الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الجمهوريات

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة العلوية، نسبة إلى منشئها محمد علي، بُنِيَت من لا شيء تقريباً لتقف في ملكية قوية ناهزت حدود الإمبراطورية بمعايير زمانها. ثم بمرور الزمن وتعاقب أفراد السلالة على سدة الحكم، أخذ النظام الملكي الصريح في الاضمحلال شيئاً فشيئاً لينتهي إلى تمزيق سلطة الدولة بين ثلاثة متصارعين: الملك العلوي، سلطة الاحتلال الإنجليزي، والإرادة العامة ممثلة في دستور ومجلس نيابي مؤثر. في المحصلة، شُلت حركة الدولة المصرية واشتعلت في جنباتها الحرائق، حتى سقطت طريحة الوهن في النهاية. وعندئذ، غادر الملك، ليلحق به الاحتلال، ويتبعهما إلغاء الدستور وحل المجلس التشريعي (البرلمان). في الواقع، كانت مصر تطوي صفحة عصر وتقف متحمسة تموج بالترقب والأمل على أبواب آخر جديد. أُلغيت الملكية، وأُعلنت الجمهورية.

كان من أعلن قيام الجمهورية مجلس بزي عسكري كامل مؤلف من بضعة رتب، تولوا في البداية تصريف كافة أمورها بأنفسهم. لكن طبقاً لسنن التاريخ وطبيعة البشر، سرعان ما تملك التنافس والصراع من نفوسهم ومراكزهم القانونية المستجدة، ليستقر الأمر في حجر أحدهم، جمال عبد الناصر، ومن ثم تستقر ركائز جمهورية يوليو الثورية الجديدة وريثة المملكة العلوية. وتماماً كما كانت الدولة التي أنشأها محمد علي فوق تراب مصر ملكاً له ولأسرته من بعده، كان متوقعاً أن تكون الجمهورية الجديدة التي أُنشأت فوق أنقاضها اختصاصاً لمن أعلنوها- الضباط الأحرار، أو قيادات الأسلحة في الجيش المصري. وهكذا كان. على مراحل متتابعة تم ضبط إيقاع السلطة وصنع القرار في الجمهورية الجديدة بالكامل حول هذه النواة الصلبة من قادة الأسلحة والأجهزة الأمنية، التي تتجمع من حولها بقية شرائح وطبقات المجتمع المدني فيما يشبه صفائح حبة البصل محكمة الإغلاق. بطريقة أو بأخرى، استطاعت حبة البصل ذات النواة العسكرية إنجاز المهمة وإيفاء الحد الأدنى من مصالح المواطنين والحفاظ على استقلالية الدولة ووحدتها الترابية. لكن، من جهة أخرى، ظلت الجمهورية على جميع الأصعدة أدنى بكثير مما كانت عليه الملكية. لا شك أن دولة محمد علي كانت أكبر وأعظم وأكثر في المساحة والثراء والقوة والنفوذ والمكانة الدولية وأمور أخرى من دولة جمال عبد الناصر، رغم ملكية الأولى وجمهورية الثانية.

كما بدأت الدولة العلوية ملكية صريحة ثم اضمحلت، حدث مع جمهورية يوليو. فما بدأت جمهورية ثورية عسكرية خالصة أخذت تذوب تدريجياً في محيطها المدني لينتهي المآل بنواتها العسكرية الحاكمة في السابق إلى غرفة مغلقة داخل بناية مدنية تسكنها ما عرفت وقتها باسم ’لجنة السياسات‘ المنطوية تحت لواء الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة آخر رؤساء جمهورية يوليو، محمد حسني مبارك. كان مبارك، بصفته العسكرية، هو آخر رجال يوليو في جمهوريتهم. وفضلاً عن كونه آخرهم، كان كذلك في أواخر عمره ولم يحسم بعد أمره على من يخلفه منهم. أكثر من ذلك، كانت الأفعال والأقوال ملموسة ومدوية على كونه يعد ولده جمال لخلافته، ومن هنا برزت لجنة السياسات برئاسة جمال كنواة صلبة جديدة لحكم مصر بدلاً من النواة العسكرية القائمة التي يمثلها مبارك نفسه. في قول آخر، كانت لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك تشكل تهديداً صريحاً ومباشراً لنظام يوليو بأسره، وكانت ستحول مركز السلطة والحكم من العسكرية إلى المدنية، بالنظر إلى الخلفية والانتماءات والعلاقات والتحالفات والمصالح المدنية الصريحة لجمال مبارك وجميع أعضاء اللجنة الآخرين. لم يحدث. بل قامت أحداث 25 يناير و، للمفارقة، بدلاً من جمال مبارك انتهى الأمر بمركز السلطة والحكم فعلاً إلى أيادي مدنية معارضة بقيادة الإخوان المسلمين. عند هذه النقطة تحديداً يمكن الادعاء بسقوط جمهورية يوليو كما أسسها جمال عبد الناصر، مثلما سقطت قبلها المملكة العلوية، ومغادرة السلطة الثكنات لتعود بدرجة أو بأخرى إلى مؤسسات الحكم المدني.

ثم تمخضت 25 يناير عن انتفاضة أخرى، أطاحت بالإخوان وأسست في 30 يونيو ما تعرف اليوم ’الجمهورية الجديدة‘. وعلى إثر ذلك، انطلقت حرب الجمهوريات: جمهورية يوليو، جمهورية 25 يناير، جمهورية 30 يونيو (الجديدة). جمهورية يوليو ذات النواة العسكرية دامت أكثر من خمسة عقود؛ جمهورية 25 يناير ذات النواة الإخوانية لم تصمد لبضعة أعوام؛ ثم جمهورية 30 يونيو، الجمهورية الجديدة، قائمة منذ عدة أعوام. لكن يبقى السؤال مطروحاً: في جميع الجمهوريات الثلاثة، أين يقع مركز السلطة والحكم، أو النواة الصلبة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة