الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 125

ضياء الشكرجي

2022 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فَاستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثى بَعضُكُم مِّن بَعضٍ فَالَّذينَ هاجَروا وَأُخرِجوا مِن دِيارِهِم وَأوذوا في سَبيلي وَقاتَلوا وَقُتِلوا لأُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئاتِهِم وَلَأُدخِلَنَّهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ ثَوابًا مِّن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوابِ (195)
وفي هذه الآية يتبين من هم المقصود بهم في الآيات التي قبلها، والذين نعتوا بأنهم أولو الألباب، ألا إنهم المسلمون الذين تبعوا محمدا، لأنهم هم «الَّذينَ هاجَروا وَأُخرِجوا مِن دِيارِهِم وَأوذوا في سَبيلِ [الله حسب اعتقادهم] وَقاتَلوا وَقُتِلوا [ولذا حسب عقيدتهم ليُكَفِّرَنَّ الله] عَنهُم سَيِّئاتِهِم وَ[ليُدخِلَنَّهُم] جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ ثَوابًا مِّن عِندِ اللهِ». ومن الناحية العقلية المحضة، وإذا ما سلمنا بوجود الله، إلها عادلا رحيما، فلا بد من أن يصح قول «وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوابِ». لكن الإيمان العقلي لا يبتّ في كيفية الثواب أو التعويض، ولا في كيفية العقاب أو العتاب أو الحرمان من الثواب، فمواصفات الثواب بالجنة وكل ما فيها هي من خيال مبتكري فكرة الدين، اقتبس بعضهم من بعض، وزاد بعضهم أو نقص أو نقح بحسب تصوره هو.
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذينَ كَفَروا فِي البِلادِ (196) مَتاعٌ قَليلٌ ثُمَّ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهادُ (197)
قلنا آنفا أنه تبين أن المقصودين بأولي الألباب المستحقين للثواب في جنة الله، هم المؤمنون بمحمد حصرا، ولذا فالذين كفروا، أي الذين لم يؤمنوا بمحمد وبالإسلام والقرآن، فمهما بدى ممن بدى منهم بسلوكه ما يستحق الثناء والاحترام والود، تأتي هذه الآية لتقول للنبي «لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذينَ كَفَروا فِي البِلادِ» أي لا تغتر بهم يا محمد، ومهما وجدتهم ذوي أخلاق حسنة، ونزعة إنسانية، ومنطق بليغ، وحكمة، وذكاء، ووجاهة اجتماعية، مما يثير الإعجاب، فما داموا لم يؤمنوا بك، فلهم «مَتاعٌ قَليلٌ [في الحياة الدنيا] ثُمَّ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهادُ»، فالمعيار عند الله، حسب ما يصوره القرآن هو الإيمان بالإسلام. وطبعا في هذه الحالات، كما هو الأرجح، نجد الناطق عن الله والمخاطب به خطاب الله هو ذات الشخص، وهو مؤلف القرآن. وقلت على الأرجح لأننا لا نعلم أي من النصوص القرآنية جاء بها نبي الإسلام نفسه، وأي منها يمكن أنه أضيف إلى القرآن عند الجمع، أو في مراحل لاحقة والنسخ في القرنين الأول والثاني للهجرة.
لاكِنِ الَّذينَ اتَّقَوا رَبَّهُم لَهُم جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها نُزُلًا مِّن عِندِ اللهِ وَما عِندَ اللهِ خَيرٌ لِّلأَبرارِ (198)
إذن المتقون المعبر عنهم هنا بعبارة «الَّذينَ اتَّقَوا رَبَّهُم»، إنما هم الذين «لَهُم جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها نُزُلًا مِّن عِندِ اللهِ»، ونعرف إن منزلة التقوى حسب القرآن هي منزلة فوق منزلة الإيمان، والإيمان منزلة فوق منزلة الإسلام بمعناه الفقهي وليس العرفاني، وبذلك فشرط أن ينعت المرء متقيا أن يكون قبلها منزلة استحقاق أن ينعت مؤمنا، وشرط أن يبلغ هذه المنزلة أن يكون قبلها مسلما، أي أن يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإن كانت مفردة الإسلام والمسلمين ترد في القرآن أحيانا بمعناها العرفاني أن يكون الإنسان مسلما أمره، أو مسلما وجوده، فكره وعواطفه وسلوكه ونيته لله وحده، ثم هناك درجة فوق درجة التقوى ألا هي درجة البرّ، ولذا فالأبرار لهم من نعيم الجنة ما هو خير مما للمتقين، وللمتقين ما هو خير ما للمؤمنين، وللمؤمنين ما هو خير لعامة المسلمين، من هنا ختمت هذه الآية بقول «وَما عِندَ اللهِ خَيرٌ لِّلأَبرارِ».
وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُّؤمِنُ بِاللهِ وَما أُنزِلَ إِلَيكُم وَما أُنزِلَ إِلَيهِم خاشِعينَ للهِ لا يَشتَرونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَنًا قَليلًا أُلائِكَ لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم إِنَّ اللهَ سَريعُ الحِسابِ (199)
استنادا إلى هذه الآية قد يُرَدُّ على ما ورد في تفسيرنا لما جاء في الآية التي قبلها، إذ تمتدح الآية فريقا من أهل الكتاب، وليس كل أهل الكتاب، بدليل (من) التبعيضية، وهذا أمر طبيعي وصحيح، إذ الخطأ هو تعميم حكم ما على قوم، سواء كان حسنا أو سيئا. وطبعا لا يستحق الثناء مثل هؤلاء، إلا لأنهم إضافة إلى إیمانهم بِاللهِ [...] وَما أُنزِلَ إِلَيهِم»، قد آمنوا أيضا بِـ«ما أُنزِلَ إِلَيكُم» أي إلى المسلمين، وهم علاوة على كل ذلك «لا يَشتَرونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَنًا قَليلًا»، وحيث إن الآية وجمعها الآيات ترد في القرآن بعدة معانٍ، فالأرجح حسب سياق الآيات إن المقصود بها هنا آيات القرآن، خاصة لأنهم آمنوا بأنه منزل من الله، كما تدل العبارة قبلها في نفس هذه الآية. ألا يعني ذلك إن الاستثناء لهذا الفريق من أهل الكتاب، هم الذين اقتنعوا بالإسلام وتحولوا إليه من دينهم السابق، سواء كانوا من قبل يهودا أو نصارى حسب نعت القرآن؟
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اصبِروا وَصابِروا وَرابِطوا واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ (200)
الآية الأخيرة من سورة آل عمرا هذه جاءت مقطوعة عما قبلها، فهي تدعو المسلمين للصبر والتصابر، أي أن يصبّر بعضهم بعضا، وللمرابطة، وهو مصطلح استخدم للثبات في الحرب، ثم تختم بالدعوة للتقوى، وبعد كل هذا لعلهم يفلحون، وليس من ضمان أن يكونوا من المفلحين. لماذا يا ترى، بينما كل هذه الصفات، حسب معايير القرآن تستوجب أن يكون هؤلاء يقينا من المفلحين؟ ربما لأن مؤلف القرآن قد توقع ألا يبقى كل واحد منهم على طول الخط ثابتا في إيمانه بالإسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لم يقل لنا المسيح إن العين بالعين-.. -أسقف سيدني- يسامح مها


.. رحيل أبو السباع .. 40 عاماً من إطعام زوار المسجد النبوي




.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام