الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلية وكليات / تشكل البوتقة الحضارية/ في خلاصات

عيسى بن ضيف الله حداد

2022 / 11 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كلية وكليات
تشكل البوتقة الحضارية
في خلاصات
كخلاصة لمجمل عمل تجلًى على مدى مئات الصفحات أسجل: ثمة جغرافيا تعلن عن ولادتها، تأسست على نحو تدريجي، تجلت في السمات الآتية:
Eتشكّل جغرافية اقتصادية تجارية مركزية، تشمل اليمن والجزيرة العربية وما بين النهرين، ووادي النيل، وبلاد الشام ، وامتداداتها..
كان من شأن هذه السوق أن تحتل حجر الرحى في اقتصاد العالم القديم، وتشكّل ملتقى طرق التجارة الدولية، والمحطة المركزية لتفاعلات التبادل والتواصل بين أجزاء العالم المتحضر والسائر في دروب الحضارة..
دام هذا الحال كما قد تأسس عليه، في ظل السيطرة الأجنبية القادمة، فيما بعد زوال الزمن السياسي لبابل..
E تشكّل جغرافية ديموغرافية -.. ظهور تمازج سكاني اجتماعي واسع النطاق بين مختلف البقاع ولأنساق، وقد أتى بمثابة نتاج عن: 1) عن تلاؤم الوحدة الجغرافية للمكان - 2) الحراك السكاني الناجم عن التبدل المناخي– 3) التبادل التجاري الواسع والمتواصل-4) أسرى الحروب والصراعات القائمة في ارض المكان-5) العمالة في المشاريع الكبرى في مصر وفي بابل- 6) السياسة السكانية للنظام الآشوري الكلداني المتمثل بالدمج السكاني.
E تشكّل جغرافية سياسية-.. تمثلت بتناوب السيطرة السياسية بين المركز المصري والبابلي على المنطقة البينية الوسطى، بلاد الشام.. والحراك السكاني المتفاقم، الناجم عن التصحر والتوجه نحو بقاع الماء..
E تشكّل جغرافية ثقافية ولغوية: تدشن هذه الجغرافية محتوى الجغرافيات السابقة ولاسيما: الاقتصادية والديموغرافية، وذلك في نسق من جدل العلاقة بين جغرافية الأساس، وبين جغرافية المرآة. تتبدى هذه الجغرافية في ثنائية الثقافة واللغة وفق النسق الآتي:
في الثقافة المشتركة- تمثلت الظاهرة الثقافية، في اللاهوت المتعدد كمهيمن على المنظومة اللاهوتية لكامل المنطقة، وتبادل أسماء ورموز هذا اللاهوت بين جميع القبائل والأقوام، حتى لو اختلفت الأسماء في بعض من الأرجاء، فقد تماثلت في الوظائف..
الظاهرة اللغوية المشتركة - بدت هذه الظاهرة في نسق من اللغات المتقاربة.. والسؤال هل انبثقت هذه اللغات من لغة واحدة...؟ وأي كان الجواب، فان هذه اللغات قد تقاربت وتفاعلت في مسيرة أو قل بوتقة لغوية واحدة، ثم تمثلت أولاً في اللغة الآرامية بالإضافة لغيرها كالكنعانية وغيرهما، كلغات متجاورة ومتداخلة ومتماثلة إلى درجة
نسبية، بحيث قد توحدت في الوريث التاريخي المتمثل في اللغة العربية.. تشكل هذه الظاهرة بحد ذاتها الحقيقة التاريخية للمظاهر الأخرى، وسياجاً لها.
في هذا المجال يسطر بيير روسي: إن الالفباء، التي تأتي رأساً من الفينيقية.. يجب أن نعيد إلى نوعين من الخط " عالمين " فرضا على الشرق منذ الألف الثالث قبل الميلاد: المصري والبابلي، الأول مؤكد بكتابات ضخمة وبرديات - والثاني المسمى بالمسماري المعروض في المكتبة الواسعة المجموعة في نينوى، تلك المكتبة التي جمعها سنحاريب، ثم بكتابات القصور الحثية في المدن الكنعانية بعلبك أو أوغاريت، أو المصرية كرقم تل العمارنة.. " (بيير روسي ص63)
لقد تمخض الأمر، إلى حدوث مشهد ينطوي على تواصل جغرافي وديمغرافي ثقافي.. عبر حلقات سلسلة تمتد، من جنوب الجزيرة العربية في تواصل مع شمالها، والشمال في تواصل مع شماله الشامي وشماله الشرقي، ثم يتواصل السير تدريجيا إلى الشمال الغربي عبر سيناء ليطل على مصر ومما وراء مصر..

كليات في أفق أوسع.. [ مقتبس من بيير روسي]
لا لم تكن تلك المرحلة التاريخية بما احتوت من عوامل وعوالم مقتصرة على حدودها تلك.. بل مدت يدها إلى أفق أوسع.. ومصر ذاتها لم تكن بمنأى عن تلك العملية التاريخية، إنما قد اندمجت عميقاَ في آتونها، من حيث قد أسهمت بفعالية في تشكيل هذا المجال، بل ودخلت في محرابه..
ولعل للدلائل ما تفصح عن ذاتها. وها هي جميع آلهة ما بين النهرين
كانت ممثلة في البانتيون المصري (ص81). وبينما كانت الهيروغليفية المصرية تستعمل في بابل، فإن المسمارية كانت مستعملة في مصر، والخطان يتجاوران في الاستعمال.. (ص 63)
إن وجود اللغتين معا مشار إليه في أكثر الأماكن من قبل علماء العمارة وهما مختلطان بصورة مبهمة، بحيث أنهما انتهت إلى إعطاء لغة مشتركة مكتوبة مع إشارات مصرية مبسطة أعطت الآرامية ( ص 63). وفي ظل حكم الأسرة الثامنة عشر الفرعونية يصبح أحيانا التمييز بين حثى أو مصري أو آرامي (ص(64.).
أما فينيقيا وهي " لم تخلق من العدم" كانت بمثابة الممثل عن النزوع البحري لما ساد المنطقة من حضارة وطموح لما وراء البحار، فقد مدت يدهاإلى قرطاجة وشرقها وغربها لتضع المقدمات للزمن الآتي، وعلى هذا الطريق سيكون المسار للآتي من الأيام..
لعل ابرز مما يمكن أن يقال في هذا الصدد، هو الآتي: إن اللقى المكتشفة في كركميش، نقطة تقاطع التأثيرات، نقطة تقاطع التأثيرات المصرية المتوسطية، والتيارات الهندية البابلية، تتشابه تشابهاً دقيقاً مع اللقى التي عثر عليها في غزة، وتيماء الحجاز، ومأرب والبحرين، فالسبب إذاً مفهوم في استحالة التمييز بين عدة ثقافات، أو بالأحرى التفتيش عن توزع جغرافي لشعوب اسمها نفسه موضوع ضمان.." (ص 48)
وليس أبلغ من القول الآتي : الإسكندر تلميذ أرسطو، ذهب حتى مزار آمون المصري ليلتمس منه الإذن بالملك على بابل دليل صارخ على وحدة الشرق العضوية، فلقد كانت الديانة واحدة تحت مظاهر متعددة، والدولة واحدة كذلك على الرغم من استقلال الجماعات الذاتي، والقانون واحد على الرغم مما تقتضيه هنا وهناك الظروف المحلية. - " فلا يكفي الاسكندر البتة لكي يخلف داريوس الثالث، ولكي يلبس تاج العاهل الكبير، أن يكون فقط مرشح الفئة الشرعية. كان عليه أن يحصل على موافقة مقام أعلى أيضاً، وكان المقام الأعلى يدعى آمون. وعندما يتكلم آمون، فكل الديانات تطيعه.. "[ ص 181 و 182 ]
أجل.. وما المزار سوى بابل.. (في تغاير الحقول..)

كليات في الحصاد الأخير لمسيرة أول التشكل
لعلنا نجد في سيادة اللغة الآرامية بمثابة تجسيد واقعي أو رمزي يمثل المطاف لمسيرة أول التشكّل، من حيث كون اللغة ولاسيما في الأزمنة القديمة، يمكن أن تختزل بحد ذاتها جملة من العوامل المتفاعلة التي من شانها إيجاد شبكة من العلاقات المتداخلة بين مجمل المكونات السكانية في وسط جغرافي ما.. إذ تكون اللغة الموحدة بمثابة إعلان حي لها..
ليس من الصدفة بمكان، أن تجد تلك اللغة عرينها الحصين في المدى الجغرافي الممتد من حوض الرافدين إلى حوض النيل مع امتدادات إلى الجوار جنوبا إلى شمال الجزيرة العربية وحنوبها.. وأن تكون قد تجاوزت في تأثيرها اللغوي هذا المدى لما حولها.. ولعلها قد شكلت عنوان البوتقة الحضارية الأولى، وهي على هذا النحو تكون قد فتحت الباب على مصراعية للغة العربية، التي ورثت الآرامية ومن حواليها، في المسيرة الحضارية القادمة..
من المؤكد، بكون تلك الظاهرة اللغوية قد فتحت الطريق للتطور، للسوق الاقتصادية بديناميكيتها التجارية لها ما تفرضه من تعبيرات ثقافية على الواقع..
من المؤكد، أن للعوامل الأخرى كان لها دورها الفعال في انجاز هذه الظاهرة اللغوية..
الجدير بالبيان، أن تلك المنطقة بحدودها الجغرافية تلك، قد مثلت عبر هاتيك الأزمنة الحلقة المركزية للفعالية الحضارية للعالم القديم..
كما كانت بذات الوقت البقعة الرئيسية لتلاقي وتقاطع طرق التجارة الأكثر أهمية آنذاك، بحيث قد شكلت بكليتها كناظم لسوق اقتصادية تجارية عالمية، مما جعلها مركزا لإشعاع حضاري يمد خيوطه إلى محيطه..
كخلاصة
لقد أدت جملة المعطيات السابقة بكليتها لتمتين معالم البوتقة الحضارية، من حيث اعتمادها على بنية تحتية صلبة، متمثلة بالهيمنة على عملية التبادل التجاري بأطيافه الواسعة، حتى غدت بمثابة كيان متفرع الأركان، المعبر عن نفسه بثقافة عريقة الأبعاد وتفاعل سكاني وتاريخ ممتد - كما ورد..
ô ô ô
على خطى القادم على مدى الزمان في خطاطة (لعمل يجب أن يستكمل)
يواصل التاريخ مسيرته كدأبه، في مظهر حلزوني متعرجاً حيناً وحيناً متقدماً. وفي هذه المجريات لا يأنف التاريخ، من إنتاج جملة من الصراعات تأخذ أشكالاً عدة.. مموهة حيناً وحينا معلنة..
عبر هذا المسار لم يكن بوسع سيطرة الإمبراطوريات المتتالية، الفارسية والإغريقية والرومانية والبيزنطية، زعزعة أساسيات هذا التشكل، التي عبرت ذاتها ببقاء اللغة الآرامية واللغات المرافقة المتماثلة لها، بما تمثل من ثقافة صامدة في عرينها..
بل وثمة العديد من المؤشرات تؤكد بقاء تلك المنطقة بمثابة القاعدة الاقتصادية والثقافية في ظل تلك الإمبراطوريات.. تلك التي لم يتجاوز شأنها أكثر من إخضاع المنطقة لسيطرتها العسكرية وجمع المكوس والنهب من أقاليمها، في حين بقي الأمر يسير بكيفية أو بأخرى، على منوال بدايته، من دون توقف..
في غمرة ذلك، لم تكن المسيحية الوليدة ببعيدة عن روح الثقافة الآرامية الشرقية، بل قد كان من شأن هذه الثقافة تأسيس مسيحية شرقية على نسقها، بعدما أصبحت المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية، وفقدت المسيحية عبرها الكثير من سماتها الأصلية..
من المؤكد، أن الصراع الذي قد اندلع داخل المسيحية ذاتها، كان يمثل بكيفية ما صدى للصراع السياسي والاجتماعي المحتدم في تلك المنطقة، بين مكوناتها الوطنية من جهة والهيمنة الأجنبية من جهة ثانية.. والأمثلة كثيرة سنظهرها في حينها..
ولم يكن صراع التيارات داخل المسيحية هو الظاهرة الوحيدة الممثلة للصراع ما بين هو وطني وقادم أجنبي، حيث قد ظهرت أشكال أخرى، من بينها حركات استقلالية متعددة، من بينها دولة الأنباط ودولة تدمر ودويلات الجنوب العربي في اليمن ودولة قرطاجة، وغيرها مما قد ضاع أثره.
كما قد كان للثنائي الإثني، الآرامي والعربي، حاضراً في عمق هذه الصراعات بأبعادها المتعددة، ولاسيما في بلاد الشام.. وأكبر مثال ما قد ظهر من قرائن ثقافية وسياسية في زمن الأنباط، وعصر تدمر، ولدى المسيحية الشرقية..
على وقع من ذلك واصل التاريخ سيره، حتى حط رحالة في تلك المنطقة عبر الحضارة العربية الإسلامية، التي استطاعت بعبقرية فذة استيعاب الماضي الحضاري بمجمله.
ولعل الإشارة الأكثر وضوحا للدلالة على تلك الحقيقة، تتمثل بكون اللغة الآرامية قد سلمت الراية بكل طواعية للغة العربية، استجابة منها لمنطق التاريخ وإرادته المتمثلة بدواعي عوامل التشكل المتجددة بآفاقها الحضارية المتصاعدة..
على صدى من تلك المعطيات، يختزل لنا بيير روسي مشهد ما حدث عبر مقولته الفذة: إن لغة واحدة مكتوبة ومتخاطب بها قد انتهت إلى فرض نفسها وتغطية هذا المجموع الكبير: إنها اللغة الآرامية.. ثم تطورت الآرامية منذئذ طبيعياً، ودون معارضة، إلى اللغة العربية، التي وجدت نفسها منذ ذلك الحين وارثة الماضي المصري، والكنعاني، والحثي، والبابلي. " (مدينة ايزيس ص24 )
إلى أن يقول، لقد " كان زيفاً وضلالاً باسم السامية المزعومة، فصل
العرب عن المجموع الثقافي المصري الكنعاني البابلي. (مدينة إيزيس ص 30)
على هذا النسق تكون الحضارة العربية الإسلامية، قد أسست ذاتها
على قاعدة التراث الحضاري الثقافي لذاك الماضي.. وواصلت المسار في طريق تشكل الفضاء العربي بميسمه الحضاري والثقافي واللغوي..
أجل، واجل، ولعل من دواعي هذا العمل ما يستدعي السير فيه نحو التكامل.. في صبوات الآتي..
ÖÖÖ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا