الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية تأشيرة السعادة : الجزء الثالث والاخير

صبيحة شبر

2022 / 11 / 14
الادب والفن


الجزء الثالث
(57)
تصلين الى بغداد في ليلة الامس ،وشعور بالخوف يستبد بك ، كيف ستعودين الى بيت اسرتك وانت بمفردك ، كان بهاء يصحبك في زيارتك بعد ان اخبرتهم انك ذهبت الى المحكمة وسجلت عقد الزواج ، أقاموا لك حفلا كبيرا حضره الفقيه الذي عقد لكما ، وكعادة منطقتكم ، يعقد اولا من قبل رجل الدين ثم يذهب الزوجان الى المحكمة مع شاهدين ليعقدا ، هكذا جرى العرف ، ا من يريد الزواج يجب ان بتم اشهاره حسب قول الرسول الكريم ليعرف الناس انكما متزوجان ولا يظنان بك الظنون ، ذم يذهب الزوجان الى المحكمة للحصول على زواج مدني يحفظ الحقوق ، ولكن توصية ابيك لك لم تتحقق ولم تنفذ نصيحة امك ، اقام لك ابوك حفلا كبيرا دعا له الاصدقاء والمعارف حين اخبرته انك ذهبت الى المحكمة ، ومن كان يدريك انك ستحصدين الندم بعد ان زرعت بذور التنازل عن حقوقك ، صدقت بمزاعم بهاء انكما سوف تذهبان في الصباح الى المحكمة وهذا الوعد طال امده ولم يتحقق ، واقمتما في منزل الزوجية وانتما لا تملكان عقد الزواج ، الخوف اخذ يتملكك بمرور الايام ، وانت تؤخرين فرحة كل امرأة ان تكون اما ، وتلحين على بهاء ان ينفذ وعده ، والأيام تمضي ، تبلعين حبوب منع الحمل دون ان تخشي على صحتك ، تعودين اليوم الى منزل ابيك والمرارة تجتاحك وشعور بالهزيمة يستبد بك ، قد خدعك بهاء وخسرت كل شيء ، الحب والكرامة ، تستقبلك امك بترحاب ويأتي ابوك باشا ولا يسالك احدهما عما الم بك وما هي الاسباب التي دعت بهاء الى تطليقك وانت لم تقترفي ذنبا ، وكنت تدللينه طيلة بقائكما معا ، لم ترغبي ان يوجه لك سؤالا عن الاسباب التي تجهلينا ، تحبين الان ان تمر ايامك بسلام والا يرغمك احد على العودة الى بهاء الذي كثرت توسلاته لك حين وجدك مصرة على الفراق ، رغبة واحدة تأملين ان تصلي اليها وهي رؤية العزيز غانم جليل الذي تعلمت منه كيف تعامل الناس بحب وتقديرـوكيف يجب ان يعامل الرجل المرأة التي تشاركه الحياة ، رقم هاتفه معك وسوف تتصلين به غدا ، لتطمئني عليه ، ليلتك هذه يجب ان تمر بهدوء ، ليس في طاقتك ان تبدد قواك وان يذكرك احد انك تنازلت عن كل الحقوق ، يزورك جيرانكم القدامى الذين كانت ابنتهم صديقة لك قبل ان تتزوجي ، ثم انقطعت اخبارها قبل ان تنتقل الى بيت زوجها في محافظة البصرة وغابت اخبارها عنك ، وتسمعين من اسرتها انها بخير تنعم بما يقدمه لها زوجها وهي ربة منزل لم ترهق نفسها بالأعباء الاقتصادية بالإضافة الى المهام التي تتحملها كل امرأة متزوجة ، رقم غانم جليل في يدك هل تتصلين به الآن ؟ أليس الوقت متأخرا ؟ وانت لا تعرفين اين يقيم ؟ تتوقين الى سماع صوته ولكن خشيتك ان تسوء نظرته اليك تمنعك من الاتصال ، من المؤكد انه يقيم في بيت احد اصدقائه او في احد الفنادق ، ومع الاصدقاء تكثر الاحاديث ويطيب السهر ، فلتؤجلي الاتصال بصديقك الى الغد ولتنامي بهدوء هذه الليلة فقد أرهفتك الحياة ، ومرت بك متاعبها ثقيلة وعرة وانت يتوهمك الناس تنعمين بأحضان بهاء الذي صمم الا يريك لحظة سعيدة ، وأصر ان تشربي العلقم حتى ثمالته ... ذهبت امك الى النوم بعد ان وجهت لك بعض الأسئلة :
- لماذا طلقك بهاء ؟
- لماذا لم ينتظر حتى تعودا الى وطتكما ؟
- كل الناس يعرفون انك زوجة متفهمة لم تطلب شيئا من زوجها ، لماذا تنكر بهاء لكل ما قدمته له ؟
- لم نحبر احدا انك مطلقة ، هل انت من يقوم بإخبار الاصدقاء والمعارف ؟
- لا تحزني مما اصابك فالدنيا لا تأتي طيبة كما يأمل الناس ...
- يا لك من سيئة الحظ ، رغم صفاتك المميزة يتركك زوجك وحيدة في بلاد الغربة ..
تعرفين ان اسرتك تقدم لك الحب امك وابوك يساهمان في اسعادك ، سوف تعودين غدا الى عملك، انتهت الاجازة التي حصلت عليها لتسافري الى جزيرة السعادة ، سوف تتصلين بالأستاذ غانم ثم تهرعين الى عملك وانت تشعرين بان السعادة سوف تزورك ..لم يضيق عليك ابواك في أسئلتهما كما توقعت ، ومضت ليلتاك في بغداد وانت بعيدة عن الأسئلة التي تتضمن الشك ..

(58)
محمود يعود الى بيته ، يجد زوجته المحبة تنتظره مرحبة بعودته ، فهي كعادتها من يقوم بكل الاعباء التي تتطلبها الحياة ، تشتري وتنظف وتطبخ وتذهب الى عملها ، ولم تعرف الشكوى طريقا اليها ، فهي ترسم ابتسامة الرضا على وجهها الهادئ وتنظر الى احداث الدنيا بتفاؤل من لا يرى ان الايام تتكرر ، بل تجد ان مرارة الحياة سوف تزول وتأتي بدلا عنها ورود الجمال ، وان الحياة جميلة لمن يكافح من اجل ان يرى وجهها الباسم ، وعاد بهاء الى بيت الزوجية الذي اثثته دلال وصرفت عليه من تعبها وجهدها ، لكن كل شيء في المنزل يحتاج الى تجديد ، المولدة يجب ان تدفع اجرتها فقد كان مسافرا وها هو يعود وعليه ان يتنعم بالهواء المنعش الذي يخفف من حرارة الضيف القائضة في بغداد، وأجرة المنزل قد دفعت لها دلال ثلاثة شهور مقدمة وعقد الايجار ينص على دفع كل اربعة شهور دفعة واحدة ، وحين سافرت دلال مع زوجها بهاء كانت قد دفعت الاجرة لأربعة شهور ، سوف يبقى بهاء في المنزل الذي تعبت عليه دلال وتركته له ، ولكن من اين يأتي بالنقود ليدفعها لأبيه المريض ، الذي اعتاد ان يدفع له ابنه كل شهر مائة وخمسين الفا من الدنانير العراقية ، وقد لا يعلم الاب من اين اتت النقود التي يعطيها بهاء له وانها ليست من جيبه ، وانما أتى بها من دلال التي تحب اباه وتعتبره ابا ثانيا لها ، وتساعده كل شهر اكراما لابنه ، ولكن اين يذهب الاب بالنقود وله راتبه التقاعدي ؟ دلال لا تعرف حقيقة هذا الامر ، وبهاء لم يخبرها ، وهي لم تسأل ، كانت ترسل النقود مع بهاء دون ان تستفسر عن نواحي الانفاق التي تجعلها تخسر كل شهر مائة وخمسين ....بهاء لا يدري نفسه عما يجب عليه ان يفعله والنقود التي معه تكاد ان تنفذ ، ودلال تصر على عدم العودة له بسبب سوء معاملته واراد ان يعيدها الى عش الزوجية المزعوم ولكن دون جدوى ، ذهبت توسلاته ادراج الرياح .. ارسل اخته لتتحدث معها وتقنعها على العودة ولكن الاخت ايضا لم تجد اذانا صاغية ، لقد ورم قلبها مما رأته منه من معاملة قاسية كما اثار سخطها ما حملها من اعباء اقتصادية ارهقت نفسها وجعلتها تئن من اوجاع لا قبل لها بمواجهتها ، تقول سهى اخت بهاء :
- لماذا تصرين على الطلاق وزوجك يريد التمسك بك ؟
- لم اصر انا بل هو من رغب ان نتفارق !
- لم يرغب .... هو حريص على علاقتكما ، والا ما كان ارسلني للتحدث معك ! واين وثيقة الطلاق ؟ يقول انك مزقتها !
- بهاء من مزق الوثيقة .
- انت كاذبة ! لماذا يمزقها ؟
- وجهي سؤالك لأخيك !
- طلب مني ان اتكلم معك وقال انه لا شيء يدعوك الى طلب الانفصال فهو زوج مثالي وانا اعرف اخي !
- هل يحتفظ أخوك بوثيقة زواجنا ؟
- بالطبع .. هو حريص على دوام العلاقة ولكنك انت من ترفضين ! فكري جيدا بالأمر ولا تتعجلي !
تغادر سها منزل اسرة دلال ، فتوجه امها لها السؤال :
- ما دام زوجك حريصا على العلاقة الزوجية لماذا تريدين الطلاق يا ابنتي
- لم يحرص بهاء ابدا على حياتنا المشتركة ، وأراني نجوم الظهر ،
- فكري جيدا قد يغير بهاء من معاملته لك !
- لن يغير طريقته في الحياة ، ولا يملك وثيقة زواج !
- وماذا فعل بوثيقة زواجكما ؟
- مزقها !
- ونسختك ؟
- ليس عندي ، لم يعطني نسخة !


(59)
فكر الأصدقاء بان يجعلوا التظاهرات من اجل حمل الحكومة على الاصلاح في يوم واحد ،وليس في كل أيام الأسبوع ، ففي كل جمعة رغم شدة الحرارة تجتمع الجماهير الشعبية التي تدعو الى اصلاح مسيرة الدولة وتحقيق الامان والاستجابة لمطالب المواطنين والعمل على مكافحة الفساد الذي يئن منه عموم الناس مما ادى الى تبذير ميزانية الدولة وصرفها على بعض المتنفذين وحرمان جماهير الشعب الغفيرة من ثروات بلادها ، رأيت الناس المتظاهرين يزداد عددهم ولم يعد بعض الاشخاص يحجمون عن المشاركة بحجة انهم يريدون الابتعاد عن السياسة وويلاتها ، يقتنع الناس بضرورة المشاركة التي سوف تحقق لهم الانقاذ من براثن الفساد والمحاصصة الطائفية ، كما انني لم اعد مشاركا كل ليلة في اشعال الشموع للاحتفاء بالضحايا الذين ذهبوا شهداء بسبب العمليات الارهابية التي اغتالت الأبرياء وسفكت دماء الطيبين ،بعد قيامي بالمشاركة بالتظاهرات اذهب الى فريق الفنانين والموسيقيين الذين يحتفون بالشهداء عن طريق اثارة الهمم والقضاء على التردد وغرس شتلات الارادة والتصميم في نفوس الناس وجعلهم ينظرون الى الحياة نظرة تفاؤلية تعرف ان الايام السود ان ناضلنا ضدها سوف تتغير وان المرارة التي نشعر بها من جراء حرماننا من بعض الحقوق سوف تنقلب الى النقيض حين نترك السلبية وانتظار من يتحرك ليفعل المستحيل ، وان نشارك الجماهير في صنع الامل ، انتظرت هاتف دلال و تحقق املي انني سمعت صوتها الجميل في الليلة الثانية لوصولها الى بغداد ، زاد فرحي وادركت ان الحياة سوف تصبح جميلة ان اصبح ما تمنيته حقيقة وصارت دلال حبيبتي وعوضتني الحياة بفقد سعدى بامرأة اخرى لا تقل عنها رقة وجمالا ، وان هذه الانسانة صبرت كثيرا على سوء معاملة زوجها واستحال عليها ان تتحمل اكثر فقامت بالعودة الى بغداد ورغبت ان تعيش حبا جديدا وعرفت انني الانسان الذي سوف يعوضها عما رأت ، سوف احاول ان اقنع دلال ان تشارك مع الاف الناس المتطلعين الى حياة افضل وحتما انني سوف انجح فهي انسانة رقيقة المشاعر قوية الارادة لا ترضى ان يحرم مواطن من حقوقه الاساسية ... اعانني الأصدقاء الطيبون في اعادة بناء منزلي الذي هدمه الارهاب ، وقالوا ان طابوقة يضعها عمر فوق طابوقة يضعها علي فوق الطابوق الذي يساهم به جميع المعارف يجعل الحياة اجمل ، وان المرء لا يشعر انه وحيد معزول عن العالم ان ساعده الاصدقاء في اعادة البسمة وبناء ما تهدم من اعمال طائشة اريد بها ان تهدد حياة المجتمع وتقضي على الالفة المعروفة التي كانت توحد ابناءه ، ايام قليلة كان اصدقائي يقضونها في البناء لأجد منزلي وقد استعاد شكله السابق وعاد اكثر جمالا ، حتى محمود ساهم مع الآخرين في اعادة المنزل الى بهائه السابق ، لكن بهاء اعتذر انه لا يستطيع ان يحمل الطابوق وان يشترك في اعادة البناء بسبب اوجاع في الظهر تصيبه بين الحين والآخر وقد نصحه الطبيب ألا يحمل أثقالا ، وانه كان لا يساهم في اشغال منزله من تصليح المواد والتسوق وكل شيء يحتاجه البيت ، ويعتمد على دلال ، قبلت اعتذار بهاء وادركت انه لا يستطيع الاعتماد على نفسه وان الاشخاص على شاكلته لا يمكن ان يعرفوا فائدة الرفيق وضرورة حسن معاملته الا بعد ان يفارقه ذلك الرفيق بالموت او الطلاق ، أدرك بهاء انه اساء كثيرا الى مخلوقة رقيقة لم يعرف قدرها وانه اقترف ذنبا كبيرا حين اصر على عدم تسجيل عقد القران ولم ينفذ لدلال الحق الوحيد الذي تسبب في ان تصر زوجته على عدم الرجوع اليه وارى ان الحق معها ...

(60)
تصبرين على اسئلة اسرتك وعلى تساؤلاتهم عن السبب الذي جعلك لا ترغبين بالعودة الى بهاء ، قالت لك امك :
- كل شيء يمكن ان يصلح بينكما !
- وبهاء لا يستطيع ان يتغير !
- هو يعدك انه سوف يلبي لك ما تريدين ، لماذا لا تعودين اليه وتجربين ؟
- لن اعود ولن اجرب ، فلم يعد لي قدرة على التجريب ، عشت معه سنين اثار فيها حزني ونقمتي ، ولن اتحمل المزيد !
- ولكن الناس سوف يتكلمون عنك ان بقيت بلا زوج !
- الناس عادة يتكلمون ان تزوجت المرأة او بقيت عانسا او فضلت الطلاق على زواج تعيس ..
- انت مصرة يا ابنتي ؟
- كل الاصرار يا امي العزيزة !
- عرفت عنك العقل والتصبر وحسن تدبير الامور !
- الحمد لله انك تعرفين ان هذه الصفات في !
- انا امك واعرف الناس بك ، واخاف عليك من كلام الناس !
- وابي ايضا يرى رأيك ؟
- ابوك قال دعيها تعيش حياتها ، فنحن واثقون من ابنتنا !
- الحمد لله انكم تعرفونني جيدا !
تتصلين بحبيب الروح غانم وتخبرينه انك مشتاقة الى رؤيته كثيرا ، تتواعدان ان تلتقيا في احد المقاهي البغدادية التي تستقبل عادة النساء وترحب بهن ولا تميز بين الجنسين .. تنتظرين مساء الغد بشوق ، من يحب ان يلتقي بحبيب الروح ، لا تشعرين بأي أسف على فراق بهاء ، فقد اراك التعاسة بأبشع صورها ،فراقه كان نعمة نزلت عليك من الرحمن الرحيم مكافأة على جميل صبرك ومعاناتك الشديدة ، الفرحة كانت تبدو عليك واضحة جلية وانت تترقبين ان تأزف ساعة التلاقي والوصال ، حديث غانم جليل كان يشعل في نفسك الفرحة ، فتشعرين بتألق كبير ، ايه هبة هلت عليك من جنات النعيم ، تحمدين الله انك عرفت كيف تحبين رجلا بعد اخفاقك الشديد في حب بهاء الذي جعلك تتمنين البعاد عنه بكل الطرق التي تستطيعين ان تسلكيها ، ولكن رقتك وشيمك العالية ابت عليك ان تفارقيه وهو في اشد الحاجة اليك ، ولكن اخفاقه في ارضائك حين رفض ان يسجل عقد القران كان فرصتك الاخيرة في انقاذ نفسك من براثن الفشل وقيود العبودية ، نعم لقد تحررت من سجن رهيب وضعك فيه عناد بهاء ، وها انك تحبررين نفسك من القيود التي أحاطت بك ، لم تقارني بعد بين نعيم غانم وجحيم بهاء بعد ، ولكن الفرح الذي جعلك ترقصين امام المرآة وقد نسيت كل آلامك ، تحتفلين هذه الليلة وتشعلين الشموع ، وتبحثين في آلة التسجيل عن اغاني ام كلثوم، فهي تزيد الغبطة في نفسك اشتعالا ، تأملين ان يشاركك الفرح حبيب الروح غانم جليل في الليالي القادمة ، هذه الليلة هي الوحيدة التي تحتفلين بها وانت بمفردك .. وان كان غانم معك يملأ ليلتك انسا وفرحا ويبدد الذكريات الأليمة التي عشتها قبل ان تتعرفي عليه وتدركي ان ليس كل الذكور يمكن ان نطلق عليهم صفة الرجولة ، فالرجل الحقيقي يأبى ان يكلف حبيبته فوق طاقتها ويتعبها ، ان كان بهاء قد احبك فعلا، ولكن السؤال الذي بقي دون ان تجدي له الجواب الشافي هو هل بهاء قد احبك ام انه تظاهر بالحب من اجل انن يحصل على مكاسب كنت توفرينها له ، الان يمكن لك ان تجدي الفرح وتحتفلي بان الايام السود قد ولت ولا يمكن ان تعود الى حياتك مرة اخرى ، ام كلثوم تنشد وانت ترددين معها ، سأقابله بكرة وبعد بكرة ، والليلة الجميلة تكاد ان تنقضي ، تذهبين الى سريرك وكلك عزم ان تنالي قسطا من الراحة لنقومي بعملك خير قيام ...الابتسامة ترتسم على وجهك لتنيره وتكسبه ألقا وجمالا فغدا يتحقق حلمك وتبدأ ايامك الجميلة ..

(61)
يتساءل والدا بهاء عن الاسباب التي جعلت دلال تقرر مفارقة ابنهما المدلل ، كانا يعرفان ان بهاء لا يستطيع ان يصبر على عمل واحد ، وانه سرعان ما يمل من وجوده في مكان واحد ، وان لم يسارع اصحاب العمل الى وضع حد لتمرده واخراجه من مؤسستهم ، فان الصفة الملولة في بهاء تجعله جالسا في المنزل بانتظار ان يبحث له والداه عن عمل يرضيه لبعض الايام ، لم يكونا قاسيينى في معاملتهما لكنهما كانا يحاولان ان يلحا عليه في ضرورة الصبر في عمله ، لأنهما كانا يحتاجان لراتبه ، تقوم امه بالسطو على نصف راتبه وتبقي النصف الآخر ليشتري السجائر ويشرب ويسهر مع الاصدقاء ، وحين تعرف على دلال اغتبط والداه كثيرا ، فقد كانت بالإضافة الى جمالها وجديتها فهي تحب عملها الثابت وتحرص على الاجادة فيه ، لهذا رحبا حين اخبرهما ابنهما انه يحب دلال ويرغب بالارتباط بها ، وبقيت الام تأخذ نصف الراتب دون ان تسأل كيف تدير دلال اعباء المنزل الاقتصادية ، وحين لم تجد ام بهاء تذمرا من دلال وبقيت زوجة بهاء مع ولدهما ، لم يعودا يلحان على ابنهما بضرورة الصبر في عمله ، اخذت دلال تمنح اسرة بهاء ما كان ابنها يعطيها قبل زواجه ، ومضت الايام والاسرة تعرف ان بهاء يعيش مع زوجته بسعادة دون ان يعكر صفوهما اي عائق ، عاد بهاء من السفر ولم تعد زوجته الى منزلهما المشترك ، ونفذت النقود التي كانت معه فلجأ الى منزل والديه يبثهما اوجاعه ويشتكي على دلال التي تركته دون سبب ، بهاء لم يكن يملك الشجاعة ليخبر والديه عن السبب الحقيقي الذي جعل دلال تتخلى عن ابنهما ، ولم تستطع دلال ان تخبر احدا عن السبب فضاع الحق وبقيت الاسرتان تسألان عن دواعي الانفصال دون ان يحظى احد منهم بما يشفي الغليل ...
اتصل بهاء بالأستاذ غانم مرة واحد وسأله عن الاحوال ، ولم يجد حافزا لإعادة الاتصال مرة ثانية ، فالطباع بين الرجلين متغيرة كثيرا ، ولا يستطيع ان يجد امورا متشابهة يمكن ان يكونا معها صديقين ، دلال يمكنها ان تجد المواضيع المشتركة مع كل الناس وقد تمكنت ان تعيش مع بهاء رغم اختلافهما في الطباع والصفات ، وعانت كثيرا من تهوره وصراخه المستمر وعدم تعاونه واعتماده الكامل على زوجته في تسيير دفة سفينة المنزل المشترك والمحافظة عليه من الضياع، ولكن للصبر حدودا لا يمكن للإنسان ان يتجاوزها ، وحين رفض بهاء امرا بسيطا تمسكت به دلال اندلع الخصام امام اصدقاء السفر ووقف الجميع بجانب دلال مما اجبر بهاء ان يفكر جديا في عاقبة الامور ، ولكن بعد فوات الاوان....فلم تفلح كل ادعاءات بهاء انه سوف يغير معاملته القاسية نحو زوجته التي تخلت عن كل شيء في سبيل ارضائه ، ثم ايقنت ان ارضاءه مجرد اوهام ...

(62)
انجح في اعادة بناء منزلي ، سيبدو عليه الجمال حين اشرع في تأثيثه كانت سعدى مشاركة معي في تأثيث بيتنا المشترك ، وأصبح آية من آيات العمران ما ان يطأ الزائر وهو عادة من اصدقائنا الخلص ارض المنزل حتى يشعر براحة كبيرة ، وانه في الجنة ، كل الاصدقاء كانوا يفرحون حين ندعوهم الى زيارتنا ، اخذت سلفة من المصرف كانت بفوائد قليلة لأقوم باعاده بناء المنزل ، وتأثيثه احتاج الى كثير من النقود لم تكن بحوزتي ، فقام الاصدقاء بمساعدتي كل صديق يدفع مبلغا من المال يكفي لشراء احدى الادوات الضرورية في المنزل ، اشترى احمد غرفة النوم ، وقام فؤاد بتجهيز غرفة الجلوس التي جعلناها غرفة السيوف ، وساعدني عماد بشراء آلة الطبخ ، عرض سيف ان يقوم بإهدائي غسالة صغيرة للملابس ، اقمت احتفالا بسيطا بمناسبة اتمام بناء المنزل ، وقام الاصدقاء بتقديم هدايا ضرورية للمنزل مثل الاواني والملاعق والفوط وجدور الطبخ ، تعلمت من سعدى كيف اقوم بإعداد الاصناف التي احبها من انواع الطعام ، لم استطع ان اشتري الفرن، الذي اجده ضروريا لإعداد الأطعمة المشوية وكل الاصناف التي يحتاجها من يرغب بالمحافظة على صحته ، لم يكن في منزلي حديقة ، وكنا نحرص انا وسعدى على العناية بحديقتنا المتواضعة التي توجد فيها نخلة والاس والورد الجوري وقد زرعت الخضروات التي كنا تتناولها عند وجية الفطور مثل الكرفس والمعدنوس ، ولكن تهديم المنزل بعمليات الارهاب قضت على امكانية اعادة الحديقة الى سابق ازدهارها ، والغريب اننا لم نعد نجد ورودا طبيعية في بغداد الا نادرا ، وكل من يرغب بتقديم هدية لصديق ويفكر بباقة من الورد ، لا يجد الطبيعي فيقوم بمنحه باقة من الورد الاصطناعي ، ولم تعد بغداد تضوع منها الورد فأصبحت جرداء ، اتصلت بي دلال وأسعدني صوتها الرخيم وهي تتحدث عن شوقها فدعوتها الى احد المقاهي ، وقد اخذت بعض المقاهي البغدادية ترحب بالسيدات وقبل ذلك كانت تقتصر على الرجال ، سوف انتظر مرور الساعات التي اجدها الان طوال وانا اترقب ان يجمعني المكان بدلال التي وقفت بجانبي حين فجعت برحيل سعدى ، واجد ان الايام تكون كريمة مع الانسان ان اعفته من الشعور بالفجيعة وانه لوحدة يصارع القسوة ، فان حزني الكبير بعد رحيل سعدى لم يدم طويلا حتى ظهرت دلال بجمالها ورقتها وهي ترنو الى تعويضي عن الحرمان الذي اصابني ...أنتظر الساعات القليلة التي بقيت على موعدها معي ، وأتهيأ للقاء وانا أتطلع الى حياة سعيدة اراد الارهاب حرماني منها ...

(63)
حين وجد بهاء ان دلال لا تحب العودة اليه ، فكر بطريقة دنيئة لإجبارها على العودة بالرغم من رغبتها ،:
- سوف افضحك في كل المجالس واجعل حياتك جحيما لا يطاقعليه !
- كيف ، ماذا بقدرتك افعله !
- انت عشت معي سنوات عيشة العشاق !
- وما السوء في هذا ؟ جميع من يقدم على الزواج يتمنى ان يعيش عاشقا ، والا يخفت الحب بين العروسين !
- لكنك لم تكوني زوجتي !
- انت لم تشأ ان تسجل الزواج !
- ولماذا وافقت ؟ العيب فيك ! عاشرتني معاشرة الازواج ولم ارغب انا بوجودك زوجة !
- لم اقترف اثما ! كل ما عملته انني اردت ان يكون الحب جامعا بيننا !
- ولم يجمع الحب بيننا ابدا ! الرغبة الجنسية هي التي جمعت بيننا .
- ليس ذنبي !
- سوف افضحك !
- قم بما تقدر عليه !
- لماذا لا توافقين على العودة وانا راغب بها ؟
- لا اريد ان اكون معك حتى لو سجلت عقد الزواج ، ولن تستطيع ان تفعل شيئا ، فنحن متزوجان بنظر الناس وكل المعارف والاصدقاء ، اشهرنا زواجنا والجميع يعرف اننا متزوجان !
يعجز بهاء في جعل دلال تقتنع بالعودة اليه ، لقد تبخر الحب الذي شعرت به دلال وملأ عليها حياتها وجعلها تضحي بكل حقوقها كإنسانة وامرأة ، ولكن القسوة التي وجدتها من بهاء جعلت العواطف الكبيرة تهرب ، وليس في قدرة بهاء ان يعيدها الى الحياة ، فالعواطف تحتاج الى ارواء وتعهد بالرعاية والاهتمام وان فقدت العناية فسرعان ما تجف ، تخبو ، فالحياة تعلمنا الا نتجاهل العاطفة الكبيرة لان كل شيء حي معرض للموت ، كما الورود تذبل ان لم تلق الاهتمام الذي تستحقه ، ودلال احبت واخلصت لعاطفتها ولم تتخل عن شريك الحياة الا بعد ان بدأ هو الخيانة والغدر .... المبلغ الي دفعته دلال ايجارا لمنزلهما المشترك ، اوشك على النفاذ ، الشهور الاربعة انقضت ويجب ان يفكر بجدية بالطريقة التي يتمكن بها من دفع ايجار الشهور القادمة ، كما ان اسرته تطالبه بان يهتم بها ويواصل منحها المبلغ الذي كان يدفعه لها ، وكانت دلال مواظبة على مساعدة اهله ، فأهلها رغم حاجنهم الى النقود لم يطالبوها بحصتهم من راتبها حثوها على مساعدة اسرة بهاء ما دامت زوجه له ربطت بينهما قصة حب جميلة قبل الاقدام على تسجيل عقد الزواج ، ابوها وامها كانا عزيزي النفس لم يكلفا ابنتهما فوق طاقتها ، وتستبد الحيرة ببهاء ولا يدري كيف يتصرف ، لم يعتني بعمله ولم يواظب عليه ففقده واستغني عن خدماته ، كان يظن ان دلال سوف تبقى بجانبه طوال الحياة ، متناسية حقوقها وغافرة له قسوته في المعاملة وسوء تصرفه وعدم اتصافه بالحكمة التي تمنحها الايام للإنسان ، ولكن بعض الاشخاص لا يستفيدون من تجاربهم الشخصية ولا يتعظون من التجارب التي يمر بها غيرهم ، واثتبت الأيام ان بهاء احد هؤلاء الاشخاص ، الذين يحتاجون الى تذكيرهم دائما بالخطوات التي يجب ان يتخذوها ، وان نسي الاصحاب والمعارف ان يقوموا بهذا الواجب الذي كثيرا ما ينسى بقي الشخص مقترفا للأخطاء لا يحسن التفكير بعواقب الامور...

(64)
بقيت طوال عمرك تخشين من كلام الناس ، ما ان تحبي شيئا وتودين ان تنفذيه حتى تفكري هل سوف يرضى الناس على اقدامك على هذا الشيء وقيامك به ، ورغم انك تدركين ان رضا الناس غاية لا تدرك ، فان الخوف يظل ملازما لك ، وان نقل لك احدهم نقدا من شخص ما قد لا يكون قريبا منك حتى تحاولين ان تجدي المبررات التي دفعتك للقيام بهذا العمل ، وكأنك خلقت لإرضائهم وليس لإرضاء نفسك ، الناس كلهم يحترمونك ويكنون لك التقدير الكبير ، ولكن واحدا من هؤلاء الناس قد اختلف عن رأي الاغلبية ورأى انك لست على ما يشاء هو ، استبد بك القلق وتنازعتك الهموم ، ويبتعد التفكير الصائب عنك ، انت احببت بهاء وكان المحيطون بك لا يعرفونه ويسبغون عليه الصفات الحسان ، فقبلت بالزواج منه رغم انك لم تحبيه كما ينبغي وكما تريدين ان يكون الحب الذي يجعلك تضحين براحتك وصفاء نفسك للاقتران برجل يحاسبك على كل خطوة تقومين بها ، ما ان تتأخري في العودة الى منزلك حين كنت فتاة حتى يسيطر عليك الخوف كيف تبررين هذا التأخر لأفراد اسرتك الذي تعرفين انهم يحبونك كثيرا ، لكنهم يخشون عليك من كلام الناس ’ وبقي هذا الخوف مستبدا بك ، لا يدعك تنالين سعادتك التي تستحقينها ، تظل قوتان تتصارعان داخل نفسك ، احداهما تحثاك على الاستجابة لما تريده نفسك ، والقوة الثانية تريد ان تجعلك تمكثين في مكانك ولا تبرحينه مخافة كلام الناس ، انت تعرفين ان بعض الناس لم يتركوا احدا بمنأى عن انتقاداتهم ، ولكن الصراع الدائم بين قوتين متنافرتين يجعلك لا تدركين طعم السعادة ، في قضايا القلب والعاطفة انت جبانة لا تحسن التصرف ولا تلبي نداء الحب ان استدعاها وتفقد بمرور الايام لحظات الفرح التي يحققها الشجعان الذين يثقون بأنفسهم وقدراتهم ولا يبالون بما يواجهونه من انتقاد من الفاشلين الذين لا يعرفون الاقدام وتحويل احلامهم الى حقائق معيشة ، تركك بهاء ولم ينفذ اي حق من حقوقك ، فعدت الى منزل اسرتك ، وكأنك ما زلت تلك الفتاة التي لم تجبرب الدنيا ولم تعركها التجارب ، عاد الوالدان الى محاسبتك على اي تأخر في العودة الى منزلك :
- لماذا تأخرت ؟
- مشكلة في المواصلات !
- الا تعرفين انك يجب ان تكوني في المنزل في وقت ليس متأخرا ؟
- لست صغيرة !
- على العكس انك كبيرة لكنك مطلقة والناس يتكلمون !
- ما شأني انا بالناس ؟
-لا يوجد انسان يحترم نفسه لا يبالي بكلام الناس !
- انا احترم نفسي ، وليس كل كلام الناس صحيحا !
وتمضي الايام وانت في تردد وخوف ، ولكن بوادر الامل تلوح امامك بوضوح ، هل يمكنك ان تعبري عن حبك لغانم وانت تعشقينه بكل جوارحك ، ولم تكوني قد جربت هذا النوع من الحب الذي يستبد لك ، تظلين ترين غانم جليل كل يومك وانت تترقبين للحظة التي تتكلمين مع الحبيب ...

(65)
تحقق حلمي في اللقاء مع صديقتي دلال ، انتظرت حضورها في مقهى بغدادي جميل ترتاده النساء بكثرة ، وصفه لي الاصدقاء العاشقون وقالوا انه مقهى لا يقربه الواشون ، ويمكن لأي عاشقة ان تكون بمنأى عن المخبرين ، الذين لاهم لهم الا الايقاع بمن ينبض قلبه بالحب الذي يجده الوشاة شيئا محرما وخاصة من رفضها الزوج واعتبرها المجتع من الخارجات على عرفه وتقاليده ، وان اعرف جيدا ان دلال لم يرفضها رجل مثل بهاء ، الذي عاش معها بسعادة لم يعرف قيمتها الا بعد ان رفضت الانصياع لأوامره في معاشرته وكأنها احدى الزانيات ، وحاشا لصديقتي الجميلة ان تكون احداهن ، ولكن جهل بهاء بواجبات الازواج اودت بحياتهما المشتركة وجعلتها تنهار ، جلسنا في المقهى لبعض الوقت ، تحدثنا فيه عن لواعج القلب الذي يحب ان يعيش بقيود من ذهب ، حدثتني دلال بمتاعبها التي هي متاعب كل فتاة عراقية تتطلع الى حياة سعيدة بمن ارتضت ان تختاره من بين الرجال زوجا وصديقا ، وشاء الحظ ان تخفق دلال في الاختيار ، ولم يحسن بهاء المعاملة وكان قاسيا وهو يرفض الطلب الوحيد من زوجته التي اعتادت ان تستجيب لكل طلباته ، فقد توهمت انها تحبه ، ثم تبخرت العاطفة الكبيرة بعد رفضه تسجيل الزواج وكان ذلك اعصارا يهدد كل حياة ، اسعدتني دلال وهي تبثني نجواها وادركت انني عزيز لديها اثير على قلبها ، وهي لن تنسى موقف الصداقة الذي وقفته بجانبها حين تخلى عنها بهاء وطلب منها ان تحيا كما يشاء هو ، وان يسعد الرجل بالمرأة تهب له كل ما يحب وتحرم نفسها من كل شيء ، اخبرتني دلال عن متاعبها التي عادت الى الحياة مرة اخرى ، بعد ان علمت اسرتها ان ابنتهم مطلقة سوف يثير طلاقها الكثير من التساؤلات رغم ان الرجل في اغلب الحالات يكون المسؤول عن تفكك الاسرة ، استمعت الى دلال وانا سعيد ، فقد احببتها كل الحب ، وجدتها تعويضا عن سعدى التي رحلت بفعل الارهاب ، لاحظت ان دلال لم تكن سعيدة تماما فقد كانت تنظر الى ساعتها بين وقت وآخر ، فأدركت انها تخشى من المساءلة ، فأشفقت عليها ، اسرتها محقة ، كثيرا ما تواجه الاسر التي تبقى بناتها دون زواج بكثير من التهم والاستنكار ، وخاصة الفتاة التي تعود الى اسرتها وهي مطلقة رفضها الزوج الذي لم يقدر كبر النعمة التي عاش في كنفها ، فنصحت دلال ان تغادر المقهى قبل ان يدركنا الظلام ، وعرضت عليها ان اوصلها الى محطة السيارات لتستقل الكوستر ، بعد ان تواعدنا اننا سنلتقي في الغد في نفس المقهى ، الذي كان رواده بعيدين عن الشك في سلوك النساء ..


(66)
سكت بهاء ولم يعد يثير المتاعب لدلال ، ادرك انه من المستحيل ان يعيد الحب الى سيرته الاولى بعد ان قام بتبديده بتصرفاته الطائشة ، هددها انه سوف يفضحها بين اسرتها المعروفة انها تحترم ما يقوله الناس عنها ، وتحاسب الفتيات وتضيق عليهن ، رغم ان التضييق لا يأتي من عدم الثقة بسيرهن ، انما تحاسب الفتيات على كل تأخر بالعودة الى المنزل خشية من كلام الناس ، ادرك بهاء انه لا يستطيع ان يجعل دلال تعود اليه بعد التهديد والوعيد وانها ازدادت تصميما على تركه ، لم يكن بهاء يستطيع ان يكسب قلبا محبا مثل ما تتمتع به دلال من خصال ، تعجب به النساء عادة لجمال شكله ولكن بعد ان يتضح لأي فتاة تحب التعرف اليه انه بخيل ولا يحب ان يعمل وكان يعتمد على دلال في توفير الرزق ومساعدة والديه الكثيرة المصاريف ، ابوه متقاعد وامه ربة منزل ، ولا يستلم الاب من تقاعده الا قدرا ضئيلا من المال لا يكفي ، فهو يدخن ويشرب ويلعب القمار ان وجد من يلاعبه وكثيرا ما يغلب ابوه من يشاركه اللعب ، وقد دعيت دلال في اول عهدها بالزواج الى المشاركة بلعب القمار، حين وجدت انها بقيت لوحدها جالسة وان افراد اسرة بهاء يلعبون كلهم في هذه اللعبة التي لم تشهدها سابقا ، رغبت ان تلعب معهم ، وفعلا شاركت ولكن بهاء حين وجد اوراق اللعب بيد دلال وانها لا تعرف كيف تلعب :
- انظري جيدا ، عندك البوكر ..
ضحك الاب وقال :
- لا تخش على زوجتك سوف نجعلها ماهرة باللعب !
ولم تتحقق نبوءة الاب ’، فقد خسرت دلال كل ما في حقيبتها من نقود ، وكانت قد دفعت ما يتطلبه ايجار المنزل من نقود ، وبقيت النقود التي تلزمها للطعام والشراب ، خسرت كل ما معها :
- بهاء يساعدنا بمبلغ من المال ، سوف اعيد اليك ما خسرته في اللعب ، وفي المرة القادمة ، كوني اكثر مهارة ....
والد بهاء لم يكن يدري انها تساعد ابنه في توفير مبلغ للاب يكفيه طوال الشهر من سيجائر ومشروبات متنوعة من العرق والويسكي والبيرة احيانا ، ابدى الاب نوعا من الكرم مع دلال التي كان يحبها لأنها لم تمنع بهاء من مساعدة اسرته .
قررت دلال الا تعود الى اللعب مرة اخرى ، يكفيها انها جربت ان تشارك افراد اسرة بهاء في لعبهم بعد ان رأتهم منهمكين في اللعبة وتركوها وحدها ، ولكن المشاركة جعلتها تخسر ما في حقيبتها من النقود ، ولم يفكر بهاء بالطريقة التي يمكن ان يأتي بها بالنقود التي يحتاجها المنزل ، ولكن والده ابدى حنانا وعطفا ، وفي المرة الثانية لم ينفع اصرار دلال على ان تكون بمنأى عن الخسارة ، حين دعوها الى مائدة القمار لبت وخشيت ان تثير غضبهم ان رفضت ، وشاركت في اللعب وكما حدث في المرة السابقة خسرت ما في حقيبتها اليدوية من نقود ، ولم يبد والد بهاء العطف الذي اظهره في المرة الماضية ـلم يرجع اليها النقود التي كسبها ، لأنه ماهر في اللعب وعنده تجربة كبيرة في هذا المجال ...
- خسرت كل ما معي من نقود !
- وما المطلوب مني ؟
- ماذا افعل ؟ كيف نعيش الى اخر الشهر ؟
- كان عليك ان تعرفي ، ولكن اخرجي نقودك المخبأة !
- ليس عندي نفود اخفيها !
- وهل انا لا اعرف حقيقتك ! لديك حساب مصرفي لماذا لا تستعينين به ؟
- لكنني خسرت !
- العبي واخسري ، عندك نقود كثيرة !
- من اين اتي بالنقود ؟
- من تحت الارض ! لا أدري ...تصرفي ، اسحبي جزءا من نقودك .. لا اريد ان اخبر ابي انني فقدت عملي .
- الانسان لا يفقد عمله ان كان مجدا !
- هل تهاجمينني ؟
لم تكرر دلال المشاركة في اللعب الذي يقبل الجميع عليه ، وظلت تعاني من الغربة في بيت بهاء وهي ساكتة خوفا ان تثير غضب احد ...

(67)
تحقق امل حياتك ، وأصبح الحلم قريبا منك حين التقيت بصديقك الاثير ، الذي تمنيته كثيرا ، غانم جليل الرجل الحبيب التقيت معه في احد المقاهي البغدادية ، التي لم تكوني رأيتها قبل هذا اللقاء ، ظننت ان كل الناس مثل اسرتك يوجهون لك الاسئلة ويحاسبونك على التأخر في العودة الى المنزل ، ويتساءلون ان بدا مظهرك يثير التساؤلات ، ولماذا تعتنين به وانت مطلقة ؟ ما الذي يدعوك الى العمل ان تبدي جمالك ورقتك لغير زوجك وانت قد انفصلت عن رعاية بهاء رغم انه طالب ان تعودي اليه ، المقهى جميل تحيطه حديقة غناء ، تضوع الورود في انحائها ، وتسمع الموسيقى من أرجائها بدا لك المكان غريبا لا يتلاءم مع التساؤلات التي يوجهها الأهل بوجه لبناتهم وحاصة المطلقات منهن ، لكنك شعرت ان كل رواد هذا المقهى ليسوا بعيدين عنك ، احسست انك تعرفينهم منذ زمن طويل ، قررت بينك وبين نفسك ان معرفتك بهم سوف تستمر ، وحبيب القلب يحدثك عن متاعب تم تجاوزها وأصدقاء وقفوا بجانبه حين امر بأزمة الفقدان وشعر بالحاجة الى دفء الاصدقاء وحرارة كلماتهم ، وجود الاستاذ غانم يشعرك بجمال الوجود وانك لست غريبة في هذا العالم كما كنت تظنين ، هناك المئات من الناس الذين يشاركونك الآمال ويتوقعون ان تتحقق احلامهم بانبثاق حياة جيدة رغم ان الواقع لا يدل على ان الحياة سوف تتغير ، ولكنه الامل في صنع لجمال يراودك وانت تحدثين غانم بأوجاع القلب الذي يتطلع الى شريك يبثه لواعجه ويستمع الى أنينه ، تزول عنك المتاعب وتجدين ان العراقيل التي كثيرا ما وجدتها في طريقك قد زالت ، وانك من القوة بحيث تتحدين الصعاب وتتسلقين الجبال ، اعجبت بقصة كنت قد قرأتها عن مشلول يضع حدا لشعوره بالعجز ، فيقوم بصعود الجبل وينجح في الوصول الى قمته ، شعرت انك بهذه القوة وانك تملكين الاضرار للتحدي الناس الذين يأبون عليك لتحرك وان تجدي نفسك وتنالي بعض طموحاتك ، زالت مخاوفك التي عاشت معك طوال حياتك ، تشعرين الان انك امرأة جديدة ، لاتستطيع المتاعب ان تجعلها تشعر بالموت ، انك امراة كلها حياة قادرة على تحقيق الساعدة لنفسها وللأخرين الذين يشاركونها الحياة ، حديث الاستاذ غانم يجعلك تشعرين انك اسعد امرأة في الكون ، تمر بك الساعتان وانت لا تدرين ان وقت العودة الى منزلك قد ازف ، وانك سوف تجيبين عن اسئلة اسرتك بحب ومودة فهم يحبونك وانت تثقين بحبهم لكنهم لا يريدون ان يتقول بعض الناس ضدك الأقاويل وان يفتعلوا الذنوب .. لم تعرفي انك جميلة فاتنة ، لم يقل لك بهاء هذا الكلام الجميل ولم ينظر اليك كحبيبة ، بل وجدك البقرة الحلوب التي تظل تطعمه ، يقول لك غانم جليل :
- سعيد انا بمعرفتك ، مسرور انني تعرفت بك انت الانسانة اللطيفة الجميلة الانيقة ، التي يعتز كل انسان انه صديق لها ومحل ثقتها ..
لا تعرفين كيف تجيبين ، لم يصفك احد بهذه الصفات الحسان ، ولم يسبغ عليك احدهم كلمات المديح والثناء ، كانوا يمدحون ما تتحلين به من اخلاص في العمل ومهارة ، لهذا بقيت تظنين انك انسانة تتصف بجمال المضمون وانها بعيدة عن روعة الشكل التي تعتز بها النساء وخاصة في مرحلة الحب ، مرت عليك الساعتان وانت تشعرين بسعادة لم تكوني تعرفينها قبل اليوم ......



(68)
أشعر بسعادة كبيرة حين انجح في جعل انسان عزيز يغير نمط حياته الذي لم يكن يرى فيه فرحا ، انا المحظوظ في التعرف الى اشخاص اقوياء ، لا يمكنهم ان يظلوا قابعين في مكانهم والعالم كله في تقدم ، لا احب السكون ولا اريد ان اصاحب المتشائمين الذين لا يجدون في الدنيا غير الظلام ، وما ان تحدثهم عن فائدة الاقدام حتى سارعوا الى تفنيد تفاؤلك :
- ما الفائدة من كل هذا ؟
- المهم ان ترى نفسك في موضع افضل مما كان !
- لكني لا أجد اي وضع افضل ، كل المواضع تتساوى في السوء !
- وكيف يمكنك ان تتحرك وان تقوم بأعمالك اليومية وانت بمثل هذا القنوط ؟
- ماذا تعني ؟
- اقصد ان من يرى العالم بقعة من الظلم والظلام كيف يمكنه ان يتحرك لتبديد الظلم الذي يشعر به ؟
- لم افهم !
- ما دمت لا ترى خيرا في اي عمل ، كيف تقوم بكل الاعمال اليومية من ذهاب الى الشغل وقراءة الصحف وزيارة للأصدقاء وتنظيف الوجه والجسم والنظر الى المرآة لرؤية كيف تجعل منظرك يبدو اكثر اشراقا !
- اقوم بكل هذه الاعمال اليومية لأكسب شكلي منظرا مقبولا !
- ولماذا تريد ان يكون مظهرك مقبولا ؟
- وجدت اهلي وجميع من عرفتهم يقومون بهذا النشاط !
- ولماذا تقوم بتقليدهم ؟ أليس لجعل نفسك مقبولا بين المعارف والاصدقاء ومن تحبهم من الناس ؟ ومن نفسك اولا...
- لا ادري قد اقوم بكل هذه الاعمال من اجل لا شيء ! هل يجب ان نجد تبريرا لكل ما نقوم به ؟
- ليس كلنا ، انا لا اجد تبريرا ولا ارهق نفسي بإيجاد المبررات !
- ولماذا يجب علي انا ان اجد المبررات :؟
- لأنك لا ترى فائدة لكل الاعمال ! انت لا تجد تغيرا ولا قدرة على التقدم نحو الافضل !
- لا أدري ، اغلب الناس لا يجدون فائدة من ارهاق انفسهم ، فالعالم نفسه لا يمكن ان يتبدل !
لا اجد في نفسي المحبة في البقاء مع هؤلاء الاشخاص الذين يجدون ان العالم ظالم ولا يمكن ان يحدثوا تغييرا به ، واجد سعادتي حين انجح في ان يغير شخص احبه نظرته الى الحياة ، وان يبدد اليأس الذي يشعر به وان الانسان يمكن ان يساهم في تغيير الحياة وجعلها اكثر جمالا ، رأيت في دلال رغبة قوية في تغيير نمط حياتها ، وانها سوف لن تستكين لكل الظلم الذي رأته في حياتها الماضية ، كانت تخشى ان تفقد من يحبها ان لم توافقهم في آرائهم ووجهات نظرهم ، وبلغت معاناتها أوجها حين تزوجت من بهاء ، ولم يحسن معاملتها ، وكان قاسيا معها ، لم يستجب لكل حقوقها ، حاولت ان اجعلها تثور على طبيعتها الطيبة جدا ، والتي تجعلها ترضى بكل الاساءات من اجل لحظة من حب ، وقد لا تأتي هذه اللحظة أبدا ، لأن الانسان ان اعتاد الخنوع فليس بقدور احد ان يجعله يثور على من ظلمه ، الا ان يقرر هو ان يضع حدا للبؤس الذي يعاني منه ، ويجعل بعض الاشخاص يستمريء استغلاله ، سعيد انا بانني نجحت في ان ترى دلال الجانب المضيء في شخصيتها الجميلة فتعززها وتقويها ،وان تقرر التمرد على الجوانب المظلمة ..

(69)
يبدو ان بهاء لا يريد ان يستكين والا يسمح بان تضيع البقرة الحلوب التي طالما اطعمته واتكل عليها في تدبير امور حياته ، لم يبذل جهدا للمحافظة على نعمه التي انهمرت عليه كما ينهمر الغيث ، فينعش الأرض الظمأى ويجعلها تعود الى الخضرة وتجود بالخيرات ، لم تسمع منه دلال كلمة طيبة ، وكان يلومها على كل شيء يبدر منها ، حتى تحية الاخرين اراد ان يحرمها منها ، وكثيرا ما حاول ان يثنيها عن التحية التي تمنحها لكل الاصدقاء والجيران الذين تمر بهم :
- لماذا تسلمين على الناس ؟
- بث السلام من نعم الدنيا !
- لكن المرأة الفاضلة لا ينبغي لها ان تسلم على الناس !
- من هؤلاء الناس ؟ انهم ليسوا اغرابا ،بل جيران لنا وقد زارونا وبادلناهم الزيارة !
- انا اسلم عليهم وهذا يكفي !
- من المعيب الا اسلم عليهم او لا ارد تحياتهم بمثلها او افضل منها !
- يكفي انني اقوم بتحية الجميع !
- لكنهم يحيونني !
- لا تردي وسوف لا يعودون الى تحيتك مرة اخرى !
- لا احب ان ابدو متكبرة !
- بل سوف يعرف الناس انك امرأة تحرص على سمعتها ، اراك كلما سلمت على احد انت تقلدينني في افشاء السلام ، لا تقومي بكل شيء افعله انا !
- ارى الجارات يقمن بتحيتك كلما مررن بك !
- انا رجل ، ولا بأس ان اقوم بتحية الناس !
- وانا انسانة وعلي ان احيي من يحييني !
منطق بهاء لا يمكن ان تتقبله دلال ، فهو كل ساعة يطلب من زوجته امرا لا يمكن القبول به ، طلب منها مرة الا تغير ملابسها حين ترافقه في الخروج من المنزل :
- لماذا ترتدين اجمل الملابس حين تخرجين ؟
- من الاعراف التي نحافظ عليها ان نبدو بمظهر جميل في المنزل وفي خارجه !
- انت امرأة يكفي انك في مظهر جميل داخل المنزل !
- وهل يجب ان اخرج بملابسي التي اكون عليها في المنزل ؟
- نعم هذا ما يجب ! انت تقلدينني في كل شيء ، انا اتعطر وارتدي قميصا زاهي الالوان وبنطلونا جميلا ، ومن المعيب ان تقلديني !
تتراءى المواقف امام دلال ، فتستغرب انها لم تحاول الثورة على من يستبد بها ويستغلها ابشع استغلال ...

(70)
تشعرين بسعادة كبيرة بعد ان منحك اللقاء به احساسا جديدا لم تكوني تعرفينه ، كنت تتوهمين انك احببت رجلا ، واستجبت له وحققت كل ما كان يتمناه منك ، رغم انك لم تشعري انه احبك فعلا ، كان يردد كلمة احبك قبل ان ترتبطي برباط غير مسجل ، ثم ترك هذه الكلمة حين مضت بكما الايام ، ونسيت كل حقوقك آمله ان يستجيب بهاء لبعض الحقوق المشروعة والتي تعتبر حقا من حقول المرأة لا يمكن التغاضي عنه ، وكثيرا ما ظننت ان الرجال لا يحبون كما تحب النساء ، وان كلمة احبك التي يقولونها في بداية العلاقة لا تعني شيئا ، بينما المرأة تعيش الحب بكل خلجاتها وتضحي بكل ما تملك من اجل رجل ادعى انه يحبها ، نعم يحب الرجل اسرته وأمه واباه ويدافع عن المبادئ التي يؤمن بصحتها ، ولكن ان يحب الرجل امرأة معينة ويخلص لها ويبتعد عن النساء الاخريات محافظا على سمعته كما تفعل النساء في بلادنا ، فهي تبتعد عن الحب ما دامت فتاة لم تتزوج وان صرح لها احدهم بالحب وخرجت معه للنزهة وان كانت بمصاحبة اخيها الصغير، فإنها لابد ان تتزوج من ذلك الرجل حتى ان كانت لا تشعر نحوه ببعض الحب ،وانت تصرفت كما تتصرف اغلب النساء في العراق ، يكتمن حبهن ، ويقبلن بالارتباط برجل صرح لهن بالحب رغم انهن بعيدات عن ان يبادلنه الشعور نفسه ، ولكن يتضح لهن ان التصريح بالحب لم يكن الا وهما ، أريد به ان تقيد المرأة الى قيود كبيرة لا يمكنها ان تحرر نفسها من الألم الممض الذي يستبد بها وهي تجد ان جميع الحقوق التي وفرها لها والداها سرعان ما هربت حين ضمها الزواج مع رجل بعيد عن القلب ، يجب عليها ان تخلص له حتى لو كان يعشق كل يوم امرأة جيدة ، وقد يصحبها الى المنزل المشترك رغم انه واثق ان عمله ذاك يسيء الى مشاعر امرأة ارتضت ان تعيش معه وان تضحي بكل شيء من اجل ارضائه ، ها انت تدركين بعد معرفتك بغانم جليل ان الرجال ليسوا كلهم سواء ، وان بعضهم يملك الإخلاص والوفاء اللذين يجعلان منه رجلا مميزا محترما ، وان الانسان الذي اسعدك اللقاء به مثال نادر بين الرجال ، اسعدك بحديثه واهتمامه بك وقد خلت ايامك الماضية من شخص يهتم بحياتك وكيف تسير بك الاحداث ، وانت تعرفين ان والديك يحبانك كثيرا ويحرصان على سعادتك ، الا انهما يريدان ان تنالي رضا الناس والا تحيط بسلوكك الشكوك ، لأنك يوما احببت ان تتأخري لأنك رغبت ان تعيشي يوما مختلفا رغم انك بريئة تماما من اتهامات الناس الذين يظنون ان كل علاقة بين رجل وامرأة لابد ان يكون الجنس طابعها ، ولقد اثبتت لك الايام ان الصداقة بين الجنسين يمكن ان تقوى وتكون علاقة وطيدة تسعدين بها ويسعد بها الاخر ، عدت الى المنزل بعد لقائك بغانم وانت بأوج السعادة ، احببت ان تظهري سعادتك لمن يحرص عليها من يعيش معك في منزل والديك ، فأقدمت على تقبيلهما قبلة فرح جعلت امك تقول والمفاجأة تستبد بها :
- يا الله يا حبيبتي ÷، كم يفرحني هذا اليوم ان اراك سعيدة بعد كل التعب الذي قاسيته !
تنظر امك اليك والفرحة تغمرها ، ينتقل شعورك الطاغي بالفرح اليها فهي امك التي تثقين بحبها لك وان كانت لا تعبر عن هذا الحب الا قليلا ، تدخلين غرفتك وتغلقين الباب عليك وتنظرين الى نفسك في المرآة لقد تغيرت كثيرا عما كنته في الامس ، ساعتان من اللقاء مع حبيبك جعلت منك شخصا آخر ، انت جديدة ، لم تؤثر عليك الايام الطويلة بقسوتها وفظاظتها ، ولم تنتصر عليك الليالي وتفترس ألقك وتبدد طاقتك ، فلتنظري الى الحياة بثقة وتفاؤل ، استطاعت الابتسامة الحقيقية ان تصل اليك ، تدركين ان الجمال لا يكون بخلو الايام من القهر ، بل تخلقه النفوس القوية من تغلبها على الخنوع واليأس ، مرحبا بأيام جديدة تهل عليك ، منتصرة على ما قاسيته من ويلات ...

(71)
أداوم على حضور التظاهرات المطالبة بالإصلاح ، ارى الجموع المشاركة فيها تتضخم وتتزايد عددا وتنظيما ،واضعة حدا للتردد الذي عرفته في الاعوام الماضية ، تدرك الجماهير الشعبية انها لن تفقد بحركتها ونضالها الا القيود التي تحيط بها وتحرمها من الشعور بجمال الحياة وبهجتها ، اشارك في التظاهرات في مساء كل يوم جمعة ، فاذا ما انتهت المسيرة اذهب الى البنوك لاساهم في اشعال الشموع احتفاء بالضحايا الذين قدموا حيواتهم من اجل تغيير الايام والتخفيف من ظلامها الدامس ، هذه الجمعة اشتركت معنا في تظاهرتنا الحبيبة دلال ، ما ان حدثتها عن هذه المسيرات المطالبة بإصلاح مسيرتنا حتى ابدت رغبتها في المشاركة :
- من كثرة ما حدثتني عن اصدقائك المطالبين بالإصلاح ،احببت ان اكون واحدة منهم !
- - ماذا تعنين ؟ هلى تحبين ان تشاركي معنا ؟
- احب ذلك واتمناه !
- هل يمكنك ان تتأخري في العودة الى المنزل يوم الجمعة ايضا ؟
- نعم ، لم تعد أمي تكثر من أسئلتها بشأن تأخري !
- هل تشعرين ان الاحتجاج من تأخرك اختفى من اسئلة امك ؟
- نعم اختفى ، حدثتها امس عن تظاهرات الجماهير فكانت مرحبة بالحديث ، بدا عليها الترحيب واضحا ، وجه امي معبر !
- وابنتها مثلها ، لقد اورثتك شمائلها ! هل امك جميلة ؟
- رائعة الجمال وان وخطها المشيب !
- وابوك ؟
- عظيم الخصال ! كان الاصدقاء يغبطونني على هذين الوالدين !
- والداك رائعان !
- دفعهما الحرص على مصلحتي للتقييد على تحركاتي !
- ربما زواجك من بهاء جعلهما يكثران من الحرص عليك !
- اكثرا من الاسئلة بعد انفصالي عن بهاء !
- اخبرتهما انه طلقك ؟
- لم استطع ان اخبرهما ان بهاء لم يوافق على تسجيل عقد الزواج !
- لا بأس ، ها انك تنقذين نفسك من براثن هذا الزواج....
هذه الجمعة بدت تظاهرتنا اكثر حميمية ، شاركت بها الحبيبة ، رحب بمشاركتها الاصدقاء الذين يخرجون كل جمعة ، رددنا الشعارات المطالبة بتحسين ظروف الحياة ، وشاركتنا دلال في الكثير منها ، شعرت بفرح كبير وحبيبتي بجانبي ، حين انتهينا من التظاهرة هرعت دلال الى منزل والديها ، ويممت وجهي نحو البنوك لأشعل الشموع ،حبيبتي سعدى تحييني وتبارك لي حبي الجديد ... دلال تتصف بروعة الشهيدة الحبيبة بكثير من الصفات ... اجعل منزلي جميلا لائقا بان تعيش فيه الحبيبة دلال ، ينصحني صديقي احمد بان تشارك دلال في تأثيث المنزل ما دمت احرص على ان تشاركني حياتي ، لكني لم احدثها بعد عن رغبتي ، اثق انها تبادلني الشعور وتسعد حين تكون معي ، ولكن بهاء ما زالت ذكراه تؤرقها وتجعلها لا تستجيب لعرضي بالسعادة وباقات الورود التي اقدمها لشريكتي ورفيقتي المستقبلية ، انظر الى القادم من الايام بتفاؤل انه سيكون اكثر جمالا مما وجدته في ايامي الماضيات ...

(72)
يجد بهاء انه لا فائدة يمكن ان يتوخاها من اصراره على عودة دلال الى القيود التي احاطا بها والى السجن الذي كانت تشعر انها محبوسة في داخله ، كانت تحبه وقد عرف هذه الحقيقة بعد ان صممت على الانفصال ولم يكن يدري انه بنكرانه حقها في تسجيل عقد الزواج يجبرها ان تحرص على ان تكون خارج قيود الزوجية ، لم يؤمن بالحب يوما وان صرح لكثير يظن ان شعوره صادق ، ولكن حياته المشتركة مع دلال جعلته يدرك انه لم يعرف عاطفة الحب التي تدعو المرء الى التضحية بكل شيء من اجل الحبيب ، في مناسبات صرح انه يحب والديه واخواته ، ولكن من يراقب حياته عن قرب يعرف ان علاقته بأسرته كان دافعها الخوف من عقابها ، لم يكن يعرف في دخيلة نفسه عاطفة الحب السامية ، وكل النساء اللاتي كان يبثهن حبه سرعان ما يتوصلن الى انه لم يعرف الحب الحقيقي وانه يخاف اسرته كثيرا ، وجد في دلال نكران الذات والايثار والرغبة في رضا بهاء ووالديه وتقديم المعونة المالية لهما ، ابنهما كان لا يملك النقود الكافية كي يساعد اسرته ، وتولت دلال ان تقوم بهذا العمل بدلا عنه وبعد ان فشلت كل محاولات بهاء في اعادة دلال الى سجن الزوجية تبين له انه مطالب بتوضيح الامر لوالديه انه غير قادر على مدهما بالمال في غياب الزوجة المضحية بنفسها والمتصفة بالإيثار ، اراد بهاء ان يعيش حرا ورأى ان حياته مع زوجة تلبي كل رغباته وتنسى نفسها كفيل بان يحقق له طموحاته في الحرية والحياة الخالية من المسؤولية ، واتضح له ان بقاءه مع زوجة تقوم بكل شيء يريده مقابل ان يحقق لها حقا واحدا هو الاعتراف بالزوجية هو ثروة كبيرة قدمت به على طبق من ذهب ولم يخسر هو شيئا ، يشعر الان انه فقد كل عناصر الحياة حين تمسك بحق كان يظن انه يحقق له الحرية ، عرف بهاء ان الحياة المشتركة لا بد فيها ان تقدم شيئا ان اردت ان تحصل على كل شيء ، وان اختلاف الشخصيات وتباينها يمكن ان يفيد الانسان ، فهناك المضحي من اجل من يشاركه الحياة كما كانت دلال ، وهناك المتكل على غيره ، المنتظر ان يقوم اخر بتقديم الخدمات له للحصول على الرضا مثل بهاء ، وان الحياة المشتركة بينهما كان يمكن ان تستمر ان اعترف بهاء بحق واحد من الحقوق التي تتمتع بها كل الزوجات العراقيات ، حاول بهاء ان يغير من طريقته في النظر الى الامور ، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل ، لأنها جاءت بعد فوات الاوان ، ادرك الان انه يجب ان يعتمد على نفسه في انقاذ هذه النفس من براثن الانانية واللامبالاة اللتين غرق في لجتهما وآن له ان ينقذ نفسه ان كان يعرف اصول السباحة ...

(73.)
انقلبت حياتك وتجددت ايامك ، اصبحت انسانة جديدة تنظر الى العالم بثقة وتفاؤل ، تحرص على ان تتذوق كل المباهج التي وهبها الله للبشر ، تستيقظ كل صباح مبكرة ، لتقوم بتمارين رياضية عادت اليها بعد ان تحسنت نظرتها الى الحياة ، تعد الفطور لها ووالديها ، بعد قليل تستيقظ والدتها وتحب ان تجد الفطور جاهزا امامها ، تعبت الام بما فيه الكفاية ، وآن لابنتها ان تعيد بعض الافضال عليها ، تتناول فطورها وتعد نفسها للذهاب الى العمل بفرح كانت تظن انه فارقها ، تحب الناس جميعا وزملاءها في العمل فهي معروفة بإقبالها على الاجادة والاخلاص والحرص على ما يتطلبه عملها من كفاءات ، عادت النضارة الى بشرتها التي ارهقتها طول المعاناة ، ليس من طبيعتها ان ترد على الكلمة القاسية بمثلها ، لا تحب ان تجرح شعور احد ، وتجد لمن يتفوه امامها بالكلام القاسي اعذارا ، وكثيرا ما يتنكر لها من لا يعترف بفضلها وعطائها ، تشعرين انك قادرة على ان تكوني سعيدة وانك تحبين ان تقدمي ما هو جميل لمعارفك وأصدقائك ، تحبين ان تتجاوزي الاساءات التي مررت بها وكل انواع الخيبات التي سببتها طيبتك وخلقك الرفيع ، اليوم تغيرت حياتك واصبحت على النقيض مما كانت ، لم تعودي تشعرين بالفشل وانك عاجزة عن تحقيق ما تصبو اليه نفسك ، ابتعد عنك الشعور المدمر بالإخفاق ، كلمات التقريع لم تعد تنهال عليك ان قمت بعمل من الاعمال او امتنعت لسبب من اسباب ، كنت قبل الارتباط انسانة قوية ، وكثيرا ما يخاصمك شخص معين لا لسبب ، ولا تعرفين لماذا

- اختلفت مع مديحة لأننا لم نكن على راي واحد تجاه بعض الامور السياسية !
- لكني احب مديحة ولم اختلف معها !
- لا بأس ، سوف اتفاهم مع مديحة بشأن اسباب الاختلاف ونتفق ، انت استمري على صداقتك معها !
لم تجدي مع بهاء التفهم الذي كنت اعتدت عليه في بيت اسرتك وأصبح عادة من عاداتك التي تعتزين بها ، وحين تعرفت على بهاء جاءك مطالبا اياك ان تغيري نفسك من اجله :
- كيف تدعين انك تحبينني ولم تؤمني بصحة ما اتخذ من مواقف !
تأبى نفسك ان تقولي له انك شخصية لها مواقف تميزها ولست امعه ، وبقي مستغلا لك مطالبا بالمزيد من التنازلات ..
لم تعد هذه الذكريات تسبب لك ألما ممضا كما كان ، هل تتخذين منها درسا وعبرة ؟
(74)
أتذكر محمودا رفيقي في السفر ، الذي تعرفت عليه وأحببته وعرفت قصة حياته مع زوجته الطيبة التي تقوم بكل شيء دون صخب ، اشتقت اليه فهو لم يتصل بي بعد عودته من السفر الا مرات قليلة ، فكرت به هذا اليوم وكما تمنيت اتصل بي هاتفيا لخبرني انه مشتاق لي وانني عزيز عليه وكانه يعرفني منذ زمن طويل وليس لأيام معدودة جمعتنا الغربة في دول تختلف مع وطننا الحبيب ويتباين اهلها عن مواطنينا كثيرا ، جاء لزيارتي قاصا علي اخباره السعيدة وايثار زوجته الذي يدفعه للملل ، فهي لا تقوم بمناقشته حول الامور المشتركة وكيف يسيران المنزل ، انما تقوم هي بكل شيء تحتاجه حياتهما المشتركة ، زوجته لا تكلفه القيام بشيء وهو ناقم على هذه السعادة ، تقوم السيدة بأعمال خارج المنزل واتقان عملها والمحافظة عليه من الضياع فهو مصدر دخلهما الوحيد ، ورغم ان له عملا الا ان المنزل المشترك نادرا ما يستفيد من عمله ذاك ، فهو ينفقه في شؤونه الخاصة يساعد اسرته احيانا ويشتري الكتب فهو نهم بالقراءة وحين ينتهي من قراءة كتاب يشرع في كتابة تلخيص ما يقرا وما وجد من افكار، يعجب بصحتها ولا يميل الى تنفيذها والاستفادة منها ، فهو يؤمن ان قراءة الكتب والاعجاب بأفكار مؤلفيها وكتابها لا يعني اننا يجب ان نقوم بتنفيذ ما جاء بها ، فحياتنا تختلف كثيرا عن حيواتهم ، حدثني محمود عن سمير وزوجته اللذين بقيا في جزيرة السعادة حين عاد جميع زملاء السفر الى البلاد ، سألته :
- لماذا بقي سمير وزوجته في الجزيرة ؟
- رغبة في التمتع بمناظرها الخلابة ، ثم حدث لها شيء اجبرهم على البقاء !
- ماذا حدث لها بحيث اضطرا الى البقاء وفقدا عملهما هنا ؟
- يقولان انهما امنا جوازي سفرهما عند ادارة الفندق وحين طالبا باسترجاعه ، انكرت ادارة الفندق انهما سلما لها جوازي السفر !
- غريب هذا الامر !ماذا سيفعلان ؟
- انت تعلم ان سفارتنا في الجزيرة لا تملك القدرة على اصدار الجوازات الجديدة !
- اعرف هذا ، وادرك ان الامر شديد الصعوبة !
- اتصل بي سمير مخبرا اياي بالمشكلة التي تعترض طريقهما وطلب مني ان اطلب من المسؤولين اصدار جواز سفر جديد بدلا عن الجوازين المفقودين ..
- وهل يمكنك ان تساعدهما ؟
- طلبت من سمير ان يرسل لي المستمسكات الاربعة ، اجابني انه صحب معه البطاقة المدنية اما المستمسكات الاخرى فهي في منزله !
- وماذا يمكنك ان تفعل ؟
- اتصل سمير بأخته وطلب منها ان تفتح شقته وترسل لي بطاقة السكن وشهادة الجنسية !
- كان الله بالعون !
ادرك انني محظوظ جدا ، وانه حين فجر الارهابيون منزلي واستشهدت الحبيبة سعدى كنت قد اخرجت البطاقة الموحدة التي توحدت فيها بطاقتان شهادة الجنسية والبطاقة المدنية ، اما حسابي بالمصرف فكنت احتفظ برقمه وضاعت كل الذكريات المشتركة لي ولسعدى ولم أفقد التاريخ الرائع لقصة حبنا وزواجنا ، ولكني استطيع ان اعيد كتابة مذكراتي وان اسجل كل ما مر بي من فرح وحزن ولن يثنيني ما اعرفه من تعرض المرء الى النسيان ...

(75)
يتأمل بهاء في حياته الماضية ويفكر طويلا في نتائج الايام التي لم يجرب فيها ان يقوم بعمل لوحده ، كان يكثر الاعتماد على زوجته دلال ، فهي القادرة على اخراجه من الاوضاع الصعبة التي يمر بها من استعمل فكره في حل المعضلات التي تواجه كل انسان ، لم يكن يدري ان الحياة تنتابها الاشواك القاسية ، حين تركته دلال لسوء معاملته لها وعاش مع اسرته لم تصير هذه الاسرة على بقائه في البيت منتظرا معينا يهل عليه دون تعب فلا يعرف الحصاد من لم يقم بحرث الارض وانقاذها مما علق بها من مخلوقات ضارة ، ومن بذر البذور وسقي التربة ، انتظر ان تأتيه غلات الارض دون مجهود ، وكثيرا ما كان يصرخ بوجه دلال :
- اين انت ؟ انا جوعان ،اين الطعام ؟
- انتظر قليلا حتى ينضج !
- ولماذا انتظر ؟ ماذا كنت تفعلين طوال النهار ؟
- عدت توا من العمل وكنت قد اعددت الطعام من الامس ، ووضعته الان على النار كي يسحن .
- لا احب الانتظار ، اريد ان اتناول طعامي حالما اشعر بالجوع !
- اصبر حتى يسخن الاكل ، الا تعرف الصبر ؟
- لا اعرف ، ولماذا اضطر الى معاناة الم الصبر وقسوته ؟
- كل شيء لا يمكننا ان نحققه الا بالصبر والجهد !
- وانت تجيدين الفلسفة ، لا تعرفين شيئا الا ان تكثري من الكلام ، لا احب ان اسمعك تتكلمين ! اريد طعامي فقط !
- هل يمكنك ان تجهز السلطة ؟
- لا يمكنني شيء ، شؤون المنزل ليست من اختصاصي ، كان عليك ان تعدي السلطة حين يكون الطعام في طريقه للتسخين !
- الان عدت من العمل ، ما ان غيرت ملابس الشغل حتى دخلت المطبخ !
- ولماذا ترفعين صوتك ؟ كل النساء يقمن بأكثر مما تقومين به !
- انا لا اصرخ ، بل اتحدث !
- اصمتي وهاتي الطعام !
ومضت الايام وبهاء لا يدرك انه بتصرفاته سوف يجعل دلال تهرب من حياته ، كان يظن انها تتحمل كل شيء لأنها تحبه ولا تستطيع الابتعاد عنه ، وتراه رجل حياتها ، وها ان عاقبة معاملته السيئة تظهر له ولكن بعد فوات الاوان ، هل يستطيع ان يغير من نتيجة سوء معاملته لمن احبته واخلصت له ؟ وما فائدة التغيير ودلال لا ترضى ان تعود اليه ، لم يبذل طول وجودها معه جهدا قليلا للمحافظة عليها وصيانة حبها ، الان فاق من غفلته وايقن ان كل شيء قد فقد منه ، وعليه ان يبدأ من جديد ليعيل نفسه ويساعد والديه ، وخاصة في هذا الوقت الذي ادركهما فيه الكبر ...

(76)
تغيرت معاملة اسرتك لك ، لم يعودوا الى الاسئلة الكثيرة عن الاصدقاء الذين قابلتهم في خروجك من المنزل ، وجعلوك تتأخرين عن موعد العودة ، احست امك انك تشعرين بسعادة لم تكوني تعرفينها قبل اليوم ، وانها تقف بجانب ابنتها العزيزة التي تحتاج الى المساندة والتضامن في هذا الوقت الذي اصبحت فيه وحيدة ، وان بهاء كشر عن أنيابه وظهر ما كان يستره من سوء الخلق والتلفظ بكلمات نابية يأباها المنطق السليم ، ادركت ام دلال ان ابنتها العزيزة قد جربت مر الحياة ولوعتها وهي تمر لان بفترة تختلف عن الايام الماضية ، تتحدثين مع امك عن السعادة الكبيرة التي تشعرين بها وتصفين صديقك الرائع الاستاذ غانم جليل الذي استطاع ان يقلب حياتك جمالا وبهجة بعد ان كانت سوءا متواصلا ، تدركين ان السعادة شعور وليست تملكا ، انها ان تعمل وفق ما تؤمن بصحته وليس ان تنفذ مشيئة الاعلى منك مركزا او الاكثر حبا للتسلط ، عاد الى وجهك الجمال الذي فقدته واستقام جسدك بعد ان جعلتك كلمات بهاء تسيرين وانت تنظرين في الارض خوفا من السقوط ، كلمات بهاء القاسية كانت تطاردك وتسلب منك جمال الثقة ويقين ادراك ما تتصفين به من صفات رائعات ، زال عنك العبوس وعادت نفسك الى الابتسام وظهر ما تشعر به نفسك على وجهك فبدا جمالك الاخاذ وعادت الصحة الى جسدك ونفسك بعد ان كنت تشعرين ان المرض يلازمك ولا يريد ان يفارق روحك ، تعودين الى ملابسك الجميلة التي اقتنيتها قبل ان ترتبطي وكان بهاء لا يحب ان ترتديها خوفا من اظهار جمالك ، كان يدعي انه حريص عليك وقد تناسى ان اخته وهي التي تكبرك تلبس اللامع الكاشف من ملابس ضيقة ترفضين انت الاقدام على شرائها ، في العمل رأى زملاؤك انك تحرزين التقدم كل يوم وان طريقتك في معاملة الزملاء قد تبدلت بعد ان كنت عابسة في وجوههم بدا لك ان الابتسام اجدى وانفع حتى ان النفس المبتسمة يقبل صاحبها على تجويد العمل واتقانه ، لقاءاتك مع الاستاذ غانم خلقت في نفسك شعورا انك تملكين العالم وان جميع من في الكون يباداك الحب ، ابتسمت الدنيا وجعلتك تشعرين ان نعيمها لا يدركه الا المتفائلون الواثقون بأنفسهم وانهم بايمانهم قادرون على زلزلة الجبال وصنع المستحيل ، تذهبين مع غانم جليل الى معالم بغداد الجميلة التي لم ترينها رغم انك عشت في العاصمة ، لكنك قبل الزواج كنت لا تستطيعين الخروج لوحدك ، وان خرجت لأمر من الامور تعودين بسرعة الى المنزل خوفا ان يسارعوا بطرح السؤال :
- اين كنت ؟
- مع صديقتي !
- من هي وما اسمها ؟
- انها زينب !
- من ابوها واين تسكن ؟
لم يعد والداك الى مثل هذه الاسئلة التي كانت تسبب لك الارهاق ، تغيرت معاملتهم لك ، بعد ان وجدوك تعاملينهم بكل رقة وتجيبين عن تساؤلاتهم التي مبعثها الخشية على امانك والابتسامة على وجهك ، الغضب من كل حركة يبديها اهلك رأيت انه ليس مناسبا وانت تقررين ان تبدئي من جديد ، لتغيري حياتك وتضعي حدا للأيام السود التي ما زالت مرارتها تؤرقك ....

(77)
يبدأ مهرجان الافلام للروايات القصيرة في بغداد ، اطمح ان احضره مع الحبيبة دلال ، التي اصبح اللقاء بها يجعلني في تمام السعادة ، لم تر حبيبتي بغداد على طبيعتها الخلابة ، وقضت ايام حياتها الماضية في حرمان دائم ، دعاني القائمون على المهرجان لحضور الافلام المعروضة والتي تشارك بها العراق والدول العربية والدول الجارة بأفلامها القصيرة ، ذهبت الى المهرجان ويد دلال في يدي وجلسنا متلاصقين ، الافلام المعروضة متنوعة ، اغلبها جميل وممتع ، تعرفنا الى القلم القصير ومزاياه في تونس والمغرب والسودان وايران وتركيا ، وشاهدنا ما ابدعه الفنانون العراقيون تعبيرا عن الاحداث الجسام التي مرت على بلادنا الحبيبة واستطاع شعبنا ان يتغلب عليها ، وان يعود الى حياته المستقرة الآمنة التي جعلتها الحروب تتراجع الى الخلف ، سعدت بان اقرا نظرات السعادة تنبعث من عيني دلال الجميلتين ، قرأت فيهما نظرات الحب الكبير الذي تكنه لي ، هذه العاطفة الجميلة التي كانت دلال تحاول ان تئدها وهي تشعر ان نارها سوف تشعلها وهي ما زالت مقيدة بأغلال الزواج الي لم تعش حلاوته مع بهاء ، أحسست ان دلال تودني كثيرا ، وظننت في اول وهلة ان الاعجاب المنبعث من عينيها مبعثه الى الاختلاف الكبير الذي تجده بين شخصية رجلين ، بهاء الذي كان لا يحسن شيئا وكثيرا ما ارهقها واغتال فرحتها بطلباته التي لا تنتهي ، وانا الانسان الناجح الذي يحلو لأصدقائي ومعارفي ان يصفوني به ، الآن وقد زالت عنها الكربة اشعر بسعادتها ومحبتها لي وكأنها تشكرني على انني ساهمت بعض الشيء في التغيير الكبير الذي احدثه الانفصال عن بهاء في حياتها ، وجعلها تنظر الى آيات الجمال المبثوثة في الوطن بإعجاب ، وكانت قبل الحرية تكاد لا ترى اي شيء جميل ، شاهدنا معا الافلام المعروضة اعجبنا بالفلم القادم من المغرب الذي احرز عاصفة من التصفيق ، كما نال اعجابنا الفلم العراقي الذي يتحدث عن النصر الذي احرزه الابطال على قوى الظلام ،ألاحظ ان دلال تبدو وكأنها تخلق من جديد ، كم للمشاعر من قدرة على احداث الانقلاب في النفوس ، خرجنا من صالة العرض ونحن نشعر بالحياة بملء نفوسنا واننا احرار نتمتع بكل الجمال الذي وهبه الله لنا ، تمسك دلال بيدي محاولة ان تظل معي اكبر وقت ، اشعر برغبتها التي تفرحني :
- ما رأيك ان ارفقك في الطريق الى منزلك ؟
- احب هذه الرفقة !
- سوف نجرب التمشي في شوارع بغداد ، هل يمكنك مرافقتي ؟ هل يسبب لك احراجا من اسرتك ؟
- اسرتي اضحت تعبر عن حبها واعتزازها بي !
- الحمد لله ...
نخرج وايدينا متشابكة من الفندق ونسير في ساحة الفردوس ، تلوح لنا حرارة الجو ، فلا نبالي بها ،الساعات الممتعة من العمر لا تتكرر دائما ، تشرع حبيبتي بالغناء ، انها تحفظ اعاني فيروز وتؤديها بإتقان وجمال ، استمع اليها واشراكها الغناء نصل الى ساحة كهرمانة :
- هل تلاحظ ان اللصوص قد زاد عددهم ؟
- نعم تضخم العدد بشكل مرعب !
- لماذا ؟
- لأن كهرمانة لم تعد تصب عليهم الزيت المغلي !
- وهكذا عاث المفسدون دون رادع !

(78)
يأخذ محمود بطاقة السكن من اخت سمير ، وتصل اليه البطاقة المدنية من جزيرة السعادة بالبريد السريع يراجع الجوزات عله يساعد صديقه في الحصول على جواز جديد ليعود به الى ارض الوطن الذي اشتاق اليه كثيرا ،
الازدحام شديد وكل نافذة يتجمهر عليها المراجعون ، كل منهم يود الحصول على بغيته ، يقف محمود قرب الواقفين ، طابورا ينتظر كل واحد دوره للاستفسار عما جاء الى هنا من اجله ، لا يلبي كل الواقفين رغبة المجموع باحترام دور كل واحد ، يرى بعض الواقفين يتزاحمون على النافذة دافعين من كان قربها :
- من فضلك استاذ قف بصفك !
- لا يمكن ان اقف مع كل الناس !
- ولماذا ؟ لا فرق هنا بين مراجع وآخر !
- انا لواء وعلى الجميع احترامي !
- هنا لا فرق بين الناس ... المواطنون سواء امام القانون !
- احترمي نفسك واعرفي من تتحدثين معه !
- انا احترم نفسي !
- نادي مديرتك لتنظر في امرك ! كيف تبيح لك ان تتصرفي معي بهذه الوقاحة ؟
- عفوا سيدي !
- لو كنت ارشوك كما يفعل الاخرون لما تجرأت على مجادلتي !
- قف بالدور وسوف انادي المديرة !
ينقسم المراجعون بين مؤيد لما يطلبه اللواء وبين معارض له وان المساواة يجب ان تسود بين الناس على اختلاف رتبهم !
يتقدم محمود الى الموظفة :
- عفوا ، هل تجديد الجوازات يتم عندكم ؟
- اذهب الى النافذة رقم 2
ينفذ محمود ما طلبته الموظفة :
- ليس عندنا ، اذهب الى النافذة رقم 3
- الا تنظر ! اذهب الى النافذة رقم 5
- ليس عندنا طلبك !
- ايها الناس من يدلني على من يلبي طلبي ؟
- اذهب الى المديرة ، سوف تسمعك !
- ليس هنا ما تريد ، اذهب الى النافذة 2 في الطابق 7 وسل عن الموظف سامي
يجد محمود ان الازدحام على المصعد كبير ، ينتظر ان يخف قليلا ، فالمصعد لا يتحرك ان كان عدد ركابه اكثر مما يتحمل ، يصمم الصعود الى الطابق السابع بالسلم :
يفكر محمود :
- سوف استعمل السلم بالصعود لان الازدحام شديد وألجأ الى المصعد بالنزول
- لم يعد الموظف سامي هنا ، انتقل الى الطابق السادس !
يستريح محمود من عناء صعود السلم وينزل الى الطابق السادس :
- ما علاقتك انت بالأستاذ سمير الذي اضاع جواز سفره ؟
- انه صديق لي !
- ليس عنده اخ في بغداد يقوم بالمراجعة له للحصول على بدل عن الجواز المفقود ؟
- عنده اخت واحدة ، كبيرة بالسن !
- لا يهم كبر سنها ، فلتراجع هي !

(79)
تنظرين الى المرأة وتجدين ان الدماء عادت الى وجهك وأكسبته لونا ورديا كان مفقودا ، يسعدك التغيير الذي حصل لك وجعل جسدك يستجيب له بفرح كبير ، تفكرين ان تحدثي تغييرا في طريقة سيرك :
- انت تسيرين وانت محدبة الظهر ، لماذا لا يستقيم عودك ؟
تتدربين على الوقوف باستقامة ، يزول الالم في الظهر الذي كان يصاحبك ، لا تحبين منظرك الان ، فشعرك يحتاج الى قصة جديدة ، وجسمك يعاني من السمنة في بعض مناطقه ، وغانم جليل يحب رؤيتك جميلة فاتنة ، يلاحظ ما ظهر على شكلك من جمال ويبدي اعجابه ، على النقيض مما كان عليه بهاء الذي لا يلاحظ شيئا مهما قمت به من تغيير ، ان ارتديت ملابس جميلة او غيرت تسريحة شعرك او اديت بعض التمارين الرياضية لإكساب جسمك الرشاقة التي تضفي عليك الصحة ، تعلمت ان الصحة مرادفة للجمال وانك ان تعودت على العناية بصحتك اصبحت جميلة ، تقومين بتمارين رياضية كان بهاء يسخر منك ان رآك وانت تقومين بها :
- ما فائدة هذه التمارين ؟ لن تصبحي رشيقة وليس بقدرتك ان تغيري شكلك !
تغضبين ولكنك كعادتك كل مرة يثير بهاء غضبك وتكتمين ما تشعرين به من قهر رغبة بالاحتفاظ به ولم تتساءلي مرة الى متى يطول صمتك وخشيتك من فقدانه وهو سلبي لا يشجع اي رغبة من رغباتك الكثيرة التي تصرخ بك معلنة عن تعاستك ، لماذا تتذكرين تلك الايام السوداء والليالي الطويلة ، التي تشهد بحرمانك المستمر وانت في فرحك الجديد ، لماذا تأتيك ذكرى الحرمان المستمر الذي عشته مع بهاء وانت تتأهبين لبدء حياة جديدة مع انسان حبيب يرحب بك ويثني عليك ، صحيح انه لم يعبر لك عن الحب ، لكنك تقرئين حبه وتقديره لك في كل كلمة يقولها وكل حركة تصدر عنه ، عيناه المعبرتان شاهدتان على مدى حبه لك ، جربت الحرمان الطويل وآن لك ان ترتاحي وان تبدئي من جديد وتنهلي من بحر الحنان الذي اكرمك الله به ، تمرنين نفسك الا تسبب لها الذكريات التي عشتها مع بهاء الما ، وان تستفيدي منها تجربة تضيف اليك خبرة وعظات ، تنجحين في مسعاك ، تتذكرين الايام السوداء التي مضت مع بهاء فلا تشعرين بالألم يستبد بك ولا يأتيك شعور قوي ينتابك انك لم تحسني الاختيار وكان الاخفاق نصيبك ، كل انسان معرض للخطأ ولست مخلوقة كاملة كي تعرفي الطريق الصائب فتسلكينه ، عرفت بعد اجتيازك للتجربة المؤلمة ان الكلمات التي يقولها الانسان ليست دائما تعبر هن حقيقته ، اليوم تقارنين بين رجلين ، الاول قال لك كلمة :
- احبك
وهو لا يعنيها ولا يعرف ماذا يعني الحب ، ورجل اخر يختلف عن الاول تمام الاختلاف عبر لك عن الحب في كل المواقف والتصرفات وانت تثقين بحبه رغم انه لم يعبر لك بالكلام ....
تذهبين الى احد صالونات الحلاقة للنساء وتقصين شعرك ، تنظرين الى المرأة فاذا مخلوقة جديدة رائعة الجمال تحييك وتبثك مشاعرها الجياشة ، وانت ترحبين بها فالسعادة تضوع منها ، وأريج العطور ينبعث منها وهي تسلم عليك بحرارة وتخبرك ان الحياة سوف تتغير وانك سوف لن يقابل حنانك وحبك باللامبالاة فيتحطم قلبك ....

(80)
ادعو صديقتي الحبيبة الى بيتي ، اخبرها ان سعادتي ستكبر حين تأتيني الى منزلي وتشاركني يوم الجمعة حيث العطلة الاسبوعية وان السرور سيعمرني حين أهيئ لها طعاما لذيذا كنت معتادا على اعداده ايام كانت سعدى تشاركني الحياة ، كنت كثيرا ما أقوم بمهمة اعداد الطعام رغبة في مساعدة الحبيبة الشهيدة ، كانت ترفض في البداية لئلا ينتقدني بعض الاشخاص الذي يدعون برغبتهم بالمساواة بين الجنسين ولكنهم يكتفون بالشعارات ولا يترجمونها الى واقع الحياة ، ويكلفون الزوجة بكل المهام المنزلية من طبخ وتنظيف وتسوق وغسل الاواني بالإضافة الى انها ترهق نفسها في اعمال تتطلبها الوظيفة ، ويخرج الزوج ويمتع نفسه تاركا المرآة مع اعمال منزلية لا يمكن ان تنتهي وان تحدثت معها عن ضرورة ان تكون شعاراتنا معبرة عن حقيقتنا قالوا انهم رجال ولا يجب ان يقللوا من شأنهم في اشغال اريد منها التقليل من شان المرأة وجعلها مقيدة في سجن لا يمكنها الخلاص منه ، هيأت المواد التي يحتاجها صنف الطعام الذي سوف اعده ، وقد عرفت ان دلال تحب المقلوبة وانواع السلطات ، فاشتريت نوعا جيدا من الباذنجان بالإضافة الى القرنابيط وكان متوفرا عندي في المنزل البصل والطماطة والخيار واللبن والخس والليمون الحامض ، كما جهزت النبيذ الاحمر الذي عرفت اخيرا ان دلال تفضله ’، كما ان الحبيبة تحب الكثير من الاغاني فيروز وام كلثوم وحسين نعمة ومائدة نزهت ورياض احمد وعندي كل الاشرطة لهؤلاء المطربين الذين اتفق انا ودلال على حبهم والاستماع اليهم ، اخشى ان تصادف دلال بعض المتاعب في اقناع اسرتها انها سوف تقضي يوما كاملا معي وهم لا يعرفونني مع ان دلال حدثتني انها اخبرت امها عن صداقتنا وانها تثق بي ولا اعرف بعد هل تدرك دلال انني راغب بالزواج منها ، اعرف انها تدرك حبي لها وتعرف بمدى اخلاصي رغم انني لم ابح لها بهذا الحب ، سأحدثها غدا الجمعة انني ارغب ان نكون معا فيما تبقى من اعمارنا التي نأمل ان تكون سعيدة ، لأننا سوف نبتعد عن كل ما من شأنه ان يثير الغضب ويستبد بالنفس ويجعلها تغلي من التوتر وعدم الرضا ، انا ودلال جربنا الحياة وان كانت حبيبتي قد اذاقها الاختيار الخاطئ العلقم من الايام ولم تجرب جمالها ، الا انني واثق ان التجربة قد افادتها واضافت اليها رصيدا من المعرفة لا يمكن ان يحصل عليه الانسان ما لم تعركه نوائب الدهر ، سوف احدث دلال برغبتي التي اخذت تكبر وخاصة بعد ان عدنا من رحلتنا الى جزيرة السعادة وشاركتني في النشاط الذي اقوم به من نضال ومطالبة بإصلاح العملية السياسية وانقاذها من الاخطاء التي لحقت بها كما ان دلال اشتركت معي في الاحتفاء بضحايا التفجيرات واشعلت الشموع ، وتمكنت دلال من تغيير شخصيتها وعرفت ان التشاؤم الذي كان يخنقها لا يجلب لها الا الانهزام والبعد عن الاماني التي يمكن ان نحققها بالتفاؤل والترحيب بالحياة ، مرحبا بالغد الذي سوف يهل علينا ويأتي بالفرح ، فتبتسم الدنيا وتصحك الايام وتعرف ان لا شيء مستحيل امام تصميم الانسان واصراره على تحقيق التغيير نحو الافضل ، دلال الحبيبة آن لها ان تجد السعادة في الحياة وسوف اقف بجانبها واذلل لها الصعوبات ، ادرك انها كثيرا ما تتذكر الايام المرة والليالي الحالكات التي تذوقتها مع بهاء ، الذي اصبحت اشفق عليه فهو لا يملك القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب وغالبا ما يقوم بتقليد اخواته او احد افراد اسرته ..

(.81)
تبدأ السيدة اخت سمير بمراجعة دائرة الجنسية للحصول على جواز جديد بدلا عن جواز اخيها الذي فقد في جزيرة السعادة ، يخبرها محمود انها يجب ان تراجع الاستاذ سامي في الطابق الخامس ، وبيدها بطاقة الجنسية الموحدة التي ارسلها اخوها سمير وبطاقة السكن التي وجدتها في الحقيبة الجلدية التي يحتفظ بها سمير بأوراقه المهمة ، تجد الازدحام شديدا حول النافذة في الطابق الخامس :
- من فضلك اخي اريد ان استفسر عن امر واحد !
- وانا ايضا اريد معرفة جواب واحد !
- قفي بالدور حجية !
- من فضلك استاذ هل تجديد الجوازات هنا ؟
- واين الجواز القديم ؟
- ضاع !
- كيف ضاع ؟ هكذا بكل بساطة تقولين ان حوازك قد فقدته !
- ليس جوازي انا، بل جواز اخي !
- واين اخوك ؟ لماذا لا يراجع هو ؟
- اخي مسافر خارج العراق !
- ومتى اضاع الجواز؟
- في الدولة التي ذهب اليها !
- وهل عندك وكالة عنه ؟
- لا..
- اطلبي منه وكالة كي تستطيعين المطالبة بتجديد الجواز ..
- نعم سأطلب توكيلي !
- ما رقم الجواز ؟ وهل نشرتم خبرا عن فقده في الصحف ؟
- لم ننشر خبرا !
- انشروا خبرا في الصحف تذكرون فيه رقم الجواز وتاريخ صدوره ومن اي دائرة وظروف فقدانه !
- هذه مجموعة اسئلة وليس سؤال واحد ! قلت ان عندك سؤال فقط !
- انتظري بعد نشر الخبر اسبوعين وحين لا تجدون الجواز راجعوا !
- ارتاحي حاجة ، اجلسي هنا وارتاحي قبل النزول !
تعود الحاجة فاطمة اخت سمير وتهاتف اخاها وتخبره انه يجب ان ينشر خبرا عن ضياع جوازه ..
- هل انشر الخبر في صحف جزيرة السعادة ام في الصحف العراقية ؟
- انشره في الصحافة العراقية ، فلم يعرفوا انك مسافر !
- لا بد انهم يعلمون ، لا يوجد امر تجهله سلطات بلادنا !
- وكيف يمكنهم ان يعرفوا ؟
- بواسطة الحاسوب يمكن ان يتوصلوا الى معرفة ان أخاك مسافر ولم يعد !
- انشر خبر ضياع جوازك في صحافة جزيرة السعادة !
- لا اظن انني استطيع !
- لماذا ؟
- هنا لا يتم العمل كما في بلادنا !
- ولماذا لا تلجأ الى السفارة العراقية في جزيرة السعادة ؟
- طلبت منهم اصدار بدل عن جوازي المفقود ، قالوا انهم لا يملكون الصلاحية !
- وماذا يجب ان افعل ؟
- اذهبي الى دائرة الجوازات واخبريهم ان الجواز فقد مني في الجزيرة !
(82)
تحبين ان تكوني قوية مثل حبيبك غانم ، اخبرك انه كان مناضلا من اجل ان يصبح وطنه من ارقى الاوطان ، وان ينعم مواطنوه بالعيش الكريم ، لم ينتم الى حزب معين ، بل عمل على مساعدة احد الاصدقاء الذين اتهمنهم السلطات حينذاك انهم اعضاء في حزب يناوئ السلطة ويكن لها العداء وان كان لا يرغب بتغيير النظام بالطرق العنقية بل كان يسعى ان يتم التغيير عن طريق النضال السلمي :
- ماذا فعلت كي تساعد صديقك المتهم بالتحزب ؟
- اعتقل فقمت بمساعدة اسرته وجمعت لها التبرعات ،
- وماذا كان يشتغل صديقك ؟ وهل فصل من العمل ؟ نتيجة الاعتقال ؟
- لم يكن موظفا ، بل كان عامل بناء !
- ويستلم ما يستحقه نتيجة العمل بعد انجازه !
- نعم ، لهذا وجدت ان اسرته لم تكن تجد من يعينها على امور الحياة ، ويلبي طلباتها المعاشية ، فقمت بحملة جمع تبرعات لمساعدة اسرة صديقي !
- وهل نجحت في جمع كمية مناسبة من النقود تكفي اسرة الصديق المعتقل ؟
- لم اجمع الا القليل ، علمت السلطات بعد ان فشي احد المعارف ممن طلبت منهم التبرع بأمري ، وتم اعتقالي واستجوابي !
- هل اعتقلت لهذا السبب ؟ وانت تقدم المعروف ؟
- مادام من اقوم بمساعدته معتقلا ، فكان ينظر الى عملي وكانه تحد للسلطة الحاكمة !
- وهل تعرضت للتعذيب ؟
- عذبوني رغبة بكشف أسماء الذين كانوا اعضاء في الحزب المطارد !
- وماذا كان موقفك ؟
- لم اكن اعرفهم ، صديقي عامل البناء المعتقل لم اعرف انه عضو في الحزب الذي تحاربه السلطات المتنفذة !
- ولماذا اعتقلوك ؟
- كل من يبدي رأيا لا يوافق اراء السلطة او يقوم بعمل لا يرضيها يكون مصيره العقاب !
- وكيف اخرجوك من المعتقل ؟
- ادركوا انني لا أعرف احدا من الذين كانوا معتقلين معي ، فأخرجوني من المعتقل !
- ولم يحاسبوك مرة اخرى ؟ اعرف الكثير ممن اعتقلوا في ذلك الزمان تظل تهمهم تطاردهم مهما ابتعدوا عن مواضع الشك !
- كيف يمكن الابتعاد والكل مذنبون الى ان تتم براءتهم ؟
- نعم جميعنا كان مذنبا ، حتى انا البعيدة عن السياسة كنت معرضة للاتهام لأني اصمت احيانا ولا ابدي رأيا يناسب السلطة !
- مررنا بالكثير من المآسي والمتاعب ..
- وجاء التغيير على يد الاحتلال الامريكي !
- امريكا وقفت ضد التغيير في العراق حتى يحين الوقت فيكون التغيير تحقيقا لمصالحها !
- لهذا يجب ان نواصل النضال من اجل الاصلاح !
- والفاسدون لا يمكن ان يبتعدوا عن النهب وسرقة الثروات..
- ان اتحدت القوى المحبة للعراق سوف تنجح في تحقيق الاصلاح !
(83)
تلبي صديقتي دلال دعوتي للغداء في منزلي ، جهزت كل ما يلزم لاستقبال العزيزة ودعوت صديقين لي ممن يعرفانها تمام المعرفة ويكنان لها الاحترام والتقدير ، لم تر دلال منزلي وقد كنت انتظر الوقت المناسب كي ادعوها ، الوضع الصعب الذي كانت تعاني منه نتيجة اخفاقها في العيش مع بهاء ، وعودتها الى بيت اسرتها الذين يحرصون عليها كثيرا ككل الاسر البغدادية ويخافون من كلام الناس فهي المطلقة التي تتعرض الى الاتهامات وسوء الفهم من اشخاص كثيرين ، صارت دلال تتفهم دوافع ابويها وتدرك ان لهم اسبابهم في كثرة الاسئلة التي تنهمر عليها بعد كل خروج من المنزل ، وأين ذهبت ومن قابلت ولماذا تأخرت ، كانت دلال تقاسي من حجم الاستفسارات التي تنطلق من اسرتها المحبة ، وكانت تظن انها الوحيدة من بين النساء من تواجه سلسلة من مواقف الشك وانعدام الثقة ، لكنها بعد مرور وقت من المعاناة ادركت ان الالاف من النساء يشاركنها نفس المعاناة وان الاسر العراقية معروفة بحب بناتها والحرص عليهن لهذا توجه لهن الاسئلة الكثيرة ..
وصفت منزلي لدلال واعطيتها عنوانه وكنت اتوقع انها سوف تتصل بي طالبة مني ان اذهب لملاقاتها ، ولكن الذي فاجأني وادخل الفرح الى نفسي انها وفت بوعدها لي وان تكون امام بيت منزلي في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة ، وقد ارتأيت ان تكون زيارة الحبيبة لي في عطلة نهاية الاسبوع ، فانا اعرف انها موظفة ولا تحب ان تقصر في واجباتها ، رن جرس الباب في تمام الساعة العاشرة ، شعرت بالفرح يغمرني وكان الصديقان سامر سعيد ونبيل عبد السادة قد وصلا قبل نصف ساعة من موعد وصول الحبيبة دلال ، لم ادع مع صديقي سعيد ونبيل زوجتيهما ، فقد اجلت دعوة زوجات الاصدقاء الى ان نعلن حبنا امام الناس ، ولم أشأ ان تكون لوحدها في بيتي لئلا يشك الجيران بدوافع الزيارة ، وكلنا يعرف اننا نعيش بين قوم يشكون في طبيعة العلاقات التي تقوم بين رجل وامرأة ، دلال تثق بي وتثق بنفسها لهذا جاءت الى منزلي وهي مطمئنة تماما ، وربما تعرفها بي ووثوقها جعلها تقارن بيني وبين رجل آخر قد فشل في جعل علاقتهما الزوجية تستمر ، لأنه كان انانيا لا يحب الا نفسه وابت عليه انانيته ان يتنازل قليلا ويلبي ما تريد دلال منه وهو حق من حقوقها التي جعلها نبلها تتنازل عنها ..
جاءت دلال وهي رائعة الجمال ، بدت في هذه اللحظة اكثر جمالا واشد رقة مما كانت عليه في الايام التي جمعتنا معا في احد المقاهي البغدادية او حين مشاركتنا للمتظاهرين وهم يطالبون بتغيير الاوضاع والقضاء على الفساد ..
حيتني دلال برقة كما عهدتها وحيت الصديقين اللذين كانا يعرفانها وجلست على كرسي قدمته لها ، لم يكن منزلي قد اكملت تجهيزه بعد ، بعض الامور تنقصه ، ولم استطع ان اجهز عرفة المائدة كما كانت الشهيدة الحبيبة سعدى تطلب ان يكون في منزلنا المشترك ، فانا الان لست من اصحاب المال الذين يستطيعون ان يجعلوا بيوتهم جنة يستقبلون فيها حبيبتهم ، انا من متوسطي الدخل ودلال ايضا من متوسطي الدخل ولا احد فينا ومن اصدقائنا يمكن ان ينتقدنا اننا لم نستطع ان يكون منزلنا كما نريد، لم احدث دلال برغبتي ان تكون شريكتي في الحياة واجلت حديثي الى وقت آخر حتى تتمكن من التعرف علي بصورة صحيحة والا تتدخل عاطفتها نحوي بان تغالي باتصافي بروعة الصفات ، ادرك ان دلال تحبني بشدة فهي عاطفية ورقيقة وقد اعجبت بموقفي المساند لها عند اشتداد الازمة بينها وبين زوجها السابق ، فقد دافعت عنها وانها زوجة عراقية من حقها ان يعترف زوجها بالعلاقة الزوجية التي تربط بينهما بتسجيل عقد الزواج في المحكمة ، لأنه بدون هذه الخطوة الضرورية تظل المرأة محرومة من كل الحقوق ،
كان الوضع الامني موضوع الساعة وكان الناس يتناقشون في ضرورة المطالبة بتحسين ظروف الحياة والتقدم في الخدمات لان ما نشهده من واقع مر لا يتناسب مع الحياة العصرية التي نناضل من اجل الوصول اليها ، اعجب الصديقان سامي ونبيل بآراء دلال التي تدل على ثقافة واسعة ودراية بالأمور العامة ومتابعة لكل ما يسعى اليه المواطنون ، كانت افكارها قيمة تعجب كل واع يبادلها الحوار....

(84)
تتصل شقيقة بهاء به وتطلب منه ان يرسل لها توكيلا لتستخدمه للحصول على جواز جديد ، تسأله :
- لماذا لا تطلب من السفارة العراقية في الجزيرة ان تساعدك في اصدار جواز جديد ؟
- طلبت منهم ولم يوافقوا !
- لماذا ؟ ما هي الأسباب ؟
- في البداية قالوا انهم لا يملكون صلاحية تجديد الجواز !
- وهل انهم لا يستطيعون حقا ؟
- نعم ليس بمقدورهم ان يقوموا بالتجديد ، بل يمكنهم ان يمددوا فترة صلاحية الجواز للاستخدام !
- اطلب منهم ان يزودوك بكتاب يساعدك على أن تعود لوطنك !
- ليس لي وطن !
- لماذا تقول هذا ؟ العراق بلدك ، تملك فيه حقوقا ومهنة دائمية !
- لكنني مللت من الوضع غير الآمن في البلاد !
- ساهم في النضال من اجل اصلاح الاوضاع !
- لا فائدة من النضال !
- وهل وجدت وطنا بديلا ؟
- قدمت طلبا للجوء الى جزيرة السعادة !
- وبماذا اجابوك ؟
- سينظرون في طلبي ، ويجيبون بعد فترة !
- ولماذا تطلب جوازا عراقيا جديدا ؟
- هم قالوا يجب ان يكون جوازك صالحا !
- ومن اضاع جوازك وقد كان صالحا ؟
- لا ادري فقد مني في السوق ؟
- وهل نشرت خبرا عن فقدانك له ؟
- لم افعل شيئا ، اعاني من عدد من المشاكل !
- وهل هروبك الى بلاد اخرى سيخفف عنك المشاكل ؟
- لا أدري ....ان البلاد التي سافرت اليها ولجأت تسمى جزيرة السعادة !
- ولك شهران وانت فيها ، هل وجدت السعادة ؟
- لا ادري ..
- ومن يدري؟
- جزيرة السعادة فيها الحياة آمنة ، يحرص الناس على نظافة المدن والشوارع منظمة ، لا احد يرتفع صوته على الآخر !
- وهل هذه الأسباب كافية للهروب من البلاد ؟
- الامن سبب كاف كذلك النظام في المدن !بالإضافة الى الاسباب التي ذكرتها ، فأنا مريض واحتاج الى رعاية صحية ، لا تتوفر في بلادنا .
- وهل يمكنك ان تجد العلاج المجاني في جزيرة السعادة كما اعتدنا على توفره في بعض المستشفيات الحكومية ؟
- لا أدري ، العلاج المجاني يتوفر لأهل البلاد فقط ، اما الاجنبي فيجب ان يدفع النقود لقاء ما يصفون له من علاج !
- وهل طلبت من سلطات جزيرة السعادة ان يمنحوك جنسية بلادهم ؟
- هم لا يعطون جنسيتهم لأي اسان الا في ظروف معينة !
- وكيف تطلب منهم جنسيتهم وانت تدري انهم لا يعطونها ؟
- طلبت منهم اقامة طويلة !
- وما هي الحقوق التي تمنحك اقامتهم ؟
- ليس هناك حقوق ، اشعر انني أعيش في مكان افضل في جزيرة السعادة !

(85)
أسعدتك الجلسة مع الحبيب غانم جليل ، وتمتعت بالحوار مع الصديقين العزيزين ، احاديث عن الوضع العام والمتاعب التي يمر بها العراق وكيف يمكن للمواطنين ان يساهموا في تخفيف الاعباء التي يعاني منها الوطن ، يرى الأستاذ سامي ان تعزيز الوحدة الوطنية خير الطرق للخروج من الازمات العديدة التي نعاني منها ، تؤيدين وجهة نظر الصديق العزيز ويقف معكما الحبيب غانم والصديق نبيل ، وترون ان على الجميع ان ينسى الخلافات الجانبية والنعرات الطائفية والفوارق القومية ، فالعراق هو بلد الجميع ولن يرى السعادة مواطنوه الا عن طريق الوقوف مع بعصهم البعض ، فالجميع متشابهون متفقون على حب الوطن وان يعود العراق الى سابق عهده في التقدم والازدهار ...
شعرت ان منزل غانم هو منزلك ورغم انك تزورينه للمرة الأولى ، الا انك لم تشعري انك غريبة على المكان ، ولم تتساءلي لماذا حرص غانم على دعوة اثنين من اصدقائه المقربين الى وجبة الغداء ولم يدع احدى صديقاته وأكثرهن ايضا صديقات لك ، شعرت بارتياح كبير ولم يفارقك هذا الشعور طوال الجلسة وقد استمرت منذ الساعة العاشرة صباحا الى ما بعد الساعة السابعة مساء ، ولم تتساءلي عن سبب قبولك للدعوة وانت لم تلبي اي دعوة من صديق او صديقة منذ وقت طويل ، لقد انساك بهاء قيمة الصداقة الحقة ، التي تكسب الانسان معرفة صائبة وادراك قويم واهم شيء الثقة بالنفس والشجاعة في الحكم على الاحرين ..
شعرت بالرضا عن نفسك الذي فارقته منذ فترة طويلة ولم يستبد بك الخوف عن كيف ينظر لك الاخرون وهل يغيرون موقفهم منك وانت تزورين رجلا ارملا في منزله ، اشخاص كثيرون ينظرون الى العلاقات بين الجنسين ويجردونها من الصداقة ويظنون ان كل علاقة بين رجل وامرأة لا بد ان يكون الشيطان ثالثهما ، هذا ما وصلنا من اقاويل لا يمكن ان تكون حكما لكل انواع الصداقات التي تتميز بالاحترام والتقدير ...
ورغم ان شكلك جميل كما يقول لك الاصدقاء ، الا انك تحرصين على العناية بالصحة فهي التي تحفظ لك الجمال وتزيده وتوصلك الى الاناقة ، انت لست سمينة ورغم منظرك الرشيق فقد قررت ان تسيري نصف ساعة يوميا وان تسجلي في احد النوادي الرياضية كي تحافظي على رشاقتك التي تعني انك تتمتعين بالصحة والعافية ، طيلة فترة زواجك توقفت عن التمارين الرياضية التي كنت تمارسينها في النادي الرياضي الذي تملكه صديقتك نجاة ، تقررين منذ اليوم ان تعودي الى زيارة نجاة والى العودة الى التمارين الرياضية التي تكسبك قوة الروح وجمال البدن ..
تعودين الى منزل اسرتك وانت بعيدة عن الخشية ان تنهمر عليك التساؤلات عن سبب تأخرك واين كنت ؟ وفي بيت من من الصديقات ولماذا لم تقم هذه الصديقة بزيارتك بدلا ان تزوريها انت ، لقد تغير الاهل ، ولم يعودوا الى الاسئلة التي كانت تثير غضبك ، ادركوا انك اهل للثقة ولن تقومي باي امر يثير الشكوك ويخلق المتاعب.... انت سعيدة الآن ، تصالحت مع نفسك وهذا الصلح اكسبك احترام العالم كله ولا سيما اهلك وأحبابك ..

(86)
اجد ان دلال لم تعد السنوات المرة التي عاشتها مع بهاء تسبب لها ذكراها ألما ، صارت تتذكر تلك القسوة والمرارة التي عانتها ، لكنها تكتفي بالذكرى فقط ، دون ان تعيش الألم ويمضها طول الحرمان ، اصبحت تكتسب دروسا نافعة من كل ما مر بها او سمعته من اصدقائها وصديقاتها ، او قرأته في كتاب يتحدث عن تجارب مر بها قوم ، يشبهوننا في التطلعات ويشاركوننا في الاماني ، والايمان بان الغد السعيد يصنعه العاملون المتفائلون بإمكانية تغيير دفة الحياة ، وجعلها تتجه الى مصلحة الشعب ، وتلبي رغباته في العيش الرغيد ، تغيرت دلال وانا قد تغيرت ايضا ، فالإنسان لا يبقى ثابتا له نفس الافكار رغم ان العالم يمور بحركة دائبة واكتشافات كبيرة تسعى لسعادة الانسان ، لم اعد بمثل ذلك التزمت الذي كنت اتصف به في الاعوام الماضية ، اضاف لي حرماني من سعدى وفقداني لها قوة نفسية لم اكن اتصف بها، وأدركت ان لأشيء يدوم ، فالدنيا دوارة ولا يدرك جمالها الا من يعرف حقيقتها ، دلال معي تشاركني الرؤى ، لها نفس الآمال ، وان كنا نختلف في نظرتنا الى بعض الاصدقاء ، هي لا تمنحهم الثقة الكاملة ، وانا اثق بكل اصدقائي وارحب بهم ، وان كنت لا افشي لهم الاسرار التي احتفظ بها مع نفسي ، ولا اجرؤ على اخراجها واطلاع اي أمرئ عليها مهما كانت ثقتي به ، ودلال قد جربت العالم ولم يكن كل من وضعت ثقتها به جديرا بالثقة ، فلم تعد مثلي ، هي حسنة الظن لكنها لا تذهب بعيدا في الثقة المطلقة ، فهي ترى ان الانسان ضعيف قد لا يستطيع ان يحتفظ بالمعلومات ان جوبه بالقوة وارغموه على كشفها ..
أرى ان الاختلافات بين شخصيتينا لم تكن كثيرة جدا بحيث تمنعنا ان نكون معا في الايام المتبقية لنا في الحياة ، انا أتطلع الى ان تشاركني دلال رحلتي في الحياة ، سأكون سعيدا معها واتمكن من اسعادها ، فالسعادة مشتركة لا يمكن ان يكون المرء سعيدا ان كان من يشاركه الحياة تعيسا بائسا ....
لم اتحدث صراحة مع دلال برغبتي بالاقتران بها ، لكنها ذكية جدا تدرك انني واقع بحبها وانها تتمتع بصفات عظيمة جدا تجعلني اتمسك بها وامل ان نعيش معا ، ادرك صديقاي العزيزان سامي ونبيل مدى محبتي لدلال وكانا يبلغانها ما اعانيه من شدة الحب :
- غانم يعزك كثيرا ، ويشتاق لك ما ان يفارقك حتى يحن الى لقياك من جديد !
لا تجيب دلال بل ترتسم على محياها ابتسامة كبيرة وكأنها تقول :
- اعرف بان غانم يحبني ويبادلني الحب ، فانا متلهفة على العيش معه !
بت اعرف قراءة ما يرتسم على وجه دلال من تعبيرات لا تقولها صراحة ، ما زالت تتصف بالحياء الذي يكسبها جمالا فريدا وألقا احبه كثيرا ....

(87)
تتصل السيدة شقيقة سمير بأخيها ، لتعرف منه تطور الاحداث وتخبره ما استجد بشان الوكالة التي سيرسلها لها لتقوم بمراجعة الدوائر الرسمية لتجديد جواز السفر ، لم تجد سميرا على الهاتف ، وجدت زوجته فأخبرتها بمرضه وتعبه وحيرتها هي الزوجة في بلاد الغربة :
- سمير متعب كثيرا !
- اعرف انه متعب ويعاني من عدد من الامراض في وقت واحد !
- اصيب مؤخرا بدوخة اوقعته على الارض ..
- وماذا فعلت ؟
- اتصلت بالأستاذ كاظم وهو صديق عزيز مقيم في جزيرة السعادة منذ فترة طويلة ...
- الحمد لله ان لسمير صديقا في بلاد غريبة !
-- نقل الاستاذ كاظم سميرا الى اقرب مستشفى وتم اسعافه ÷، وقال له الطبيب انه لو تأخر قليلا لتوقف قلبه عن الحركة !
- وهل المستشفى كان حكوميا ام اهليا ؟
- المستشفى اهلي ، المستشفيات الحكومية في جزيرة السعادة لا يحظى مرضاها بالعناية اللازمة !
- وهل تحتاجون الى بعض النقود ؟
- رفض كاظم ان يأخذ مني اجرة العلاج ، وقال انه صديق لسمير منذ سنين !
- وكيف صحة سمير الان ؟
- بحاجة الى راحة ...
- سأرسل لك بعض النقود ، وحين يتماثل سمير للشفاء حاولي ان تثنيه عن عزمه البقاء في جزيرة السعادة ، حيث لا عناية الا لمن يملك النقود !
- كل مكان لا يعالجون المريض الا بعد ان يستلموا ثمن العلاج !
- في بلادنا توجد مستشفيات عامة توفر العلاج المجاني ، بالإضافة الى المستشفيات الاهلية التي تبالغ في اثمان الشفاء !
- اعرف ذلك ، ولكن سميرا يصر على ان العيش في الجزيرة افضل مما كنا في بلادنا وهو يحاول ان يجبرني ان اكون معه !
- سمير متشائم لا يرى من الكأس الا نصفها الفارغ !
- ما ان احاول اقناعه ان في بلادنا الكثير من الامور الحسنة ، الا انه ينفي بإصرار !
- وانتما تتقاضيان راتبا في بلادكما العراق ، كيف يمكن ان تلبوا حاجاتكم الاساسية دون نقود ؟
- يقول سمير انه سوف يقدم طلبا للتقاعد !
- ومن يقوم بالإجراءات التي يتطلبها
- يقول سمير انني يجب ان أسافر الى العراق بعد الموافقة على منحنا الاقامة واقوم بالإجراءات لتقاعدي انا وتقاعده !
- سوف تتعبين ، كما ان الراتب التقاعدي لن يكفيكما ، تحتاجان الى منزل واثاث بالإضافة الى توفير الغذاء الصحي والملبس واجرة الاطباء ، ولقد علمت ان ثمن الدواء مرتفع جدا في جزيرتكم واكثر مما يوجد في بلادنا ! فكرا جيدا ولا تتسرعا !
(88)
أنت طيبة وغالبا ما تسعدك الاقوال الصادرة عن قلوب محبة ، تسرك الافعال الصائبة والتي تبين لك انك لست الوحيدة التي تسعى الى اتقان عملها والى ان تحظى باحترام من تقدرهم في مجال العمل وبين الاصدقاء ، تظهر عليك علامات السعادة واضحة من طريقة الكلام ومن مشيتك التي تدل على انك اسعد امرأة في العالم ، حتى ان ماضيك التعس مع بهاء لم يعد يسبب لك الما كبيرا كما كان في الايام التي انصرمت ...اضاف لك حبك لغانم ألقا لا يمكن ان تخطئه العين ، ما ان ينظر اليك شخص من معارفك حتى يثق انك ازددت جمالا ورقة ، تسألك باسمة اعز صديقة لك :
- الحب يا ما يبدع في تغيير الناس !
- فعلا الحب رائع وجميل !
- انوق دائما الى سماع اخبارك التي اسعد بها !
- انت صديقتي العزيزة وتسعدك سعادتي !
- آه الحب كم هو جميل !
- ليس الحب فقط انما الحبيب !
- نعم اصبت ، كثيرا ما نخفق في قصة الحب ولا نعرف كيف تسير احداثها !
- اما ان احسنا في اختيار الحبيب ، كانت حياتنا سعيدة باسمة ،ايتها الباسمة !
- ادعي الله ان يوفقني لرؤية طريقي الصائب ، وان أوفق في اختيار رجل يحبه قلبي وعقلي معا
- اللهم انر طريق صديقتي وازل العثرات عنه واكشف لها الحبيب الصادق !
- نحن النساء كثيرا ما نخطئ في معرفة من يحبنا حقا !
- لأن يعضهم وهم كثيرون لا يعرفون قيمة الحب ، وان صرحوا به مرة لاحدى الخائبات فسرعان ما تدركهم السآمة ويقتل عواطفهم الملل !
- التجربة هي الفيصل !
- لم اقع بالحب الا هذه المرة لكني لا اخشى من اخفاقي بالتجربة !
- لأنك طيبة وصادقة ، لا اعرف جلال الذي تحبينه ، قد يكون صادقا !
- ليس الصدق وحده من يجعل التجربة تنجح ، بل الاستعداد للعطاء !
- نعم ، بعض الناس يكتفون بكلمة( احبك ) ولا يعنون معانيها الكبيرة !
- وكيف للمرء ان يكتشف الصدق بين الكثير من الادعاءات ؟
- هنا التجربة تفيد في معرفة حقيقة الانسان ، ولكن هل يمكن لأي فتاة في مجتمعنا ان تكشف حقيقة من ترتبط به قبل ان يقع الفأس بالرأس ؟
- سوف تتعرض لهجوم الكثير من الناس والشك من بعضهم !
- ولا يمكنها النجاة بعد ان سارت قليلا مع شخص ظنت انها تحبه حقا ، ثم اكتشفت ان حبه اضغاث احلام !
- مجتمعنا لا يسامح ..
- عليها ان تعيش تجربة الاخفاق حتى الثمالة !
- حدثيني الان عن نجاحك ، اعرف اسباب اخفاقك !
- اني سعيدة جدا ، بحيث اتمنى ان انقل سعادتي الى كل الناس ، جميع الصفات التي كنت اتمنى ان اجدها في رفيق الحياة موجودة في حبيبي !
- يا لسعادتي بك ، اليس لغانم اخوة او اصدقاء يشبهونه في رائع الصفات ؟
- عنده اصدقاء ولكنهم ليسوا مثله تماما !
- ليس البشر نسخا متكررة !
- كل انسان وله شخصيته الخاصة .. وانت محظوظة بحبيبك الكامل الصفات ....
(89)

يزداد حبي لدلال ، ويتضخم شوقي لها ، ما ان نلتقي وتضفي علي بهجة اللقاء ، ولا اشعر بمرور الوقت ، وحين تفارقني اتمنى لو بقيت معي وشاركتني الحياة بحلوها ومرها ، لم اصرح لها بالحب فهي امرأة ناضجة ويكفيها ان تصرفاتي كلها تنطق بمدى حبي وتعلقي بها ، هي امرأة ذكية لا تحتاج الى تزويق الكلمات ، وقد مررنا نحن الاثنين بتجارب اكسبتنا معرفة بدوافع الاخر ، وفهما للأسباب الحقيقية التي تدعوه لقول كلمات معينة ، او التصرف وفق فهم خاص ، تجربتي كانت سعيدة مع سعدى ، التي شاركتني الحياة بأروع ما تكون المشاركة ، وقفت بجانبي تسندني وتقوي ارادتي وتمدني بإصرار وعزيمة لم اكن اعهدها في نفسي ، ومرت دلال بتجربة مريرة اكسبتها معرفة بالاشخاص ، وان ليس كل قول يستند على فعل مساو له ، بل ان الكثير من الناس يرددون اقوالا عن الحب والوفاء والامانة دون ان تعني لهم شيئا ، دلال الان سعيدة تثق بحبي لها ورغبتي بالاقتران بها لنعيش في بيت مشترك نتعاون معا في جعل المحبة تسوده ، اصدقائي يحبون دلال ويرون انها امرأة جديرة بأن اختارها لتعيش معي في مستقبل ايامي ، يلمسون محبتها لي واعتزازي بهذه العواطف الكبيرة الموجهة نحوي وهذا يزيدني تمسكا بها وارادة ان نحول الاقوال عن المحبة والاخلاق الى واقع نعيشه ، تواعدت انا ودلال ان نلتقي في المقهى البغدادية التي شهدت لقاءاتنا واحاديثنا وشوقنا الكبير لبعضنا البعض ، سوف اصارحها برغبتي ان نكون معا لنبني بيتا اساسه المحبة ، وسوف تسعد برغبتي فانا اعرفها جيدا ، ولن تظن ان موافقتي على طلبي تسرعا وانها سوف لا تجد رجلا شبيها بمن جربت الحياة معه واراها نجوم الظهر ، هي تعرف انني مختلف كثيرا ،سوف احدثها برغبتي واطلب منها ان تحدد لي موعدا لزيارة اسرتها وطلب يدها منهم فقد بت اعرفهم من كثرة ما حدثتني عنهم ومن تعاطفهم وتضامنهم لكل افراد الاسرة التي تجتمع على تقدير ابنتها الكبيرة وتسعى إلى ان تجد حياة اخرى جديدة تعوضها عن الايام المرة المليئة بالإخفاقات التي مرت بها ، سوف نشترك في تأثيث المنزل ، ولن احملها فوق طاقتها من امور الاقتصاد التي كانت على عاتقها واتعبتها طويلا، منزلي فيه بعض الاثاث الجديد الذي ابتعته حين رجعت من سفرتي الى جزيرة السعادة ، ولا اظن ان دلال سوف تكلفني بشراء اثاث جديد وقد ابدت هي اعجابها بما في منزلي حين زارتني تلبية لدعوتها على الغداء ....
ليس معي من يزور بيت الحبيبة لطلب يدها وسوف اقتصر على مرافقة صديقي نبيل وسامي ، فانا اعرف انهما يقدران الحبيبة ويتمنيان ان تتم سعادتنا وان ننعم بجمال الحياة وبهائها ....
وصلت المقهى قبل وصول الحبيبة بدقائق ، وها انا ألمحها تعبر الشارع المقابل ، فأستعد للقاء الجميل ..

(90)
تعيد زوجة سمير الاتصال باخت زوجها وتنقل لها الاخبار الحزينة عن مرضه الاخير ، ونزفه الكبير واضطرار الطبيب ان ينقله الى الطواري في احدى المستشفيات الأهلية :
- ما الذي جرى اخر اتصال لي بك اخبرتني ان سمير مريض ولكن لم اعرف من حديثك أنه مصاب بنزف حاد ، لماذا ؟ وما الذي يشكو منه سمير ؟
- وصف له الطبيب حبوبا للتخفيف من كثافة الدم خوفا من كثافة الدم التي يعاني منها كبار السن..
- انا أتناوال اسبرين خاص بالأطفال ويمكن ان يستعمله من بلغ الخمسين من العمر ..
- انا مثلك ، وجدت في حبوب الاسبرين شفاء لي ! لكن سميرا وصف له طبيب القلب دواء اخر !
- هل جرعة الدواء اكبر من الاسبرين ؟
- نعم ، اصبح سمير ضعيفا لا يقوى على حمل اي شيء حتى لو كان خفيف الوزن ..
- وهل حمل سمير اثقالا اضرت به ؟
- لم يحمل اثقالا ، انما كان يعاني من الدوخة والم المفاصل ..
- وهذه الامراش خطرة ان اجتمعت !
- نعم بسبب الدوخة وقع على الارض ، وتسبب الوقوع بجرح كبير ..
- وهل عملتم على معالجة الجرح ؟
- عالج الطبيب الجرح ، ولكن العلاج لم يكن كافيا ، فقد نزف سمير الكثير من الدماء ونحن في المنزل اثناء الليل ، اتصلت بالطبيب فلم اجده ، وبقيت ساهرة مع سمير طوال الليل ..
- يا عيني ! لابد انك تعبت كثيرا ؟
- كنت أذهب اليه في الليل واجد سميرا غارقا في الدم ، فأغير له الملابس وانظف صدره من الدم ثم بعد قليل اجد النزف وسيل الدماء مستمرا..
- أعانك الله وماذا فعلت ؟
- انتظرت حتى مشرق الشمس واتصلت بالطبيب الذي قال انه سوف يعود سميرا بعد الساعة العاشرة صباحا ..
- وماذا فعلت اثناء وقت الانتظار ؟
- كنت اضمد له الجرح لكن الدم كان اقوى من تضميدي ، فكنت انظف الجرح واعقمه واضع ضمادا جديدا ،حتى وصل الطبيب ..
- وماذا فعل الطبيب كي يوقف النزيف ؟
- جاء معه بضماد قوي ، فعقم الجرح وربطه بقوة اوقفت النزف ، واوصى ان نذهب الى قسم الطوارئ في مستشفى الصحة الاهلي .
- الله يساعدكم وهل تعرفون احدا من الاصدقاء زاركم في قسم الطواري ؟ ومنذ متى حدث النزيف ؟
- عالجوه في المستشفى فتوقف النزيف وسمحوا له بالخروج في اليوم الثالث لدخولنا المستشفى .
- وانت لوحد ك تسهرين مع سمير ؟
- نعم لوحدي ، واشكر الأصدقاء اذين تفقدوا سميرا وزاروه في المستشفى ..
- هل المستشفى اهلي ؟ لابد انكم بحاجة الى الكثير من النقود ، سوف ارسل لك بعضا من النقود تستعينين بها للعلاج .. وهذه الدفعة ستكون دينا عليكم ارجاعها ، اما الدفعة الاولى التي ارسلتها لكم فهي هدية ، هل يستطيع سمير ان يرد على هاتفي ان كلمته هذا المساء ؟
- لا يستطيع هذه الليلة، دعيه حتى يتماثل للشفاء !
- متى يمكن ان اتحدث معه ؟
- ما زال متعبا من اثر النزيف فقد وضعوا له المغذي وقناني الدم !
- قناني الدم ؟ لماذا ؟
- نزف الكثير من الدماء !
- كم قنينة وضعوا له ؟
- في الليلة الأخيرة لبقائنا في المستشفى وضعوا له له القنينة الخامسة !
- وانت تظلين معه ساهرة؟ اهتمي بصحتك مع حرصك وعنايتك بصحة سمير !
- أحيانا لا يمكن للمرء ان يقوم بالعنايتين في نفس الوقت !
(91)
تحدثين اسرتك المحبة عن الشمائل الكبيرة التي يتصف بها غانم جليل ، ويضفي عليه حبك له صفات رائعة جديدة ، لم تكوني تتوقعين ان تكون في انسان واحد كل الصفات التي تحبين ، وخاصة ان كان ذلك الانسان الرجل الذي تحبين وتتوقين الى ان تعيشي معه في مكان واحد لتنعما بالدفء ما بقيت لكما الايام ، امك اصبحت تحب غانم من كثرة ما حدثتها عنه ، وكانت تخبر اباك بكل الاخبار التي تحرصين على ان تكون اسرتك اول من يعلم بها ، شقيقتك المتزوجة والتي نادرا ما تتحدث عن زوجها وقد ادركتم انها ليست سعيدة ، علمتم ذلك من نظرات عيونها ومن الوجع القاسي الذي يرتسم على وجهها ومن الضحكات التي تنطلق منها والتي تشي انها تجاريكم بها ، شقيقتك سعاد صارت تطلب منك ان تحدثيها عن اسباب السعادة التي حلت بأرضك وحولت صحراء حياتك الى جنة خضراء ، يضوع الورد من جنباتها ، تتحدثين وتسهبين بالحديث وامك تصغي اليك وهي مبتسمة فقد حان لابنتها العزيزة البكر أن تتمتع بحياتها وان تجد الطريق معبدة الى النعيم ، حدثك غانم عن رغبته بالاقتران بك وان تعيشا معا في منزل واحد تتمتعان بالفردوس الذي منحه الله لعباده الصالحين ، في كل كلمة نطقها غانم كان يعبر لك عن مدى الحب الذي يكنه لك قلبه المتيم ، لقد حلمت ان تتحقق احلامك في السعادة وان تجدي الانسان الذي يفهمك حق الفهم والا يشك بك او يحمل لكلامك معنى غير الذي تقصدين ، غانم طلب يدك.... يا لسعادتك ويا لبهائك وانت تصغين لحديثه العذب الجميل ، وعدك انه سيطلب يدك ويقدم لك المفدم الذي تطلبين ، اخبرته انكما لستما بحاجة الى المقدم ، وانكما سوف تساعدان بعضكما في تأثيث المنزل ، كما انكما سوف تشتركان في دفع ايجار المنزل وما تتطلبه معيشتكما المشتركة من طعام وشراب ، اجابك انه ما دمت تقومين بأغلب الاعمال المنزلية مما يرهقك فالواجب عليه ان يتحمل جل الاعباء الاقتصادية ، كما وعدك ان يقيم لزواجكما احتفالا كبيرا يدعو له الاصدقاء ليعوضك عن زواجك السابق الذي وقعت اعباؤه الاقتصادية على عاتقك ولم يدفع لك بهاء شيئا ، كما انه لم يقم بتقديم الصداق الذي اتفق بشأنه مع اسرتك ومعك ، حفل الزواج والعشاء قمت به انت وساعدك والدك وهو لا يعلم ان بهاء لم يقم بتقديم اي شيء لك ، تتذكرين تلك الايام الحزينة والمواقف التي عرفتك بشخصية بهاء الذي لا يقدر المسؤولية ، لم تعد تلك الذكريات تسبب لك ألما كما كانت ، أثبتت لك الايام وخوض التجارب المريرة ان الحزن لا ينفع يشيء ولا يعيد لك صحتك كما كان يهرب منك كل من تحبينه وتتمنين ان يظل بجانبك ، الشجعان لا تستبد بهم الاحزان ، وان احزنهم الفقدان يوما ، فان الثقة سرعان ما تعود اليهم ويستعيدون قوتهم ، ويصممون على وأد الشعور بالهزيمة في اعماقهم ، وانت ايضا شجاعة ، أثبت ذلك في كل المواقف الصعبة التي ألمت بك ، وظن البعض انك تكونين على الدوام فاقدة الثقة بنفسها وبالآخرين ....
بشرك غانم انه سوف يزور اسرتك ويطلب يدك منهم ، رأى الفرحة الكبيرة ترتسم على وجهك الجميل :
- سأطلب جوهرة ثمينة وارعاها في منزلي بكل الحب !
غانم الرجل الوحيد الذي عرف ما الذي يسعدك ، ادرك انك تحبينه ، وتتمنين ان تعيشي بقربه ، وان تنعمي بعاطفته الكبيرة التي تنهمر عليك وتظلك بأفيائها الجميلة ..
(92)
اخبر صديقي سامي ونبيل برغبتي بالاقتران بدلال ، يجيبان انهما كانا يعرفان بقصة حبنا ،يقترحان ان يذهبا معي الى منزل الحبيبة لطلب يدها من اسرتها ، يعرفان انني متيم بها وان مرضي عضال لا شفاء منه الا ان تأتي الحبيبة وتشاركني الحياة بكل افراحها التي ارنو الى ان يكرمنا الله بها بعد مسيرة شاقة عشنا فيها احزانا كبيرة وان كانت دلال قد عاشت الجانب المظلم منها، وانا اسعدتني الحياة بسعدى وابت قوى الارهاب الا تجعلها تواصل الحياة .
اعرف اين يقع منزل الحبيبة ، وصفته لي ، وقد ذهبت عددا من المرات الى منطقتها دون ان تعرف ، وأردت ان أفاجئ الحبيبة انني اعرف مكان المنزل ولا احتاج الى من يدلني عليه ، اشعر ان أسرة دلال هي اسرتي ، احب امها كأم لي واقدر اباها كما يقدر الابن البار اياه ، رحل ابواي مبكرا وبعد زواجي من سعدي بوقت قصير ، ماتت امي بمرض السرطان الذي لم يستطع الطبيب ان يشخصه في بداية المرض ، قال انه ورم رحيم ، وانه ليس كل الاورام خبيثة ، اخي الكبير اختار الهجرة عن الوطن في عهد النظام السابق وارتبط بامرأة اوربية ولم يشأ ان يعود الى بلد ظلمته حكومته وارغمته على الابتعاد عن وطن احبه كثيرا وناضل من اجل سعادته ، وارتضى ان يعيش معذبا في سجونه ، ولكن قدرته على التحمل والصبر كانت محدودة ، فآثر ان يهاجر ، وحين طلبت منه ان يتريث :
- لا استطيع ان اكون جلادا او ضحية ..
- انا لست جلادا ولا ضحية !
- اعرف هذا ، لكنني سبق لي ان اعتقلت ولم افش اسرار اصدقائي اخشى الان ان يعيدوا اعتقالي ، ويطالبونني بإفشاء الاسرار التي قمت بإخفائها قبل اعوام !
- من حقك يا اخي ان تثبت على مواقفك والا تضطر للخيانة !
- انت ابق وناضل مع الجماهير من اجل حياة افضل !
وسافر اخي الكبير في ليلة ظلماء غاب القمر عنها ، وكان الهاتف يصل ما بيننا ويحفظ لنا الاخوة والصداقة التي ربطت بين اخوين يحب احدهما الاخر ، قلت رسائل اخي الينا وانعدمت الاتصالات الهاتفية بعد ان فرض الحصار ، واصبح بعض الأشخاص يعدون على الناس حركاتهم ويحصون عليهم تنفسهم ويحاسبونهم عن اي كلمة قالوها او لم يتمكنوا من قولها ، منع السفر عن العراقيين ولم استطع معرفة اخبار اخي ، زارنا بعد التغيير واراد العودة الى عمله لكنه لم ينجح في مسعاه ، فعاد الى بلاده الاوربية وهو يشعر بالحنين الى وطنه العراق ..
والدي غادر العراق بعد رحيل امي بعامين ، لم يستطع ان يتحمل الوحدة ، وكان الحنين الى الراحلة يشقيه ، وقد كان والداي زوجين سعيدين ..
1. أحاطتني سعدى بحنانها ورقتها بعد ان فجعت بوفاة أبوين رحيمين ، واصبحت وحيدا اكرمني الله بحب امرأة وفية ..
حدثت دلال عن المتاعب التي عاشتها اسرتي ، فأجابتني ان العراقيين اغلبهم عانوا من الظلم الكبير وان اخوتها الثلاثة قد اعدموا من قبل النظام الدكتاتوري. كما اخبرتني دلال ان بهاء ايضا كانت له غصة في معاناة النظام ، فقد حرمه من اخيه الكبير الذي استشهد في الحرب العراقية الايرانية....

(93)
لا تستطيع قناني الدم التي كانت توضع لسمير في المستشفى الاهلي في جزيرة السعادة ان تنقذه من المصير القاسي الذي ينتظره ، نزف الكثير من الدم ورغم ان الطبيب قد جاءه سريعا حين التجأت اليه الزوجة الا ان المصير الاسود قد حل على الزوجة المسكينة وهي في بلاد الغربة ، لا تعرف كيف تتصرف ومن يمكن ان يعينها في هذا الموقف الصعب ، لم تكن ترغب ان تهجر البلاد العزيزة التي عاشت فيها وتمتعت بخيراتها وربطتها صداقات كثيرة وعميقة بخيرة البنات ، ألح عليها سمير ان تبقى في جزيرة السعادة وهي زوجته عليها ان تكون في المكان الذي يريده الزوج ، رغبت ان تعود الى العراق وان تنعم بالحب الذي يوفره لها وجودها في الوطن ، كما ان المال ليس بحوزتها ، نفذت النقود التي كانت معهما ، ومرض سمير لم يسمح لها ان تعود الى العراق لتعمل على طلب التقاعد رغم ان عملها وجدت سعادتها فيه ، ارسلت لها حماتها بعضا من النقود صرفتها على العلاج الذي لم يأت الى الزوج المريض ، اتصلت بالصديق الوفي الذي كانت تعرفه فاخبرها انه مستعد على مساعدتها لإيصال جثمان زوجها الى العراق لكنه لا يستطيع ان يتكلف بالمصاريف فهي تعلم انه متقاعد ويستلم راتبه التقاعدي البسيط من بطافة الماستر كارد ، نصحها ان تستعين بحماتها لترسل لها بعض النقود :
- مع الاسف عزيزتي ارسلت لكم ما استطيع واخبرتك ان الوجبة الثانية التي ارسلتها هي دين عليكم ، يمكنني الان ان اعفيك من ارجاعها لي ..
- وكيف يمكن ان اعود الى العراق والرحلة تكلفني الكثير ؟
- سمير كان يريد ان يترك العراق واحب جزيرة السعادة وكان يرجو العيش فيها !
- لكنه مات !
- الا يمكن ان يكون قبره في الجزيرة التي احبها ؟
- لا يمكن ، نحن لم نستطع ان نحصل على اقامة دائميه في الجزيرة ..
- سوف أرسل لك بعضا من النقود دينا ، وحين تعودين الى عملك اطلبي سلفة وأعيدي لي نقودي ، لا استطيع ان ارهق نفسي بالديون ، انت زوجته وعليك ان تقومي بكل المصاريف ....
طلبت ادارة المستشفى الاهلي اجرة العلاج وكانت عالية جدا لا تستطيع الارملة المسكينة ان تقوم بدفعها ، طلبت من اخيها ان يقوم بمساعدتها :
- رحم الله الفقيد سوف امنحك ما تحتاجين من نقود واتي الى الجزيرة لأساعدك في نقل الجثمان ..
- لكن التأشيرة تتطلب وقتا طويلا !
- انا في اوربا يمكنني ان اسافر الى اي مكان بجوازي الاوربي ، سوف احجز تذكرة السفر الى جزيرة السعادة واكون معك في اقرب وقت ....
- لكن سميرا لا يرغب ان يدفن في بلاده !
- لماذا ؟ هل له وصية ؟
- كان يقول دائما انه يود ان يحرق جثمانه بعد مغادرة الدنيا !
- لكن هذا لا يجوز ، نحن مسلمون ..سمير قد قال اقتراحه مازحا !
- لا ادري ..
- سأكون معك هذا المساء !
(94)
تجدين نفسك تتمتعين بسعادة لم تكوني تحلمين انك ستصلين اليها , تبتسم ايامك وينقلب كل شيء في حياتك نحو الجمال ، تظهر نعمة الحب على وجهك والجميع يغبطك على ما الت اليه حياتك ، يسألونك ما الذي فعلته لتحصلي على هذه السعادة وما هي الأسباب التي جعلت وجهك ينبض بالغبطة ، يدخلك غانم جليل الى حياته ويشركك في كل الامور التي كان يقوم بها ، من نضالات من اجل تحسين ظروف الحياة ، ومن خروج الى ساحة التحرير لمطالبة السلطات بالتصحيح وان تعود الخدمات الى مدنكم المحرومة من ابسط محالات العيش الكريم ، تفرحين بانك تقومين بأشياء جديدة لم تعودي تقومين بها منذ زمن طويل ، اخرجك حب غانم جليل من اللامبالاة التي كنت سابقا تشعرين بها بعد ان سدت كل السبل امامك ، وظننت ان كل احلامك سراب وان لا شيء يمكن ان يتغير ، فكلنا مسيرون ولا فائدة من النضال الصعب الذي قد يودي بك الى مهاوي التهلكة ، ولكن غانم جليل استطاع ان يقنعك انك مع الاخرين يمكن ان تخففوا قليلا من شدة الظلام الذي يجعلك تشعرين بالعجز ، اصبحت اكثر شبابا ورقة عدت الى التمارين الرياضية التي تركتها منذ زمن طويل ، واخذت السمنة تهدد صحتك وتسبب لك ثقلا في الحركة ،
عشتما في بيت صغير تشتركان في كل الاعمال المنزلية ، لم يحملك غانم جليل كل الاعباء ويريح نفسه من كل عناء وكأن القيود قد كتبت عليك وحدك وان المساواة والعدالة تنحصر في الاقوال دون ان تكون معززة بالأعمال ، صرت تتذكرين بهاء من غير ان يستولي عليك الألم الممض الذي كان يلازمك ..صرت في كل جمعة تذهبين مع حبيبك غانم جليل الى ساحة التحرير لتطالبا مع الجماهير بضرورة تحسين الاحوال السيئة التي كنتم تعيشونها ، وتكررت التظاهرات للمطالبة بضرورة الاصلاح ولكن حين وجدت الجماهير المتظاهرة انه لا جدوى من هذه التظاهرات في جعل السلطات تنفذ ما تتطلع اليه القوى الوطنية ، تحركت الجماهير الشعبية في كل المدن العراقية مطالبة بالإصلاح ،ولم تقتصر على العاصمة فقط ،فقد ادرك الجميع ان كل المدن والمحافظات العراقية محرومة من وسائل العيش الكريم ولا يقتصر الامر على بغداد فقط ..
ازدانت حياتك بالجمال، بعد ان ادركت ان النضال من اجل الحصول على الحقوق يكسب الانسان سعادة لا يشعر بها اللامباليون الذين يكتفون بالعمل الوظيفي، ويظنون ان كل شيء لا يستحق ان نناضل من اجله، وقد نفشل في تحقيق المراد فنتعرض للعذاب والعقاب ، خرجتم للمطالبة بحقوق المواطنة تلتي كادت ان تختفي منكم، وصرتم تعرفون ان كل العراقيين اخوة يجمعهم حب الوطن المزدان بالخيرات الكبيرة التي انعمها، الله على شعب العراق الاصيل ، ما ان تعودي من العمل وتتناولي طعام الغداء، وتحصلي على راحة قصيرة لدقائق معدودة حتى تهرعي الى ساحة التحرير لتنضمي الى الجماهير الابية التي تتطلع الى حياة كريمة يستحقها العراقيون لنضالهم الطويل وقيمهم الجميلة ...
تجدين ان المنتفضين يتمتعون بخصال حميدة ، يطالبون بعودة وطنهم الغالي ، فهم مهمشون الآن مفقودة حقوقهم ، كفاءات عالية وشهادات راقية لم يجدوا اعمالا مناسبة لهم ، يتطلعون الى ان يناضلوا من اجل دولة المواطنة التي لا تميز بين ابنائها، ولا قمع لمواطنيها على اساس الجنس والدين والقومية ، انما الجميع سواء يتمتعون بخيرات البلاد التي انعم الله عليها بكنوز جعلت بعض البلدان تتطلع الى سرقة ما في وطنهم من خيرات وفيرة وقد حرم اهل البلاد منها وراحت مجموعات قليلة تتمتع بها والجميع محرومون ....

(95)
تشاركني دلال في التظاهرات السلمية التي اجد ان الكثير من ا لناس يرحبون بها ،شعبنا محروم من كل الحقوق ، يطالبون بعودة الوطن اليهم فقد ضاع الوطن الحبيب طيلة عقود من الفاقة والحرمان، شباب بعمر الورود يحملون شهادات راقية يأملون لن يساهموا في اعمار بلدهم ، لكن امالهم تخيب ، واهدافهم


تضيع وتتضاعف ،ملايين العاطلين عن العمل في بلد غني يحسدهم العالم على مقدار الثروة التي حباها الله لهم ـ اجد الاخوة والاصدقاء في صفوف المتظاهرين السلميين ، واحرص على ان اكون ممثلا لهم ، وتزدان اعداد المتظاهرين وينضم اليهم الكثير من محبي الشعب المدافعين عن استقلال الوطن وعودته الى ابنائه المخلصين ، المحافظات كلها تشترك في ساحات التظاهر ،فهي سلمية وتحرص على ان يكون كل من فيها مجردا من اي نوع من انواع السلاح ، واتفاءل ان تظاهراتنا سوف تأتي اكلها وينعم بلدنا بحياة امنة مرفهة حرم منها طوال عقود من الزمان ، يغمرني الفرح حين ارى كل المنتفضين يحرصون على سلميتهم رغم محاولة بعض الجهات تشويه تظاهرتهم السلمية ، فهم مواطنون يحرصون على الممتلكات العامة لانهم واثقون ان هذه الممتلكات ملك لهم ، فهم لا يبددونها ، ولا يحاولون ان يهاجموا الممتلكات الخاصة لانهم يحرصون على عدم التعدي على اي من الاشخاص فهم اخوة مواطنون يكنون لهم كل الحب والاحترام، شباب منتفضون مثقفون يسعون الى عدم السماح لأي فصيل يريد تشويه حركتهم الاحتجاجية ، يبقون في بغداد وكل المحافظات في الساخات المخصصة للتظاهرات ولا يخرجون عنها ،ويتعاونون مع القوات الامنية والجيش لإنجاح هذه التظاهرات والمحافظة على سلميتها، يفرحني ان اجد كل الاحرار في العالم يؤيدون تظاهرتنا السلمية ويدافعون من مطالبتنا ان يكون السلاح بيد الدولة فقط والا يبقى في ايدي الميليشيات ورجال العشائر تلتي مهما يكن اخلاصها لتطلعات الشعب والمدافعين عنه ويطالبون ان يكون هناك جيش نظامي قوي يدافع عن الوطن ويحرص على استقلاله...
يسقط الكثير من المتظاهرين وهذا يحزنني كثيرا فهؤلاء الشباب مخلصون لوطنهم يجبون ان يدافعوا عنه ويعيدونه الى مصافي الدول المتقدمة ، فالعراق زاخر بالثروات الكثيرة والنعم الوفيرة ـوحرام ان نجد الشعب محروما من خيرات بلاده....
يغمرني الفرح وانا استمع لأناشيد تنادي بعزة الوطن العزيز وترجوه ان ينهض من عثراته التي اصيب بها خلال حكم المستبدين طوال عقود طويلة ، لم يكن للوطن الكلمة الاولى في القرار ، وقد خرج الالاف من خيرة ابناء الشعب يطالبون بان تعود اليهم دولة المواطنة التي تحقق المساواة بين المواطنين ولا تسمح لاحدهم ان يستبد ويظلم ، فعهد الظلم والاستبداد قد ولى واندثر ، وعلى طليعة الشعب ان تتولى علاج الامور ...
شباب سلميون لا يؤمنون الا بالوطن العزيز ، ذوي كفاءات عالية من مختلف الاختصاصات ، ينتفضون لا لأجل مصلحتهم الخاصة ، بل دفاعا عن بلدهم الحبيب ،يقابلون الرصاص المنهمر عليهم بصدور عارية ، علم العراق يرفرف في ساحات التظاهرات ، صور الشهداء معلقة على الجدران ، شباب في عمر الورود صحوا بأرواحهم من اجل عودة الوطن الغالي ولكي ننعم جميعا بحياة حرة كريمة,,,,,

(96)
تؤمنين ان الوطن بخير مادام شبابه بهذه الثقة انهم جميعا مع ابناء شعبهم سوف ينجحون ان يحولوا الظلام الذي يحيط بهم والحرمان الذي يهيمن على حيواتهم الى جنات خضراء من العز والكرامة ، بأيديهم يصنعون الجمال ويعمرون البلاد التي اهملت قرونا طويلة اجتاحتها الاعاصير واقتلعت نخلاتها الحروب العبثية التي لم ترحم احدا وتسببت في جيوش من الأيتام والارامل والفقراء والعاطلين عن العمل وهم حاصلون على ارقى الشهادات ، بلادنا سوف تتماثل للشفاء سوف تخضر الارض وتنتج غلاتها الكبيرة ونعمها الوفيرة ، وسوف تعود الزراعة الى سابق عهدها من الازدهار وتفتح المصانع أبوابها لأبنائها المحبين الذين يسعون الى عودة الوطن الى الابتسامة التي تكالبت عهود الطغيان على سرقتها والاعتداء عليها ، يتزايد المتظاهرون مطالبين بعودة الوطن الى احضان احبابه وانقاذه من جيوش الاحتلال مهما كان نوعها ، فالبلاد لا يمكن ان تستقر ويعود اليها الحب الا بتوحد المواطنين المخلصين الذين لا يجدون الا العراق مصدرا للحب والوئام ، في ساحة التحرير تندلع الانتفاضة الكبيرة مطالبة بان يعود الوطن الى اناس حرموا من نعيمه قرونا طويلة استطاع الاعداء ان يبذروا نعمه الكبيرة وان يسرقوا كنوزه الوفيرة ، تندلع الهتافات الداعية الى كرامة الوطن والى العمل على ازدهاره وتقدمه والى رفض سياسة التهميش والحرمان ، تخرجين كل يوم مع حبيبك الاستاذ غان جليل الى عرين الثوار وتنضمان مع الالاف من جماهير الشعب العراقي للمطالبة بوفرة العيش وان يحصل الخريجون على فرصة لخدمة بلادهم التي تحتاج الى عملهم وجهودهم والى سعي كل المخلصين كي تبتسم لنا الحياة ، تكون عيوننا مفتوحة خوفا ان يسرق تظاهراتنا المخربون فكفانا ما حل ببلادنا من ويلات فجعت بها العديد من الاسر وما زالت تحرص ان تضحي بأبنائها من اجل حاضر ناصع ومستقبل صالح لعيش الانسان ، تتضخم جيوش المتظاهرين المطالبين بان تكون الحياة سعيدة لشعب حر ابى الا ان يرى انبلاج النور من بين كل الغيوم ، تثقين ان الشعب سوف يصل الى الانتصار ، فثورته سلمية استطاعت ان تفرض احترامها وتقديرها الى كل العالم الذي يحترم نضالات الانسان من اجل حياة افضل ، تتزايد اعداد الشهداء ويتكاثر المختطفون الذين لا تعرف اسرهم وأصدقاؤهم ما مصيرهم ، ولا تعلمون من هو المستفيد من هذا الاجرام ، الحكومة تقول ان الطرف الثالث يقوم بكل هذه الانتهاكات والشعب مصمم على احراز النصر مهما تكاثر اعداد الشهداء ، مئات من المضحين بحيواتهم والذين لا يمكن ان ترعبهم طعنات الموت واستبداد الطغيان ، يتأخى الثوار مع رجال القوات المسلحة من الجيش والشرطة ، يقفون مدافعين عن سلمية التظاهرات وهم نازعي الأسلحة اسوة بأخوتهم من المتظاهرين ، ورغم اعداد المخربين الذين يريدون تشويه سلمية التظاهرات و
القيام بمهاجمة الممتلكات الخاصة والعامة ومهاجمة المدارس رغبة في بقاء ابنائنا بلا علم ، فان المتظاهرين السلميين يؤكدون انهم خرجوا للتظاهر من اجل تعزيز العلم واعادته الى سابق عهده من الازدهار ، تثقين ان ثورة الجماهير السلمية سوف تأتي اكلها وتحقق الأهداف التي خرجت من اجلها لينال العراق استقلاله ويبني دولته المدنية البعيدة عن تدخلات الدول المجاورة او البعيدة التي تطمح الى تأخير الشعب والقضاء على حريته كي يسهل السيطرة عليه والتحكم به ، ما ان تخرجا انت وزوجك الحبيب من العمل وتتناولان ما جهزته لكما من طعام حتى تهرعان الى ساحة التحرير ، لتنصرا المتظاهرين المطالبين بالإصلاحات التي تودي الى رفعة بالبلاد ـ يتساقط الشباب مضرجين بدمائهم والعلم العراقي بأيديهم يدافعون عن كرامة الوطن ويسعون الى استقلاله بعيدا عن المحاور والارادات الاجنبية ،يصمدون بوجه كل محاولات خنق الارادة الشعبية وتصدير اهدافها القاضية بمجيء حكومة تعمل على تحقيق ما يريده الشعب من رفاه وان يتمتع بثروته الوطنية ويبني بلاده ويعيد لها ارادتها الحرة ويعيد المصانع والمزارع لتحقيق الاكتفاء الذاتي ولكي لا يكون الاقتصاد ريعيا معتمدا على وارادات النفط فقط والتي تذهب الى جيوب المتنفذين والشركات المتعددة الجنسيات ، قرر الشعب ان يضع حدا للسكوت الذي طال امده وان يشارك في تقرير مصيره وان يستطيع اللحاق بركب الامم المتحضرة التي تسعى لإرضاء شعبها وجعله مستفيدا من ثروته وخيراته التي حباه الله بها ، يدرك المتظاهرون ان عجلة الحياة توشك ان تفارقهم وتجعلهم يبقون في عادات وتقاليد القرون الوسطى وهم في القرن الحادي والعشرين والشعوب كلها تعمل على ان تعيش حياتها وان تسعد كما ترى الشعوب الحية تتمتع بحياتها وتجعل البهجة مصاحبة لها ، وانه آن للحياة ان تستجيب للإرادة الحية التي يتصف بها الشباب الواعي الذين يرفضون كل اشكال التدخل في حياتهم ومحاولة فرض الهيمنة عليهم فالحياة تتطلب الفرح وتحتفي بالفنون وترحب بالآداب وكل مجالات الابداع البشرى التي ابدعها الانسان واستطاع بها ان يبني العالم ويخفف كل انواع الحزن والتعاسة التي قد تصاحب حياة بعض البشر لأسباب عديدة ....

(97)
تعود زوجة سمير مع جثمان زوجها الراحل واخيها الى العراق ، لم توافق الارملة على احراق جثة زوجها كما اوصى زوجها بذلك فهي انسانة مؤمنة بدين الاسلام ولا تريد ان تخرج من الدين فهو سعادتها وكان ذلك موضع الاختلاف بينها وبين زوجها المتوفى ، كما هناك اختلاف في مواضع كثيرة ، لم تخبر بها أحد ،صحب الارملة اخوها القادم من البلاد الاوربية والذي لا تطلب منه جزيرة ينبوع السعادة تأشيرة يظل مراجعا لها عددا من الايام ، حتى يوافقون على منحه اياها ،كل الدول ترفض ان تعطي تأشيرتها للعراقيين الا بصعوبة كبيرة ، والاوربي والعراقي الذي عنده جنسية اوربية يمكن ان يأتي الى جزيرة ينبوع السعادة بلا تأشيرة ، قام اخ الارملة بمراجعة السفارة العراقية في جزيرة ينبوع السعادة للحصول على كل الاوراق اللازمة للسماح لهما بمغادرة البلاد والعودة الى العراق ،وصل المسافران الى بغداد والى ساحة عباس بن فرناس واذا الساحة فارغة من سيارات الاجرة ، انهما يعرفان ان بغداد والمحافظات كلها تشهد تظاهرات مليونية من اجل الاصلاح ووضع حد للفساد المستشري في كل ميادين الحياة ويهيمن على الوزارات كلها ، انتظرا ان تأتي سيارة الاجرة لتنقلهما إلى مدينة الحرية حيث بيتهما الذي يقيمان فيه ، بعد ان انتظرا طويلا جاءتهما السيارة الوحيدة التي اتت الى الساحة ، اتفقا معها على ان تنقلهما الى مدينة الحرية ، فوافق لقاء اجرة مرتفعة ، لكنه حين يدخل في اي شارع يجده مغلقا ، فيغير الى شارع اخر والى ساحة ثانية ، فيجدها مغلقة ايضا وحاول ان يذهب الى طريق ثالث لكنه لم يكن حظه احسن من الطريقين السابقين ، فدخل في طريق رابع ووجده معلقا ، فقال لهما :
- لا استطيع توصيلكما !
- وماذا سنفعل؟
- يمكن ان تستعينا بسيارة الشرطة !
يذهب شقيق الارملة الى الشرطة الموجودين عند كل شارع مغلق او ساحة قد وضع امامها الحواجز خوفا من اختراقها :
- قدمنا من مطار بغداد الآن ، ونريد ان نصل الى بيتنا ، ولم نجد سيارة اجرة لتقلنا!
- الى اين تذهبان ؟
- الى بيتنا في مدينة الحرية ..
- من أين قدمتما ؟
- من جزيرة ينبوع السعادة !
- ارى معكما نعشا ، ماذا يقرب لكما ؟
- انه نسيلي!
- سوف تقوم احدى سياراتنا بتوصيلكما !
يساعد رجال الشرطة الواقفون في نقل الجثمان الى احدى السيارات الواقفة ، ويقول الشرطي للسائق :
- اذهب معهما الى منزلهما في مدينة الحرية !
يقوم السائق بتوصيلهما بسرعة لم يكونا يتوقعانها ، بعد ان يصلا البيت يطلب من الجيران مساعدتهما في نقل الجثمان ، تأتي الجارات لتعزية جارتهما التي سافرت مع زوجها وعادت بدونه، تعتذر اخت سمير من الحضور ، لأنها تخشى العدوى من جائحة كورونا ،تخبر احدى الجارات الارملة :
- كلنا فقدنا الأحباب ، انت مات زوجك بسبب المرض ، وانا استشهد زوجي !
- لماذا نال الشهادة ؟
- لأنه طالب بحياة سعيدة !
- يا ويلي ! هل تلازمنا التعاسة طوال الحياة ؟
- من غير ذنب جنيناه !
- منذ ان اسقط الحكم الوطني واعدم المطالبون بحرية البلاد !
- كلنا تعساء ان ناضلنا من اجل تحقيق الاهداف الكريمة او سرنا قرب الجدار !سواء اتصفنا بالشجاعة ام كان الجبن من ابرز الصفات صفاتنا !
- انت مات زوجك هل فكرت اين يمكنك ان تدفنيه ؟
- اوصاني ان أحرق جثته ، لكن اخته طلبت أن ادفنه قرب والديه واخوته في الاعظمية !
- هذا افضل لك ، لأن طريق النجف قد اغلق !
- انا سأدفن في النجف ، لكني وحيدة من يقف الى جانبي ..
- كلنا بجانبك ..نحن مثلك وحيدات ..






انتهت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما