الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل وإشكالية الماء: هل يأخذ العرب العبرة؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 11 / 10
القضية الفلسطينية


تعتبر منطقة الشرق الأوسط منطقة قاحلة بامتياز ، وتشهد حالة من الإجهاد المائي (1) في عدة أماكن ، مما يضع المياه في قلب العديد من القضايا الحيوية: الوصول إلى الماء ، والتحكم فيه . ولكن أيضًا في قلب قضايا التنمية والتكامل الإقليمي. إلا أن إشكالية المياه هذه، لا تتصدر الاهتمام اللازم في المنطقة، وتتوارى خلف الاهتمام بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني والإرهاب والصراعات العربية.
___________________________
(1) - الإجهاد المائي - Water stress - : البلدان التي يقل فيها نصيب الفرد من المياه عن 1700 متر مكعب في السنة.
___________________________

للوهلة الأولى ، يبدو أن منطقة الشرق الأوسط شديدة الجفاف : 1 في المائة فقط من موارد مياه الشرب في العالم موجودة هناك، في حيز جغرافي يضم نسبة 6 في المائة (حسب معطيات سكان العالم في عام 2010 ). في بعض المناطق ، التي توصف بأنها شديدة الجفاف ، يقل معدل هطول الأمطار السنوي عن 50 ملم، بل يمكن أن ينخفض حتى أقل من 10 ملم في بعض الجهات. ومع ذلك ، لا يمكن اختزال الوضع المائي في الشرق الأوسط إلى نقص المياه. ففي الواقع ، هناك أيضًا أماكن تتواجد فيها المياه بوفرة مع أنهار كبيرة جدًا مثل نهر النيل أو الفرات أو دجلة ، وأنهار أقل تدفقًا مثل نهر الأردن أو اليرموك. وتضاف إلى الأنهار طبقات المياه الجوفية الموجودة في ليبيا (طبقة المياه الجوفية للأحجار الرملية في النوبة) أو في غزة أو في الضفة الغربية (طبقة الجبال الجوفية).

فنادرًا ما توجد موارد المياه في الشرق الأوسط داخل حدود بلد واحد. على العكس من ذلك ، فإن معظمها يمتد عبر عدة بلدان وبالتالي تبرز مسألة الوصول إلى المياه والسيطرة عليها. وقد تم تعريف المياه من قبل إسرائيل منذ 1967 على أنها "مورد استراتيجي تحت السيطرة العسكرية"- هذا ما ورد حرفيا في المرسوم الإسرائيلي رقم 158 المؤرخ في فاتح أكتوبر -1967 .

في الصراع من أجل السيطرة على الأنهار ، ينعكس الصراع الخافت بين دول المنبع والمصب بشكل خاص من خلال بناء السدود لتخزين المياه. يجب التمييز بين حالتين. الأول يتضح من حوض دجلة والفرات حيث القوة المهيمنة هي بلد المنبع. من خلال عدد سكانها وتطورها الاقتصادي وقوتها العسكرية ، فإن تركيا هي بلا منازع الدولة المهيمنة في المثلث الذي تشكله مع سوريا والعراق. يعزز هذا الموقف مكانتها كدولة منبع ، حيث يوجد نهري دجلة والفرات في الأناضول. استفادت تركيا من هذه الميزة من خلال بناء أول سد على نهر الفرات (اكتمل سد كيدان في عام 1973) (2). وهكذا يمكن لتركيا بيع المياه المخزنة لإسرائيل ، على الرغم من احتجاجات سوريا والعراق. ويفسر موقف تركيا القوي، عدم وجود صراع مفتوح بين الدول الثلاث ، إذ يمكنها أن تحرم جيرانها من الوصول إلى المياه. في المقابل ، تجنبت سوريا والعراق الحرب في 1975 بفضل وساطة السعودية. كان العراق قد احتج على ملء سد "طبقة" في نهاية م 1973 جراء انخفاض تدفق نهر الفرات من 920 متر مكعب / ثانية إلى 197 متر مكعب / ثانية. ثم طلب العراق تدخلاً من قبل جامعة الدول العربية، وانتهى الأمر إلى توصل الدولتين إلى اتفاق حول تقاسم المياه: كان على سوريا السماح بتدفق 58 في المائة والاحتفاظ بـ 42 في المائة فقط لاستهلاكها الخاص. كما أن حالة حوض النيل لا تخفى على أحد ، حيث أن دولة المصب (مصر في هذه الحالة) ، قد تخاطر بالتصرف عسكريا إذا كانت تخشى الإحباط من احتياجاتها المائية. واليوم، يبدو أن هذا الوضع غير مستقر، أكثر مما كان عليه في السابق. في الواقع ، عندما تكون القوة في المنبع ، فمن غير المرجح أن تعبر دول المصب عسكريا عن خلافها ، الأمر الذي يترك في النهاية مجالا كبيرا للمناورة للأولى.
___________________________
(2) – تمت برمجة بناء 22 سدا و 19 محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية
___________________________

وهناك أيضا التوترات المرتبطة بالماء داخل نفس الدولة. يعكس الحصول على مياه الشرب حالة اقتصادية داخلية و / أو سياسة بفعل التمييز ( اعتماد الحصص)، والانقسام الأكثر وضوحا هو بين الريف والمدن. ففي بلدان المغرب العربي ، تتفاوت نسبة السكان الذين يحصلون على مياه الشرب بشكل كبير بين المناطق الريفية والحضرية. وظلت الدولة تغض الطرف عن حفر الآبار غير الخاضعة للرقابة التي تصل إلى طبقات المياه الجوفية.

بالإضافة إلى هذا التقسيم الحضري / الريفي ، هناك فجوة أخرى نتجت هذه المرة عن الولايات والمناطق من خلال إنشاء نظام الحصص. منذ 1958 ، وضعت الحكومة الإسرائيلية المياه تحت السلطة الحصرية للدولة ، التي تراقب استهلاك المياه وجودتها وسعرها. ويتم تخصيص حصة لأي شخص أو مؤسسة أو بلدية ، ويخضع الفلسطينيون لقيود أكثر تقييدًا، منها حظر حفر الآبار دون إذن عسكري مسبق ، وتركيب عدادات بحصص للضخ ...

بسبب ندرة المياه وطبيعتها الحيوية للإنسان ، كان من الضروري التفكير في حلول للتحكم في المياه من أجل ضمان التنمية المستدامة. يتمثل الحل الأول في زيادة الوعي العام بشأن استخدام مياه الشرب لتجنب الهدر. فالماء ، مورد حيوي وحاسم، لكن أهميته تبدو كأنها لاتزال غارقة في مشاكل أخرى خاصة بمنطقة الشرق الأوسط. إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني - وهو مواجهة من أجل الاعتراف بـ "الدولة الإسرائيلية"- لا ينفصل في الواقع عن قضية المياه.

فإذا كانت مشكلة المياه تأتي خلف مشكلة القدس أو المستوطنين ضمن مخاوف الإسرائيليين ، فهي مع ذلك في قلب بقاء هذا البلد، لأنه منذ إنشائها ، كانت إسرائيل في وضع هيكلي من الإجهاد المائي ، مع هطول الأمطار أقل من 300 م 3 / سنة، لذلك ، يظل الوصول إلى مصادر المياه مشكلة شائكة. ففي 1959 ، بدأت إسرائيل العمل على تحويل مياه بحيرة طبريا وارتبطت حرب الأيام الستة (1967) مباشرة بالمياه (بداية تحويل مسار نهر الأردن). في نهاية الصراع ، سيطرت إسرائيل على غالبية غور الأردن والضفة الغربية ومياهها الجوفية ومرتفعات الجولان. بالإضافة إلى ذلك ، خلال الاشتباكات ، دمرت إسرائيل السدود السورية على نهر الأردن.

تعد مسألة المياه إدن جزءًا من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال سياسة تنمية "الأراضي الإسرائيلية" - نقل المياه من الأردن إلى صحراء النقب - وصراع المستوطنين / الفلسطينيين من خلال عدم التناسب بين استهلاك السكان. إذ يستهلك 450 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية 222 مليون متر مكعب سنويًا مقابل 70 مليون متر مكعب لـ 2.3 مليون فلسطيني (3). والمشكلة ستظل أكثر حساسية ، لأن طبقة المياه الجوفية الجبلية الواقعة في الضفة الغربية ستكون في الأراضي الفلسطينية إذا تم تطبيق حل الدولتين.
___________________________________
(3) - http://www.lemonde.fr/proche-orient/article/2012/01/20/israel-palestine-le-rapport-francais-explosif-sur-la-question-de-l-eau_1631311_3218.html, « Israël-Palestine : le rapport français explosif sur la question de l’eau », Flora Genoux
__________________________________

منذ تسعينيات القرن الماضي ، أدرك الفاعلون في المنطقة أن المياه تلعب دورا مهما في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لذلك أعيدت هذه المسألة إلى المفاوضات. على الرغم من أنهم لم يوقعوا أبدًا الاتفاقات الناتجة عن "خطة جونستون" - The Johnston Plan- ، فقد اتبع الأردنيون والإسرائيليون توصياته بشأن تقاسم مياه الأردن واستمروا في التعاون بشأن هذا الموضوع من خلال اجتماعات نصف سنوية بين الوزراء المسؤولين عن القضايا المائية. يوجد هذا التعاون أيضًا بين السودان ومصر منذ توقيع اتفاقيات تقاسم النيل لعام 1959.
______________________________
(4) - تنص "خطة جونستون" - (1955) - على تقاسم مياه نهر الأردن وروافده بين الدول المجاورة وفقًا للحصص التالية: 56 في المائة من المياه ستذهب إلى الأردن ، و 31 في المائة إلى إسرائيل ، و 10 في المائة إلى سوريا و 3 في المائة إلى لبنان. الخطة ، مثل جميع المقترحات السابقة الأخرى ، لا تأخذ في الاعتبار الموارد الجوفية.
_____________________________

لذلك فإن مسألة المياه تبرز من جوانب عديدة. وراء النقص العالمي الواضح في المياه ، ندرك أنه قبل كل شيء التوزيع غير المتكافئ لهذا المورد هو ما يميز هذه المنطقة. من هذا التوزيع تنشأ العديد من القضايا ، والتي هي أقل وضوحًا ولكنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالصراعات "البينية" في المنطقة. على الرغم من أنه من غير المتوقع حدوث صراع مرتبط مباشرة بالذهب الأزرق ( الماء)على المدى القصير ، تظل الحقيقة أن المفاوضات حول مشاركة هذا المورد يجب أن تحظى بمزيد من الأهمية وأن الحلول المعتمدة يجب أن تشمل جميع الجهات الفاعلة.

والحالة هذه، كيف عملت إسرائيل للتصدي لإشكالية الماء؟

المياه والابتكار الإسرائيلي

عانت إسرائيل من نقص المياه منذ إنشائها ، وهي الآن رائدة على مستوى العالم في تنقية المياه وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي وتحلية المياه. إذ يتم إعادة تدوير حوالي 86 في المائة من مياه الصرف الصحي المنزلية في إسرائيل واستخدامها في الزراعة ، وهو ما يمثل نموذجا رائدا في كيفية تحويل الأزمة إلى فرصة للتقدم. مع معاناة العديد من الدول من نقص المياه ، أصبحت إسرائيل موزعًا حيويًا لتكنولوجيا المياه على المستوى الدولي. وشركة - Watergen - الإسرائيلية أضحت رائدة عالميًا في إنشاء آلات تنتج مياه الشرب من الهواء. لا تعالج الشركة ندرة المياه النظيفة في العالم فحسب ، بل تعمل أيضًا على القضاء على سلاسل التوريد كثيفة الكربون والنفايات البلاستيكية الضارة بالبيئة.

هي الشركة الإسرائيلية الرائدة التي أصبحت الشركة الرائدة عالميًا في سوق أجهزة مياه الشرب المحصل عليها من الغلاف الجوي ، وهي آلات تنتج مياه الشرب من الهواء. وهو حل "إسرائيلي" لمشكلة ملحة - ندرة مياه الشرب في أي مكان وفي أي وقت.

التكنولوجيا الزراعية

إسرائيل هي أيضا رائدة في الري بالتنقيط الذي يزيد من كفاءة استخدام المياه بنسبة 50 في المائة ، وفي البذور المعدلة وراثيًا والمبيدات الحيوية ، إلى البلاستيك القابل للتحلل الخفيف وأنظمة الري / التسميد المحوسبة. وتعمل شركات إسرائيلية على تطوير طرق مستدامة للنمو وإنتاج الغذاء مثل منتجات الألبان الخالية من الحيوانات واللحوم المطبوعة ثلاثية الأبعاد. الشركات الناشئة الإسرائيلية مثل - Future Meat – و- Aleph Farms- هي في طليعة جعل صناعة اللحوم مستدامة وفعالة ويمكن الوصول إليها دون التضحية بالنكهة.

الطاقة المتجددة والاستدامة

اكتسبت إسرائيل قدرة مهمة على تحويل الموارد الطبيعية المحدودة إلى أشكال مستدامة من الطاقة ، وتكرس مئات الشركات الإسرائيلية جهودها لتطوير تقنيات مستدامة. أحد الأمثلة على ذلك هو- Xfloat - وهي شركة إسرائيلية ناشئة تعمل على تطوير الألواح الشمسية التي يمكن أن تولد الكهرباء عن طريق تتبع الشمس باستخدام الذكاء الاصطناعي مع تحرير الأرض أيضًا لأغراض أخرى. رفعت إسرائيل أيضًا هدف الطاقة المتجددة لعام 2030 من 17 في المائة إلى 30 في المائة مما سيقلل من تلوث الهواء بنسبة 93 في المائة والغازات الدفيئة بنسبة 50 في المائة للفرد.

مكافحة التصحر

أكثر من نصف مساحة أراضي إسرائيل عبارة عن صحراء (حوالي 60 في المائة) ، ومع ذلك فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تقلصت فيها هذه المساحة فعليًا من حيث الحجم. تساعد الحلول الإبداعية التي طورها المهندسون الزراعيون والعلماء الإسرائيليون في منع تآكل التربة في جميع أنحاء العالم، وتواصل إسرائيل المساهمة في الجهود العالمية لمكافحة التصحر من خلال تبادل المعرفة وأفضل الممارسات والتقنيات. من بين بعض الشركات الإسرائيلية التي تكافح التصحر، هناك شركة "نتافيم" - Netafim - التي تجد حلولًا فعالة لتوفير المياه وتجميع ظروف النمو ، و شركة - SeeTree - التي يمكنها تتبع مدى إنتاجية الأشجار وصحتها وعافيتها ، و شركة - SupPlant - التي يمكن أن توصي المزارعين بأنظمة الري الفردية والمناسبة لطبيعة الأرض والمنطقة، و التي توفر الماء الكافي للنبتات وتحمي المحصول.

تألقت "نتافيم" في الري الدقيق، وهو نهج زراعي مستدام فريد من نوعه، يسمح بتطبيق المياه والمغذيات على النبات في الوقت والمكان المناسبين، وبجرعات صغيرة محسوبة من أجل تزويده بظروف نمو مثالية. والري الدقيق ليس فقط مجرد حل لاستخدام المياه ، بل هو أيضًا طريقة أكثر فعالية لاستخدام الأسمدة. إنه يمكّن التسميد من توصيل العناصر الغذائية بجرعات محسوبة وفي توقيت مثالي، لدعم النمو الأمثل للنباتات وحماية التربة من الرشح وتلوث المياه الجوفية.

في 2016 ، قامت شركة "نتافيم" الإسرائيلية ، الرائدة عالمياً في هذا المجال ، بتوظيف 4300 شخص في القارات الخمس ، وتم العثور على منتجاتها في الحدائق الخاصة والفردية للأمريكيين الأثرياء ، وفي الحدائق العمومية للعديد من البلديات والمدن الأوروبية وفي المزارع والضيع في الدول النامية.

اهتمت – SeeTree - باستخدام تقنيات جمع بيانات متميزة، وباستخدام مقاييس الصناعة لجمع المعلومات ، للقيام بمسح وتحليل مئات الملايين من الأشجار ، وتوفر أكثر المقاييس شمولاً ويمكن الاعتماد عليها لمتابعة كل شجرة. يتم التقاط صورًا جوية للمزرعة ثم تحليلها حيث تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بمعالجة جميع البيانات التي تتمحور حول الأشجار و المخزنة في قاعدة بيانات الأشجار تختص بها الشركة، و يتم التحقق من هذه البيانات ثم تقديمها لصاحب المزرعة من طرف فريق الاستطلاع الخبير مع عرض الحالة وما يتوجب القيام به.

إن مهمة - SupPlant - هي تجهيز المزارعين و الأعمال التجارية الزراعية في جميع أنحاء العالم، من خلال تغيير المفهوم الأساسي لطرق الري ، واستنادًا إلى الضروريات والحاجيات الآنية للنباتات ، وتوفير المياه مع تحسين الإنتاجية والمحاصيل.

بداية الحكاية

في "كيبوتس" (5) - kibboutz - في النقب ، تم تطوير نظام الري بالتنقيط في خمسينيات القرن الماضي ويتم تصديره الآن إلى جميع أنحاء العالم. إذ أن 75 في المائة من المزارع والأماكن العامة في إسرائيل تستفيد منه.
__________________________________
(5) - مزرعة جماعية في دولة إسرائيل. كانت "الكيبوتسات" الأولى ، التي أنشأها الاشتراكيون الصهاينة في 1909 ، ذات طابع عسكري وزراعي ، وبعد 1948 ، شكلت "الكيبوتسات" قطاعاً رائدا للزراعة في إسرائيل.
__________________________________

عندما تم إنشاء إسرائيل في 1948 ، كانت مدينة " بئر السبع" – "بير شيفا" - منعزلة في وسط صحراء النقب، إذ كان في الأصل مكان قديم تحط فيه القافلات البدوية وتحوي عدد قليل من المباني الترابية. وعلى بعد ثمانية كيلومترات ، كان "كيبوتس حتريم" ، الذي أسسه قبل عامين جماعة من الكشافة المنغمسين في المثل الصهيونية ، وكان أكثر عزلة. و كان هناك نقص كبير في المياه لتطوير الزارعة. في هذه البيئة المعادية بشكل خاص الري الدقيق النور ( سمي في البداية "التفتوف") ، وهو نظام ثوري وقتئذ، يتكون من أنابيب بلاستيكية مع فوهات قيقة معايرة تتعرج بين النباتات لتوصيل الكمية الضرورية المناسبة من الماء إلى الجذور مباشرة.

بدأ كل شيء ، عندما اكتشف "سمخا كلاس" - Simkha Glass - مستشار الشؤون الهيدروليكية لرئيس الوزراء آنذاك "دافيد بن غوريون" - في وقت فراغه - بالصدفة مبدأ "التفتوف" من خلال مراقبة تطور البصل شقته في تل أبيب. وبعد البحث عن "كيبوتس" لتنفيذ مشروعه وتطويره ، وقع اختياره على واحد و حصل على براءة اختراع لنظامه. في ذلك الوقت ، كان "التفتوف" يستهدف فقط المزارعين الإسرائيليين الذين يبحثون بشكل يائس عن موارد المياه. لكن خلال ستينيات القرن الماضي ، وبفضل خبرتها في مجال الري على وجه الخصوص، اكتسبت إسرائيل تأثيرًا معينًا في البلدان الأفريقية المستقلة حديثًا وقتئذ.

في إسرائيل ، حيث 60 في المائة من الأراضي صحراوية وتقريبًا جميع مناطق البلاد شبه صحراوية ، لم يكن النجاح الزراعي ممكنا وطويل الأمد. في البداية كان نوع واحد فقط من الري بالتنقيط، ولكن بمرور الوقت نما النطاق لتغطية العديد من الاحتياجات وأنواع مختلفة من المزروعات مثل الذرة و البطاطس و القطن. كان مبدأ الري الدقيق على نمط واحد غير قابل للتغيير ولا يتماشى مع ضرورة التكيف مع أنواع التربة والمناخ وأنواع المزروعات. إذ في بعض الأحيان يكون من الضروري السقي بشكل أعمق وأحيانًا على السطح. على أية حال ، 75 في المائة من المساحات العامة والمزارع في إسرائيل مروية بدقةً. وهذا رقم قياسي عالمي حيث أن المتوسط الدولي لا يتجاوز نسبة 5في المائة.

لا تزال قيود المياه شديدة في إسرائيل حيث أن كمية الأمتار المكعبة المتاحة للفرد أقل بثلاث مرات من الحد الأدنى الذي حددته الأمم المتحدة (1300 متر مكعب)، ولمحاربة الجفاف المتكرر ، تم اعتماد الري الدقيق وهو حل مفيد ، لكنه ليس الحل الوحيد ، حيث تعمل الدولة على زيادة عدد محطات تحلية مياه البحر وتقوم السلطات المحلية بإنشاء محطات تنقية مياه الصرف الصحي.

هناك العديد من المزارع المروية بفضل الري الدقيق، وتستخدم أحدث الأنظمة وتعتمد على الكمبيوتر، وغالبًا ما يطلق المزارعون الري من هواتفهم الذكية. على أي حال، يتم استخدام الكمبيوتر بشكل كامل للتحكم في درجة الرطوبة وظروف الإنبات. وقد قال أحد الخبراء: "لقد تم تطوير تقنية عالية للمياه مع مرور الوقت في إسرائيل بهدف وحيد، هو عدم إهدار قطرة واحدة ، وضمان حصول النبات على ما يحتاجه بالضبط في أنسب لحظة".

يستخدم المزارعون فقط المياه المعاد تدويرها ، والتي يتم نقلها بواسطة شبكة مستقلة عن شبكة مياه الشرب ، حيث أن معدل إعادة تدوير مياه الصرف الصحي في إسرائيل يصل إلى 87 في المائة مقابل 20 في المائة كمتوسط في بقية العالم.

ألم يحن الوقت بعد ليأخذ العرب العبرة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم