الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُجَرَّدُ غَفْوَةٍ لَا غَيْر

عبد الله خطوري

2022 / 11 / 7
الادب والفن


● نهارا :
ولما حَدَّثْتُه متسائلا عن الذين غابوا سافروا ولم يعودوا يظهرون أين تراهم الآن؛ أقْعَى على ركبتيْه واضعا يديْه على كتفيَّ رانيًا إلى عينيَّ مباشرة، فلمحتُ محجريْن غائريْن يحبسان بمكابرة ما تخيلتُه آنذاك دموعًا تُناورُ بعناد كي لا تخرجَ لوجود أرعن بارد جاف الطباع لا يعترف للعواطف بحق في الوجود..لا..لم يكُ يبكيِ جدي..وإنما نبس بِدَعة وصفاءِ خاطر في وجهي مباشرة ...

_لقد أرادهم الله هكذا مجرد غفوة لا غير..في سَفَرٍ هُم أطياف لا نراها، في رحلة نحن سنلتقي حتما كما آلتقينا أمسِ سوف نلتقي غدا إنها مشيئته يصرف الأمر كيف يشاء ...

ثم قطع آعتراضي آلمُلِحِّ..لكن..!!..بأن وضع سبابته على فمي...

_آشتتتتْ..اِهدَأْ قليلا آجي دابا نَتْوَضَّاوْ نْصَلِّيوْ كَامْلِينْ في الجامع صَافي..اتفقنا..

وَافَقْتُ على مَضضُ..ممم..جعلتُ أهز رقبتي ناكسًا رأسي غير راض...

_صافي...

قلت مذعنا..

فأرْدَفَ..

_ اِلعن الشيطان آولدي..اِقرا مزيان...

وحملني بين ذراعيْه النحيليْن..ثم..هُوبْ بحركة واحدة خاطفة وضعني على ظهر البغلة.أكملنا طريقنا الى الدار ونصيحته العصماء تلفظ في رأسي وجوانحي نبراتِها الخالدة..اقرأ..عندما تقرأ كثيرا ستعرف كثيرا..فلا تبخلْ على نفسك وأهلك بالقراءة..


● ليلا :
_ واش ما زال ما جاكيش النعاس...
قال دون أن تتوقف شفتاه عن ترتيل أوراد ما قبل النوم على ضوء خافت لِشمعة مشحمة تقاوم ما أمكنها هدهدات الاحتضار.نظر جهتِي بعينيْن تكاد قطراتٌ مترقرقة تطفر منهما..أهي دموع وشيكة تحبسها رجولة تأبى البكاء أم خشوع وتفاعل إحساس مرهف والأدعية المرتلة أم مغالبة لسِنة نوم لعينين مجهدتين من فرط متابعة الحروف الدقيقة في ظروف غير ملائمة للقراءة..؟؟..لم يقل شيئا جدي، استمر فيما كان فيه بهدوء رتيب حتى أنهى ورده.طوى كتابا ذكرني كنانيش أبي، بدفتين قديمتيْن جدا من جلد الضأن في غالب الظن خِيطَتا بما يشبه وَرَقا مُقوى داكن اللون خشن الملمس_كما يوحي ظاهره..الحمد لله رب العالمين..نبس بها هُدُوؤُه ثم هُووفْ نفخ جهة فتيلة ذابلة غارقة في أحشاء بيضاء ثلج شاحبة.أطفأ ما تبقى فيها من إنارة مرتعشة..و..هُوووفْ أخرى نَفثَ في الدخان الكابي ذي الرائحة الزنخة يُفرق تجمعه على مشرفة الذبالة وجهة رأس الدخان المتعالي الذي تتفرق من خلاله دوائر تتلولب كخذاريف معتوهة جعل يشتت يَحْمومها بكلتا يديه قبل أن تستحيل مَرَدة في غلس الظلام وعفاريت لا قبل لمُقلنا بها، مبعدا عن أنفه أثـر الاحتراق المزعج..آحْ آحْ حْ.. سعل مرتين أو ثلاثا..الله يخليها وَعْدْ ما بْقَاتْ صحة ما بْقَى جَهْدْ اوووف..صات متذمرا يغالب نَفَسَهُ المختنق ثم أسند جنبه الأيمن لعَرُوضِ أدَّارْ واضعًا يديه تحت رأسه..ولأن حركات مَن بالدار لم ينقطع حسيسُها، والأضواء مازالت موقدة"دكْ ييشْتْ ياطْ نلامبا"(١)في سراج آخر معلق بمشجب في إحدى أعاريض وسط الرحبة، ولأن أثر السخام المحروق استمر يزكم الأنوف يلهب الحناجر،أو ربما لسبب آخر دَثَّرَ رأسه جدي ووجهه برزته البيضاء حتى لم يعد يظهر منه شيء، فبدا وسط الظلال آلعملاقة المتزلزلة على الأرضية والجدران ملتفا غاطسا في كفن يحنط جسده الضئيل؛ولولا شيء من شخير شرع منخارُه العظمي المعقوف يصدره من حين لآخر لَظُنّ...أعوذ بالله...

_ تُصْبح على خير بَبَا حَدُّو..

تمتمتُ بها بيني وبين نفسي،وإذْ هممتُ أسْدِلُ الستار عليه فاجأتني بَحّتُهُ باسمةً هامسةً..

_تصبح على خير آتَرْكَازْتْ..(٢)

فضحكتُ وضحكتْ خالتي معي...

_آه..مجرد غفوة لا غير..أنت علااام يا جدي..أنتَ خَطَااارْ..ههه...

قلتُ مداعبا...

_ويييه..أوتزريتْ شَـكْآه اُوكانْ شتي نتا..(٣)

ردّ من وراء حجاب دون أنْ يكف شخيره عن فخيخه آلمتقطع...


_إشارات:
١_"دكْ ييشْتْ ياطْ نلامبا":في مصباح غازي آخر

٢_تَرْكَازْتْ:الرجولة

٣_أوتزريتْ شَـكْ:وأنتَ كذلك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه