كانت حتى ذلك الحين تتطور ضمنها. وتصبح هذه العلاقات قيوداً لقوى الإنتاج بعد أن كانت أشكالاً لتطورها، وعندئذ يحل عهد الثورة الاجتماعية، ومع تغير القاعدة الاقتصادية يحدث انقلاب في كل البناء الفوقي الهائل، بهذه السرعة أو تلك.

إن أي تشكيل اجتماعي لا يموت قبل أن يكتمل تطور جميع القوى الانتاجية –في التشكيل الجديد- التي تفسح لها ما يكفي من المجال، ولا تظهر أبداً علاقات إنتاج جديدة أرقى، قبل أن تنضج شروط وجودها المادية في قلب المجتمع القديم بالذات، ولهذا لا تضع الإنسانية أمامها إلا المسائل التي تستطيع حلها. إذ يتضح دائماً، عند البحث عن كثب، أن المسألة نفسها لا تظهر إلا عندما تكون الشروط المادية لحلها موجودة، أو على الأقل، آخذة في التكون وبوجه عام يمكن اعتبار أنماط الإنتاج الأسيوي، والقديم، الإقطاعي والبرجوازي الحديث، بمثابة عهود متصاعدة من التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية. وإن علاقات الإنتاج البرجوازية هي الشكل التناحري الأخير لعملية الإنتاج الاجتماعية التناحري لا بالمعنى الفردي، بل بمعنى التناحر الذي ينمو من الشروط الاجتماعية لحياة الأفراد، ولكن قوى الإنتاج المتنامية في قلب المجتمع البرجوازي تخلق في الوقت نفسه الشروط المادية لأجل حل هذا التناحر.

في ضوء ما تقدم ، نستطيع أن نستخلص المقولات الأساسية التالية، التي صارت تشكل أحجار الزاوية في الفهم المادي للتاريخ، وفي المنهج التاريخي لدراسة الظواهر الاجتماعية.

الوجود الاجتماعي (الواقع الاجتماعي) – الوعي الاجتماعي – التشكيل (التشكيلية) الاجتماعي – الاقتصادي القاعدة الاقتصادية البناء التحتي – البناء الفوقي - نمط الإنتاج (أسلوب الإنتاج) – قوى الإنتاج (القوى الإنتاجية، القوى المنتجة) – علاقات الإنتاج (العلاقات الإنتاجية).

الإنتاج المادي كأساس لوجود المجتمع وتطوره:

1) مفهوم الإنتاج4:

كما سبق أن أشرنا فإن المجتمع على عكس القطيع الحيواني لا يوجد فقط بالتوافق مع البيئة الطبيعية واستخدام الوسائل المادية التي يخلقها، لكنه أيضاً يطوع الوسائل الطبيعية لتلبية احتياجاته عن طريق تغيير خصائص الأجسام المادية التي خلقتها الطبيعة وتحويلها إلى ادوات مادية تحقق مطلب الإنسان في البقاء. وتحويل المواد الطبيعية إلى وسائل يحقق بها الناس الوفرة المادية يتم عن طريق العمل في الطبيعة بأدوات مصممة لهذا خصيصاً هي أدوات العمل أو وسائله، هذا التأثير الهادف على الطبيعة وتحويل خصائصها لصالح المجتمع هو الإنتاج، وأهم عناصر الإنتاج هي: (1) النشاط الهادف، (2) مواد العمل، (3) وسائل العمل.

وفي عملية العمل يتم التحكم في النشاط الإنساني بوعي ويخضع لهدف بدقة، ولتوضيح الاختلاف بين النشاط الإنتاجي والأفعال الغريزية للحيوان أشار ماركس إلى هذه الصفة نفسها أي الطابع الواعي والهادف لعمليات العمل، كتب ماركس: "إن الإنسان لا يؤثر فقط في شكل المادة التي يعمل عليها، لكنه أيضاً يحقق هدفاً خاصاً به هو يحدد قانون أسلوب عمله، وعليه أن يخضع إرادته له...".

ومادة العمل هي ذلك الجزء من الطبيعة الذي يؤثر عليه الإنسان في عملية الإنتاج ويحوله إلى موضوع قادر على تلبية بعض احتياجات المجتمع، فالحديد والفحم والبترول التي تستخرج من الأرض وتمر بعمليات معينة هي مواد العمل.

والمواد سواء كانت موجودة في صورتها الطبيعية (المعادن في الأرض والأسماك في المساحات المائية الطبيعية والغابات والأراضي العذراء...إلخ) أو مرت بعمليات تصنيع أولية بتطبيق العمل (الحديد في المسبك، القطن في المغازل، القمح في المطاحن، الدقيق في المخابز...إلخ) يمكن اعتبارها جميعاً مواد العمل، ومواد العمل التي مرت ببعض عمليات المعالجة وتتضمن قدراً من العمل الإنساني تعرف بالمواد الخام، أي مادة خام إذن هي "مادة للعمل، ولكن ليس كل شيء للعمل هو مادة خام، إنما هو يصبح كذلك إذا مر ببعض التغيرات عن طريق العمل...".

والشيء أو مركب الأشياء الذي يضعه الإنسان بين نفسه وبين مادة العمل والذي يقوم بدور الموصل لتأثير الإنسان على هذا الشيء هو أدوات العمل أو وسائل العمل.

فالادوات الآلية والماكينات ومختلف المعدات وأبنية الإنتاج ووسائل النقل الضرورية لخدمة المشروعات الصناعية وما إلى ذلك، هي جميعاً ادوات العمل في الصناعة، وبالنسبة للزراعة فهناك الآلات الزراعية وكافة الأدوات التي تستخدم في زراعة الأرض وفي الحصاد وفي إعداد الأرض قبل الزراعة، من حيث هي جميعاً جزء من كل الشروط الضرورية للبذور كي تنبت وللنبات كي ينمو وينضج، كذلك أيضاً وسائل النقل التي تستخدم لنقل البذور والمحاصيل ومخازن الحبوب والمستودعات لحفظ المحاصيل وما إلى ذلك. وفي تربية المواشي تشمل أدوات العمل الحيوانات التي تربي من أجل الصوف واللبن والزبد وغيرها من المنتجات والحظائر التي توضع فيها هذه الحيوانات، وآلات صيانتها واستغلالها... إلخ.

وأدوات العمل (instrunments) فئة مستقلة من وسائل العمل، فأدوات العمل هي وسائل العمل التي تستخدم كموصلات مباشرة لتأثير الإنسان على موضوع العمل والتي تحدث فيه تغيرات مماثلة عن طريق خصائصها (الآلية أو الفيزيقية أو الكيميائية)، فكل أنواع الآلات والعدد مثل المخارط وآلات تصنيع المعادن وآلات الغزل والنسيج وما إليها، كذلك المحراث ومسجاة التربة وماكينة الخياطة وآلة الحصاد... هذه كلها أمثلة لأدوات العمل، وأبسط أدوات خلقها الإنسان في المراحل الأولى من تطور المجتمع الإنساني هي المدية والفأس والمطرقة والجرافة ... الخ .

موضوعات العمل ووسائل العمل هي معاً وسائل الإنتاج :

تلعب وسائل العمل دوراً هاماً في إنتاج الوفرة المادية، ومستوى تطورها يجدد طابع النظام الاقتصادي للمجتمع ودرجة سيطرة الإنسان على الطبيعة، كتب ماركس: "إنها ليست الأدوات التي صنعت، ولكن كيف صنعت وبأي أدوات أخرى هو ما يمكننا أن نميز بين الحقول الاقتصادية المختلفة...".

2) قوى الإنتاج في المجتمع5:

جوهر قوى الإنتاج هي عبارة عن:

وسائل العمل والناس الذين يضعونها في التطبيق وينتجون الوفرة المادية بفضل خبرة الإنتاج المحددة ومهارات العمل تمثل قوى الإنتاج في المجتمع.

وإنتاج الوفرة المادية يتم عن طريق الناس، فالكائنات الإنسانية هي التي تؤثر في الطبيعة وتحول المواد إلى وسائل لإنتاج ضرورات الحياة، وواضح بالتالي أن الناس الذين يسهمون في الإنتاج يجب إدراجهم ضمن قوى الإنتاج، فضلاً عن ذلك فالناس هم قوة الإنتاج الأساسية في المجتمع، فهم مصدر الإبداع والجانب الحي من النشاط الإنتاجي.

ويؤثر الناس في الطبيعة لا بأيديهم العارية بصورة غير مباشرة، ولكن عن طريق وسائل العمل، وتعتمد الدرجة التي تتغير بها الطبيعة وكمية الوفرة المادية التي يتم إنتاجها اعتماداً أساسياً على وسائل وأدوات العمل المستخدمة، إذن فوسائل العمل أيضاً تمثل جانباً من قوى الإنتاج في المجتمع.

وفي حين أن وسائل العمل عنصر أساسي بين قوى الإنتاج فيجب أن نؤكد أنها قوى إنتاج لا بذاتها، ولكن فقط عن طريق اتحادها العضوي مع الإنسان .

واستخدام حتى أبسط وسائل العمل في العملية الخلاقة يفترض معرفة كيفية استخدام هذه الوسائل ومهارة وخبرة خاصة في استخدام وسائل العمل المحددة، وكلما زادت الخبرة في استخدام أي وسائل للعمل كلما أصبحت أفعال الناس أفضل وأكثر كفاءة، وتعاظمت قواهم الإنتاجية.

إذن فقوى الإنتاج في المجتمع تعتمد ليس فقط على الناس الذين يشاركون في إنتاج الوفرة المادية ووسائل العمل التي يستخدمونها ولكن أيضاً على الخبرة في استخدامها ومهارة العاملين.

والتنظيم التكنيكي أو التقني للعمل، أي وضع الناس أثناء عملية الإنتاج وتقسيم الوظائف بينهم عوامل تؤثر في قوى المجتمع الإنتاجية وكلما تقدم تنظيم العمل واستخدامه استخداماً عقلانياً والانتفاع بوسائل العمل وقوة العمل كلما تعاظمت قوى الإنتاج في المجتمع .

القوى الإنتاجية في المجتمع والعلم6:

في المراحل المبكرة من تطور المجتمع حين كان العلم لا يزال في مهده وأدوات العمل على مستوى بسيط بدائي ومصمم من أجل العمل اليدوي كان الناس قانعين –فيما يتعلق بإنتاج الوفرة المادية- بالمعرفة التجريبية التي جمعتها الأجيال السابقة في صراعهم ضد الطبيعة وراكموها في وسائل العمل التي انتجوها وفي خبرات الإنتاج التي نقلوها من جيل لجيل، ومع التحول التدريجي مع العمل اليدوي إلى الإنتاج الآلي فليست المعرفة التي اكتسبها المنتجون مباشرة من عمليات العمل والتدريب فقط بل والاكتشافات العملية أيضاً بدأت تندمج في وسائل العمل التي تنتج وفي وسائل استخدامها. إن تصميم وتشغيل الآلات قام على أساس الاستخدام المنظم لقوانين الطبيعة التي اكتشفها العلم، وقد أتاح هذا وضع عناصر الطبيعة في خدمة الإنتاج وإبدالها بالعمل الإنساني.

وفي المراحل الأولية كان استخدام العلم في الإنتاج محدوداً بعض الشيء، والقوانين العلمية كانت توضع في الاعتبار فقط في خلق الوسائل الميكانيكية للعمل في حين كانت تكنيكات الإنتاج غائبة عن اهتمام العلم، وعلى أي حال فالثورة الصناعية التي بدأت مع بداية القرن التاسع عشر سرعان ما أثرت في تطور الصناعات الأخرى، وبدأ العلم يلعب دوراً متزايداً في الإنتاج، فإلى جانب تحسين تكنيكات الإنتاج فقد بدأ يفسح الطريق أمام نشوء صناعات جديدة، وعلى حين كانت الميكانيكا النظرية في الماضي هي التي ترتبط أساسياً بالإنتاج، الآن جاء دور علوم الفيزياء والكيمياء لتنفذ بفعالية إلى مجال الإنتاج، فالاكتشافات في الكهرباء مثلاً كالتأثير الكهرومغناطيسي وأشعة الكاثود والنظرية الكهرومغناطيسية في الضوء قد أدت إلى إعادة البناء التكنيكي للإنتاج، واعدت الاكتشافات الكبيرة في الكيمياء إلى قيام الصناعة الكيميائية والى التراكيب الصناعية للعديد من المواد اللازمة لعملية الإنتاج.

وفي مرحلة العولمة الراهنة تطور العلم بصورة غير مسبوقة خلال العقود الثلاثة الماضية وأصبح بالفعل قوة إنتاجية هائلة إلى جانب وسائل الإنتاج ورأس المال، تتجسد هذه القوة من خلال الاكتشافات العلمية المعاصرة في علوم الذرة والفيزياء والهندسة الوراثية والاستنساخ والفضاء ...إلخ.

3) علاقات الإنتاج :

تعبر القوى الإنتاجية للناس عن علاقتهم بالطبيعة، ومستوى تطورهم يتضح في الدرجة التي تستجيب بها الطبيعة لمصالح المجتمع، أي المدى الذي يحققه الإنسان في السيطرة على عناصرها، وفي هذه العملية الإنتاجية يدخل الناس في علاقات محددة لا بالطبيعة فقط ولكن كل بالآخر. إن هذه العلاقات والترابط الداخلي المحدد بينها هي الشرط الرئيسي لوظيفة الإنتاج وتطوره، وتحول الطبيعة لخدمة مصالح المجتمع لا يبدأ إلا من داخل هذه العلاقات بفضل الروابط الاجتماعية القائمة بين الناس، هذه الروابط والعلاقات هي الشكل الاجتماعي الذي في ظله يمارس الإنسان تأثيره على الطبيعة ويحولها ويطوعها أو يلائمها.

وبالتالي فإن العلاقات التي تتشكل بين الناس في عملية إنتاج وتوزيع واستهلاك البضائع المادية هي علاقات الإنتاج.

كما أن العلاقات التي تتشكل في عملية تبادل أنشطة معينة بين أعضاء المجتمع هي كذلك علاقات إنتاج، وهي على وجه الخصوص العلاقات بالنقود او بالسلع في مقابل النقود.

وحسبما تكون وسائل الإنتاج ملكية جماعية عامة ( اشتراكية)أوملكية فردية خاصة ( رأسمالية)، تقوم العلاقات إما على أساس التعاون والمساعدة المتبادلة كما في المجتمع الاشتراكي ، وإما على أساس السيطرة والخضوع والاستغلال كما في المجتمع الرأسمالي.

وإلى جانب هذين النمطين الأساسيين من علاقات الإنتاج، فثمة علاقات إنتاج انتقالية تظهر في مراحل معينة من التطور التاريخي تقوم على الملكية الخاصة والعامة معاً، وتمتزج فيها عناصر من التعاون والمساعدة المتبادلة بعناصر من السيطرة والخضوع.

وثمة أنماط تاريخية ثلاثة من علاقات الإنتاج تمثل السيطرة والخضوع ، وتتفق مع أشكال من الملكية الخاصة ظهرت وسادت في فترات محددة من تاريخ تطور المجتمعات البشرية في كوكبنا، تلك هي علاقات إنتاج ملكية العبيد ثم علاقات الانتاج الإقطاعية وعلاقات الإنتاج الرأسمالية.

وحيث أن علاقات الإنتاج هي الشكل الاجتماعي الذي يؤدي فيه الإنتاج وظائفه ويتطور فهي لا توجد معزولة عن قوى الإنتاج ولا خارج أدوات العمل والبشر الذين يقومون على تشغيلها أو مستقلة عنهم، قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج هما جانبان مختلفان – وإن كان بينهما ترابط عضوي- من عملية الإنتاج، هما معاً يمثلا نمط الإنتاج.

ونمط الإنتاج ليس سوى نمط نشاط الناس الذي يحول مختلف المواد الطبيعية إلى وسائل للحياة، ويعيد بالتالي إنتاج الوجود الفيزيقي للناس، لكن تأثير نمط النشاط على حياة الناس لا يقتصر على ذلك، بل هو يحدد طريقتهم في الحياة ذاتها، وقد أشار ماركس وأنجلس إلى أنه "حين يُعبّر الناس عن حياتهم فإنهم يحددون من هُم..."، ومن هُم هذه تعتمد على ما ينتجه الناس وكيف ينتجونه.

ونمط إنتاج البضائع المادية هو أساس كل الحياة الاجتماعية من حيث أنه يحدد بناء الكيان الاجتماعي وعمليات الحياة الاجتماعية والسياسية والروحية، كذلك العلاقات الاجتماعية والعلاقات الدولية، فانقسام المجتمع إلى طبقات والعلاقات بين الطبقات وشكل العائلة والأخلاقيات السائدة في المجتمع والعلاقات القانونية والرؤى الدينية والجمالية – إنما تعتمد جميعاً على نمط الإنتاج، وحين يتغير هذا النمط يتبعه تغير كل العلاقات الاجتماعية وبناء كل الكيان الاجتماعي.

وتبدأ التغيرات في نمط الإنتاج بالتغيرات في قوى الإنتاج في المجتمع "فحين يكتسب الناس قوى إنتاج جديدة يغيرون من نمط الإنتاج، وحين يغيرون طريقة كسبهم ما يقيم حياتهم فإنهم يغرون كل علاقاتهم الاجتماعية...".


ديالكيتك تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج 7 :

اعتماد علاقات الإنتاج على مستوى تطور قوى الإنتاج:

تمثل قوى الإنتاج مضمون الإنتاج، وتمثل علاقات الإنتاج شكله الاجتماعي، وحيث أن قوى الإنتاج هي مضمون الإنتاج فهي في حركة مستمرة دائمة، في حالة من التغير والتطور.

وحين تبلغ القوى الإنتاجية مستوى معيناً من التطور فإنها تحدث تغييراً في علاقات الإنتاج، وإحلال شكل معين من علاقات الإنتاج محل شكل آخر يعني الانتقال إلى مرحلة أرقى من التقدم التاريخي، إلى تكوين اجتماعي – اقتصادي جديد. على هذا النحو حل نظام ملكية العبيد محل المشاعية البدائية، والإقطاع محل ملكية العبيد، والرأسمالية محل العلاقات الإقطاعية، وتحل العلاقات الاشتراكية محل العلاقات الرأسمالية.

كتب ماركس: "إن الناس ليسوا أحراراً في اختيار قواهم الإنتاجية – التي هي اساس تاريخهم كله- لأن كل قوة إنتاجية هي قوة مكتسبة نتيجة نشاط سابق، القوى الإنتاجية هي بالتالي نتيجة طاقة إنسانية مطبقة تطبيقاً عملياً، لكن هذه الطاقة نفسها متضمنة في الشروط التي وجد الناس أنفسهم فيها، في القوى الإنتاجية المكتسبة بالفعل في الجيل السابق والتي يستخدمونها كمادة خام لإنتاج جديد، هكذا يحدث التماسك في التاريخ الإنساني ويتشكل تاريخ الإنسانية... وينتج عن هذا بالضرورة أن التاريخ الاجتماعي للناس هو تاريخ تطورهم الفردي، سواء كانوا واعين بهذا أو لم يكونوا، فعلاقتهم المادية أساس كل علاقاتهم، والعلاقات المادية هي فقط الأشكال الضرورية التي يتحقق فيها نشاطهم المادي والفردي...".


قانون توافق علاقات الإنتاج ومستوى تطور القوى الإنتاجية:
جوهر هذا القانون أن القوى الإنتاجية المحددة تتطلب على التحديد علاقات إنتاج خاصة تتوافق ومستوى تطورها، وأن التغير في القوى الإنتاجية يحدث في النهاية تغيراً مناسباً له في علاقات الإنتاج،

ذلك أن توافق علاقات الإنتاج والقوى الإنتاجية شرط أساسي لوظيفة الإنتاج الاجتماعي وتطوره، وقد لاحظنا فيما سبق أن كل علاقات الإنتاج الخاصة تتشكل على أساس مستوى محدد من تطور القوى المنتجة وتحت تأثيرها المباشر، وإذا كان الأمر هكذا فكيف يحدث ألا تتوافق علاقات الإنتاج أحياناً والقوى المنتجة؟.

والجواب نلخصه فيما يلي : حيث أن القوى الإنتاجية التي تمثل مضمون الإنتاج في حالة من التغير الدائم، وعلاقات الإنتاج – من حيث هي الشكل الاجتماعي للإنتاج- تمثل نظاماً على درجة نسبية من الثبات للعلاقات بين الناس، يتم داخله تبادل المواد بين المجتمع والطبيعة وتبادل الأنشطة بين الناس (الذين يكونون المجتمع)، ففي مرحلة محددة من تطورها، ورغم أن علاقات الإنتاج كانت شكل وشرط تطور القوى الإنتاجية في المرحلة الأولى حين كانت متوافقة وهذه الأخيرة، فهي في المرحلة الثانية حين يظهر التباعد بين علاقات الإنتاج والقوى الإنتاجية ويحدث الصراع بينهما فإن علاقات الإنتاج تصبح عائقاً أو كابحاً لتطور القوى الإنتاجية.

وخلال التطور التالي للإنتاج يزداد هذا التناقض حدة ويصبح صراعاً يحتم الضرورة التاريخية في إبدال الأشكال القديمة من علاقات الإنتاج ونشاط الناس بأشكال أخرى جديدة تتوافق ومستوى القوى الإنتاجية.

وأنماط علاقات الإنتاج التي يحل احدها تدريجياً محل الآخر "تشكل في مجملها تطور التاريخ كسلاسل متماسكة من أشكال التفاعل، ويتمثل تماسكها في أن مكان شكل قديم من التفاعل أصبح عائقاً يقوم شكل جديد يتفق والقوى الإنتاجية الأكثر تطوراً، ويتوافق من ثم والنمط المتقدم من النشاط الذاتي للأفراد، وهو شكل سيصبح عائقاً بدوره فيستبدل بشكل جديد...".

وديالكتيك التحول من توافق علاقات الإنتاج والقوى الإنتاجية إلى الاختلاف بينها في مسار التطور التاريخي، والذي يصحبه تحول علاقات الإنتاج في شكل يدفع القوى الإنتاجية إلى قيد على هذا التطور ، يمكن ملاحظته بيسر خلال استعراض تاريخ المجتمع الإنساني، ولنحاول أن ننظر باختصار في عملية إحلال شكل من علاقات الإنتاج محل شكل آخر في عملية التطور التاريخي.

أثر علاقات الإنتاج على تطور قوى الإنتاج:

اذا كانت علاقات الإنتاج تعتمد على قوى الإنتاج ، إلا أن علاقات الإنتاج – وهي تتغير بتأثير قوى الإنتاج - لا تبقى سلبية، بل هي تستجيب بفاعلية وتؤثر على قوى الإنتاج التي خلقت وجودها.

فقد خلقت علاقات الإنتاج الرأسمالية دافعاً أكثر قوة لتطور الإنتاج عند المستغلين( بكسر الغين) والمستغلين (بفتح الغين) جميعاً، فالهدف الرئيسي للإنتاج الرأسمالي هو أن يوفر للبرجوازية قدراً كبيراً متزايداً من فائض الإنتاج، ومن ثم فهناك رغبة غير محدودة في مراكمة الثروة والتوسع في الإنتاج، وتلك سمة لم تكن موجودة لا في المجتمع الإقطاعي ولا في مجتمع ملاك العبيد، فالهدف الرئيسي عند سادة الإقطاع وملاك العبيد هو استهلاك الناتج، وليس مصادفة ان كانت نسبة التوسع في الإنتاج في هذين المجتمعين نسبة لا تكاد تذكر.

ولا شك في أن للعامل مصلحة أكبر في رفع إنتاجية العمل أكثر ما كان للقن، فعمل العامل لمصلحته الخاصة لا ينفصل عن عمله لمصلحة الرأسمالي، وكل عمل يعمله وكل دقيقة عمل تحمل الفائدة له وللرأسمالية معاً، وحين يعمل العامل بنظام القطعة تصبح مصلحته أكبر في رفع الإنتاج، وربما لا تكون هذه المصلحة ذات نسبة مرتفعة، فالعامل يوقن أنه يعمل لصالح الرأسمالي ومن أجل ثرائه.

إن علاقات الإنتاج الإشتراكية هي فقط التي تخلق –للمرة الأولى- مصلحة شاملة من جانب العمال في تطوير الإنتاج، ففي ظل الاشتراكية يعي العمال أنهم يعملون لمصلحتهم الخاصة ومصلحة مجتمعهم، ويثير هذا الوعي لديهم الرغبة في رفع إنتاجية العمل وتحسين التكنولوجيا وتطوير الإنتاج شرط توفر العلاقات الديمقراطية بين العمال واجهزة الدولة الاشتراكية بعيدا عن العلاقات القائمة على الاستبداد البيروقراطي كما كانت تجربة الاتحاد السوفياتي التي ادت الى انهيار وفشل التجربة الاشتراكية .


القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقي8:

تنطلق المادية التاريخية من أن علاقات الإنتاج السائدة هي التي تشكل البناء التحتي للتشكيل الاقتصادي والاجتماعي ، بينما تشكل الأيديولوجيا والدولة والمنظمات السياسية والدينية وغيرها بناءه الفوقي، لكن البنية الفوقية غير محكومة أبداً لهذه المعادلة او العلاقة الميكانيكية مع البنية التحتية ، حيث انني اعتقد ان للبنية الفوقية تأثير هام في تطوير المقولات الفكرية او الثقافية والدينية التراثية السائدة في كافة الأنماط او التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية التاريخية منذ النمط العبودي وصولا الى النمط الرأسمالي ثم الاشتراكي ، ومن ناحية ثانية فان للبنية الفوقية في البلدان المتخلفة خصوصاً – كما هي بلدان الوطن العربي وافريقيا وامريكا اللاتينية – تأثير سلبي شديد الضرر فيما يتعلق بتكريس المفاهيم الفكرية المنعكسة من البنية الاجتماعية الاقتصادية المتخلفة ، بحيث تقوم البنية الفوقية بإنتاج مفاهيم إضافية ، سلبية طبعا ، وبالتالي تسهم فيما أسميه بإعادة انتاج وتجديد التخلف كما هو الحال في معظم بلدان الوطن العربي في مرحلة الانحطاط الراهنة .

في هذ الجانب ، أشير الى أن العلاقات في القاعدة (علاقات الإنتاج) هي علاقات مادية، موضوعية يدخل فيها الناس بغض النظر عن إرادتهم ووعيهم، أما العلاقات في البناء الفوقي فيدخل فيها الناس عن معرفة ووعي، فالعلاقات الاقتصادية في كل مجتمع معني تتجلى كمصالح، كما يقول انجلز ، وفي سياق نشوء هذه المصالح، وفي غمرة النضال الطبقي، يتشكل وعي المصالح الطبقية المشتركة، وتعارضها مع مصالح الطبقات المعادية، هذا الوعي يدفع ويُحَرّض على إنشاء أحزاب وحركات ثورية ومنظمات تعبر عن مصالح الجماهير الشعبية الفقيرة ، وتحميها، وتدافع عنها.

أخيرا، إن الأيديولوجية السائدة ليست دائماً الأيديولوجية الوحيدة التي توجد في التشكيل، ففي سياق التطور التاريخي، ومع تأزم التناقضات الاجتماعية، تنبثق أيديولوجية جديدة تعكس مصالح الطبقات الثورية، وتعارض الأيديولوجية السائدة، وتكسب تدريجياً إلى جانبها - من خلال الأحزاب الطليعية الثورية الماركسية -جماهير أكبر فأكبر من الناس. وبتجسيدها في الجماهير تتحول الأيديولوجية إلى قوة مادية تعمل على هدم النظام القائم، وهنا تتجلى فعالية الأحزاب والنقابات والمؤسسات السياسية والثقافية الأخرى التي تعتبر جزءاً من البناء الفوقي، من أجل مواصلة النضال لتحقيق الهيمنة السياسية والثقافية في اوساط الجماهير الشعبية تمهيداً للثورة على أنظمة الاستبداد والاستغلال الطبقي وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية .




1 ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – ص149.

2 معجم الماركسية النقدي – مجموعة مؤلفين بإشراف الفيلسوف جورج لابيكا – دار الفارابي – بيروت – 2003 – ص1142.

3 معجم الماركسية النقدي – مجموعة مؤلفين بإشراف الفيلسوف جورج لابيكا – دار الفارابي – بيروت – 2003 – ص1164.

4 ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – ص167.

5 ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – 169.

6 ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – 170.

7 ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – ص174.

8 الموسوعة الفلسفية العربية - معهد الإنماء العربي - المجلد الثاني– الطبعة الأولى – ص1178








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا