الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 122

ضياء الشكرجي

2022 / 11 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فَإِن كَذَّبوكَ فَقَد كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبلِكَ جاؤوا بِالبَيِّناتِ وَالـزُّبُرِ وَالكِتابِ المُنيرِ (184)
فكما يحتاج محمد إلى دليل على حقيقة أنه نبي مرسل من الله، وأن الكتاب الذي يتلوه على الناس هو وحي الله، فمن قبيل الأولى المطالبة بأدلة على صدق ما يرويه عن أنبياء ورسل من قبله، قد كُذِّبوا كما كُذِّب هو. فأين هي تلك البينات، وأين هي تلك الزبر، وأين هو ذلك الكتاب المنير؟
كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّما توفَّونَ أُجورَكُم يَومَ القِيامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فازَ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ (185)
تشتمل هذه الآية على أربعة عناصر أساسية، الأول: «كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ»، وهذه حقيقة بديهية يعلمها كل إنسان، وإنما تذكر لا كمعلومة جديدة، وإنما كتذكير فيه موعظة، فلا اعتراض على ذكرها. الثاني: «وَإِنَّما توفَّونَ أُجورَكُم يَومَ القِيامَةِ»، والجزاء من الضرورات العقلية، بمعنى وجود ثمة ثواب من جهة، أو عقاب من جهة أخرى، ولو على نحو الحرمان من الثواب، لأن الجزاء من لوازم العدل الإلهي، والعدل الإلهي من لوازم الكمال المطلق لله، وهذا الكمال هو من لوازم دليل واجب الوجود، لكن لا يجب من الناحية العقلية وجود ثمة يوم بعنوان يوم القيامة أو يوم الحساب أو يوم الدين، فيمكن أن تكون قيامة كل إنسان لحظة موته، أي انتقاله من هذه الحياة بروحه وجسده، إلى ثمة حياة أخرى بروحه، وربما بهيئة أخرى. العنصر الثالث: «فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فازَ»، وإذا غضضنا النظر عن طريقة العقاب بالنار وطريقة الثواب بالجنة، مما هو من تصورات مبتكري فكرة الأديان، والتي يكاد تتفق عليها من الناحية الإجمالية الأديان الإبراهيمية، مع الاختلاف في التفاصيل؛ أقول إذا غضضنا النظر عن موضوعتي النار والجنة، وصغنا مضمون هذا المقطع من الآية على نحو آخر بقول أنه من جُنِّبَ العقاب وأوتِيَ الثواب في حياته الثانية، فقد فاز، لكان ذلك مقبولا أكثر. والرابع من عناصر هذه الآية: «وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ»، والقرآن يكرر تحقير هذه الحياة، فهي «مَتاعُ غُرورٍ» أو «دارُ غُرورٍ» أو «دارُ مَتاعٍ» أو هي «لَهوٌ وَلَعِبٌ»، وهذه النعوت لهذه الحياة، تغفل عن الإنجازات العظيمة والهائلة لهذا المخلوق الذي يعيش على هذا الكوكب، من علوم وفنون وفكر وثقافة ومعرفة وفلسفة، واليوم نشهد طفرات هائلة على جميع الأصعدة، وإن كانت البشرية ما زالت تعاني من فقر ومجاعة وغياب للعدل وغيرها من الكوارث. ربما نتسامح مع القرآن في تحقيره لهذه الحياة على هذا النحو، إذا كان يقصد حياة كل فرد على انفراد، قياسا إلى حياته الأخرى، إن وجدت، فمهما طالت حياته لا تساوي شيئا مقابل الخلود الأبدي.
لَتُبلَوُنَّ في أَموالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أَذًى كَثيرًا وَّإِن تَصبِروا وَتَتَّقوا فَإِنَّ ذالِكَ مِن عَزمِ الأُمورِ (186)
كل مجموعة بشرية صاحبة قضية تؤمن بها وتناضل من أجلها، تتعرض غالبا إلى مصاعب وعقبات واختبارات شديدة من قبل خصومها، سواء كان الخصوم مؤمنين بعقيدة مغايرة، ولا يسمحون بغيرها، فيقمعون أصحاب العقائد المغايرة، خاصة تلك التي يرون فيها منافسا لعقيدتهم، مما يرون فيها خطرا، من حيث إمكان كسب أفراد وربما مجموعات من أتباع عقيدتهم إلى العقيدة المغايرة المنافسة، أو كان ذلك القمع يجري على يد سلطة مستبدة تقمع كل العقائد الدينية وغير الدينية التي تختلف مع عقيدة الحاكم المستبد، أو يرى فيها خطرا على سلطته وتفرده بها. فالمسلمون قُمِعوا من قبل أتباع الأديان والعقائد الأخرى في شبه الجزيرة العربية، وما أن قويت شوكتهم وامتلكوا السلطة وعناصر القوة، حتى قاموا بقمع أصحاب الأديان والعقائد الأخرى، آنذاك وعبر التاريخ، كما فعلت مثل ذلك معظم الأديان، لاسيما الإبراهيمية الثلاثة، كما مارسته أديان أخرى، وذلك عندما يتحول الضحية عند الضعف إلى جلاد عند القوة. ومن الطبيعي أن المجموعة ذات القضية العادلة، التي تواجه القتل أو التعذيب أو التهجير أو سلب الأموال، لا بد لها أن تتحلى بخصلتين، هما الصبر والصمود وطول النفس من جهة رغم كل الاختبارات الصعبة، ومن جهة أخرى الاستقامة والتحلي بالعدل وعدم رد الظلم بظلم مثله، هذا الذي يفترض أن يعبر عنه المصطلح القرآني الموسوم بالتقوى. لكننا نعلم إن هذه الاستقامة بمعناها الإنساني والعدل، لم تتحل بهما الأديان وقت امتلاكها القوة والقدرة والسلطة في أغلب الحالات مع أتباع الأديان الأخرى. ووصف الآية هذا التحلي بالصبر والتقوى أنه من عزم الأمور، فبمعنى أنه مما لا يتحلى بها عامة المؤمنين، بل خاصتهم ذوو الإيمان المتجذر، ولذا فهم لا يكتفون بالعمل برخص الدين، بل يتعدون الرخص إلى ما يسمى بالعزائم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري


.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد




.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب