الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


32 – مدخل . . الى العقل المتصنم ذات مستبدلة بمنقطع عن محرك تشغيل وجودها التاريخي

أمين أحمد ثابت

2022 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


اوضحنا سابقا – بطريقة اخرى – بما يفيد أن انسان المجتمعات العربية قد عبر مساره التاريخي القديم مثل غيره من انسان شعوب المجتمعات الاخرى ، بما فيها مرحلة ظهور الامة وبعدها مع ظهور الفرز الاجتماعي على اساس الملكية الخاصة و . . تشكل نظام الحكم المركزي الحاد الاستبدادي للحاكم الفرد كسلطة مطلقة ك . . منظم للمجتمع ومعبر عنه امام شعوب المجتمعات الاخرى – كجامع واحد لسلطات العشائر المتحدة بوجود مسمى الامة الواحدة الجامعة – وإن كانت بعض مجتمعات عربية قبل الاسلام ذات المسار البشري الواحد – آنذاك – لطبيعة وجودها التاريخي وقتها ضمن حضارات امبراطورية ( عبودية ) ، كعرب مصر الفرعونية والبابلية والآشورية – بينما انقسم الوجود التاريخي لإنسان المجتمعات العربية – في ذلك الزمن -القديم الى وجودين متطبعين واقعا – رغم انفراز شعوب مجتمعاتها على اساس الملكية الخاصة . . كغيرها من شعوب الارض – فالجزء الأول كان متطبعا كتابع طرفي ملحق بإمبراطوريات ( عجمية – مختلفة العرق ) ، منها يتبع الامبراطورية الاغريقية أو الرومانية أو الفارسية ، وهذه إن علم انسان مجتمعاتها كجزء من النظام المجتمعي العبودي التاريخي – الملحق بهذه الامبراطورية او تلك او تلك – إلا انها رغم شيوع العبودية والرق لاحقا ايضا فيها – فإن النظام العبودي ( السلطوي الحاكم وليس المجتمعي ظاهرة ببيع وشراء العبيد والجواري والإماء ) لم يتأصل في حقيقة وجودهم التاريخي آنذاك ، فطبيعة وجودهم الطرفي التابع . . لم يمكن ذلك الحكم المركزي للإمبراطورية ( العجمية ) أن تمحو طبيعة ذلك الطابع التاريخي الاقدم لشعوب المجتمعات ( العربية افتراضا ) ، أي بمعنى أنها ظلت على جوهر طابعها العشائري السابق ، فوحدة الامة التي تشكلت فيها لاحقا ولم تتأصل تاريخيا بفعل تمزيقها كمجزئات تم ضمها التابع بين إمبراطوريات متصارعة على التوسع فيما بينها . . سادت في ذلك الوقت – بلدان الهلال الخصيب كلبنان وسوريا والاردن على سبيل المثال وجزء من فلسطين المفترضة -بينما الجزء الاخير من انسان شعوب المجتمعات ( العربية مجازا في ذلك الوقت ) ، كان يعيش وجودا في ارض بعيدة – ولم تكن تعد ذات اهمية وقتها لمراكز حكم تلك الامبراطوريات القديمة – إن كان منها قد يصل إليها نفوذ اية من الامبراطوريات ، فإنه لن يكون إلا معنويا بمعبر الوجود في ظل حامية مقابل الاخريات ، بينما من شعوب ذلك الجزء الثاني لم يعش نظام الحكم العبودي تاريخيا كجوهر وجود ، وانسان هذي الجزئي الاخيرين من المجتمعات كان متمثلا بشعوب العرقية العربية الاصيلة في شبه الجزيرة العربية – حديثا السعودية واليمن – مضموما إليها شعوب عشائر الصحراء البدوية ، الممتدة كتعليم جغرافي بتلك العشائر البدوية على اطراف البلدان العربية ( الحديثة ) كلها – شمالا وشمالا غربيا وشمالا شرقيا وشرقا لشبه الجزيرة العربية – رغم فارق الاثر التاريخي الفارق بين اليمن والسعودية ، حيث علم التاريخ القبلي من ذلك الزمن بوجود متسلسل حضارات نوعية خاصة عبرت فيها اليمن ، ك . . قتبان وسبأ وحمير وحضارة ذا الموت في الجنوب الشرقي من اليمن الحالي ، حتى كانت ظفار – في عمان الحديثة – وقتها جزء من حضارة اليمن الطبيعي القديم – كان عرب الداخل اليمني قد عرف وجودا نشوء الامة الواحدة اجتماعيا ونظام حكمها المركزي الواحد ، ولكنه لم يعش تحول طابع النظام الى العبودية ، بل ظل بطابع الملك او الملكة الواحدة في مجلس حكم يضم مشايخ العشائر المتحدة – كحكم الملكة بلقيس كما ورد ذكرها في القرآن ، او حكم الملكة اروى او غيرها من الملوك السابقين لها او بعدها – بينما ظلت القبائل الطرفية البعيدة والبدوية اليمنية مثل غيرها كعرب الجزيرة وعرب الصحراء العربية ، محافظة على جوهر وجودها القديم لما قبل نشوء الامة كشعوب عشائر – وإن كان كل منها ينسب بإلحاق طبيعي – جغرافي – لهذا البلد او ذاك من البلدان العربية . . بمعلم الحديث قطريا .
و مضمونا لما سبق ذكره – وفق ما نزعم به تصورا شخصيا وبحكم نستنطقه آتيا – أن الغالبة المطلقة لموسم ( الذات العربية ) المفترضة مجازا في القديم ، احتجزت تاريخيا داخل قمقمها القديم مجتمعيا – بين مجتمعات شعوب العشائر ، ومجتمعات الداخل شبه المستقرة – اليمنية وبلدان الهلال الخصيب – بين نظام حكم مستقر لوحدة الامة بملك يضم شيوخ العشائر ، واخر برموز حكم محلية – طرفية – تابعة لمركز حكم الامبراطوريات الاساسية القديمة – والذي يعني أن الانسان العربي الراهن لم يرث تاريخ اسلاف كمجتمعات عاشت يذاتها جوهر المرحلة العبودية – كما عاشتها بقية شعوب الارض لآلاف من السنين – وحين جاء الاسلام وقيام حكمه كدولة توسعيه الامتداد كإمبراطورية اجد تقف بديلا عن سابقاتها التاريخية ، ثبتت سمة مجتمع هوية الامة الواحدة و . . لكن على اساس ديني ، مربوط بلغة الكتاب الالهي المنزل بالعربية وفي المنطقة العربية ( اصل العرق العربي ) – الخليط دما لنبيه بين مكة والمدينة بامتداد اصلي لعرب يمني – من جهة أمه عليه افضل الصلاة والسلام – وأسست دولة الامبراطورية الجديدة الاسلامية مؤشرات بدايات نظام حكم اجتماعي جديد في التاريخ البشري . . يتعدى طابعه نمط المجتمع العبودي الذي علم طابع الامبراطوريات الآيلة وقتها ، وهو طابع المجتمع الاقطاعي – وهو النظام الدواوين الإداري للحكم ومعرف سلطة حكمه النافذة بحاكم فرد يطلق عليه مسمى ( الخليفة ) – كخليفة رسول الله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وبمجلس شورى يستعين به في اتخاذ قراراته – وفق ما كان يتعامل به النبي وما اشارت عليه التعاليم السماوية في منزل القرآن في آيات متعددة ، ومنها بمعنى قول تفيد الاشارة إلى اتخاذ الحكم بين الناس وحكم المجتمع : ( . . وشاورهم في الأمر ) – وهو ما أثني عليه قرآنا في حكم الملكة بلقيس زمن وجود الملك النبي سليمان عليه السلام ، في قول بما معناه . . أن نظام حكمها كان شوروي ، ولذا كان اكثر عدلا عن سواه من انظمة الحكم القديمة ونظام الحكم الامبراطوري الى قبل سقوطه تاريخيا وبشكل كلي واحلال دولة الامبراطورية الاسلامية بديلة عنها بطابع نظامها الجديد تاريخيا – باستثناء امبراطوريات الشرق الاسيوي البعيد – وإن تحول جوهر نظام الخلافة الاسلامية – الشعبوية باختيار خليفة لحكم الامة بعد موت النبي ، ممن كانوا اكثر قربا منه في حياته ومصاحبته ومن يعتمد الاستعانة بهم بقراراته وإدارة شئون المسلمين ، وذلك من بعد الخليفة الراشد الاخير علي بن ابي طالب -حيث تحول جوهر حكم دولة الامبراطورية الاسلامية الى نظام الحكم الملكي الوراثي .
ولعدم استقرار نظام حكم الدولة الاسلامية لمراحل زمنية طويلة كسابقاتها ، وكإمبراطورية واسعة بديلة عن الامبراطوريات ما قبلها ، وذلك بفعل الحروب المستمرة ، منها الخارجية المطلق عليها في التاريخ العربي الاسلامي – المدون عاطفيا - بحروب ( الغزوات والفتوحات الاسلامية ) ، تحت شعار نشر الاسلام على بقاع الارض وعدالة نظام حكمه ، وحروب الدفاع او الحماية لمملكة الحكم الاسلامي المضادة لها المعلمة بالحملات الصليبية وحروب المؤامرات ونقض العهود وغيرها ، أكان خلال فتوحات التوسع او خلال فترات الضعف الداخلي للدولة الاسلامية ، وهذا غير الحروب الداخلية – التي تمثل علة رئيسية اساسية في غروب دولة الخلافة الاسلامية – بدء من حروب الردة وانتهاء بحروب على سلطة الحكم . . بتقسمات اجتماعية موالية بين افراد الاخوة في الاسرة الحاكمة ، المتصارعين على منصب الخليفة المعرف ب ( امير المؤمنين ) ، او بين ابناء العمومة للعائلة المالكة للسلطة الحاكمة ، او في مصنف تعصبي بيوتاتي قديم – ك بني هاشم وبني امية ، او مناطقيا ك . . بني قريش اهل مكة والانصار اهل المدينة المنورة ومن ناصر الرسول من القبائل العربية وثبتوا حكم الاسلام في الغزوات مع النبي وبعد موته في مسمى الفتوحات الاسلامية ، هذا غير حروب الامارات الاسلامية بين بعضها البعض وحروب بعضها مع مركز نظام حكم الدولة الاسلامية – هذه الاخيرة منها ما اتخذت طابعا تمرديا بعصبية مناطقية لعرقية متحد قبلي او عشائري ضيق قديم الجوهر الى ما قبل ظهور الاسلام ، واخرى اتخذت طابعا مذهبيا طائفيا او طابع الفرق المدعية باختلاف التأويل للنص القرآني ودرجة الاهمية للاحاديث والسيرة النبوية بما عمل به الرسول عند حياته . . .
هذه السمة الاساسية التي علمت جسد نظام حكم الدولة الاسلامية ، والتي قادت اخيرا الى انهيارها وتلاشيها عن الوجود ، مخلفة وراءها شظايا مجزءات الامة الاسلامية - العربية الواحدة ، عانى كل جزء متشظي منها بعد تلاشي دولة الحكم المركزي الموحد الى نزاعات حروب في داخلها على اساس مناطقي لمتحدات ضيقة عشائرية قديمة فيما بينها . . حتى اتت دولة امبراطورية الخلافة الاسلامية البديلة الثانية تاريخيا لاحقا ، والتي ميزت بمسمى الامبراطورية العثمانية الاسلامية ، حيث اعادت ضم المجزئات العربية المتشظية لجسدها في مركز حكمها المعرف ب ( الباب العالي ) كملحقات تابعة للإمبراطورية – ذات العقيدة الدينية الواحدة - وتحت حكم امام واحد يعرف ب الخليفة العثماني لدولة حكم الامبراطورية الاسلامية – ورغم الامتداد التاريخي الطويل لهذه الاخيرة مقارنة بسابقتها الاصل عربيا ، إلا انها وقعت في الفخ القديم ، فلم تهدأ وتستقر في ظل انبعاث قوى بمجتمعات متوحدة ضدها – كانت قد ذهبت في مسارها الاجتماعي التاريخي خروجا من المرحلة العبودية وتثبتها كواقع موضوعي على النمط الاقطاعي ، الذي تحرك انتقالا من مرحلة الرق الى التحرر منه كجوهر اجتماعي مغاير – بالطبع مع بقايا صور العبودية المنتجة عبر اسرى الحروب من شعوب اخرى – وهو ما دفع المجتمع الى نحو الاستقرار والتوسع والنمو نحو نشوء نظم الحكم الملكي المركزي مع تسيد تام لطابع العمل الاجتماعي بالنمط الاقطاعي – الطبيعي مرحليا في التاريخ – بينما الامبراطورية العثمانية التي غرقت في نزعاتها التوسعية ، بقدر ما ثبتت طابع النظام الدواويني ( الريعي والخراجي ) اقتصادا وخدماتيا ايضا . . حتى وقت انهيارها وتلاشيها مع ظهور معرف النظام الاستعماري الغربي القديم ، والذي اقتسم تركة حكم العثمانيين في المنطقة العربية ، والتي طبعت بجوهر طابعها القديم عند تلاشي الدولة العربية الاسلامية ، ولكن على هيئة مجزءات متشظية متقاسم عليها في معرف ( الانتداب والوصاية ) ، عرفت عربيا من بعد اتفاقية سايكس بيكو 1916م بالأقطار العربية ، فكل قطر من الامة العربية حين أعيد ضمه لامتداد الدولة الاسلامية مجددا تحت الولاية العثمانية ، لم يعاد حتى بذاته كهوية نسيج لحمة واحدة قطرية ، ولكن كقطاع ديمغرافي مساحاتي طرفي ملحق بمركز نظام الخلافة العثمانية ، حيث ابقت على طبيعة الصراعات العصبوية والنزعاتية الاجتماعية الضيقة قائمة فيها ، بما يحفظ ضعفها وتفككها الداخلي ما يضمن استمرار تبعيتها لمركز الحكم العثماني وتلاشي ظهور تمرد مجتمعي شامل – قطري - على المدى البعيد ، خاصة وأن الدولة العثمانية رغم مسماها الاسلامي كامتداد للإمبراطورية الاولى العربية ، لم تكن مختلفة جوهريا عن الطابع الاستعماري الاحتلالي القديم بأي شكل من الاشكال – وحين حلت الدول الاستعمارية الغربية محل مقسمات التركة العثمانية بالاحتلال العسكري ، كانت قد ذهبت نحو تعميق الشروخ الداخلية المجتمعية لكل قطر عربي مضفى عليه اسما محليا بمعرف البلد العربي – وفق التقسيم الاستعماري القديم للمنطقة العربية – ومع تحرك مجتمعات البلدان الغربية في مسارها الطبيعي في التاريخ تطوريا ، بعد انتقالها من العصور الوسطى وصراع الخوض في الانتقال التغيري من النمط الاقطاعي الى النمط البرجوازي الرأسمالي انتاجا – أي انتقال احلالي للإنتاج الصناعي كأساس نمط انتاجي ونظام اقتصادي سائد بديلا عن نمط الانتاج الزراعي – الخراجي والريعي – والتبادلي عبر معادل وصل الى العملة المعدنية المصكوكة وثم نحو العملة الورقية ، حيث احدثت مرحلة ظهور الثورة العلمية ( للعلوم الطبيعية ) الثالث عشر الى القرن السادس عشر ميلادي ومن ثم الثورة العلمية التكنولوجية من نهايات القرن السادس عشر ومنتصف القرن ال17 ، احدثتا عجلة تطور متسارع على تطور الانتاج المهني الى المانيفكتورا المعملية الى الصناعة ، والذي قاد لنمو رأس المال ليعود اثرا على احداث تطوير للإنتاج والاقتصاد بما يعود بأرباح اكثر من قبل وهكذا – أما على صعيد وعي الانسان المجتمعي قد تطور نوعيا على الصعد الوظيفية او في مسألتي الحرية والحقوق ومسألة العدالة لنظام الحكم بالمساواة للجميع امام القانون ، وبحيث تكون الدولة معبرة عن الجميع وحامية لأمنهم وحياتهم وبلدهم بموجب دستور تخضع له وتحاسب من خلاله – اكان نظام الحكم ملكيا او ملكيا دستوريا او جمهوريا – وتثبتت قيم المجتمع البرجوازي التحررية بتحرير المجتمع من سلطة الكنيسة ومسألة الفصل بين الدين والدولة . . .
كانت التركة الاستعمارية الغربية التقليدية للبلدان العربية – المتحررة ظاهرا بعد موجة ثورات التحرر العربية من الاستعمار الغربي وبقايا الحكم العثماني . . من بعد ثورة يوليو مصر في 1952م – قد اوغلت في شعوبنا العربية – داخل كل قطر او بين اقطار الجوار – نزاعات وحروب متأصلة وثقافة كراهية متوارثة – وبقدر ما كانت تعيد احياء العصبيات المذهبية والعشائرية والقبلية والمناطقية بحدة اشد ، كانت تغرس قيم التفسخ الاخلاقي لانسان المجتمع ، بفخر تنسيبه الى الحداثة المدنية المعاصرة وخفض مشاعر تنسبه الاجتماعي العربي ( المتخلف ) ، وهو ما يقود الى يفسخ عمقي اشد في تعمم نزعات الكسب السريع والاسهل ( الانتهازي ) مقابل العمل التبعي للمستعمر كبيع للضمير على حساب الولاء الوطني ، وتعمق اكثر مع مرور الزمن تعمم النزعات الانتهازية اجتماعيا بين فئات المجتمع العربي في كل قطر كان ، بما وصل اخيرا الى تلاشي الوطنية ( المجرد عن المنفعة الذاتية ) كفعل واقعي لكل فرد من المجتمع ، الى أن تكون الوطنية شعارا يخفي وراءه كل وطني متمرد او ثائر كما يحب الترويج له ، يخفي وراء قناع الوطنية اغراضا انتهازية ارتزاقيه ، بين أن تكون ذاتية صرفة . . وهذه لا تدوم وتتلاشى وجودا سريعا ، وبين ذاتية محمولة كتابعة لطرف خارجي متحكم بإدارة اللعبة الداخلية لدينا في كل بلد عربي ، ويكون من ضمن المجموعة التنافسية الدولية والاقليمية المتنافسة .

وعلى كل ما تقدم ، نكتشف أن ذات الانسان العربي مجتمعيا لم يعاني من البؤس الاسود الماحق الذي انتهك انسانية الانسان الى درجة ادنى من الحيوان علنا وبطابع نظامي تاريخي – أي العبودية – ولم تنطحن الشعوب العربية وتسحق انسانيتها وحياتها كتلك التي جرت على شعوب العالم الاخرى في الحروب الدموية المخيفة أبان الانظمة الاجتماعية المتتابعة الوحشية – من حروب العشائر الى متحد العشائر الى العبودية وبعدها حروب المرحلة الاقطاعية وانظمة الابادة الجماعية الوحشية وجرم محاكم التفتيش وتسلط الكنيسة والحروب العرقية وجنس لون البشرة – ومع ذلك ظلت تلك الشعوب تتحرك في مسار تطورها الطبيعي ، فإن كانت انظمة الحكم الوحشية تعلق المشانق وتقطع الرؤوس وتحرق الاحياء بجماعات كبيرة ، ورغم خضوع تلك المجتمعات للعبودية المعلنة ( خوفا وضعفا ) ، وانفراد تلك الانظمة الوحشية البربرية على إبادة المفكرين والعلماء واحرار الفكر والممارسين الثوريين واقعا ضدها كحركات تمرد مواجه لأنظمة الحكم الاستبدادي ، إلا أن ذلك الخوف الشعبي وجبنه بشعور الضعف لم يقد الى تشوه جوهر قيمه الاصلية الطبيعية للإنسان – أي وإن طفى ظاهريا عليه الخنوع والتطبع الخائف التابع للمستبد – فالمجتمع لم يكن طرفا عدائيا مماثلا لأنظمة حكمه يستهدف المستنير القيمي والشريف والشجاع المضحي بحياته من اجل الاخرين – نعم كانوا يتجنبونهم ويلعنونهم ظاهرا ك . . كبوقة للحاكم ، ومكفرين لهم كبوق للكنيسة الجاثمة على انفاس المجتمع ، لكنهم في السر يمجدونهم ويتداولون اخبارهم وعطاءاتهم وجسارتهم ويتعاملون بما يقدمونه من علم ومعارف تدفع لتطوير عملهم وافكارهم ، بل انهم يتداعون سرا لحمايتهم واخفائهم حين تقترب لتصل اليهم ايدي الحكم الدموي – فما بالنا نحن ؟ - إن السر الكامن فينا ، انا لم نعبر في المسار التاريخي الطبيعي لتطور انسان المجتمع ، حيث توقف مسار تطورنا المجتمعي عند مرحلة العشيرة وبعضا منا عند مرحلة متحد العشائر بمسمى الامة ، نعم تعمم اجتماعيا علينا حياتيا طابع الملكية الخاصة وانفراز المجتمع طبقات او فئات على اساس تلك الملكية و . . لكننا لم نغادر تاريخيا حقيقتنا القديمة لما قبل نشوء دولة الامة الواحدة ، ورغم دور الدولة الاسلامية الكبرى – العربية والعثمانية لاحقا – قد نقلتنا الى نظامية حكم مجتمعي اكثر تقدما على وجه الارض آنذاك – اوليات النظام الاقطاعي – إلا انها لم تنقلا انسان المجتمعات العربية نحو تلك المرحلة التاريخية المتقدمة ، أكان وفت الدولة العربية الاسلامية الاولى ، او دولة الخلافة العثمانية ، التي عممت النظام الاقطاعي على مجتمعها الذاتي الخاص ( التركي حديثا ) – بعد اتاتورك – بينما تركت المجتمعات العربية جامدة في جوهرها العشاري القديم من جانب ، وتشوهه الخلقي مع طابع انسان المجتمع شبه الاقطاعي نظاما – فلم يعد العربي ذاتا عشائرية قبلية صرفة او ذاتا اقطاعية اصيلة – وعمق الاستعمار الغربي المحتل تشوه طبيعة الذات العربية بإضافة طبيعة خصائص البرجوازية المدنية الحديثة كشكل خارجي سطحي على شخصية ذاتنا العربية ، وعمقت مسخا فينا بتأصيل حياتنا ونزعاتنا على طابع الاستهلاك الصرف ، حتى طغت اوهام الحداثة والمعاصرة على ذات شخصيتنا العربية ، والتي لا تقف على جوهر اصيل فينا ، نمارسها تماهيا في حياتنا الواقعية كأقنعة نخفي وراءها جوهر تشوهنا ، ونجد جوهرنا المتخلف ( البربري القبلي ) المعاد انتاجه القديم بشكل مشوه . . حاضرا في ممارساتنا الواقعية اليومية كآليات تقوم على الخداع والزيف والنفاق والتآمر والنهب والفساد والكذب . . الخ – كممارسات قولية او خطابية او كتابية او وظيفية اعلامية – وكمجاميع وحشية دموية واستبدادية تخوص حروب القتل الداخلي من اجل المال او قوة النفوذ والترهيب المجتمعي ، واخر صورها كوكالات الحرب الداخلية بمحمولات خارجية غير وطنية .

إن تغيرنا كذات اجتماعية يلزم محو كل تشوهات التاريخ المنتج جوهرا مسخيا حالا محل جوهر طبيعة حقيقتنا التاريخية كنوع بشري ، ولن يتغير الواقع الموضوعي – كحقيقة موضوعية – ما لم تتغير ذواتنا المشوهة ، فكل تغيير وتطوير هو ظاهري غير اصيل ، لكونه تقليدا ناقلا غير اصيل ، لكونه لم يكن ناتجا لعمل انتاجي متوضع واقعا ، يقود الذات المجتمعية نحو تحررها الحقيقي من تشوهاتها ، ويضع تراكمات موضوعية اصيلة تحدث مسارا تغيريا دائما ، بل ان كل تطوراتنا العصرية ليست سوى تعميقا لطابع ذواتنا المتبطلة بنزعات استهلاكية صرفة تتزايد مع مرور الوقت ، فلا نكسب إلا غرقانا بالوهم في معايشتنا العصرية مع غيرنا من بقية شعوب الارض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص