الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


‏‎قصر زاويته بلا ملك ….!

مظهر محمد صالح

2022 / 11 / 18
الادب والفن


‏‎انه سفح جبل جميل تتفتح انفاسك من فورها ، بالرغم من قوة عناده ، وانا اتمعن بجدران قصر متواضع احتضنه منعطف بأشجار عالية تفرقت بحزن كي تدلني إيحاءاتها على مدخل القصر الذي نُسي لشدة تواضعه شئ من الهمة والادامة والتعمير وتُرك على حاله المتهالك منذ اكثر من خمسة عقود ، ولم اقصر التفكير والتساؤل عن اسباب المكان ونشأته الذي حمل رايته الملكية المنكوسة ، لتضيع في مخيلتي الاقوال قبل الافعال لتبتعد في تضاعيف الماضي وانانيته عبر عقود سياسية واجتماعية قاسية .ولكن ظلت تتدفق حالات من الاستفهام لتحفر في ذاكرتي ،وانا في قصر الملك ، لالتقط مقولة رددها حكيم ومفادها :اذا دعاك كبيرٌ الى طعام فأقبل بما يقدمه لك ولا تتكلم الا عندما يسألك ؟ هنا نظر لي مضيفي بصمت وهو يقول في سره ما سر اهتمامك بأدب المائدة ايها الرجل القادم من الارض الرسوبية السهلية الناطقة المزدحمة البشر متسلقا جبال مدينةً بهذا الصمت؟ اجبته في سري لا ادري كم من اعماه جشع الحياة وظل متخماً بالمأكل والمشرب ونسى التحري عن تاريخ المكان ورجالاته ؟
‏‎في شهر تشرين الثاني من العام 2004 تسلمت دعوة لزيارة جامعة دهوك والقاء محاضرة عامة في السياسة النقدية الجديدة للبلاد وفور الانتهاء منها ذهب بي مضيفي الى واحدة من الضواحي الخارجية للمدينة التي قصدتها للمرة الاولى في حياتي ، ذلك تلبية لدعوة الغداء التي اقيمت في بيت قديم تحول الى مطعم وكأن مكانه يتوسط غابة صغيرة تقع في خاصرة جميلة اسمها زاويته …! كانت السماء تمطر عند الظهيرة قطرات ادهشت النفس وقلبت القلوب حتى تظهر مكنوناتها في السعادة !!! تقدم الينا رجل نحيل طويل اربعيني العمر كأنما نحتت وجهه الابتسامة واذا به صاحب المطعم الذي اعد بنفسه (صحن تشريب رائع) هل لك ان تعرف ايها القادم من بغداد ماذا يعني لك المكان الذي تتوسطه الان وهل تعلم اي شي عن تاريخه ؟…. اجبته كلا لا اعرف شي عنه ولكنني اتحسس انه يمتلك تاريخا اصيلاً بمعماريته البسيطة بلا شك!
‏‎ومع ذلك يبدو انه بحاجة ماسة الى صيانه جوهرية لاعادة رونقه القديم ..! اجابني الرجل نعم انه البيت الذي كان مخصصا الى الملك الراحل فيصل الثاني عندما كان يزور هذه البقعة من الارض في خمسينيات القرن الماضي من زاويته والتي تعني بلغتنا السريانية ( الزاوية) . اخذني الصمت لحظتها بشي من الحزن دون ان احدث نفسي عن تاريخ غادرنا منذ ان كنت صبياً يوم شابه الكثير من القهر حتى اليوم ، ذلك قبل ان ابدا وجبتي في جو شديد الرومانسية التي بدء يلفها الحزن … وتذكرت ان التاريخ قد تجاهل الكثير من الاسماء والافعال في بلادي انه تاريخ لابد من ان يدونه الخاصة من البشر ، وان عدالة المكان لابد من ان تجبرني كي استعرض ادران الظلم و تخرصه في غضب كاسر من القمع والفوضى والطغيان واحباط الآمال العظيمة التي خربتها الفوضى قامعة بقسوتها آلام غاضبة من ظلم لم يتحمله البشر . بقى المكان بطابعه المتهالك يحدثك عن العصر الملكي الذي طويت صفحته في بلادي الى الأبد .
‏‎ظلت مخيلتي ولسنوات تحتفظ بطابع المكان الملكي وروعته التي خطها الحزن واطلالته على منظر من روابي ومرتفعات مازالت تنتظر ربيع لونها الاخضر القادم، الا ان المكان لم يفقد اصالته الراسخة وهو يحمل شواهد وذكريات ملكية طوتها صراعات الحرب الباردة في واحدة من أبهج سفوح بلادنا ومنعطفاتها يبقى اسمها ….زاويته .
(( انتهى))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في


.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة




.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد