الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوامش من الإنتخابات النصفية الأمريكية

الطاهر المعز

2022 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لكل طبقة همومها

تنتهي الحملات الإنتخابية وما يُصاحبها من تهريج سياسي وإعلامي، وتستمر هموم ومشاغل الطبقة العاملة والفُقراء، حيث تطفو على السطح مشاكل المواطنين الحقيقية وصعوباتهم مثل ارتفاع الأسعار والتضخم والفقر وصعوبة الحصول على السكن أو الرّعاية الصّحّيّة ...
يزعم بعض نواب ومُمثّلي الحزب الديمقراطي الأمريكي أنهم "اشتراكيون"، لأنهم يقاومون العُنصرية ويطالبون برفع الحد الأدنى للأجور وبحق العُمّال في التنظيم وإنشاء هيئات نقابية تُدافع عن حُقُوقهم، ورغم "الإعتدال" المُفْرِط لهؤلاء النّواب، فإنهم لا يمثّلون سوى أقلّية صغيرة، لا تأثير لها، لأن الإنتخابات الأمريكية لا تعكس سوى الصراع بين أطراف رأسمالية، ولا تهدف إلى حل المشاكل العميقة للطبقات الشعبية والطبقة العاملة، بما في ذلك السود والمهاجرون والنساء والفقراء والمشردون وما إلى ذلك.

هموم العُمّال في ظل النيوليبرالية
كان مطلب الإختيار الحُر لنواب الشعب (الإنتخاب) مطلبًا شعبيا في القرن الثامن عشر، وتمكّنت الرأسمالية المُنتصرة، منذ الثورة الفرنسية، من الإلتفاف على هذا المطلب لتُصبح الإنتخابات وسيلة لحماية المنظومة الرأسمالية ولِدَيْمُومَتِها على المستوى القومي والعالمي، حيث تميزت حقبة "النيوليبرالية" بتكثيف استغلال ثروات الشعوب والطبقة العاملة في بلدان "الأَطْراف"، ومُضاعفة حجم النّهب والقيمة الزائدة التي يتم ترحيلها من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية، بتواطؤ من سلطات بلدان "المُحيط" الفاسدين الذين تدعمهم القوى الإمبريالية وشركاتها العابرة للقارات، وخصوصًا الإمبريالية الأمريكية، ما زاد من اتّساع الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، كما بين العمال والرأسماليين، وتعميقها أكثر من أي وقت مضى ، وزيادة الفقر الحاد.
أما داخل الولايات المتحدة، فقد كثّفت النيوليبرالية هجماتها الثقافية والأيديولوجية بالتوازي مع عسكرة الهجمات ضد الحركة العمالية والجناح الاشتراكي للحركة الثورية السوداء، والتي أصبحت الهدف الرئيسي للنيوليبرالية، فقد أدى نقل القاعدة الصناعية الأمريكية وإعادة تنظيم الاقتصاد نحو اقتصاد الخدمات إلى معاقبة الطبقة العاملة السوداء بشدة، ودمرت موجة الخصخصة الخدمات الاجتماعية والتوظيف العام، الأمر الذي خلق حالة من الهشاشة الهيكلية دفعت ملايين الناس إلى اليأس، خاصة بعد أزمة عام 2008 ووباء كوفيد -19، سنة 2020 الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من السود، معظمهم من الفقراء، بسبب عدم حماية الدولة لحقوق الإنسان الأساسية الخاصة بالصحة والضمان الاجتماعي، لتكون الأزمات بمثابة مناسبات لقضم حقوق عشرات الملايين من العمال، فقد أدخلت الأزمة الاقتصادية للعام 2008 ملايين العمال الأمريكيين السود في حقبة من الفقر والبؤس والعيش في ظروف غير إنسانية، لا تزال متواصلة.
كانت النيوليبرالية مشروع إصلاح رأسمالي لصالح رأس المال المالي والشركات العابرة للقارات، دون الإهتمام بالاحتياجات المادية والثقافية للعمال، لأن الليبرالية الجديدة هي دكتاتورية رأس المال التي أصبحت تشكل في الولايات المتحدة، أساس برامج وقِيَم مشتركة بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ومهما كانت حدّة الحملات الإنتخابية، فإن هذا الشكل من الديمقراطية البرجوازية ليس سوى مواجهة بين شقَّيْن من الرأسمالية، في انتخابات دورية، لا تترك حيّزًا أو مساحة أو بُنْيَة لتمثيل مصالح العمال والفقراء والمضطَهَدِين، وهذا أحد أسباب انخفاض مشاركة هذه الفئات الاجتماعية في الانتخابات الأمريكية (والأوروبية)، فليس لدى النّواب المنتخبين من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) سياسة بديلة تفتح آفاقًا إيجابية للعمال والفُقراء والأميركيين الأفارقة والنساء، إلخ.
يخدع القادة السياسيون الناس بنشر أساطير عن المصالح الوطنية المشتركة بين الأغنياء والفقراء، ولا يخرج ذلك عن طور الدعاية الذكية التي تسمح بتشتيت انتباه العمال والضعفاء والفقراء، ولكن إلى متى؟
نورد بعض الأمثلة التي تُبَيِّنُ خداع العُمّال من قِبَل الحزب الدّيمقراطي، أولها يهم نضالات عُمّال السكك الحديدية، حيث العمل صعب وشاق ومرهق، وبالإضافة إلى ساعات العمل طويلة، يمكن لإدارة الخطوط الحديدية مكالمة العمال بالهاتف ليحضروا إلى مكان العمل في غضون ساعَتَيْن، فهم على ذمّة الشركة طيلة الليل والنهار، وطيلة أيام الأسبوع، بذريعة "مقتضيات المصلحة العامة"، ويُكافح العمال منذ سنوات للحصول على حق مراجعة الطبيب والراحة بسبب المرض، لأكثر من يوم واحد تعترف به شركات السكة الحديدية، وذكر بيان نقابي أن مهندسًا في قسم الشّحن يعاني من نوبة قلبية، وكلما رجع الطبيب لإجراء فُحُوص، يفقد نقاطًا ولا يتقاضى أجْرًا، ويمكنه أن يفقد وظيفته إذا ما أقَرّ رُؤساء العمل أنه يُكثر من مُراجعة طبيب القلب، لذلك يفرض أرباب العمل على الموظفين العمل حتى عندما يمرضون، وهي نفس "القاعدة" التي تم تطبيقها أثناء انتشار وباء "كوفيد-19" وقد يموت الموظفون الذين يشعرون بالضعف والحمى والمرض أثناء العمل، لأن مراجعةَ الطبيب قد تؤدي إلى الفصل من العمل، ويُمثل قطاع الشحن بالسكك الحديدية نموذجًا لوَحْشِيّة الرأسمالية.
دفع الوضع المتردي عمال السكك الحديدية إلى الإضراب ثلاث مرات في أقل من عامين، ودعمت حكومة الولايات المتحدة أرباب العمل ضد النقابات التي رفضت الصفقة المقترحة التي لا تعالج مخاوف ومطالب عمال السكك الحديدية، منها زيادة عدد أيام المرض مدفوعة الأجر، وإقرار أيام راحة قارّة، وللمُفارقة، أبلغت شركة السكك الحديدية "يونيون باسفيك" ( -union- Pacific ) عن أرباح ربع سنوية قدرها 1,9 مليار دولار في الربع الثالث من العام 2022 بينما لم ترتفع الأجور خلال ثلاث سنوات، في حين حصل المديرون التنفيذيون على 200 مليون دولار في شكل مكافآت، وفق نقابة عمال السكك الحديدية المتحدة (RWU) ، نقلاً عن مجلة "بوليتيكو" ووكالة "رويترز" التي نقلْتُ عنها معظم المعلومات من برقياتها بين 15 أيلول/سبتمبر و 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022
في الشق المُقابل ، شق الأثرياء، ضخّت صناعة النفط والغاز ما يقرب من ستة ملايين دولار في موسم الانتخابات لدعم المرشحين للجهاز التشريعي، في كاليفورنيا، وللترويج لأجندة صناعة الوقود الأحفوري، وسجلت أربعة من أكبر خمسة مصافي للنفط في ولاية كاليفورنيا أرباحًا قياسية، بفعل وصول أسعار الوقود في محطات البيع إلى مستويات قياسية، كما أنفقت شركات النفط والغاز 9,2 مليون دولار لدعم المرشحين في انتخابات التجديد النصفي، وأنفقت شركات النفط في ولاية كاليفورنيا أكثر من ثلاثين مليون دولار للتأثير على المشرعين خلال السنة التشريعية 2021-2022، وتهدف هذه الشركات إلغاء القانون الجديد الذي ينص على الحد الأدنى من التباعد بين آبار النفط الجديدة والمنازل والمدارس ومحاضن الأطفال ومراكز الرعاية و المرافق الاخرى.
تلك ديمقراطيتهم التي لا تختلف سوى شَكْلاً عن الدّكتاتورية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية