الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمة العربية الأخيرة في الجزائر-قراءة في مخرجاتها-

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2022 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


راهنت الكثير من الأطراف المعادية للجزائر، والتي تخشى من عودتها الدبلومسية القوية أقليميا ودوليا على فشل القمة العربية التي اختير لعقدها الذكرى68 لثورتها لتذكير العالم على حرص شعبها على التحرر والإنعتاق والتقدم وتذكيره أيضا بمبادئها التي تكرست اثناء هذه الثورة كتأييد حركات التحرر في العالم والحياد الإيجابي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والحفاظ على السلم العالمي وغيرها من المباديء الأخرى كالطابع الإجتماعي لدولتها والحرص على إقامة نظام إقتصادي عالمي جديد أكثر عدلا وإنصافا.
فوجئت هذه الأطراف المعادية رغم كل محاولاتها لإفشال هذه القمة من توصل هذه الأخيرة إلى حلول توافقية في ظرف قصير، مما يدل على خلو هذه القمة من بعض الحزازات والإختلافات الحادة والملاسنات التي كانت تقع في عدة قمم سابقة. ويعود ذلك إلى التحضير الجزائري الجيد للقمة الذي أستمر لشهور بدبلومسية هادئة دون أي صخب أو شوشرة تتميز بها الجزائر. فقد تم التوافق على اغلب المخرجات والقرارات من قبل بفعل الدور الدبلومسي الجزائري في تقريب وجهات النظر بين كل الأطراف، فشهد الجميع بحسن تنظيم القمة من كل الجوانب، وطالب الأمين العالم لجامعة الدول العربية أبوالغيط لإتخاذ اسلوب التحضير الجزائري لهذه القمة كنموذج عمل يقتدى به في القمم القادمة. كما أتسمت القمة بحضور نوعي من ناحية مستوى المشاركين حيث أعترف أبوالغيط بذلك، وهو ما يدل على مدى التقدير والثقة التي تحظى به الجزائر أقليميا ودوليا.
أما من ناحية القرارات والمخرجات، فأهم ما يلاحظ ضمن المحاور الخمسة من إعلان قمة الجزائر نسجل أخذ القضية الفلسطينية حيزا كبيرا فيه بجعلها كقضية مركزية كما كانت في الماضي، وكذلك تبني مطلب الجزائر الذي أعلن عنه الرئيس تبون في خطابه الإفتتاحي للقمة على إنشاء لجنة تنسيق عربية للعمل من أجل إكتساب دولة فلسطين العضوية الكاملة في هيئة الأمم المتحدة. فلهذا ستكون الجزائر مرة أخرى عامل دفع لهذه القضية على المستوى الدولي، فبعد ما دخل ياسر عرفات هيئة الأمم المتحدة لأول مرة، وألقى خطابه الشهير فيها رافعا الزيتون كرمز للسلام في1974 بمساعدة جزائرية فعالة آنذاك بحكم أنها كانت تترأس الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تم إعلان دولة فلسطين في الجزائر عام1988 بنفس طريقة إعلان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية كي تعطي دفعا دبلومسيا للقضية الفلسطينية كما فعلت الثورة الجزائرية بحكومتها المؤقتة.
فلنشر بان الثورة الجزائرية بقيت دائما ملهمة ليس فقط للشعب الفلسطيني، بل لكل شعوب العالم، ومنها شعوب العالم العربي، وهو ما حرصت عليه الجزائر، ويظهر ذلك جليا ليس فقط من إختيار أول نوفمبر لعقد القمة العربية، بل أيضا مشاركة قادة الدول العربية الشعب الجزائري إحتفالاته بالذكرى68 لإندلاع ثورته. فقد حرصت الجزائر في هذا الحفل إسماع هؤلاء القادة أبياتا من إلياذة شاعر الثورة مفدي زكريا يدعوا فيها الفلسطينيين والشعوب العربية للإستلهام من هذه الثورة في كفاحها وأساليب عملها وتوحيد الجهود ولم الشمل. فلنذكر بأن مفدي زكريا قد ألقى إلياذته المخلدة لتاريخ الجزائر العريق وأمجاده لأول مرة عام1974، أي بعد تحقيق إنتصارات حرب أكتوبر1973 التي ساهمت فيه الجزائر بشكل كبير بجيشها وقدراتها المالية والدبلومسية آنذاك، وهو الإنتصار الذي أعاد لشعوب العلم العربي ثقتها بنفسها، وتم بها محو آثار العدوان الصهيوني أو ما سمي بالنكسة في 1967، والتي وقع بعدها خلاف حاد بين جزائر بومدين ومصر عبدالناصر التي رفضت طلب الرئيس بومدين بالإعتماد على حرب التحرير الشعبية لتحرير فلسطين وكل الآراضي التي أحتلها الكيان الصهيوني مستلهما هذا الأسلوب من الثورة الجزائرية التي طردت الإستعمار الفرنسي شر طردة.
ان دخول دولة فلسطين هيئة الأمم المتحدة سيكون له أثر كبير على هذه القضية، خاصة بعد ما توحدت الفصائل الفلسطينية في الجزائر قبل القمة، وهو ما سيعطي قوة دفع لها دون أن ننسى عودة البلدان العربية إلى المبادرة العربية للسلام 2002، وهو ما من شأنه إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وإعادة النظر في شروط التفاوض مع الكيان الصهيوني على أساس "الأرض مقابل السلام" بدل الهرولة إلى التطبيع دون أي مقابل تحقق ودون إنسحاب الكيان الصهيوني من الآراضي العربية المحتلة كما نص على ذلك القرار الأممي 242، وأيضا بما تنص عليه مبادرة السلام العربية2002 على إقامة دولة فلسطين على أراضيها كما كانت صبيحة 5جوان1967 بما فيها القدس الشريف، وهو ما يعني إقرار القمة العربية بالجزائر لما صرح به الرئيس تبون في الكلمة القصيرة جدا التي ألقاها في إختتام حفل توقيع الفصائل الفلسطينية على إعلان الجزائر الموحد لها.
فقد تبنت كل الدول العربية هذا الإعلان الأخير الموحد للفصائل الفلسطينية، وسيتخد نموذجا لتحقيق المصالحة داخل الدول العربية التي أنهكتها الصراعات مثل ليبيا وسوريا واليمن والسودان ولبنان والعراق والصومال. ان موقع الجزائر ومبادئها ستجعلها كفيلة بتحقيق ذلك، فالحياد الإيجابي ووقوفها نفس المسافة من كل المتصارعين والثقة التي تحظى بها وعدم إصطفافها في مختلف المحاور العربية ستكون كلها عوامل لنجاح وساطتها التي سيقودها الرئيس تبون بثقل آخر يضاف إلى كل هذه العوامل، وهو رئاسته للقمة العربية، وستقع عليه مهمة تحقيق كل هذه المخرجات إلى أرض الواقع.
فما ميز القمة أيضا هو تركيزها على العامل الإقتصادي، وهو ما أولاه الرئيس تبون أهمية كبيرة في خطابه الإفتتاحي عندما أنتقل بعد تصويره الوضع المتردي أمنيا في العالم العربي إلى الحديث مباشرة عن ضرورة تحقيق تكتل إقتصادي كبير يحقق الرفاهية لشعوب المنطقة، وهو إيحاء منه بأن الأوضاع الإقتصادية المتردية هي أحد الأسباب الرئيسية لتردي الأوضاع الأمنية، وهو ما يتطلب من العالم العربي تحقيق تكامله الإقتصادي لمواجهة الضغوطات الإقتصادية، ومنها الأمن المائي والبيئي والطاقوي، وخاصة الغذائي حيث تؤكد كل المعطيات الحالية بأن العالم سيقبل على أزمة غذائية حادة بفعل تناقص الإنتاج بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، وكذلك بفعل ما أفرزه وباء كوفيد19 من تأثيرات وأزمات إقتصادية بدأ العالم يشعر بها مؤخرا. فلن يبقى أمام أقطار العالم العربي إلا تكاتف الجهود تحت قيادة تبون بصفته رئيسا للقمة العربية لمواجهة هذه التحديات الإقتصادية. فلنسجل بأنه لأول مرة تتحدث القمم العربية عن الأمن بمفهومه الشامل الغذائي والمائي والطاقوي والبيئي المتعلق بالتغيرات المناخية وما تفرزه من هجرات وجفاف وغيرها، والتي يمكن أن تؤدي إلى حروب تهدد السلم العالمي.
كما أدركت هذه القمة بأن التكامل الإقتصادي ليس فقط لخدمة العالم العربي لوحده، بل سيكون هذا العالم بحكم موقعه الجغرافي وإمكانياته حلقة وصل في التعاون الإقتصادي مع العالم الإسلامي وأفريقيا وأوروبا وغيرها، وهو ما برز جليا من حضور القمة كل من رئيس الإتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الإنحياز، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة، فهل ستعيد قمة الجزائر فكرة التعاون جنوب-جنوب كما كانت في الماضي لمواجهة التحديات الإقتصادية ولإقامة نظام إقتصادي عالمي جديد أكثر عدلا وإنصافا كما طالب الرئيس تبون منذ شهور في خطابه أمام مجموعة البريكس؟.
نعتقد ان كل الدول العربية ستضطر للعمل من أجل إنجاح هذا التكامل الإقتصادي وإنشاء سوق عربية مشتركة وتكتل إقتصادي بسبب رغبة كل دولة في تحقيق حاجاتها التي لاتملكها مثل المياه والطاقات البشرية كدول الخليج أو توفير الطاقة لعدة دول مثل المغرب وتونس والأردن وغيرها أو الإستثمارات المالية التي تمتلكها دول الخليج بقوة، والتي بإلإمكان إستثمارها في عدة دول عربية هي بأمس الحاجة لتحقيق إنطلاقة إقتصادية.
ومن أهم قرارات قمة الجزائر أيضا هو إقرار عدم التدخل في شؤون دولها مهما كان شكله، ونعتقد أن ذلك هو حل توافقي بين عدة دول، لأننا نعلم أن هناك دول طالبت بشجب إيران مثل الدول الخليجية، ومن طالب بشجب تركيا متهمة كلتا الدولتين بالتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول وتهديد أمنها، لكن هناك دول أخرى، ومنها الجزائر لا تريد ذلك لأنها تريد ربط علاقات قوية مع الجميع، خاصة مع دول مسلمة مثل تركيا وإيران، كما أنها ترفض سياسة المحاور وإلتزامها الحياد الإيجابي، ولهذا جاء القرار في إطار مبدأ عام ينص على منع أي تدخل دون تحديد أو تسمية أي دولة بعينها، فهل يمكن أن يكون هذا الموقف بادرة لإعادة إحياء الفكرة التي طرحت في مؤتمر القمة بسرت بليبيا في 2010 التي رفضتها بعض الدول آنذاك، والتي تقضي بالعمل على إنشاء "رابطة الجوار العربي" التي ستضم تركيا وإيران مع دول أفريقية ومتوسطية أخرى في إطار ترتيبات محددة ترتبط فيها مع جامعة الدول العربية بعلاقات متينة تحفظ السلم ومصالح كل الأطراف والتعاون الإقتصادي، وهو ما من شأنه إحتواء النزاعات ودعم السلم والتعاون بدل الصدام غير المجدي الناتج عن إنعدام الثقة، مما سمح لعدة قوى كبرى إستغلاله لخدمة مصالحها على حساب كل هذه الشعوب؟. نعتقد ان هذه الفكرة أيضا لو تحققت ستساهم بشكل فعال في إجهاض وتقويض مشروع صهيوني قديم- جديد يقضي بإنشاء حزام حليف لهذا الكيان متشكل من دول الجوار العربي، والذي سماه شمعون بيريز ب"نظرية المحيط الخارجي"، حيث لم يستبعد هذا المشروع عند وضعه في ستينيات القرن الماضي من التفكير في ضم حتى بعض الدول العربية إليه مستقبلا، وهو الذي سيشكل إختراقا أمنيا صهيونيا خطيرا وتهديدا كبيرا للأمن الإستراتيحي لكل دول منطقتنا.
كما يمكن أن يشمل قرار عدم التدخل بين الدول العربية ذاتها، فهذا المبدأ هو مبدأ أساسي في السياسة الخارجية للجزائر، إضافة إلى رفضها سياسة المحاور وإلتزامها الحياد الإيجابي الذي تبنته هذه القمة تجاه الحرب الروسية- الأوكرانية، فهو ما من شأنه تمهيد الظروف لإعادة السلم والإستقرار لعدة دول، كما أقرت القمة بإقتراح من الجزائر ضرورة تدخل جامعة الدول العربية بفعالية عبر عدة آليات لحل المشكلات التي تقع في العالم العربي في المهد كي لا تعطى أي فرصة لتدخلات أجنبية يمكنها أن تعفن الوضع، وتستغله لفرض نفوذها ونهب ثروات هذه الدول، وهو نفس ما قام به الإتحاد الأفريقي من قبل، وظهرت فعاليته نسبيا. لعل أستفاد هؤلاء القادة من تجارب سابقة، وأولها عجزها على إيجاد حل للغزو العراقي للكويت في1990، مما سمح بتدخل قوى عالمية، فكان ذلك سببا في تراجع كبير للعالم العربي ليعيش أسوأ أحواله فيما بعد، فستثبت قادم الإيام، وسيسجل التاريخ بأن قمة الجزائر قد أعادت لمنطقتنا دورها الفاعل، وأقامت قطيعة مع وضع مترد عاشته لعقود بعد سوء التصرف عند غزو العراق للكويت في1990، وزادته تعفنا أكبر ما سمي ب"الربيع العربي" الذي كان هدفه تفتيت دول منطقتنا على أسس طائفية وأوهام عرقية خدمة لمشروع صهيوني طبق بإحكام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال