الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


29 - مدخل . . إلى العقل المتصنم / إشكالية فهم الذات ومقترنها المقابل . . الموضوع يتبع ( 2 ) تأصيل مستحدث – شخصيا – لحل اشكالية مفهوم الذات ومقترنه المقابل , , الموضوع .

أمين أحمد ثابت

2022 / 11 / 12
المجتمع المدني


لم تحضرني ابدا أية كتابة – مؤلف ، اطروحة اكاديمية ، بحث فكري او مقال – او حتى مقابلة لمفكر او عالم ( في الطبيعيات او الانسانيات ) بوجود اشكالية في اصل معادلة التقابل الجدلي نفسها – أي بين الذات والموضوع – فجميعهم توقفوا حيث انتهاء زمن الفلسفة ( كمصدر وحيد للمعرفة ) ، وذلك حول من اسبق واي منهما هو الحاسم في جعل حركة التاريخ البشري مبني على التغير – أو كما يحب الكثيرون تعبير التطور بدلا عن التغير – وهنا بيت القصيد لوضع جديد – نزعم به – ولم يتنبه له حتى أحد ، كان عربيا ام عالميا ، معاصرة حتى وقتنا هذا او خلال تاريخ المعرفة القديم الفلسفي أو منذ نشوء مفهوم العلم المجالي التخصصي محل الفلسفة كبديل لها ، التي اصبحت بذاتها مجالا من مجالات العلوم الانسانية ، وايضا خلال مسار تطور العلوم – بداية من العلوم التجريبية والتقنية بعد اربعة قرون و . . انتهاء بتحول المجالات العامة للإنسانيات الى الطابع التطبيقي كمجالات علمية مستعيرة اسلوب البحث العلمي الطبيعي ولكن بتعديل يتناسب وطبيعة مجالات الانسانيات ل . . تعرف كعلوم ، وهو ما طبع تطورها كموازي شبيه – ويظل ذلك نسبي لا يقارن بالأخرى الطبيعية ، حيث فيها لا يمكن التحكم بشكل يقيني شبه ثابت في العامل الرئيسي وحتى العوامل التابعة ، حيث كليهما مطبوعان على الافتراض بدرجة نفترض انها 75-80% بينما التثبيت اليقيني التحكمي يمثل النسبة الباقية ، وهو عكس العلوم التجريبية ، حيث نسبة الصح اليقيني التحكمي يقدر بين 90-95% ، بينما تمثل نسبة الخطأ او انعدام التثبت اليقيني التحكمي . . باقي النسبة المئوية ، طبعا هذا في العمل التجريبي البحثي الاصيل وليس التقليدي الفاقد درجة الصرامة في اتباع الدقة للوصول الى جديد في العلم الطبيعي – هذه المشابهة الموازية . . ذهبت نحو ذات الطريقة للطبيعيات كمنحى انتقالي لفتح مجالات تخصصية دقيقة واكثر دقة و . . هكذا . طبعا ما سنأتي به ليس من فراغ . . بل من تاريخ المعرفة النظرية والتجريبية ، ولكنها امور لم يتم التنبه لها – من الفلاسفة او العلماء ، وطبعا مثقفي النخب المجتمعية العربية والعالمية ، هذا الاخيرة التي تطبعت على النقلية لكل ما يرشح من المعرفة و . . ليس اخضاع ذلك الرشيح للتفكير الحر الفاعل – المعيد لتخليق الفكر او الفكر -وليس إعادة نسخ متواتر للسابق .


ولإظهار ما استخلصناه من مورث المعرفة ( القديم والحديث ) :
أولا – أن مسألتي الذات والموضوع – او الذاتي والموضوعي – تعدان كمجال عاما يخص العلوم الانسانية ، تحديدا وجهها النظري ، وكمجالية خاصة بالفكر النظري المجرد ، الموسوم بطابع الفلسفة او التفلسف .
ثانيا – أما في الطبيعيات لا يحضرا إلا كمجاز لغوي لفظي في اللغة النظرية لمجال العلم التجريبي ، خاصة في مراحل التحليل المقارن لنتائج التجريب ومناقشتها واخيرا في الخلاصة المحتوية على الاحكام التعميمية – أي بمعنى لا وجود للفظي التقابل ( الذاتي والموضوعي ) . . كأصل قضية للبحث المجرى تجريبيا ، وإن حضرا فلا يحضران إلا كمعبر لفظي المعنى والدلالة لغويا وليس كمفهوم ، وغالبا يحضر معبر واحد منهما او يكون حضورهما منفصلان عن بعضهما وليسا كمعادلة بحثية يترافقان معا في حالة من التقابل .
ثالثا – بينما في الثقافة النظرية . . فهي تخلط بين الاول والثاني في أي موضوع مطروق – طبيعي تجريبي او تكنولوجي او تطبيقي في اية مجالية دقيقة تخصصية في العلوم الانسانية – معتمدا فيها التوظيف الخاص القصدي لذات الطارح للرؤية – وهو ما يجعل جدل النقاش المعرفي غالبا لا يوصل الى رؤية قاسمة بين المتحاورين او المتناقشين كتابة او قولا ، حيث يكون مستخدم مثقف واحد للفظين في قضية ما لا يتوافق مع رؤية اخر او طرحه ، حتى يصل الامر أن يكون الاختلاف او عدم الاتفاق جمعيا حول فهم معنى ودلالة اللفظين في مختلف مواضع النقاش او الحوار ، فإن توافق شخصا مع اخر في موضع او اثنين لوجود اللفظين فإنه لا يتوافق مع مستخدميهما في مواضع عديدة اخرى من الموضوع المطروح .

وقبل طرحنا لرؤيتنا الشخصية المغايرة كما نزعم بها ، نحتاج بدءا – كتمهيد علمي ومنطقي دقيق يوصلنا إليها – أن نستقرئ الاسباب الماورائية الغائبة او المتجاهلة في عقول الجميع ، والتي يمكن حصرها افتراضا بما يلي :
1 ) وهي ذات الإشكالية شديدة العمومية ، التي تطاردنا كأساس جوهري لكامل مؤلفنا هذا ، منذ بداية الاسطر الاولى لسلسلة ( مدخل . . الى العقل المتصنم ) و . . حتى نهايته ، والمبني قصديا على كشف الاختلال الفهمي المعرفي للعقل بين المفهومي واللغوي لمختلف المصطلحات والاصطلاحات المعرفية المورثة لنا حتى اللحظة ، ومن ثم طرح رؤيتنا المغايرة البديلة – وهنا نجد أن لفظي الذات والموضوع او الذاتي والموضوعي – في كتاب او مقالة او بحث او نقاش كلامي – موضوعان كمتناول مفهومي ( كقضية متقابل جدلي او كبعدين غير مترافقين يبنى عليهما التحليل ) ، وإذا بتمحيص دقيق نجد أن ورودهما في الصياغة الكلامية او المكتوبة ليس اكثر عن معبرهما اللغوي ( معنى ودلالة ) وليس كمفهومين كما يعتقده الطارح في نيته او قصده ، وحتى وإن حضرا كل من اللفظين – بشكل منفصل – بسردية او وصفية التعبير كمفهومين ، نجد الطارح ينزلق تدريجيا في سياقه لمعنى ودلالة اللفظين لغويا – أي بما يسطح طبيعتهما كمفهومين – وعند الحالات الفردية الخاصة من اعلى النخب الفكرية من المفكرين من علماء الانسانيات ، الموسومين بمحاولات العصف الذهني ، نجد ارباكا في الاتساق السياقي لمتناول لفظي الاصطلاحين ، فبقدر ما تجد تساوقا مفهومي الى حد وإذا به يتواصل استمرارا كتعبير لغوي – ظاهري سطحي – والى حد يظهر الاستمرار مجددا بلغة تناول مفهومي و . . هكذا – عند هذا المنكشف نستنتج حكما بشكل تقييم افتراضي . . ليس حول تشويش الفهم وضبابية المعرفة المستقاة فقط ، بل ومن ناحية التدقيق العلمي نخلص أن القضية المثارة بصورة الموضوعي والذاتي او الذات والموضوع لم توصلنا الى معرفة صحيحة كاملة الوضوح . . إما على اساس مفهومي للفظين او على اساس لغوي صرف .
2 ) أن معرفتنا المكتسبة ( توهميه وتوهيميه ) في جذرها ، حيث لا يوجد المعبر المفاهيمي للفظين إلا ترافقا تقابلي جدلي وصل إلينا من التاريخ القديم ، حين كانت الفلسفة الطريقة الوحيدة للمعرفة ، والمعتمدة على الادراك الحسي للمعلومات ومعالجتها ذهنيا كتفكير مجرد يقوم على التأويل ومحاولات التفسير والظن – وللأسف هو نفس المنوال الواصل الى اليوم . . على كافة المجالات ، أي لا وجود بناء مفهومي للفظين سوى في الفلسفة وشريطة حضورهما كوجهي معادلة لأية قضية مطروحة للبحث ، أما ورودهما ليس كقضية جدل فلسفي فيما بينهما – في أي موضوع من العلوم الطبيعية او الانسانية – فليس سوى اجترارا انتقائيا موظفا لجزئية من مفهوم اللفظين على اساس لغوي كلي لا أكثر – وبمعنى اخر أين توضيحا ، أن لا وجود مفهومي للفظين إلا في الفلسفة والتفلسف الفلسفي . . شريطة أن يكونا مترافقان تقابلا بطرح جدلي فقط ، أما في أي علم وحتى بجانبه النظري يكون وجود اللفظين او احدهما لغويا . . ليس إلا – فهل مثل هذا الاعتقاد العفوي الكاشف نفسه عن عقولنا صحيحا ام هي حالة من حالات التوهم النظري المجرد الباسط على دماغ الانسان ؟ !

والحقيقة – كما نعتقدها – وراء منظومة الخلط لمعبر اللفظين لغة ومفهوما ، وايضا لماورائية ورائية الاسباب المذكورة آنفا يرجع أولا الى توقف العقل البشري عن حل معادلة الاختلاف بين الذاتي والموضوعي عند نهاية الحقبة التاريخية من العقل البشري حين كانت الفلسفة اساس المعرفة ، اما مع نشوء العلم ومسار تطوره – الى اليوم – فلا يتم تناول البعدين إلا بتشبيه يمكن نقول عنه مجازا بتناول ترفي ، يكتفي حضور اللفظين او احدهما لغويا . . كان معنى او دلالة او كليهما معا وباستعارة خجولة شكلية عن بعدهما المفهومي – أما ثانيا ، فإنه يرجع الى حقيقة القطع التاريخي الانقلابية لمسار المعرفة البشرية ، فانتهاء الحقبة الفلسفية النظرية المجردة اساسا للمعرفة ، واستبدالها بإحلال بديل ممثل بالمجالية العلمية كأساس للحصول على المعرفة الاصح والاكثر دقة واثباتا ، حيث صدرت الألفاظ المفاهيمية القديمة من زمن الفلسفة – في مختلف الامور والاشياء والظواهر والعمليات – صدرت الى المجالات العلمية المختلفة والى كل متفرع مجالي دقيق يظهر ، وهو ما سبب تآكل دقة البناء المفهومي للألفاظ المصطلحية والاصطلاحية . . يحدث مع كل تطور جار في مجالات العلوم نحو التخصصية الاكثر دقة مجالية .

إن خطل الفهم بتقسيم تاريخ مسار تطور العقل البشري الى مراحل ( نوعية منفصلة ) عن بعضها . . يعد الركيزة الاساسية لصناعة التوهم العقلي – لا إراديا – مثل مرحلة العقل الخرافي والاسطوري ، مرحلة العقل البراغماتي الحسي فكريا ، مرحلة العقل التفلسفي عالي التجريد واخيرا العقل العلمي – ووفقا لهذا الاعتقاد التوصيفي الممزق لحقيقة المسار التاريخي بشكل مستمر غير متقطع او متوقف مرحليا ، هو ما يسبب للعقل حالة الخلط بمعرفة ضبابية او سطحية لكثير من الامور والمسائل ، حيث يتورث ألفاظ مفهومية منقولة من مرحلة سابقة قديمة تنضاف مضايفه مع فهم بمعنى ودلالة احدث للمنقول الينا إرثا . . وهكذا ، مع كل مرحلة جديدة اضافة ومضايفه لها – في كل لفظ – مع ما سبق انتقاله ارثي – وما لم يتم التنبه له ، أن كل اضافة فهم جديد من حيث المعنى او الدلالة او كليهما لتعبير عن أي لفظ كان موصولا إلينا من القديم ، بقدر ما يحتوي من موصف اللفظة بعينها في اصلها القديم . . بقدر ما تحتوي على خصوصيات مغايرة مع اصل ذات القديم لمفهوم اللفظة بعينها – ولا نريد التطويل في طرح الامثلة التوضيحية ، وليعمل عليها القارئ بجهد تطبيقي شخصي ذهنيا ، ولنعطي مفتاحا لفظة السائح ، الثورة ، الدمار ، الوجود ، الروح . . الخ ، لغة ومفهوما من القديم الى الآن و . . وطبعا الى جانب الألفاظ المتشابهة مع لفظ المفردة المفهومية من حيث المعنى والدلالة – على سبيل المثال . . العقل ، الدماغ ، الذهن ،المخ ، التفكير ، الادراك ، الفهم ، الوعي ، التصور ، الاعتقاد . . الخ ، حيث تعد مفردات تلك الالفاظ مرادفات لبعض عند التعبير الكلامي او الكتابي عن واحدة منها يتم حضور الاخريات كما لو انها ذات تلك اللفظة المعنية ، بمعنى عند التعريف – تصورا – للفظة الوعي كمفهوم . . يرد لفظ التفكير او العقل او الادراك في نفس السياق كما لو ان كل منها هي الوعي – والعجيب حين يطلب تعريف كل مفردة لفظ منها على حدة . . بعد الاجابة على التساؤل إن كانت جميعها مثل بعض كمترادفات لفظية لغوية ، ويكون الجواب بلا – حيث كل لفظة منها ليست كالأخرى – مثلا الدماغ يحتوي المخ ، والمخ جزء من الدماغ ، والمنتج عن وظيفة المخ بطبيعته البشرية العاقلة هو العقل ، والوعي معرف مجمل ذلك المنتج بصفة مسمى العقل ، وجميع معرفات تلك الالفاظ تعد من وظائف عمل الدماغ البشري – عضويا ، ويعد منها التفكير وايضا النفس في اشارة لجانب العقل في بعده العاطفي و . . هكذا ، ولذا بطريقة اخرى لا معنى او وجود للعقل ، حيث يكتسب صفته المفهومية لفظا من خلال معرف التفكير الغائي ، ولا معنى او وجود للتفكير الغائي والتخطيطي بدون موصف العقل ، ولا معنى او وجود للعقل والتفكير دون وجود الدماغ وطبيعته الوظيفية الخاصة عند نوع الانسان لتنتج عنها سائر مختلف الالفاظ الاصطلاحية او المصطلحية في ذات الامر – من هنا نلحظ مجددا عودة الخلط مفهوما بين تلك المفردات من ذات الموضوع ، فتارة تكون هي ذاتها تعريفا رغم مختلف مفردة اللفظ ، واخرى تكون مختلفة منفصلة كليا كل واحدة عن الاخرى . . وإن اشتركت بذات الموضوع .

إني اعرف مسبقا وبشكل يقيني أن كل من سيقرأ – باستعلاء او دون تمحيص ذهني دقيق المتابعة مع اعمال التفكير بحرص - ما سبق طرحه الى نهاية الفقرة السابقة اضمن انه سيصاب بتشوش الذهن وصعوبة الفهم فيما يريد الكاتب الوصول اليه او ماذا يريد طرحه خلال موضوعه هذا ، وسر ذلك يكمن بفعل طابع القراءة السطحية المستعجلة او المحمولة بموقف مسبق استسهالي او تقليلي للموضوع قبل تصفحه – لهذا ليست غريبة أن تصدر احكام متعجلة من الكثيرين ك . . كلام ملخبط ، او موضوع مرتبك غير واضح او غير متسق ، ويتبعه حكم متعالي أن الكاتب إما كتب موضوعه ولم تكن لديه فكرة مسبقة عن موضوعه الذي سيكتبه ، او أن استعجل الكتابة ولم تختمر الفكرة الجوهرية لموضوعه لديه او ان الفكرة كانت موجودة لدى الكاتب ولكنه عجز في توصيلها وتاهت عنه خلال الصياغة – أي انفرط الموضوع من بين يدي الكاتب – او تكون الفكرة التي عند الكاتب اكبر واكثر تعقيدا من قدرة الكاتب التي تظهر محدودة فصبغت النص بالاهتزاز او التفكك والتشظي – وليكن للقارئ حرية تعامله القرائي وموقفه ، ولكني احبذ أن يتكئ القارئ اللبيب الباحث عن الجديد على التمعن والحرص في متابعة القراءة بذهن متيقظ والعودة مجددا عند بدء كل جزئية يستشعر فيها بالارتباك ، ويجهز بمرابطة ذهنية ذاتية لعوالق الموضوع .

وعودة لذي بدء ، لفك طلاسم التشابك الخلطي بين المصطلحات المفهومية للألفاظ لذات الموضوعة الواحدة . . أولا ، وثانيا بطرح رؤيتنا الخاصة المغايرة حول اشكالية التقابل الجدلي بين الذات والموضوع وايضا بين الذاتي والموضوعي .
فالذات والذاتية Subject & Subjectivity والموضوع والموضوعية Object & Objectivity ترجع رؤيتهما التصورية التضادية التقابلية – حسي وغير حسي بذاته - مفهوما الى تاريخ الفكر الفلسفي ، حين كان العقل البشري يستنطق مدركاته الحسية وتصوراته التخيلية غير الحسية لتكوين مسمى المعرفة لديه ، معتمدا على التفكير المجرد التأويلي والقياسي وحتى التخميني – لفهم كل ما يهمه ويكون معروفا بالنسبة له ، وتعمم ذلك التصور المفهومي للفظين من خلال تاريخ الجدل الفلسفي التقابلي القديم منذ الاف السنين الماضية ، بين الاتجاهين الاساسيين في الفلسفة المادي والميتافيزيقي المثالي – كأصل للمعرفة ومصدرا لها – وهو ذاته الواصل إلينا منذ ذلك الزمن البعيد كتعريف مفهومي لكل واحد منهما على حدة ، ويعرف مفهوم كل منهما على اساس ما سطر وقتها وانتقل إلينا ونتعامل مع اللفظين معرفيا بحالة من الثبات – النسخي - للقديم حتى اليوم .
ومنذ نشأة العلوم ومسار تطورها الاول – الطبيعية التجريبية والتكنولوجية ولاحقا الانسانية – لم يكن هناك وجود للفظين الاصطلاحيين مفهوما وبنقلية كاملة من الارث المعرفي السابق قبل ظهور معرف العلم المجالي إلا في الفترات الزمنية التي ظلت فيها العلوم الانسانية وتحديدا الفلسفة وعلم الاجتماع محصورة في طابعها المعرفي النظري المجرد فقط ، ومع تطور المسار التفرعي المتجدد كمجالات اختصاص اكثر دقة للعلوم عامة . . وهكذا وصولا الى لحظتنا هذه عند كتابة هذه السطور . . لا وجود هناك للفظين الاصطلاحين في كل مجالات العلوم الطبيعية والتقنية ، ولكن في مراحل تحول العلوم الانسانية من طبيعتها النظرية المجردة الصرفة الى التطبيقية المحاكية لطابع التجريبية التي تعتمدها العلوم الطبيعية والتكنولوجية ، ظلت ذات النسخية المفهومية المتناقلة منذ القديم الفلسفي لمفردتي لفظ الذات والموضوع والذاتي والموضوعي ، وحتى ظهور الاديان السماوية بكتبها المصفحة لغة ، وتكدست المعلومات المجمعة منذ تاريخ الفلسفة القديم لتنشئ علما مستقلا جديدا يعرف بعلم النفس Psychology ، كانت الافكار والتصورات المتعلقة وتخص الانسان بذاته وعلاقته بغيره من خلال معبر ملموسية السلوك الممارس – بارتكاز عاطفي محكوم بمعتقديه اخلاقية – ظهر من وقتها معبرات لفظية لغوية جديدة تحل مضايفه – أي كقرين لفظي جديد – لكل من الذات والموضوع والذاتي والموضوعي على صعيد المعرف المفهومي ، وتحديدا الذات والذاتي ، وهذه المفردات اللفظية القرينة للذات والمعدة اصطلاحيا علميا او دينيا ك . . ( النفس ، الروح ) ، أما القرينة للفظ الموضوع بطبيعته المادية المحسوسة والملموسة بمسمى العالم ، الدنيا ، ليكون قرين كل من اللفظين باعتبارهما عالما دنيويا ماديا ( فاني ) مقابل عالم اخروي ( دائم ازلي ) موعود به الانسان كوجود لا نهائي في الجنة او النار ، ويكون الانسان – بذاته المفردة - محكوما اخلاقيا بتوعد اخروي على مسألتي الايمان لمن بلغت إليهم رسالة الخالق عبر الانبياء والرسل وآمن بها او اعرض عنها ، والاخرى على مسألة العمل الصالح لمن لم تصله الاديان او من آمن بالخالق ولم يعمل بالتعاليم السماوية وغلب مصالحه الانانية وشهوات الدنيا على حساب غيره وعلى حساب الكتاب الذي اشهر ايمانه به ورضى لنفسه به دينا معتقديا .
ومع نشوء المتجه التحليلي النفسي الاكلينيكي كمسار تطبيقي مغاير لعلم النفس التقليدي النظري المجرد ، بدأ التوسيع المفهومي الجديد لمعنى مكون النفس ودلالاتها الصفاتية الخصائص على المرء وعلى طابعه السلوكي – السوي الطبيعي او المرضي الاختلالي او غير المتزن – ومع ظهور المتجه المادي لفهم معبر النفس مع بافلوف ، أي دراسة النفس او الذات الفردية من خلال السلوك والاعراض الصادرة عنها ملموسيا وذلك من خلال علم الفسيولوجيا العصبية Neuro-physiology بمعرف دراسي تجريبي مطلق عليه مسمى الاقتران الشرطي ( العام والخاص ) والموضوع كقانونين لمستقرا النفس من خلال سلوكها – التي تطور عنها المتجه التجريبي الفسيولوجي ومن ثم الطبي للنفس بمسميات مجالية دقيقة ك . . Neuro- physiology & Medical-physiology ، حيث تعرف حالات الاختلال المرضي النفسي من خلال بحث معطاها العصبي المادي العضوي ، لكل من الجملة العصبية الدماغية ، والنظامية العصبية الموجهة للسلوك والافعال ، او المبرزة للأعراض المرضية الدالة على الاختلال النفسي من جانب ، ومن جانب اخر تشاركها مع الجهاز الغدي Gland system الاختلالي المرجع إليه بالتشارك العصبي على ظهور الصفات والاعراض والسلوك المرضي ، والذي يطلق عليه علميا في المجال الطبي بالأمراض العصابية او النفسية – العصبية ، كما وفتح مجالا طبيا علاجيا وجراحيا لمعبر الذات والاكثر حداثة والمعروف بطب الاعصاب وجراحة الاعصاب وايضا الطب العلاجي والجراحي للغدد – بينما جاء لاحقا ومرافقا لتعميق مفهوم الذات بمعبر الشخصية من حيث الصفات على اساس طبي جراحي تحت مسمى طب التجميل وعلى اساس طبي تجريبي تحت مسمى الطب الوراثي للتعديل الجيني .

ومما سبق استعراضه – من أزمان تاريخ الفلسفة القديم الى اللحظة الراهنة من زمن العلوم المجالية الى المجالية الدقيقة – نستنتج حكما أن مجالات مختلف العلوم الطبيعية – خاصة البيولوجية – لا تتعاطى لفظي الذات والموضوع ومشتقيهما الذاتي والموضوعي ابدا كمفهوم قائم بذاته ، ولكن يردان اللفظان او مشتقيهما بدلالتهما اللغوية ، احيانا بلفظ صريح واخرى بتعبير ضمني ، وفي العلوم الانسانية ( كالقانون الذي يرد لفظ الذات والذاتي صريحا او ضمنيا بإشارة قصدية لمعبر الشخصية المفردة – أي الشخص – أما في علوم الفلسفة والاجتماع التجريبي و الانثروبولوجيا وعلوم السياسة فيمتزج حضور اصطلاحي الذات والموضوع ومشتقيهما اللفظي المركب على شكلي الحضور المفاهيمي المورث لنا من تاريخ الفلسفة القديمة وعلى شكل المعرف اللغوي للفظ معاصرة باستعارة من العلوم التجريبية الاخرى الطبيعية والانسانيات التجريبية والتطبيقية ، بينما في العلوم الطبية الاكثر معاصرة – العصبية والنفس – عصبية والغدية والتعديل الجيني او الجراحي التجميلي ، فكل مجال خاص منهم يتعامل مع مفردة اللفظ الخاصة به لغويا وبوفق محدودية المجال التخصصي ولا ترد فيه مقترنات الالفاظ – التي تبدو مرادفة لها – والموجودة في مجالات العلوم الاخرى – وهذا طبعا على صعيدي المؤلف العلمي البحت في مجال التخصص الدقيق او البحوث الاكاديمية العلمية المتخصصة مجالا المحكمة ، أما دون ذلك من المؤلفات او دراسات او مقالات غير محكمة – علمية او فكرية او ثقافية – عامة او خاصة او مجالية مقدمة للجميع وليست مخصصة للباحثين الاكاديميين والدارسين لمراحل التعليم العالي لما بعد درجة البكالوريوس او اللسانس ، فجميعا تتعاطي بنى الخلط بين الالفاظ . . كما لو انها على ذات المفهوم المورث عن الفلسفة تارة واخرى كمعرفات لفظية لغوية يتوهم بأنها مفهومية – وهذا الاخير كأثر معطى من اعلى النخب المثقفة العضوية والذي يتعمم اجتماعيا مشكلا طابع الوعي الاجتماعي النخبوي والعام ، والذي يكون ممتزجا بخلطيه غرائبية تسطيحية ومشوهة اكثر عند عوام الناس . . مع المعطيات اللفظية الاخرى القادمة عن الدين والموروث الاجتماعي التقليدي .

ولن اخوض في طرح توهمي – شخصي – لمغايرة المفهوم للفظي الذات والموضوع او تلك المقترنات اللفظية الاخرى من الناحية اللغوية او في إعادة بنائها على اساس استحداث مفهومي نبتكره ، فكل شيء قد تم توضيحه سابقا من خلال استقراء لحضورها عبر تاريخ المعرفة ولم يتوقف احد بعد على الخلطية الحادثة بينهم – ما سنقدمه في نهاية موضوعنا الفرعي هذا كمغايرة طرح نظري علمي – رغم وروده في مختلف العلوم ولم يتنبه له احد بعد ايضا – والمتعلق بمفهومي التقابل الجدلي بين الذات والموضوع ومشتقيهما اللفظي المركب لغويا – أي الذاتي والموضوعي – وذلك بما يعيد بناء معرف اللفظ بوجه واحد لكل من اللغوي والمفهومي .

إذن ، أكان في المورث الفلسفي والديني والعلمي الحديث والمعاصر ، فإن الذات ، النفس ، الشخصية ، الروح ، العقل ، الفكر ، الإدراك الغائي ، التخيل – ويقصد بها الانسان تخصيصا - هي معبرات معنوية مجردة غير حسية بذاتها ، ولكنها تعرف بملاحظة حسية للأعراض والصفات والطباع الظاهرة على الانسان في هيئته او من خلال سلوكه وافعاله وردود افعاله في مواقفه فيما تعود عليه بموصف الطبع او التطبع او تلك المفاجئة غير المتوقعة من قبله ، والتي تكشف ما كان عنا مخفيا كسر من الاسرار الشخصية ، التي يقاوم المرء أن تظهر للعيان فتنقص من قدره او قيمته – بصفة الفرد او الجماعة او المجتمع – بينما مولداتها المصدرية فهي مادية عضوية كالدماغ ، المخ ، الجملة العصبية ، وهي ما تجعل ناتج معبر تلك الالفاظ المعنوية غير المحسوسة بذاتها . . ملموسة ماديا – كناتج العقل او التفكير او النفس او الروح . . الخ – ومع ذلك وفق اعتقادنا لا جواز بتبادل الالفاظ على نفس التعبير المفهومي و . . حتى اللغوي .

وما يكشف عن سفسطة الجدل الفلسفي او التفلسفي العلمي لمتقابلي الذات والموضوع والذاتي مقابل الموضوعي كضدي طرف معادلة واحدة ، حيث يكون احدهما معنوي غير ملموس بذاته والاخر مادي صرف . . من خلال ما سيأتي لاحقا – ولكن بعد توضيح أن الذاتي هو معبر التابع توصيفا معنويا او بأثر مادي ( مظهري او صفاتي او اعراض او عملياتي سلوكي او فعل ) للفظ اصطلاح الذات مفهوما ، وبمثل ذات السياق للفظة الموضوعي بالنسبة لاصطلاح الموضوع مفهوما ولكن على اساس مادي صرف .
1 ) أن التفريق الضدي – المعنوي والحسي – مفهوميا بين اللفظين المتقابلين ليس إلا تمييز نسبي مدرسي تخصيصي وليس حقيقي بكامل كل منهما ، وذلك كنوع من التسهيل الوصول الى المعرفة الحقة بشكل اكثر وضوحا ودقة والمتعلقة بمختلف الموجودات بما فيها الانسان وعلاقاته مع نوعه ومع كل شيء يحيط به او يثير اهتمامه .
2 ) الذاتي المعنوي هو منتج من اصل جهاز عضوي مادي ، ويميز تعرفا من خلال متجسدات ومتجليات مادية ملموسة ناتجة عن ذلك المكون المعنوي الدلالة للفظة الذات – وعلى الجانب الاخر للفظ الموضوع ، فهو يقصد به كل مكون مادي ملموس بذاته ، والموضوعي توصيفا تابعا بمادية ملموسة او محسوسة صرفة لمفهوم الموضوع المعني ، والذي قد يكون بتدليل اثر ظاهر او خواص او سمات او اعراض او حدث او عملية او اجراء .
3 ) طالما الذات – حتى بالمعرف الديني السماوي خلقت بمكون جسدي هيكلي مادي من طين ، وزرعت في داخله بذرة معنوية وهي الروح وبمدلول النفس ، واصلها من روح الخالق ، ومع ذلك لا حديث او قول يقال عن الذات المعنوية ومثلها ألفاظ النفس والروح والعقل إلا من خلال تمظهر اثرها كفعل مادي ملموس ادراكه – وعلميا فالذات هي اشارة تدليليه لنوع الكائن الحي العضوي المعروف بالنوع البشري او الانسان ، وهو متحول عن اسلاف اولية قديمة سابقا من اصل حيواني . ومن هنا فالذات بنفسها تعد مكونا ومظهرا من الموضوع – مثلا علي يعد موضوعا بالنسبة لغيره ، وغيره هو موضوع بالنسبة له ، أكان سعيد ام محمد ام نوع حي من الكائنات او غير حي من الطبيعة او الكون – وما يعني أن الفصل التقابلي الضدي بين الذات والموضوع ليس سوى فصلا وهميا – كمدارات الارض الثلاثة ، التي لا توجد حقيقة ولكن تعد خطوط وهمية قياسية لتفريق المناخات والبيئات التضاريسية ودورات الفصول الاختلافية بين بلدان العالم ، من حيث وقوعها في المناطق الثلاث او اقترابها من حد خطوطها المفترضة قياسا .
4 ) طالما وأن هناك جوهرا مشتركا جامعا بين الذات والموضوع ، وطالما أن الموصف التابع لكل منهما ذات جوهر مادي ملموس ، فإن ما هو ذاتي كأثر ملموس يصبح متحولا مع الوقت الى صفة وطبيعة الموضوعية ، والعكس صحيح ، فكل موضوعي كان بالأمس متحول اليوم او غدا – بمفهوم تاريخي وليس توقيتي ضيق – الى ذاتي في صورة طبع او تطبع في الانسان ( الفرد ، المجموعة او المجتمع او العالم البشري ) – وهنا يقودنا هذا الاخير بلا معنى لمبحث جدلية الاسبقية بين الذات والموضوع او من يعد هو الاساس الحاكم منهما ومن هو التابع ، فطالما انهما متحولان عن بعضهما ويتبادلان قوة فعل التأثير الاشتراطي على الاخر – وهذا ما يطبع حركة مسار التاريخ البشري مبني جوهرا على مبدأ وقوانين التغير ، حيث يكون تارة الشرط الموضوعي هو الحاكم ويكون الذاتي تابعا ، ما يطبع التغير بالسمة الموضوعية ، والعكس صحيح ، حين يكون الشرط الذاتي وضعيا فارضا نفسه ويكون الموضوعي تابعا ، فإن التغير يكون حتما مطبوعا بالسمة الذاتية التي احدثت فعل التغير وجعلته حقيقة واقع ملموس تاريخيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب