الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس السيسي ودراسات الجدوى

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2022 / 11 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في مخاطبات متواصلة، ظل السيسي يتناول الازمة الاقتصادية التي تطول مصر حاليا. وفى هذا السبيل يحاول الجنرال جاهدا ارجاع مسببات التدهور الاقتصادي لكل ما يخطر على باله الا ما اقترفته سياساته هو نفسه. ومن اغرب ما يردده السيسي، وربما كتبرير ساذج للمشروعات العشوائية التي ينفذها نظامه، هو انه لا فائدة من دراسات الجدوى؛ فوفق الجنرال فان دراسات الجدوى للمشروعات قد تكون عائقا لما تتطلبه من وقت طويل في اعدادها يمكن استغلاله في اقامة مشروعات كثيرة ما كان يمكن تحقيقها سريعا لو سبق تشييدها دراسات لجدواها، فلا تثريب لو تم تشييد نحو مائتي مشروع وفشل منها اثنان أو ثلاثة!!

جاء رد المصرين، كما هو متوقع، يستهزئ بأسقاط دراسات الجدوى؛ ولا نرى أن هذه الفكرة الخاطئة تستحق التوقف عندها، وحتى بالنسبة للشعب المصري لم تكن الا فرصة لفضح فقر الوعي والادراك لدى الجنرال الدكتاتور الذي يتعاظم حاليا نضالهم ضد طغيانه واستبداده وتصميمهم على الإطاحة به.

ولكن ما دفعني للإشارة الى هذا الموضوع هو انه جعلني استحضر مقال لي، عن دراسات الجدوى في البلدان النامية، بعنوان ” التمويل الغربي والانتقال من المؤسسات التنموية الى منظمات المجتمع المدني.“ فذلك المقال يتناول دراسات الجدوى من ناحية إعدادها وكيف ان طبيعة الفكر الاقتصادي السائد، المستمد من واقع الهيمنة الخارجية على البلاد، تحدد المعايير التي تستخدمها في تقييم المشروعات (التنموية)؛ فالمقال يقدم نظرة عامة (outline) للعوائق التي تقف امام عمل دراسات جدوى أكثر واقعية وصِحَّه (validity) للدول النامية. وادناه مستخلص المقال.

ان مخططات (blue-print-s) انظمة دراسة المشروعات في البلدان الفقيرة التي تستهدفها مؤسسات التمويل العالمية بمساعداتها المالية ابتدرت وضعها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بسلسلة من المؤلفات تحمل العنوان: "دليل تحليل المشاريع الصناعية في البلدان النامية" تحتوي على مناهج لدراسة المشروعات في الدول النامية. ثم تبعتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية- يونيدو (UNIDO) التي وضعت مؤلفاً في هذا الحقل بعنوان " دليل تقييم المشروعات" ظلت تجدده عبر السنوات. وشملت أنظمة دراسة المشروعات لهذه المؤسسات الدولية معايير تقييم الاستثمارات التنموية من مفاهيم مستمدة من الفكر الاقتصادي (السائد، من ناحية مضمونه الأساسي الرأسمالي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في الدول الغربية) الذي يقوم على مفاهيم تعتبر ان السوق من خلال الطلب والعرض والاسعار بجانب تدخل محدودٍ للدولة هو الآلية التي تحدد التوظيف الأمثل للموارد والثروات. وهذا الفكر، وهو مزاوجة بين نظريات المدرسة التقليدية المحدثة (neoclassical) والاقتصاد الكينزي، يسميه الاقتصاديون توليفة المحدثين (neoclassical synthesis)؛ واستدراكا لحالة التشوهات التي تعاني منها اقتصاديات الدول النامية واصل اقتصادي منظمات التمويل الدولية التأليف فعمدوا الى تصميم اسعار بديلة (اقتصادية او اسعار الظل) كمعالجة لتشوهات أسعار السوق، وفى اعداد المشاريع ذات المحتوى أو الفائدة الاجتماعية التي تفوق الربحية المالية.

وفى سبعينات القرن المنصرم طغى الحماس (الأكاديمي) للأساليب الفنية في دراسات الجدوى حيث نالت ادلة (manuals) منظمتي التعاون الاقتصادي والتنمية واليونيدو مكانة رفيعة لدى دارسي المشروعات التنموية في البلدان النامية واعتبر البعض عملية ترجمة طرائقها النظرية إلى مستوى التطبيق في اعداد المشاريع هي الوصفة السحرية التي تقود الى التنمية. ولكن لم تأت الدراسات بأية نتائج تنموية، بل اصاب جل المشروعات التعثر. ولم يكن فشل تلك المشاريع مفاجأة فقد بنيت دراساتها على مجرد افتراضات لا تلامس الواقع التجريبي. فتلك الدراسات تقوم على فكر اقتصادي لا يرى ان حالة التخلف والتشوهات الاقتصادية هي نتاج طبيعي لواقع سيأسى/اقتصادي/اجتماعي راسخ لا يمكن الخروج منه استناداً على نسق معرفي مسبق لا يسعى لادرك كنه مقوماته.

كانت دراسات ما سمى بالمشاريع التنموية في البلدان النامية جزءاً من فكرة التنمية التي جاءت بها بعد الحرب العالمية الثانية الهيئات الدولية (المسيطر عليها من قبل الدول الاستعمارية العظمى)؛ وقد كانت فكرة زائفة الهدف منها صرف نظر الدول الفقيرة عن مواجهة مشاكلها على حقيقتها ومن ثم اكتشاف الحلول لها؛ وهكذا تعزز التخلف الاقتصادي وانحصر الإنتاج الصناعي والزراعي في هذه البلدان في مشاريع افرادية في الريف والمدينة تحظى بالدعم الحكومي الذى يمكن أصحابها من الرأسماليين من الاستثمار في الصناعات الخفيفة والاستهلاكية.

ملحوظة
هذا المقال قبل الأخير من سلسلة مقالات بينا فيها حول خطورة الاعتماد على مؤسسات التمويل الدولية في عملية التنمية الاقتصادية، ونختتمها بمقال عن التقارب من تلك المنظمات الذي أحدثه الحكم الانتقالي السوداني العميل (2019 -2021) والكوارث التي جرها على السودان؛ كما سنبين أن السياسة الاقتصادية للحكم الانتقالي لم تكن امتدادا لنظام الإنقاذ الإسلامي (1989-2011) وحسب، بل للتوجه الاقتصادي للحكومات الوطنية منذ سبعينات القرن المنصرم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير