الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثلية وحقوق الإنسان

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 11 / 13
حقوق مثليي الجنس


هناك إشاعة قديمة مفادها أن الله شعر بالوحدة والملل ذات يوم في سمائه البعيدة، وبعد عدة محاولات تمكن من صناعة مخلوق عجيب يختلف عن الملائكة وعن والجن والشياطين الذين كانوا يملؤون السماء في ذلك الوقت، وهذا المخلوق الجديد هو السيد آدم بلحمه ودمه، خلقه الله من الطين ليخدمه ويشاركه الحديث من حين لآخر وليقص عليه الحكايات. ولكن السيد آدم نفسه بدأ يشعر بالملل والوحدة، ويبدو أنه لم يتمكن من التفاهم مع الخلوقات النورانية ولا النارية المتواجدة والتي تتسكع على أرصفة السماء بدون هدف محدد، وكان يهيم وحيدا في الجنة من الصباح إلى المساء دون أن يقابل أحدا ودون أن يكلم أو يلمس أي مخلوق ثم يعود في الليل لينام وحيدا في مغارته. وعندما رأى الله حزنه وغمه أشفق عليه، فأخذ ضلعا من صدره - من صدر آدم ـ وصنع منه السيدة حواء لتؤنسه وتبعد عنه شبح الوحدة وتصاحبه في جولاته بين الحقول والأشجار والحدائق الوارفة الظلال ولتدفئه في الليالي الباردة. وتضيف الإشاعة بأن الله خلق الرجل والمرأة ليتزاوجوا ويكونوا أسرة وينجبوا العديد من الأطفال ليتكاثروا ويعمروا الأرض بذريتهم، ليعبدوا الله ويسبحوا بحمده، فالله، كائن مصاب بعقدة العظمة، لا يستريح ولا يأتيه النوم قبل أن يسمع إسمه ملايين المرات يتردده على شفاه أبناء وبنات آدم، وقبل سماع صلوات عبيده وتضرعاتهم وشكرهم له على منته العظيمة بمنحهم الحياة والرزق .. إلخ. وحتى قبل ظهور نظرية التطور، فإن العديد من الآدميين اكتشفوا عدم مصداقية الإشاعة، وأن الأسطورة لا قيمة لها أكثر من كونها خرافة نقصها أونرويها للأطفال للتسلية ولقتل الوقت. ولكن كما هو دائما في هذه الأحوال هناك من يصر على تصديق الإشاعة ونشرها بين الناس، وهذا في حد ذاته ليس المشكلة، فهناك المئات من الإشاعات التي تظهر وتختفي كل يوم، المشكلة أن هذه الإشاعة أصبحت بعد عشرات القرون من تكرارها، شيئا يشبه الحقيقة وفقدت جانبها الأسطوري، والمشكلة الأخرى الأكثر إزعاجا أنه حسب هذه الخرافة لا نستطيع أن نتزاوج إلا بين آدم وحواء، لأن الله خلقهما لهذا السبب، وممارسة الحب أو الجنس بين رجل ورجل آخر أو بين إمرأة وأخرى يصبح شذوذا عن القاعدة ويدخل في باب التحريم ومن ثم العقاب في الدنيا بالضرب والإهانة والسجن والتعذيب وربما القتل من قبل السلطة الدنيوية، وبالحرق في نار جهنم بيد الله نفسه وأزلامه في الآخرة. وهؤلاء الناس بطبيعة موقفهم تجاه هذه الأسطورة ونتيجة توقف العقل عن القيام بمهمته الأساسية في التفكير، لا يدركون الوضع الحقيقي للإنسان الذي يريد أن يمارس حريته الأساسية في الإختيار لمن يريد أن يقضي حياته معه، فليس هناك للإنسان الحر أي قانون أخلاقي، طبيعي أو إلهي أو من سكان كوكب المريخ يمنعه من أن يحب ويمارس الجنس ويقضي حياته مع رجل آخر إذا كان رجلا أو مع إمرأة إذا كان هذا الإنسان إمرأة، لأن هذا الأمر أساسا لا يتعلق بالأخلاق ولا بالخير أو بالشر. إنه ممارسة لحرية الإنسان الأساسية في إمتلاك جسده وأعضاءه وحواسه ورغباته ولذاته مهما كان نوعها وغرابتها بالنسبة لعامة الناس، ما دامت ناتجة عن رضى ورغبة الطرفين في هذه الحياة. غير أن إدانة المثلية الجنسية لا تنحصر في عملاء القوى الإلهية الغيبية فقط وإنما تشمل المجتمع الرجالي بكافة أطيافه، ويشمل حتى الذين يدعون مقاومة الإستعمار الديني من قوى معتدلة وعلمانية ومستنيرة ويسارية، كما هو الحال فيما يتعلق بحرية النساء وحقوقهن. ذلك أنه توجد إشاعة أخرى مفادها وجود ما يسمى بالطبيعة البشرية، وأن هذه الطبيعة تجعل الرجل رجلا والمرأة إمرأة وتحتم على الرجل أن تثيره المرأة وتشعل في جسده حريقا من النار والشبق لمجرد أن يرى قطعة من لحمها، وأن المرأة تتجه غريزيا للرجل وعضلاته المفتوله وشعر ذقنه أو لحيته. وهذه الطبيعة البشرية لا يمكن تغييرها أو تفادي نتائجها، فالرجل الذي لا تثيره النساء جنسيا هو رجل شاذ إن لم يكن مريضا ويحتاج للعلاج، والمرأة التي لا يثيرها الرجال مهما نفخوا صدورهم هي بدورها شاذة أو باردة أو مثلجة جسديا وتحتاج إلى طبيب ليوقظ في جسدها رغبة الرجال وغريزة الأمومة. إن الإيمان بوجود طبيعة بشرية أو فطرة أو غريزة بشرية، هو نتيجة مباشرة للإيمان بوجود مصنع إلهي صنع فيه "البروتوتيب" الأول وهو السيد آدم الذكر، أما إذا تركنا هذه الإشاعة لمصيرها الطبيعي كإشاعة ونظرنا للإنسان كوعي في تطور وتغير مستمر، فإنه لا يوجد أي سبب طبيعي يحصر العلاقات والحب واللذة الجنسية بين المرأة والرجل ويمنع كل الممارسات الأخرى. ومن المفارقات العجيبة، أن هؤلاء المؤمنون بالطبيعة البشرية، يصرون على أن تطبق هذه الطبيعة بقوة القانون الإلهي وبقوة السلاح، ويطلبون من الدولة أن تقوم بهذا الدور، ولم يتسائلوا لحظة واحدة أن اللجوء إلى القوة والقمع والإرهاب هو وحده دليل كاف عن عدم مصداقية فكرة الفطرة والغريزة والطبيعة البشرية. فمن الطبيعي أن يأكل الإنسان ويشرب وينام ويفرغ فضلاته .. ولا أحد يفكر في فرض هذه الأشياء الطبيعية - التي نشترك فيها مع كل المخلوقات الحية ـ بقوة السلاح أو فرضها بالقوانين. فممارسة الحب لم تعد من الممارسات الغريزية والفطرية، لأن الإنسان له العقل والتفكير والحب والعلاقة مع الآخر، فنحن نعرف اليوم أن الإنسان لم يعد يمارس الجنس من أجل إنجاب الأطفال بطريقة أوتوماتيكية كما تفعل القطط والأرانب، وإنما من أجل غرض وهدف أكثر سموا وأكثر إنسانية، وهو الحب وممارسة الحياة مع الآخر بغض النظر عن هويته الجنسية لخلق مجتمع يخلو بتاتا من التفرقة بين المواطنين لأي سبب كان. ونعرف أيضا أن المجتمع الرجالي هو الذي يكون ثقافيا وإيديولوجيا الرجل كرجل والمرأة كمرأة بواسطة أجهزة ومؤسسات متعددة كالأسرة والدين والتربية والعادات والتقاليد البالية وكذلك الإعلام والمدارس والجامعات والمساجد والأدب وغيرها من أجهزة صناعة الإنسان ليتطابق مع البروتوتيب الثقافي والديني الذي لا يوجد في حقيقته إلا في مخيلة السلطة الرجالية الفحولية. وكل هؤلاء الذين يحاربون أجسادنا وحريتنا في التصرف فيها كما نشاء، هم بكل بساطة يريدون إقالة العقل والفكر وعودة الإنسان إلى حيوانيته الأولى لكي يعيش حسب الغريزة كالماعز والأبقار.
غير أن هناك من يرى أن المثلية الجنسية ليست مشكلة أساسية أو رئيسية في مجتمعاتنا ولا تخص إلا أقلية بسيطة من الشباب والشابات المنتمين عادة للبرجوازية والطبقات المترفة، ولذلك فإن طرح هذه القضية على الساحة الفكرية والثقافية في هذه الظروف لا يمكن أن ينظر إليه إلا كنوع من الإستفزاز وإثارة المشاكل في مجتمع ممتلئ حتى الحافة بالمشاكل والعقد النفسية والإجتماعية ولا تنقصه المواضيع المثيرة لردود الأفعال العنيفة. وحسب رأي البعض الأخر فأن المشكلة هي حرية التعبير والتمثيل الديموقراطي وتطبيق القانون، متناسين أن كل الدول العربية والإسلامية تتبنى قوانين رجعية ودينية تحرم المثلية وتحكم بالسجن أو الجلد أو الإبعاد وأحيانا بالموت على المثليين والمثليات، وهذه قوانين جائرة ويجب تغييرها وليس تطبيقها، غير أن الديموقراطية، حسب رأي هؤلاء، هي تطبيق إرادة الشعب، فإذا كانت غالبية الناس تدين المثلية، فالأقلية يجب أن تخضع لقانون الأغلبية، ذلك أن المجتمع الذي لا يسمح بالحب ولا يسمح بأن يمسك الشاب أو الشابة بيد صديقه أو صديقته في الشارع هو مجتمع لا يمكن أن ينتج إلا قوانين جائرة وغير عادلة في نظر الأقلية، وفي النهاية فإن تغيير المجتمع لا بد أن يتم تدريجيا وعلى خطوات ولا يجب التسرع وإرعاب الناس وتخويفهم بطرح أفكار متطرفة وبعيدة عن إهتماماتهم وهمومهم اليومية.
بطبيعة الحال، المجتمع الذي لا يؤمن بحرية الآخر والذي تحكمه العادات والتقاليد وشريعة قريش لا يمكن أن يتخيل قوانين تزلزل معتقداته وما تعود عليه منذ عدة قرون، ولكن في نفس الوقت، الحرية لا تتجزأ فهي حرية الجميع أو لا حرية لأحد. بالإضافة أن المثلية ليست رأيا أوإعتقادا وإنما ممارسة وحرية أساسية لإمتلاك المواطن لجسده وحرية التصرف فيه كما يشاء، وهذا لا يمكن أن يخضع لقوانين الأغلبية والأقلية. هناك مفاهيم وقيم إنسانية عامة ملخصة فيما يسمى بوثيقة حقوق الإنسان، وهذه القيم والمبادئ لا تخضع للرأي الشخصي للأفراد أو الجماعات ولا تخضع للإستفتاء او التصويت، الحق في الحياة الكريمة والحق في حرية التعبير والإعتقاد والحركة والحق في العلاج والتعليم والعدالة والحق في تكلم لغته وممارسة ثقافته .. إلخ هي حقوق أساسية غير قابلة للتجزئة أو المساومة. ففي الديموقراطيات المعاصرة، رأينا الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، عندما وصل إلى السلطة سنة 1981، أول ما قام به هو إلغاء عقوبة الإعدام، رغم أن أغلبية المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت كانت مناهضة لفكرة الإلغاء، ولكنه أتخذ هذا القرار بصفته رئيسا للدولة الفرنسية ومسؤول عن هويتها الثقافية والإنسانية ودستورها يسمح له بإتخاذ مثل هذا القرار، لأنه قرار عام ويتعلق بحقوق الإنسان العامة ولا يدخل في مجال العلاقات الإجتماعية. بينما في 2013، كان لا بد من موافقة البرلمان الفرنسي على القانون الجديد الذي يسمح بالزواج بين المثليين والمثليات، لأنه قانون يتعلق بالأحوال الشخصية والأسرة والأطفال والميراث إلخ، ولابد من إتفاق الجميع على ضرورته أو عدم ضرورته، وقد صدر هذا القانون لأن المجتمع الفرنسي كان جاهزا لتقبله والتصويت عليه بالإيجاب ( 52٪ مع القانون 43٪ ضد القانون 5٪ بدون رأي محدد، حسب إستطلاع مجلة الإكسبرس بعد التصويت على القانون ) وذلك لأن حرية المثليين والمثليات مضمونة أساسا في الدستور الفرنسي وليست محلا لرأي الأغلبية أو الأقلية كما هو الحال فيما يتعلق بمؤسسة الأسرة والزواج.
وفي هذه الحالة، فإن إثارة هذا الموضوع والذي لا يخص الأقلية المثلية فقط، هو ضرورة ملحة وحتمية لخلق مجتمع جديد مبنى على إحترام الآخر مهما كانت توجهاته الفكرية أو الدينية أو شكله أو لغته أو جنسه، مجتمع مبني على العقل والحوار والحياة الآمنة الخالية من الرعب والخوف. وإذا كان المجتمع العربي الإسلامي لا يتقبل هذه الفكرة الآن، ولكي تصبح إمكانية قابلة للتحقيق غدا - أقصد بعد عشرين أو ثلاثين عاما- فلا بد من البداية الآن وطرح أساسيات المجتمع الذي نريده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا