الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طنطا … تصدحُ شِعرًا … وتشدو مددًا

فاطمة ناعوت

2022 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"قرطبة" الإسبانية وليس العاصمة "مدريد"، "روتردام" الهولندية وليس العاصمة "أمستردام"، "جَرَش" الأردنية لا العاصمة "عمان"، “بابل” و"مربد البصرة" العراقية وليس العاصمة "بغداد"، “دهوك” و"السليمانية" الكردستانية وليس العاصمة “أربيل”، "فالينسيا" الفنزويلية وليس العاصمة "كاراكاس"، "أصيلة" المغربية، "قرطاج" التونسية، "الشارقة الإماراتية، "مديين" الكولومبية، ثم "طنطا" المصرية، جميعُها مروجٌ خضراءُ تستقبل طيورَ الشعر المهاجرة الهاربة من ضجيج العواصم لكي تحطَّ رحالَها هادئةً غير مذعورة من الياقات العالية المنشّاة. هكذا يتوقُ طائرُ الشِّعر أن يحلِّقَ بعيدًا عن صخبِ العواصم الرسمية، ويفرَّ إلى وهادِ المدن الهادئة ليحطَّ على أشجار مطمئنة تستجيبُ أوراقُها لإيقاع النسيم الخافت؛ فيتجلى صدحُه ويصفو شدوُه. هنالك يهمسُ لي عصفورُ الشعر ويبوحُ بسرِّه وهو يلتقطُ القمح من قلبي: “أنا هنا آمنٌ، أنا هنا حيثُ أنتمي." ثم يضعُ الشدوَ على لساني قصائدَ وفرحًا. في كل مرة ألقيتُ فيها قصائدي في مدينة من مدن العالم بعيدًا عن العواصم، كنتُ أغارُ على بلدي مصرَ، وأتوقُ لأن يكون لمصرَ مهرجانٌ شعريٌّ عالميٌّ عالي الصوت شاهقُ المقام، يجتذبُ شعراءَ العالم من بلادهم إلى حيثُ المدن والقرى المصرية الجميلة. وكان "مهرجان طنطا الدولي للشعر"، الذي شرفتُ بالمشاركة في دورته الثامنة ٢٠٢٢ قبل أيام. الشاعر الإعلامي "محمود شرف" مؤسسُ المهرجان ومديره، صدّقَ الحُلمَ، فصدّقَه الحُلمُ؛ وتحقق بين يديه. كان يحلم بأن يتحرّرَ طائرُ الشعر من إسار الغرف المغلقة إلى رحاب الشوارع والساحات والمدارس والجامعات والقرى والنجوع حتى يصلَ إلى الناس. ودائمًا الناسُ في انتظار الشعر. لا تصدقوا أن الناسَ عازفةٌ عن سماع الشعر. فقط الناسُ لا تجدُ الشِّعرَ ولا تعرفُ طريقَها إلى قاعاته السرية المغلقة. في واقعنا المصري كثيرًا ما يُعامَلُ الشِّعرُ معاملةَ "الخطيئة" أو “الجريمة”. يتمُّ في أماكنَ سريّةٍ لا يعرفُها إلا مرتكبو الجريمة: الشعراء! لا يُنّوّه عن مواعيد فعالياته وأماكنها، اللهم إلا على استحياء على صفحات الشعراء أنفسهم. وحتى الإعلامُ الراكضُ بجنون وراء أخبار الجريمة، يتغافلُ عن الإعلان عن "جريمة" الشعر!! فلسفةُ أن يذهبَ الناسُ إلى الشِّعر، فكرةٌ قديمة متعالية لا تليقُ بمقام سلطان الشعر الكريم. ولماذا لا يذهبُ الشعرُ إلى الناس؟! لا يليقُ بالشعر أن يظلَّ حبيسَ القاعات المغلقة حيث منتجُ الشعر هو مستهلكُه. أرادَ الشاعرُ "محمود شرف" أن يُحرّر جناحي الشعر لكي يطير إلى حيث يريدُ ويحطَّ على أيكاتٍ لا تعرفُ القيود. وقبل سنواتٍ ثمان غرس فكرتَه الطيبةَ في تربة الوجود، وظل يرويها عامًا بعد عام حتى صارت شجرةً وارفة يتوقُ شعراءُ العالم أن يحجّوا إليها ويستظلّوا بظلالها، حاملين معهم طيورَ قصائدهم، لتنطلق في مدينة "طنطا" ذات السَّمت الروحاني الآسر. استنبت "محمود شرف" مع زملائه الشعراء الذين آمنوا بحلمه، محارةً تحتضنُ لؤلؤةَ الشعر التي راحت تكبر عامًا بعد عام حتى صار بريقُها يُشعُّ في أرجاء العالم.
لا أجد كلماتٍ بوسعها أن تعبر عن حجم الدفء والفرح والثراء الذي حصدتُه مع زملائي الشعراء من تلك الأيام الأربعة في مهرجان طنطا. نشكركم على كل هذا الجمال والبهاء والسخاء. أشكرُ فرسانَ المهرجان من الشعراء الرائعين الذين قدّموا لنا الحلم في ثوبه الثامن: محمد سامي، محمد عزيز، هاني عويد، سماح مصطفى، زهرة سامي، والشباب المتطوع الجميل الذين يسّروا لنا كل الأمور اللوجستية قبل وطوال أيام المهرجان. شكرا للهيئة المصرية العامة للكتاب ولجميع الرُّعاة الذين رعوا مهرجانًا جميلا واعدًا للشعر يعلو باسم مصر العظمى. شكرا للمركز الثقافي لمدينة طنطا الذي استضاف حضورنا على مسرحه الأنيق في الافتتاح والختام. والشكر الجزيل لعمداء وأساتذة كليات الآداب والتربية بجامعة طنطا، ودار الكتب، والمدارس، وجميع الأماكن التي استضافت قصائدنا في مدرجاتهم العامرة. شكرًا لفرقة طنطا للموسيقى العربية والمايسترو "محمد حسين"، والمطربين الذين أشرقوا في حفل الافتتاح، وشكرًا لفرقة التنورة التراثية، التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة،التي أبهرتنا في حفل الختام بعرضها الصوفي المدهش. شكرًا لجموع الشعراء الذين جاءوا من جميع أنحاء العالم ليشاركونا عُرسَنا الثقافي الأدبي الراقي في طنطا البهية. وشكرا لشجرة الشعر الوارفة التي تجمعنا دائمًا تحت مظلتها وتُسقط علينا أوراق العشق وندى الجمال. والشكر أولا لمدينة "طنطا" التي انتصرت للشعر الذي يتنكّر له غيرُها. وكل الامتنان لإدارة المهرجان التي رحّبت بمرافقة ابني "عمر"، الذي قرأتُ السعادةَ في عينيه وهو يُنصتُ إلى القصائد، وهو يشاهدُ العروض الفنية الساحرة، وأخيرًا وهو يضع يديه على مقام "السيد أحمد البدوي" هامسًا: “اللهم اشفني واشفِ كل مريض.”
               ***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و